الفصل السابع

طبيعة أسواق الثيران الصاعدة وشكلها

يمكن تعريف أسواق الثيران الصاعدة، مثل أسواق الدببة الهابطة، بالعديد من الطرق المختلفة. وهي تتألف من ثلاث مراحل من الدورة لا ترتبط بالانخفاضات المستدامة: مراحل الأمل والنمو والتفاؤل التي ناقشناها في الفصل الثالث.

وعلى غرار الأسواق الهابطة، تختلف الأسواق الصاعدة في المدة والقوة. فبعضها في غاية الطول والقوة، ويُظهِر اتجاهًا مستدامًا طويل الأجل، وغالبًا ما يصاحبه ارتفاعٌ في التقييمات. وبعضها الآخر يكون ثابتًا نسبيًّا أو بلا اتجاه، حيث ينتج معظم العائد من نمو الأرباح أو توزيعات الأرباح.

السوق الصاعدة الطويلة الأجل في «الدورة الفائقة»

يتوقع مستثمرو الأسهم التمتع بعائد أعلى على الأسهم (نظرًا لمخاطرها وعدم اليقين بشأن العوائد المستقبلية) مما يتوقعونه من الأصول الأقل خطورة مثل السندات الحكومية (حيث يكون العائد معروفًا مسبقًا من حيث القيمة الاسمية). ولكن بالنظر إلى تقدم أسواق الأسهم على مدى عقود عديدة، نجد أنها لا تتألف ببساطة من سلسلة من الدورات ذات اتجاه تصاعدي واضح ومستقر. وكما هو الحال في دورة الأسهم نفسها، التي يأتي فيها الجزء الأكبر من العائد في هيئة دفقة قصيرة في مرحلة الأمل، يميل كذلك الاتجاه التصاعدي الأطول أجلًا في أسعار الأسهم إلى أن يأتي على مراحل.

fig28
شكل ٧-١: فترات الركود والثبات في الولايات المتحدة بين الأسواق الصاعدة الطويلة الأجل (مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠، بمقياس لوغاريتمي).

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

عند استخدام مقياس لوغاريتمي لتمثيل قيم مؤشر ستاندرد آند بورز للأسهم منذ عام ١٩٠٠ (وذلك لمراعاة الارتفاع الحاد في مستويات المؤشر الأخيرة مقارنة بالماضي البعيد)، فمن الممكن ملاحظة أن أسعار الأسهم ارتفعت واتخذت اتجاهًا تصاعديًّا حادًّا بمرور الوقت، ولكن هذا لم يحدث على نحو مستقيم (انظر شكل ٧-١). ولتبسيط الأمر، يمكننا أن نقول إنه حدثت ثلاث «دورات فائقة» طويلة، أو أسواق صاعدة طويلة الأجل، منذ الحرب العالمية الثانية. وقد تخلَّل كلًّا منها انخفاضاتٌ حادة عرضية وأسواق هابطة «قصيرة الأجل» (غالبًا ما تكون في غاية الحدة). على سبيل المثال، توقفت السوق الصاعدة الطويلة الأجل بين عامَي ١٩٨٢ و٢٠٠٠ بسبب أزمة الادخار والقروض في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، وانهيار عام ١٩٨٧، وأزمة السندات في عام ١٩٩٤ (عندما ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل ٣٠ عامًا بنحو ٢٠٠ نقطة أساس في غضون ٩ شهور فقط)، وأزمة آسيا في عام ١٩٩٨. ولكن لا يزال بوسعنا أن نعