ضروريات أسواق الدببة الهابطة: طبيعتها وشكلها
إن أسواق الدببة الهابطة جزء طبيعي — لا يمكن تجنبه — من دورة الاستثمار. ولكن تختلف مدتها وشدتها اختلافًا كبيرًا بناءً على الظروف والعوامل التي أدت إليها، ومن بينها التقييمات التي تسبقها. وفي أسوأ حالاتها، يمكن أن تكون أسواق الدببة في غاية القسوة، وقد يستغرق الأمر عدة أشهر، بل سنوات، للتعافي من الخسائر المتكبدة. وهذا يدل على مدى أهمية فهم المستثمرين للعوامل المؤدية للأسواق الهابطة، لا سيما في حالة الأسواق الطويلة الأجل التي تتمتع بطابع هيكلي.
على الرغم من أن تجنب أسواق الدببة الهابطة هدف مفهوم، فإن التوقيت يلعب دورًا جوهريًّا. فبيع الأسهم في وقت مبكر جدًّا تحسبًا لهبوط السوق يمكن أن يكون مكلفًا بقدر تكلفة الاحتفاظ نفسها بكامل الاستثمارات وانتظار هبوط السوق. على سبيل المثال، خسر مستثمرو الأسهم، في المتوسط، في الأشهر الثلاثة الأولى من سوق هابطة المبلغ نفسه تقريبًا الذي كانوا سيكسبونه في الأشهر الأخيرة من سوق صاعدة. بعبارة أخرى، بيع الأسهم في وقت مبكر جدًّا يمكن أن ينتج عنه وضع البيع نفسه بعد بدء السوق الهابطة.
الأسواق الهابطة ليست كلها متشابهة
ينظر معظم المستثمرين إلى الأسواق الهابطة والصاعدة على أنها نتيجة طبيعية لدورة الأعمال. وينشأ عن النشاط الاقتصادي ظهور دورات النمو: فبعد سنوات من النمو القوي، تؤدي القيود التي تحدُّ من الطاقة الإنتاجية إلى حدوث ضغوط تضخمية. ومن ثَم فإن اتباع سياسة نقدية أكثر تشددًا يؤدي إلى رفع تكلفة رأس المال وسعر الخصم، ويؤدي في الوقت نفسه إلى خفض إمكانات النمو في المستقبل. وتتجه أسعار الأسهم نحو الانخفاض للتكيف مع تراجع توقعات النمو المستقبلي. وكما أن ارتفاع أسعار الفائدة يشعل فتيل السوق الهابطة، فغالبًا ما يستغرق الأمر فترة من خفض أسعار الفائدة لعكس العملية ورفع قيمة التدفقات النقدية المستقبلية. وهكذا، عادةً ما تكون معظم الأسواق الهابطة والأسواق الصاعدة ظاهرة نقدية، على الأقل جزئيًّا.
ورغم ذلك يميل المستثمرون إلى المبالغة في التعميم بشأن الأسواق الهابطة ويتحدثون عنها وكأنها مجموعة متجانسة تتمتع بتجارب متشابهة إلى حد كبير. في الواقع، تختلف العوامل المؤدية للتعافي وتوقيته ومواصفاته اختلافًا كبيرًا، وتتسم الأسواق الهابطة بالعديد من الأشكال والأحجام. ومع ذلك، على الرغم من الاختلافات التي تحدث مع مرور الوقت، هناك بعض الخصائص المتكررة، كما هو الحال مع الدورات بوجه عام.
معظم الأسواق الهابطة قصيرة نسبيًّا، وتدوم نحو عامين. ومع ذلك، هناك أسواق أخرى تستمر لفترات أطول، وقد تكون مدة الهبوط من الذروة إلى القاع أطول بكثير، ويكون التدهور أكثر عمقًا. وغالبًا ما يتعلق الاختلاف بطبيعة الدورة الاقتصادية ومدى تفاعلها مع العوامل الأخرى. ويعود التباين في الطول والعمق أيضًا إلى أنه على الرغم من أن معظم الأسواق الهابطة تنتج عن ارتفاع أسعار الفائدة وبدء ظهور الركود، فهذا ليس الحال دائمًا. فبعضها ينتج عن صدمات وأحداث غير متوقعة. وترتبط حالات أخرى بالركود ولكنها تدوم فترةً أطول حيث تتفاقم حدتها بسبب التأثر بانهيار أسعار الأصول و/أو تصحيح اختلال التوازن الاقتصادي.
يتجسَّد التحدي الآخر المتعلق بتعريف الأسواق الهابطة في صعوبة تحديد الوقت الفعلي لانتهائها؛ إذ لا تنتهي جميع الأسواق الهابطة بطريقة حاسمة يصحبها انتعاش قوي ومستدام في الأسعار. ومن الشائع زيادة تقلبات السوق قرب نهاية السوق الهابطة وحدوث هبوط بعد الانتعاش الحاد بوقت قصير. علاوة على ذلك، يمكن أن يتكرر هذا عدة مرات قبل الوصول الحاسم إلى أدنى مستوًى في السوق الهابطة.
بإلقاء نظرة ثاقبة على الأحداث الماضية، يمكننا أن نرى أمثلةً كثيرة على الأسواق ذات الهبوط الحاد التي شهدت تعافيًا متقلبًا وبطيئًا. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، وصلت سوق الأوراق المالية إلى ذروة لها في عام ١٨٢٥. تبع ذلك هبوطٌ حاد بنسبة ٧٠٪ خلال العامين التاليين. وعلى الرغم من حدوث حالات تعافٍ وأسواق هابطة أخرى بعد ذلك، لم يحدث تجاوز لذروة عام ١٨٢٥ لأكثر من ١٠٠ عام. وهنا يظهر السؤال الآتي: هل كانت هذه مجرد سوق هابطة طويلة أم سلسلة من الأسواق الصاعدة والهابطة على مدى فترة من التدهور الهيكلي الطويل الأجل؟
وعلى نحو مماثل، انخفض مؤشر أسعار ستاندرد آند بورز المركب بنسبة ٨٦٪ في الفترة بين سبتمبر ١٩٢٩ ويونيو ١٩٣٢. وارتفع ارتفاعًا حادًّا بنسبة ١٣٥٪ في الفترة بين يونيو ١٩٣٢ ويوليو ١٩٣٣. ومع ذلك، لم يتجاوز المؤشر المستويات التي حققها في سبتمبر ١٩٢٩ حتى عام ١٩٥٤. ولم يصل العائد الإجمالي إلى مستويات ما قبل عام ١٩٢٩ حتى عام ١٩٤٥.
تُعَد السوق الهابطة في اليابان التي حدثت في تسعينيات القرن العشرين مثالًا آخر على الأسواق الهابطة التي استمرت في التقلب حتى بعد الوصول إلى أدنى مستوًى لها في يوليو ١٩٩٢. في البداية، تمتع مؤشر نيكي للأسهم بانتعاش حاد اقترب من ٤٠٪، وكان ذلك دليلًا على بدء حدوث تعافٍ اقتصادي، لكنه لم يكن بداية انتعاش سلس ومطرد. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك خمسة ارتفاعات حادة بنسبة ٤٠٪ أو أكثر، لكن السوق استمرت في تدهورها حتى وصلت إلى ما يقرب من نصف مستواها المرتفع الذي بلغته في عام ١٩٨٩؛ لذلك قد يجادل البعض بأن السوق الهابطة التي بدأت في عام ١٩٨٩ لا تزال مستمرة.
من الصعب تحديد تاريخ حدوث الأسواق الهابطة الأخرى بدقة؛ لأن زيادة التضخم (أو حتى الانكماش) يتسبب في ظهور اختلافات كبيرة في قيمة العوائد الاسمية والحقيقية (المعدلة حسب التضخم). مثال على ذلك السوق الهابطة التي حدثت في الفترة من عام ١٩٧٣ إلى عام ١٩٧٤. وجدير بالذكر أن الارتداد الأولي القوي الناجم عن الانخفاض الحاد لا يوفر قدرًا كبيرًا من التعزية للمستثمر الذي اشترى عندما كانت السوق تقترب من القمة.
السوق الهابطة | العوامل | هل حدث ركود؟ | |
---|---|---|---|
١٩٦١−١٩٦٢ | تدهور الأوضاع الاقتصادية في عهد الرئيس كينيدي: ارتفاع أسعار الفائدة بسبب توترات الحرب الباردة في عام ١٩٥٩. | لا | - |
١٩٦٦ | التضخم بعد برنامج «المجتمع العظيم» لجونسون؛ رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بنحو ١٫٥٪ في عام واحد. | لا | - |
١٩٦٨–١٩٧٠ | حرب فيتنام والتضخم؛ رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من ٤٪ إلى ٩٪ قبل عامين؛ ارتفعت أسعار الفائدة بنسبة ٣٪ في الفترة بين بداية عام ١٩٦٨ ومنتصفه. | نعم | ديسمبر ١٩٦٩–نوفمبر ١٩٧٠ |
١٩٧٣−١٩٧٤ | التدهور الذي أعقب انهيار نظام بريتون وودز على مدى العامين السابقين، مصحوبًا ﺑ «صدمة نيكسون» وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي بموجب اتفاقية سميثسونيان. أزمة النفط عام ١٩٧٣: ارتفاع سعر النفط من ٣ دولارات للبرميل إلى ما يقرب من ١٢ دولارًا | نعم | نوفمبر ١٩٧٣–مارس ١٩٧٥ |
١٩٨٠–١٩٨٢ | «انهيار فولكر»؛ التضخم القوي الذي أعقب أزمة النفط الثانية عام ١٩٧٩؛ رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من ٩٪ إلى ١٩٪ في ستة شهور. | نعم | يناير ١٩٨٠–يوليو ١٩٨٠ يوليو ١٩٨١-نوفمبر ١٩٨٢ |
١٩٨٧ | الاثنين الأسود: الانهيار المفاجئ: اجتياح أنظمة «برامج التداول» الآلية للسوق؛ بالإضافة إلى التوترات بين الولايات المتحدة وألمانيا بشأن تقييم العملات. | لا | - |
١٩٩٠ | حرب الخليج: غزو العراق للكويت؛ تضاعف أسعار النفط. | نعم | يوليو ١٩٩٠-مارس ١٩٩١ |
٢٠٠٠–٢٠٠٢ | فقاعة الدوت كوم؛ إفلاس شركات التكنولوجيا؛ فضيحة إنرون؛ هجمات ١١ سبتمبر. | نعم | مارس ٢٠٠١–نوفمبر ٢٠٠١ |
٢٠٠٧–٢٠٠٩ | فقاعة الإسكان؛ الانهيار الناجم عن القروض العقارية الثانوية وعقود مقايضة مخاطر عدم السداد؛ انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة. | نعم | ديسمبر ٢٠٠٧–يونيو ٢٠٠٩ |
يتبين من خلال توسيع نطاق هذا التحليل أنه وفقًا للتعريف القياسي (للانخفاضات بنسبة ٢٠٪ أو أكثر)، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ شهد ٢٧ سوقًا هابطة منذ عام ١٨٣٥، و١٠ أسواق في فترة ما بعد الحرب. وقد كان هناك مزيد من عمليات التصحيح وانخفاض القيمة خلال هذه الفترة، ولكن يمكن تجاهلها إما لأنها أدت إلى انخفاضات أقل من ٢٠٪ وإما أنها كانت قصيرة الأمد جدًّا.
على مر الزمن، يؤدي إلى معظم الأسواق الهابطة واحد (وأحيانًا مزيج) من ثلاثة عوامل:
-
ارتفاع أسعار الفائدة و/أو توقعات التضخم بالإضافة إلى الخوف من الركود.
-
صدمة خارجية غير متوقعة تزيد من عدم اليقين وتدفع أسعار الأسهم إلى الانخفاض (مع ارتفاع علاوة المخاطرة المطلوبة).
-
انفجار فقاعة رئيسية لأسعار الأصول و/أو تصحيح الاختلالات الهيكلية التي تؤدي إلى تقليص المديونيات، وغالبًا ما تؤدي إلى أزمة مصرفية.
مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ — السوق الهابطة | المدة اللازمة للتعافي واستعادة المستوى السابق | التقلبات | ||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|
النوع | البداية | النهاية | المدة (بالشهور) | نسبة الانخفاض (٪) | الاسمية (بالشهر) | الفعلية (بالشهر) | من القمة للقاع | من القاع للانتعاش |
هيكلية | مايو ١٨٣٥ | مارس ١٨٤٢ | ٨٢ | −٥٦ | ٢٥٩ | - | ١٣ | ١٧ |
دورية | أغسطس ١٨٤٧ | نوفمبر ١٨٤٨ | ١٥ | −٢٣ | ٤٢ | - | ٨ | ٩ |
دورية | ديسمبر ١٨٥٢ | أكتوبر ١٨٥٧ | ٥٨ | −٦٥ | ٦٧ | - | ١٩ | ٢٥ |
دورية | مارس ١٨٥٨ | يوليو ١٨٥٩ | ١٦ | −٢٣ | ١١ | - | ٢١ | ١٥ |
دورية | أكتوبر ١٨٦٠ | يوليو ١٨٦١ | ٩ | −٣٢ | ١٥ | - | ٣١ | ١٧ |
دورية | أبريل ١٨٦٤ | أبريل ١٨٦٥ | ١٢ | −٢٦ | ٤٨ | - | ١٤ | ٨ |
هيكلية | فبراير ١٨٧٣ | يونيو ١٨٧٧ | ٥٢ | −٤٧ | ٣٢ | ١١ | ١١ | ١١ |
دورية | يونيو ١٨٨١ | يناير ١٨٨٥ | ٤٣ | −٣٦ | ١٩١ | ١٧ | ٩ | ١١ |
دورية | مايو ١٨٨٧ | أغسطس ١٨٩٣ | ٧٥ | −٣١ | ٦٥ | ٤٩ | ١٠ | ١٢ |
دورية | سبتمبر ١٩٠٢ | أكتوبر ١٩٠٣ | ١٣ | −٢٩ | ١٧ | ٢٢ | ٩ | ١٠ |
مسيرة بالأحداث | سبتمبر ١٩٠٦ | نوفمبر ١٩٠٧ | ١٤ | −٣٨ | ٢١ | ٢٥٠ | ١٥ | ١١ |
دورية | ديسمبر ١٩٠٩ | ديسمبر ١٩١٤ | ٦٠ | −٢٩ | ١٢١ | ١٥٩ | ٩ | ١٢ |
دورية | نوفمبر ١٩١٦ | ديسمبر ١٩١٧ | ١٣ | −٣٣ | ٨٥ | ١١٦ | ١٢ | ١٢ |
دورية | يوليو ١٩١٩ | أغسطس ١٩٢١ | ٢٥ | −٣٢ | ٣٩ | ١٤ | ١٥ | ١٠ |
هيكلية | سبتمبر ١٩٢٩ | يونيو ١٩٣٢ | ٣٣ | −٨٥ | ٢٦٦ | ٢٨٤ | ٣٠ | ٢٠ |
هيكلية | مارس ١٩٣٧ | أبريل ١٩٤٢ | ٦٢ | −٥٩ | ٤٩ | ١٥١ | ٢٠ | ١٠ |
دورية | مايو ١٩٤٦ | مارس ١٩٤٨ | ٢١ | −٢٨ | ٢٧ | ٧٣ | ١٤ | ١٢ |
مسيرة بالأحداث | أغسطس ١٩٥٦ | أكتوبر ١٩٥٧ | ١٥ | −٢٢ | ١١ | ١٣ | ٩ | ٩ |
مسيرة بالأحداث | ديسمبر ١٩٦١ | يونيو ١٩٦٢ | ٦ | −٢٨ | ١٤ | ١٨ | ١٥ | ٩ |
مسيرة بالأحداث | فبراير ١٩٦٦ | أكتوبر ١٩٦٦ | ٨ | −٢٢ | ٧ | ٢٤ | ١٠ | ٨ |
دورية | نوفمبر ١٩٦٨ | مايو ١٩٧٠ | ١٨ | −٣٦ | ٢١ | ٢٧٠ | ٩ | ١٠ |
هيكلية | يناير ١٩٧٣ | أكتوبر ١٩٧٤ | ٢١ | −٤٨ | ٦٩ | ١٥٤ | ١٥ | ١١ |
دورية | نوفمبر ١٩٨٠ | أغسطس ١٩٨٢ | ٢٠ | −٢٧ | ٣ | ٨ | ١٢ | ٢٠ |
مسيرة بالأحداث | أغسطس ١٩٨٧ | ديسمبر ١٩٨٧ | ٣٫٣ | −٣٤ | ٢٠ | ٤٩ | ٤٥ | ١٣ |
دورية | يوليو ١٩٩٠ | أكتوبر ١٩٩٠ | ٣ | −٢٠ | ٤ | ٦ | ١٧ | ١٤ |
هيكلية | مارس ٢٠٠٠ | أكتوبر ٢٠٠٢ | ٣٠ | −٤٩ | ٥٦ | ١٤٨ | ١٩ | ١١ |
هيكلية | أكتوبر ٢٠٠٧ | مارس ٢٠٠٩ | ١٧ | −٥٧ | ٤٩ | ٥٥ | ٣٢ | ١٦ |
المتوسط | ٢٨ | −٣٨ | ٦٠ | ٩٠ | ١٦ | ١٣ | ||
الوسيط | ١٨ | −٣٢ | ٣٩ | ٤٩ | ١٤ | ١١ | ||
متوسط الهيكلية | ٤٢ | −٥٧ | ١١١ | ١٣٤ | ٢٠ | ١٤ | ||
متوسط الدورية | ٢٧ | −٣١ | ٥٠ | ٧٣ | ١٤ | ١٣ | ||
متوسط المسيرة بالأحداث | ٩ | −٢٩ | ١٥ | ٧١ | ١٩ | ١٠ |
-
سوق هابطة دورية. عادةً ما تحدث هذه السوق نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة والركود الوشيك والانخفاض المتوقع في الأرباح. تتبع هذه الأسواق نمط الدورة الاقتصادية النموذجية، وهي تمثل النوع الأكثر شيوعًا من الأسواق الهابطة.
-
سوق هابطة مُسيَّرة بالأحداث. تحدث هذه السوق نتيجة لصدمة مفاجئة وسريعة لا تؤدي بالضرورة إلى حدوث ركود محلي (مثل الحرب، أو صدمة أسعار النفط، أو أزمة الأسواق الناشئة، أو الاضطراب التقني للأسواق)، ولكنها تؤدي إلى ارتفاع قصير الأمد في حالة عدم اليقين وارتفاع علاوة مخاطر الأسهم (معدل العائد المطلوب).
-
سوق هابطة هيكلية. عادةً ما تنجم هذه السوق عن تصحيح الاختلالات الهيكلية والفقاعات المالية. وغالبًا ما يتبعها حدوث صدمة في الأسعار، مثل الانكماش. وتتميز هذه السوق بأنها أكثر حدة وأطول مدة من أنواع الأسواق الهابطة الأخرى.
الأسواق الهابطة الدورية
الأسواق الهابطة التي وُصفت بأنها دورية هي تلك المتعلقة بالانكماش الاقتصادي القياسي الناتج عن فترة من تشديد السياسات النقدية. وهي أيضًا أسواق هابطة انتهت، على الأقل جزئيًّا، نتيجةً لانخفاض أسعار الفائدة. وتعريف الأسواق الهابطة السابقة على أنها دورية أسهل من تعريفها على هذا النحو آنذاك. وبالنظر إلى أن كثيرًا من الأسواق الهابطة الهيكلية ترتبط أيضًا بارتفاع أسعار الفائدة وفترات التباطؤ الاقتصادي، فقد يفترض المرء احتمالية وجود عامل هيكلي في أي سوق هابطة. ومع ذلك، فإن أحد الفروق الرئيسية هنا هو أن أسعار الأسهم (والسندات) تميل إلى الاستجابة لانخفاض أسعار الفائدة والمؤشرات الرائدة خلال السوق الهابطة الدورية العادية. ورغم أن انخفاض أسعار الفائدة قد يساهم لاحقًا في التعافي من السوق الهابطة الهيكلية، فإن التغييرات التي تشهدها السياسات تحتاج عادةً إلى أن تكون أكثر صرامة وتستغرق فترة أطول بكثير من الوقت. بوجه عام، يمكننا وصف الأسواق الهابطة الدورية بأنها ظاهرة نقدية تصل عمومًا إلى أدنى مستوياتها في الأسعار بعد ٣ إلى ٦ شهور من التخفيض الأول لسعر الفائدة.
أحد الأسباب التي تجعل معظم الأسواق الهابطة تميل إلى التعافي قبل نهاية الركود هو أن الأسعار المالية تبدأ في توقع التعافي نتيجة لانخفاض أسعار الفائدة. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات كافية عن أسعار الفائدة لإثبات ذلك فيما يتعلق بجميع الأسواق الهابطة الدورية عبر التاريخ، تميل أسواق الأسهم في معظم الحالات إلى البدء في التعافي بعد فترة من انخفاض أسعار الفائدة. ورغم أن هذا قد يستغرق في بعض الأحيان فترة من الوقت؛ لأن الانخفاض الأولي في سعر الفائدة قد لا يكون كافيًا لينتج عنه توقعات بحدوث انتعاش اقتصادي وشيك، فإن تخفيف السياسات النقدية عادةً ما يكون جزءًا مهمًّا من عملية تحفيز النمو مرة أخرى ودفع أسعار الأسهم لأعلى.
قبل:
-
نمو اقتصادي قوي.
-
ارتفاع لأسعار الفائدة.
بعد:
-
خفض لأسعار الفائدة بالإضافة إلى استجابة سريعة.
-
تعافي الأرباح بسرعة.
-
استجابة سوق الأسهم لانخفاض أسعار الفائدة.
فيما يتعلق بالربحية، يشير التاريخ إلى ارتباط معظم الأسواق الهابطة الدورية بانخفاضات قصيرة الأجل نسبيًّا في الربحية. وفي المتوسط، تبدأ الأرباح في التعافي بعد نحو ١٠ أشهر من نهاية السوق الهابطة.
مرة أخرى، يُعَد هذا جزئيًّا استجابةً لانخفاض أسعار الفائدة الذي بدأ يفيد الشركات من خلال انخفاض رسوم الفائدة، ولكنه أيضًا نتيجة لبدء ظهور تأثير الرافعة التشغيلية بالتزامن مع بدء تعافي حجم المبيعات. غالبًا ما تكون الأسواق الهابطة الدورية عالمية بطبيعتها (ولكن ليس من الضروري أن تكون كذلك)؛ نظرًا لاعتمادها على الدورة الاقتصادية. ومع ذلك لا تتزامن دائمًا الأنظمة الاقتصادية وأسعار الفائدة. وبناءً على ذلك، هناك أوقات تنفصل فيها أسواق الأسهم؛ مما يؤدي إلى ظهور سوق هابطة في بلد ما في حين تظهر سوق صاعدة في بلد آخر. ومن الأمثلة على ذلك انفصال سوق الأسهم الأمريكية عن أوروبا في عام ١٩٩١.
الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث
هناك العديد من الأمثلة على الأسواق الهابطة التي يمكن وصفها بأنها مُسيَّرة بالأحداث بوجه عام. وعلى عكس الأسواق الهابطة الدورية الأكثر شيوعًا، لا تنجم الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث عن تطور الدورة الاقتصادية وارتفاع أسعار الفائدة والمخاوف بشأن النمو المستقبلي. فهي، بدلًا من ذلك، تنشأ عمومًا نتيجة لحدث خارجي غير متوقع، مثل قضية سياسية أو صدمة غير متوقعة (على سبيل المثال، ارتفاع حاد في أسعار النفط)، وهو حدث يؤدي في حد ذاته إلى رفع علاوة المخاطر المطلوبة إلى الحد الذي يتطلب إجراء تعديل هبوطي في الأسعار، حتى لو لم يُنظَر مسبقًا إلى أسعار الأسهم باعتبارها مكلفة عمومًا. في أغلب الأحيان، تكون هذه الانخفاضات الناجمة عن أحداث قصيرة الأجل، ولا ترتبط بتحول أساسي في الظروف الاقتصادية أو ظروف الشركات.
لا يُعَد هذا التعريف مثاليًّا لأن، في بعض الأحيان، ما يبدأ كحدث غير متوقع (صدمة سياسية، على سبيل المثال) يمكن أن يكون مسئولًا جزئيًّا عن حدوث سوق هابطة تتطور إلى شيء أكثر خطورة. وتُعَد أزمة النفط عام ١٩٧٣ خير دليل على ذلك. فبالرغم من أن الارتفاع الحاد في معدلات التضخم وأسعار الفائدة الذي أعقب ذلك لم يحدث نتيجة لأزمة النفط نفسها، فقد ساهم، إلى حد كبير، في انهيار العوائد الحقيقية في أسواق الأسهم على مدى السنوات اللاحقة.
ومن هذا المنطلق يتضح أنه ليس من السهل دائمًا تحديد موعد انتهاء أزمة معينة ناجمة عن حدث معين؛ لأن الصدمة غالبًا ما تؤدي إلى موجات لاحقة من عدم اليقين المتزايد، وانخفاض الاستثمار، وربما الانكماش الاقتصادي. وفي كثير من الأحيان، يمكن لمثل هذه الأحداث، وخاصة إذا كانت صادمة، أن ينتج عنها استجابة قوية من السياسات تؤدي إلى التعافي أو تشعل فتيل مشكلة أخرى. على سبيل المثال، أدى تخلف روسيا عن سداد الديون والأزمات الآسيوية في الفترة ١٩٩٧ / ١٩٩٨ إلى تخفيف السياسة النقدية على مستوى العالم في وقت كان فيه الطلب المحلي في الأنظمة الاقتصادية المتقدمة قويًّا. وانخفضت تكلفة رأس المال أكثر. وانخفضت تكاليف الاستيراد انخفاضًا حادًّا؛ مما عزَّز هوامش الشركات القوية بالفعل. وتوسَّعت التقييمات، حيث أدى كلٌّ من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية وأرباح الشركات القوية إلى رفع سقف التوقعات بإمكانية استمرار ذلك على المدى الطويل. كان المشهد مهيأً للازدهار التكنولوجي وما تلاه من كساد في عام ٢٠٠٠.
على الرغم من الثغرات الموجودة في تعريف الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث، من الممكن على الأقل في وقت لاحق أن نشهد بعض الانخفاضات الحادة في أسواق الأسهم نتيجة لحدوث ارتفاع مفاجئ في علاوة مخاطر الأسهم المطلوبة الناجمة عن حدث ما. وقد كانت هذه الأحداث قصيرة الأجل نسبيًّا بوجه عام؛ إذ لم تُسفر في كثير من الحالات عن حدوث تغيرات في الدورة الاقتصادية أو الاتجاه الأساسي للنمو الاقتصادي ونمو الأرباح.
وبالنظر إلى الأمثلة السابقة، كانت هناك بعض الاختلافات الرئيسية مقارنةً بالأسواق الهابطة الدورية. فنسبة متوسط الانخفاض في الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث تبلغ ٢٩٪، وهي تقترب من نسبة متوسط الانخفاض في الأسواق الهابطة الدورية التي تبلغ ٣١٪. ومع ذلك، على الرغم من أن الأسواق الهابطة الدورية استمرت عامين في المتوسط، وتعافت في أربع سنوات، كان متوسط فترة استمرار الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث تسعة شهور فقط، ووصلت إلى أعلى مستوياتها السابقة بعد ما يزيد قليلًا عن عام واحد.
الأسواق الهابطة الهيكلية
يسبق أغلب الأسواق الهابطة الهيكلية فقاعات مالية (انفجرت، ربما نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة أو تشديد شروط الائتمان) ومبالغة في التقييم، وكثيرًا ما تكون مصحوبة باختلالات كبيرة في التوازن الاقتصادي، مثل الزيادة الكبيرة في ديون القطاع الخاص؛ مما يجعل الأفراد (و/أو الشركات) عُرضة لأي صدمة. وينجم التعافي عن تصحيح الاختلالات وليس مجرد تيسير السياسات النقدية. فالأسواق الهابطة الهيكلية أكثر عمقًا وحِدَّة من الأسواق الهابطة الدورية، وتستغرق فترة التعافي عادةً نحو عقد من الزمن. ويُعَد ارتفاع معدل التقلبات سمة بارزة خلال فترة التعافي.
تميل الأسواق الهابطة الهيكلية إلى أن تكون أكثر حِدَّة من الأسواق الهابطة الدورية أو المُسيَّرة بالأحداث. وقد ساهمت هذه الأسواق، في المتوسط، في حدوث انخفاضات تزيد عن ٥٠٪ واستمرت مدة ٤ سنوات. ولكن لعل أكثر ما يبعث على القلق هو أن الأسواق الهابطة الهيكلية استغرقت ما يقرب من ٨ إلى ١٠ سنوات لتعويض الخسائر بالقيمة الاسمية والحقيقية. وجدير بالذكر أن معدل النمو السنوي للأسعار في مرحلة التعافي من هذه الأسواق الهابطة لا يختلف اختلافًا جوهريًّا عن الأسواق الدورية. ولكن يستغرق الأمر وقتًا أطول بكثير حتى يحدث التعافي، مع ارتفاع معدل التقلبات.
عادةً ما تنجم الأسواق الهابطة الهيكلية عن سوء تخصيص الموارد. وغالبًا ما ينشأ ذلك عن مزيج من دورة تكنولوجيا جديدة وانخفاضات في تكلفة رأس المال. ويصاحب ذلك عمومًا أيضًا اختلال في توازن المدَّخَرات والاستثمارات يؤدي إلى زيادة إمكانية التعرض لصدمات اقتصادية. على سبيل المثال، غالبًا ما يتزامن مع الأسواق الهابطة الهيكلية وجود عجز كبير في الحسابات الجارية أو الميزانيات، إلى جانب مستويات عالية من ديون الشركات و/أو المستهلكين.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
عند إلقاء نظرة شاملة على الأسواق الهابطة الهيكلية، نجد أنها تتميز بالخصائص الآتية:
-
أكثر حدة من حيث التأثير والمدة.
-
تستغرق عملية التعافي وقتًا أطول بكثير.
-
لها علاقة بالمشكلات الاقتصادية الهيكلية المستمرة وليس بالمشكلات الدورية.
ونظرًا لشدة تأثير هذه الأسواق الهابطة، فمن المفيد أن نكون على دراية بأيٍّ من الخصائص المشتركة التي تحدث قبل أن تبدأ.
خفض أسعار الفائدة وتأثيره الضعيف على الأسواق الهابطة الهيكلية
خلافًا لأمثلة الأسواق الهابطة الدورية، فإن ارتفاع أسعار الفائدة لا يشكِّل عادةً محفزًا لانخفاض الأسعار في الأسواق الهابطة الهيكلية. وقد سبق العديد من الأسواق الهابطة الهيكلية في الماضي معدلات تضخم وأسعار فائدة منخفضة للغاية: وهو العامل الذي ساعد في ازدهار الاستثمار وقوة أسعار الأسهم في البداية. وقد تجلَّى ذلك في الفترة التي سبقت ذروة سوق الأسهم في عام ٢٠٠٠ وفي الفترة التي سبقت عام ٢٠٠٨. ولأن ارتفاع أسعار الفائدة لا يتسبب عادةً في حدوث سوق هابطة هيكلية، فإن انخفاض أسعار الفائدة عادةً ليس العلاج. ونظرًا لأن سعر العملة يميل إلى الانخفاض إلى حد ما عند ظهور الأسواق الهابطة الهيكلية، يعتمد التعافي على مدى توافر العملة والطلب عليها أكثر من سعرها، على الرغم من هبوط أسعار الفائدة عادةً إلى مستويات منخفضة.
ونتيجة لهذا، لا تنتهي الأسواق الهابطة الهيكلية عادةً إلا عندما ترتفع العوائد المستقبلية على رأس المال بما يكفي لتعزيز الاستثمار. ومن المسلَّم به أن الأمثلة ليست كلها متشابهة. ففي أوائل سبعينيات القرن العشرين، أدى الارتفاع الحاد في التضخم إلى تقويض العوائد المستقبلية المتوقعة على رأس المال. أما في حالة العديد من الأسواق الهابطة الهيكلية الأخرى التي أتعرَّف عليها، فيلزم أولًا تقليل الطاقة الإنتاجية الزائدة. وقد يستغرق هذا الأمر وقتًا أطول من الوقت الذي تنخفض فيه أسعار الفائدة؛ مما يوفر أحد التفسيرات لكيفية تعافي الأسواق الهابطة الدورية على نحو أسرع من الأسواق الهابطة الهيكلية.
التاريخ | خفض أسعار الفائدة | العائد السنوي لسوق الأسهم بعد فترات زمنية مختلفة من أول خفض لأسعار الفائدة | نسبة خفض أسعار الفائدة مقارنةً بمستوى البداية | ||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
الذروة | القاع | الأول | الأخير | ٣ شهور | ٦ شهور | عام واحد | |
مايو ١٨٣٥ | مارس ١٨٤٢ | - | - | - | - | - | - |
فبراير ١٨٧٣ | يونيو ١٨٧٧ | - | - | - | - | - | - |
سبتمبر ١٩٢٩ | يونيو ١٩٣٢ | نوفمبر ١٩٢٩ | مايو ١٩٣١ | −٨٪ | −٧٪ | −١٩٪ | −٦٧٪ |
مارس ١٩٣٧ | أبريل ١٩٤٢ | أبريل ١٩٣٣ | أكتوبر ١٩٤٢ | ١٢٤٪ | ٣٤٪ | ٥٨٪ | −٨٣٪ |
يناير ١٩٧٣ | أكتوبر ١٩٧٤ | ديسمبر ١٩٧٤ | نوفمبر ١٩٧٦ | −١٤٪ | ٣٪ | ٣٢٪ | −٣٢٪ |
مارس ٢٠٠٠ | أكتوبر ٢٠٠٢ | يناير ٢٠٠١ | يونيو ٢٠٠٣ | −١٩٪ | −١٨٪ | −١٥٪ | −٨٢٪ |
أكتوبر ٢٠٠٧ | مارس ٢٠٠٩ | سبتمبر ٢٠٠٧ | ديسمبر ٢٠٠٨ | ٤٪ | −٦٪ | −١٩٪ | −٩٧٪ |
المتوسط | ١٨٪ | ١٪ | ٨٪ | −٧٢٪ | |||
الوسيط | −٨٪ | −٦٪ | −١٥٪ | −٨٢٪ | |||
الانحراف المعياري | ٦٠٪ | ٢٠٪ | ٣٦٪ | ٢٥٪ |
على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها هيئات النقد من أجل تحقيق التعافي الذي يعقبه النمو في الأسواق المالية، ظلت أسعار الأسهم في أغلب الأحيان سالبة القيمة بعد عام من أول خفض لأسعار الفائدة. يمثل هذا فارقًا مهمًّا بين الأسواق الهابطة الدورية والهيكلية.
كانت الدورة الأخيرة، التي أعقبت الأزمة المالية، غير مألوفة بوجه خاص في مدى التيسير النقدي. ومن السمات الخاصة بهذه الأزمة انهيار أسعار الفائدة إلى الصفر وتطبيق التيسير الكمي، لتجنب العواقب الانكماشية لانهيار النشاط الاقتصادي وأسعار الأصول في أعقاب الأزمة (أتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل في الفصل التاسع).
صدمات الأسعار: الانكماش سمة مشتركة
هناك عامل رئيسي آخر يبدو أنه شائع أثناء الأسواق الهابطة الهيكلية وهو صدمات الأسعار، سواء كانت تضخمية أو انكماشية. وفي أغلب الأحيان، تكون الصدمات انكماشية. وعادةً ما تكون القوى الانكماشية، وخاصةً في قطاع الشركات، نتيجةً ثانويةً لانخفاض تكلفة رأس المال والإفراط في الاستثمار. ومجددًا، يُعَد التعرض لصدمات الأسعار عاملًا إضافيًّا يؤدي إلى إبطاء عملية التعافي ويطيل الوقت الذي يستغرقه العائد المتوقع على رأس المال للارتفاع بما يكفي لتمهيد الطريق من أجل التعافي.
الإيمان بحقبة جديدة/تقييمات جديدة
لقد سبق العديد من الأسواق الهابطة الهيكلية الكبرى فقاعاتٌ مالية وإيمانٌ بحدوث «حقبة جديدة». وكما قال آلان جرينسبان في شهادته أمام الكونجرس الأمريكي في ٢٦ فبراير ١٩٩٧: «من المؤسف أن يكون التاريخ محفوفًا برؤًى مثل تلك الخاصة بحلول «حقبات جديدة» ثبت في النهاية أنها سراب.» يَرِد في الفصل الثامن وصفٌ أكثر تفصيلًا لهذه الاندفاعات العاطفية ومدى ارتباطها بالفقاعات المالية و«حالات الهوس».
ارتفاع مستويات الديون
تضييق نطاق قيادة سوق الأسهم
كشفت حماسة أسهم «نيفتي فيفتي» في أواخر ستينيات القرن العشرين عن سمة أخرى من سمات الأسواق الهابطة الهيكلية. كان هذا هو الوقت الذي انطلقت فيه أكبر خمسين شركة أو نحو ذلك إلى الأمام، في حين فشل ما تبقى من السوق الأمريكية في تحقيق المكاسب. ولكن عندما حدثت السوق الهابطة في أوائل سبعينيات القرن العشرين، كان انهيار هذه الأسهم أكثر من انهيار السوق كله. وكان أداء أسهم «نيفتي فيفتي» أقل من أداء السوق حتى نهاية السبعينيات.
وقد حدث الشيء نفسه في اليابان في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، حيث هيمنت البنوك والعقارات على السوق. وكانت هذه أيضًا سمة من سمات أواخر تسعينيات القرن العشرين. ورغم أن مؤشر ستاندرد آند بورز، على سبيل المثال، ارتفع بمعدل سنوي بلغ متوسطه ٢٥٪ بين عامَي ١٩٩٤ و١٩٩٩، فإن أكثر من نصف أسهمه هبطت خلال عام ١٩٩٩ وحده. وبين عامَي ١٩٩٤ و١٩٩٦، ارتفعت أسعار ثلثَي الأسهم بنسبة ١٠٪، بما يتماشى مع متوسط الزيادة السنوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن في عام ١٩٩٧، بدأ المؤشر يتغير. وبحلول عام ١٩٩٩، شكَّلت الشركات الخمس التي شهدت قيمتها السوقية أكبر زيادة نحو ٤٢٪ من إجمالي الزيادة في السوق. وشكلت الشركات المائة الكبرى ١٣٩٪ من الزيادة، مقارنةً بمتوسط ٨٧٪ منذ عام ١٩٦٧.
حدث الأمر نفسه في أوروبا. وبحلول نهاية عام ١٩٩٩، شكَّلت أكبر ٢٠ شركة من حيث القيمة السوقية نحو ٣٠٪ من إجمالي السوق.
ارتفاع معدل التقلب
لا تميل فترة الفقاعة وما يليها من انهيار إلى التركيز على عدد صغير من الأسهم فحسب، بل إن الأسواق عمومًا تميل إلى أن يكون معدل تقلبها شديد الارتفاع. ومن السمات الرئيسية للأسواق الهابطة الهيكلية ارتفاع معدل التقلب أثناء فترة انخفاض الأسعار وأثناء مرحلة التعافي. وجدير بالذكر أن معدل الزيادة السنوي الفعلي في أسعار الأسهم لا يختلف كثيرًا عن حالات التعافي في الأسواق الهابطة الدورية، ولكن هناك توجهًا إلى وجود عدد أكبر من حالات ارتفاع أسعار الأسهم وبداية التعافي الزائف.
العلاقة بين الأسواق الهابطة وأرباح الشركات
-
عادةً لا تنخفض أرباح كل سهم (أو تنخفض قليلًا) في الأسواق الهابطة المسيرة بالأحداث؛ فهذه الأسواق تدور كلها حول تخفيف المخاطر؛ ومن ثَم تقليل التقييم؛ فهي ليست مدفوعة دفعًا دوريًّا مباشرًا.
-
لا تتزامن الفترة الفعلية لانخفاض أرباح كل سهم مع تواريخ حدوث السوق الهابطة، ولا يتوقع أحد ذلك حيث يحاول مستثمرو الأسهم توقع الدورة. كما أن انخفاض الأرباح (الذي يتوقعه السوق) غالبًا ما يستمر بعد أن يصل السوق إلى أدنى مستوياته.
السوق الهابطة | فترة انخفاض أرباح كل سهم | |||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
النوع | البداية | النهاية | المدة (بالشهر) | الأداء | نسبة التغيير في أرباح كل سهم | البداية | النهاية | نسبة انخفاض أرباح كل سهم | المدة (بالشهر) | مدة تأخر بدء السوق الهابطة (بالشهر) |
مسيرة بالأحداث | ديسمبر ١٩٦١ | يونيو ١٩٦٢ | ٦ | −٢٨٪ | ٩٪ | - | - | - | - | - |
مسيرة بالأحداث | فبراير ١٩٦٦ | أكتوبر ١٩٦٦ | ٨ | −٢٢٪ | ٥٪ | ديسمبر ١٩٦٦ | سبتمبر ١٩٦٧ | −٤٪ | ٩ | ١٠ |
دورية | نوفمبر ١٩٦٨ | مايو ١٩٧٠ | ١٨ | −٣٦٪ | −٢٪ | سبتمبر ١٩٦٩ | ديسمبر ١٩٧٠ | −١١٪ | ١٥ | ٩ |
هيكلية | يناير ١٩٧٣ | أكتوبر ١٩٧٤ | ٢١ | −٤٨٪ | ٥١٪ | سبتمبر ١٩٧٤ | ديسمبر ١٩٧٥ | −١١٪ | ١٥ | ٢١ |
دورية | نوفمبر ١٩٨٠ | أغسطس ١٩٨٢ | ٢٠ | −٢٧٪ | −٤٪ | سبتمبر ١٩٨١ | مارس ١٩٨٣ | −١٤٪ | ١٨ | ١٠ |
مسيرة بالأحداث | أغسطس ١٩٨٧ | ديسمبر ١٩٨٧ | ٣ | −٣٤٪ | ٦٪ | مارس ١٩٨٧ | سبتمبر ١٩٨٧ | −٨٪ | ٦ | −٥ |
دورية | يوليو ١٩٩٠ | أكتوبر ١٩٩٠ | ٣ | −٢٠٪ | ٥٪ | يونيو ١٩٨٩ | مارس ١٩٩٢ | −٢٦٪ | ٣٣ | −١٣ |
هيكلية | مارس ٢٠٠٠ | أكتوبر ٢٠٠٢ | ٣٠ | −٤٩٪ | −٣٪ | يناير ٢٠٠١ | ديسمبر ٢٠٠١ | −١٥٪ | ١١ | ١٠ |
هيكلية | أكتوبر ٢٠٠٧ | مارس ٢٠٠٩ | ١٧ | −٥٧٪ | −٢٣٪ | سبتمبر ٢٠٠٧ | يناير ٢٠١٠ | −٣٤٪ | ٢٨ | ٠ |
الوسيط | ١٧ | −٣٤٪ | ٥٪ | −١٣٪ | ١٥ | ١٠ | ||||
المتوسط | ١٤ | −٣٦٪ | ٥٪ | −١٥٪ | ١٧ | ٥ | ||||
المتوسط (باستثناء المسيرة بالأحداث) | ١٨ | −٤٠٪ | ٤٪ | −١٩٪ | ٢٠ | ٦ | ||||
المتوسط (المسيرة بالأحداث فقط) | ٦ | −٢٨٪ | ٧٪ | −٦٪ | ٨ | ٢ |
باستبعاد الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث والنظر إلى الانخفاض الكامل للسوق الهابطة (مع الأخذ في الاعتبار أن وقت انخفاض أرباح كل سهم يختلف في كل دورة) نجد أن متوسط انخفاض أرباح كل سهم يبلغ ١٩٪. يماثل هذا الانخفاض متوسط انخفاض الأسعار في الأسواق الهابطة منذ ستينيات القرن العشرين (باستثناء الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث) الذي بلغ ٤٠٪.
يشير هذا الأمر إلى أن أسواق الأسهم الهابطة (باستثناء الأسواق المُسيَّرة بالأحداث) تتعلق إلى حد كبير بانخفاض الربحية أو أرباح كل سهم، على الرغم من أن التقييمات عادةً ما تنخفض في الأسواق الهابطة. يرجع ذلك إلى أن التقييمات عادةً ما تبدأ في الانخفاض قبل الانخفاض الفعلي في الربحية، حيث يبدأ المستثمرون في توقع حدوث الانكماش. يحدث العكس تمامًا في السوق الصاعدة، حيث تتميز مرحلة الأمل بتوسع قوي في التقييم حيث تبدأ أسعار الأسهم في الارتفاع تحسبًا لنمو الأرباح في المستقبل في فترة تظل فيها الأرباح الفعلية منخفضة.
في المتوسط تتأخر انخفاضات أرباح كل سهم عن بداية السوق الهابطة بخمسة شهور (باستثناء انخفاضات الأسواق الهابطة المسيرة بالأحداث). بعبارة أخرى، تبدأ الأسعار في الانخفاض قبل انخفاض أرباح كل سهم بخمسة شهور. ومع ذلك، قد تختلف هذه الفترة الزمنية. يعكس هذا التوجه للسوق إلى الارتفاع في المراحل الأخيرة من الدورة، حتى مع بلوغ أرباح الشركات ذروتها، مرحلة التفاؤل في أواخر الدورة، حيث يستمر السوق في الارتفاع على عكس الأدلة التي تشير إلى أن الأرباح قد بلغت ذروتها بالفعل.
ملخص خصائص السوق الهابطة
بتقسيم الأسواق الهابطة إلى هذه المجموعات، أجد الخصائص الآتية تنطبق عليها:
-
تشهد الأسواق الهابطة الدورية والمُسيَّرة بالأحداث انخفاضات في الأسعار بنحو ٣٠٪، في حين تشهد الأسواق الهابطة الهيكلية انخفاضات أكبر بكثير، بنحو ٥٠٪.
-
تميل الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث إلى أن تكون الأقصر مدة، حيث تستمر في المتوسط ٧ شهور؛ في حين تستمر الأسواق الهابطة الدورية في المتوسط ٢٧ شهرًا؛ وتستمر الأسواق الهابطة الهيكلية في المتوسط ٤ سنوات.
-
تعود الأسواق الهابطة المُسيَّرة بالأحداث والدورية إلى مستوياتها المرتفعة السابقة بعد نحو عام واحد، وتستغرق الأسواق الهابطة الهيكلية في المتوسط ١٠ سنوات للعودة إلى مستوياتها المرتفعة السابقة.
ما قبل السوق الهابطة | دورية | مسيرة بالأحداث | هيكلية |
---|---|---|---|
ارتفاع أسعار الفائدة |
![]() |
ربما |
![]() |
صدمة خارجية | ربما |
![]() |
ربما |
زيادة أسعار الأسهم نتيجة المضاربة |
![]() |
![]() |
![]() |
اختلالات اقتصادية |
![]() |
![]() |
![]() |
ارتفاع الإنتاجية | ربما | - |
![]() |
أداء اقتصادي غير معتاد |
![]() |
![]() |
![]() |
الإيمان بعصر جديد |
![]() |
![]() |
![]() |
فترة ما بعد الذروة | دورية | مسيرة بالأحداث | هيكلية |
ركود/انكماش اقتصادي | غالبًا | ربما | غالبًا |
انهيار الأرباح |
![]() |
ربما |
![]() |
هبوط أسعار الفائدة مما يتسبب في زيادة أسعار الأسهم وانخفاض أسعار السندات |
![]() |
غالبًا |
![]() |
صدمة الأسعار |
![]() |
![]() |
![]() |
تعريف الأزمة المالية: سوق هابطة هيكلية مختلفة
يمكن وصف الأزمة المالية في عام ٢٠٠٧ والسوق الهابطة المصاحبة لها بأنها سوق هابطة هيكلية نموذجية، ولكن طريقة استجابة السياسات لها كانت فريدة من نوعها (ربما لأن صناع السياسات كانوا عازمين على تجنب أخطاء الماضي). وقد ظهرت سمات السوق الهابطة الهيكلية بطرائق شتى، حيث كان تزايد الاختلالات الاقتصادية صفة أساسية للدورة التي سبقتها. ولكن كان تأثير فقاعة المضاربة في سوق الأسهم، أو الإيمان بقدوم «حقبة جديدة»، أقل مما رأيناه في الفترة التي سبقت الأسواق الهابطة الأخرى، على الأقل في سوق الأسهم. فقد كانت فقاعة هذه الدورة أكثر بروزًا في سوق العقارات في الولايات المتحدة وأجزاء من جنوب أوروبا مقارنةً بأسعار الأسهم.
إن ما يميز السوق الهابطة حقًّا في الفترة من ٢٠٠٧ حتى ٢٠٠٩ عن غيرها من الأسواق الهابطة الهيكلية هو طريقة استجابة السياسات لها. فقد أدت التخفيضات السريعة في أسعار الفائدة واعتماد التيسير الكمي إلى حدوث انتعاش حاد في أسعار الأسهم (وكذلك الأصول المالية الأخرى) مقارنةً بما شهدناه في الماضي. وقد أدى انخفاض أسعار الفائدة الخالية من المخاطر إلى تحفيز البحث عن عائد في الأصول الاسمية مثل السندات، وفي الوقت نفسه رفع القيمة الحالية لتدفقات الدخل المستقبلية. وقد ساهمت هذه البيئة غير العادية، المدعومة بالتضخم الشديد الانخفاض، في تمهيد الطريق لحدوث دورة ممتدة وارتفاع التقييمات. يناقش الفصل التاسع هذه الدورة على وجه الخصوص بمزيد من التفصيل.
تحديد مؤشر للتنبؤ بمخاطر السوق الهابطة
لا يمكن إنكار الضرر الذي قد تُلحِقه الأسواق الهابطة بعوائد المستثمرين، أيًّا كان نوعها. ويثير هذ الأمر السؤال البديهي الآتي: هل بوسعنا تحديد مجموعة من الظروف التي قد تحذرنا من اقتراب حدوث سوق هابطة؟ وهنا تظهر ثلاث مشكلات رئيسية:
-
جميع الأسواق الهابطة فريدة من نوعها. ورغم وجود أوجه تشابه من حيث السمات والأداء عند بدايتها، فإن العوامل المحفزة لها والمؤدية إليها غالبًا ما تكون مختلفة اختلافًا كبيرًا.
-
هناك العديد من المؤشرات السلبية الزائفة. فحدوث تغيرات في العديد من مؤشرات البيانات قبل بداية بعض الأسواق الهابطة في الماضي لا يعني أنه يمكن الاعتماد على تكرار حدوث ذلك مرة أخرى؛ فهناك العديد من المرات التي تحركت فيها هذه المؤشرات في اتجاه معين ومع ذلك لم يتبعها أي ركود. ومن ثَم فإن موثوقية المؤشرات تميل إلى أن تكون منخفضة، وهناك عمومًا العديد من المؤشرات السلبية الزائفة والظروف الضرورية، ولكنها ليست كافية، لحدوث سوق هابطة. بعبارة أخرى، قد يكون المؤشر مفيدًا في الإشارة إلى مخاطر السوق الهابطة في إحدى الدورات ولكن ليس في الأخرى، أو قد يحتاج متغير معين إلى التحرك بطريقة معينة قبل حدوث سوق هابطة، ولكن مجرد تحرُّكه بهذه الطريقة لا يعني بالضرورة حدوث سوق هابطة لاحقًا.
-
الأمر الأكثر أهمية هو أنه نظرًا لأن أسعار الأسهم نفسها تتوقع المستقبل، فمن الصعب العثور على أي مؤشرات تسبق أسعار الأسهم.
يزداد تعقد فكرة اختلاف أسواق الأسهم الهابطة بسبب الحقيقة التي مفادها أنه على الرغم من تشابه بعض الظروف في ذلك الوقت، مثل التقييمات المرتفعة والخوف من الانكماش الاقتصادي، فإن المحرك الرئيسي يختلف في كل حالة.
ومع ذلك، يمكن للعديد من العوامل المساهِمة أن تؤثر على موعد حدوث السوق الهابطة وشكلها. ولاختبار مدى فائدة هذه العوامل في التنبؤ بحدوث السوق الهابطة أو التقدم عليها، أجرى فريقي في جولدمان ساكس تحليلًا يتناول اتساق أكثر من ٤٠ متغيرًا بمرور الوقت. وقد وقع الاختيار على هذه المتغيرات عبر ثلاث فئات — الاقتصاد الكلي، والسوقي، والفني — ثم يُطبَّق نظامٌ قائم على «القواعد» لتقييم ما إذا كان كل مؤشر قد استوفى الحد الأدنى المحدد سلفًا (وإن كان غير موضوعي) قبل حدوث السوق الهابطة. على سبيل المثال، لكي تصبح نسبة السعر إلى الأرباح لمؤشر شيلر (أو نسبة السعر إلى الأرباح استنادًا إلى الأسعار الحالية ومتوسط الأرباح على مدى السنوات العشر الماضية) مستوفية للحد الأدنى المحدد سلفًا، عليها أن تكون آخذة في الارتفاع من مستوًى عالٍ بالفعل (٧٠ بالمائة مثلًا) أو أن تبدأ عند مستوًى أعلى من ٩٠ بالمائة (يهدف هذا الأمر إلى استيعاب فكرة أن التقييم لا بد أن يكون إما مرتفعًا وقابلًا للزيادة وإما مرتفعًا للغاية).
الظروف النموذجية التي تسبق حدوث الأسواق الهابطة
تجمع أكثر السمات شيوعًا للأسواق الهابطة بين تدهور زخم النمو وتشديد السياسات في خضم ارتفاع التقييمات.
-
البطالة: يُعَد ارتفاع معدلات البطالة مؤشرًا جيدًا على الركود، وخاصةً في الولايات المتحدة؛ فقد ارتفعت معدلات البطالة قبل كل ركود شهدته الولايات المتحدة بعد الحرب. والمشكلة هنا هي أن ارتفاع معدلات البطالة (وكذلك الركود بطبيعة الحال) يحدث بعد هبوط سوق الأسهم. ولكن يبدو أن الانخفاض الكبير في معدلات البطالة يشكل سمةً ثابتةً قُبيل أغلب الأسواق الهابطة. ويوفر الجمع بين فترات انخفاض معدلات البطالة في الوقت الذي تكون فيه قيمة الأسهم مرتفعة ارتفاعًا شديدًا مؤشرًا مفيدًا للمخاطر المحتملة في سوق الأسهم؛ فالجمع بين انخفاض معدلات البطالة وارتفاع قيمة الأسهم عادةً ما يتبعه عوائد سالبة القيمة.
-
التضخم: ساهم ارتفاع التضخم مساهمةً مهمة في فترات الركود السابقة، وبالتبعية في الأسواق الهابطة؛ إذ يتسبب ارتفاع التضخم في تشديد القبضة على السياسات النقدية. ولا تظهر فائدة هذا المؤشر في اللحظة التي يصل فيها السوق إلى الذروة؛ لأن ذروة التضخم عادةً ما تتأخر عن سوق الأسهم (وفي كثير من الأحيان عن الدورة الاقتصادية). ومع ذلك كان ارتفاع التضخم سمةً مهمة للفترة التي تسبق الأسواق الهابطة في الماضي، وخاصة قبل فترة «الاعتدال العظيم» في تسعينيات القرن العشرين. وبناءً على ذلك، الافتقار إلى التضخم وتوقعات التضخم في دورة ما بعد الأزمة المالية هو أحد العوامل التي ساهمت في حدوث دورة اقتصادية أطول بكثير وتقلبات أقل. وفي غياب ضغوط التضخم، قد تظل السياسات النقدية أكثر مرونة وتُقلل من مخاطر حدوث ركود، وما يتبعه من أسواق هابطة.
-
منحنى العائد: فيما يخص النقطة المتعلقة بالتضخم، فإن تشديد القبضة على السياسات النقدية غالبًا ما يؤدي إلى تسطيح منحنى العائد، أو حتى قلبه. ولأن كثيرًا من الأسواق الهابطة، وإن لم يكن كلها، تسبقه فترات من تشديد السياسات النقدية، نجد أن منحنيات العوائد المسطحة، قبل أن تنقلب، تتبعها أيضًا عوائد منخفضة أو أسواق هابطة. وفي السنوات الأخيرة، ربما ساهم تأثير التيسير الكمي وتراجع توقعات التضخم (علاوات الأجل) في التقليل من موثوقية هذا المؤشر.4 نتيجةً لهذا، نستخدم مقياسًا يتراوح بين ٣ أشهر و١٠ سنوات، مع التركيز على الطرف القصير من منحنى العائد (٠–٦ أرباع). ويعكس الفارق المستقبلي في الفترة من صفر إلى ٦ أرباع توقعات السوق القصيرة الأجل على نحو أوضح من خلال توقعات أسعار الفائدة على الأموال مقارنةً بالمؤشرات الطويلة الأجل، الأكثر تأثرًا بعلاوات الأجل. وبالاتساق مع أبحاث بنك الاحتياطي الفيدرالي، نجد أن الفارق المستقبلي القصير الأجل في الفترة من صفر إلى ٦ أرباع كان أيضًا مؤشرًا مهمًّا لمخاطر الركود مقارنة بالمقياس الذي كان يتراوح بين ٣ أشهر و١٠ سنوات، على سبيل المثال. وبالجمع بين المؤشر والتقييم، يمكن أن تمثل منحنيات العائد المسطحة أو المقلوبة جنبًا إلى جنب مع التقييمات المرتفعة مؤشرًا مفيدًا للسوق الهابطة.
-
زخم النمو عند أعلى مستوياته: عادةً ما يتبع فتراتِ النمو الاقتصادي القوي والمتسارع (على الرغم من كونها أمرًا جيدًا لمستثمري الأسهم عمومًا) انخفاضٌ في عوائد الأسهم عندما تبدأ وتيرة النمو في التباطؤ. يوضح شكل ٦-٢ هذا الأمر في حالة الولايات المتحدة. وتتحقق أعلى العوائد عندما يكون مؤشر معهد إدارة التوريد منخفضًا ولكن في حالة تعافٍ، وتتحقق أدنى العوائد عندما يكون المؤشر منخفضًا وآخذًا في التدهور. في المتوسط، يصاحب مرحلة التباطؤ، عندما تكون مؤشرات الزخم مرتفعة ولكن في حالة تدهور، عوائد أقل؛ ولذا عندما تكون مؤشرات الزخم مرتفعة للغاية، فهناك فرصة معقولة لتدهورها حتى تصل في النهاية إلى ما دون مستويات الركود.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
تميل الفترات التي يكون فيها مؤشر معهد إدارة التوريد في الربع الأعلى مقارنة بالمستويات السابقة إلى أن تليها عوائد أقل.
-
التقييم: تُعَد التقييمات المرتفعة إحدى سمات أغلب فترات السوق الهابطة. ونادرًا ما يكون التقييم هو العامل المحفز لهبوط السوق؛ بل إن التقييمات غالبًا ما تكون مرتفعة لفترة طويلة قبل أن يحدث التصحيح أو السوق الهابطة. ولكن عندما تتحد العوامل الأساسية الأخرى مع التقييم، ترتفع مخاطر السوق الهابطة.
-
التوازن المالي للقطاع الخاص: يحسب هذا المقياس التوازن المالي عن طريق طرح إجمالي الإنفاق من إجمالي الدخل لجميع الأفراد والشركات باعتباره مؤشرًا لمخاطر التضخم المالي. ونعطي الأولوية للتوازن المالي للقطاع الخاص، على بدائل مثل نمو الائتمان أو أسعار المساكن، بسببِ سِجله التجريبي وسهولة فهمه كمقياس شامل للإنفاق الزائد في القطاع الخاص.5
نموذج لتوقع الأسواق الهابطة
على الرغم من عدم وجود مؤشر واحد يمكن الاعتماد عليه بمفرده، يبدو أن الجمع بين هذه المقاييس الستة يوفر مؤشرًا معقولًا لمخاطر السوق الهابطة في المستقبل. وهناك علاقة تربط كل هذه المتغيرات معًا. وعادةً ما ترتبط أسواق العمل المُحكمة بتوقع ارتفاع معدل التضخم. ينتج عن هذه التوقعات تشديد السياسات وخفض سقف التوقعات بشأن النمو في المستقبل. وفي الوقت نفسه، يتسبب ارتفاع التقييمات في جعل الأسهم عُرضة لانخفاض القيمة في حال تدهور توقعات النمو أو ارتفاع سعر الخصم، أو في أسوأ الحالات، إذا حدث كلا الأمرين معًا.

ملحوظة: تمثل الأعمدة المظللة أسواق مؤشر مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال العالمية الهابطة، وأسواق مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ الهابطة قبل عام ١٩٦٩.
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.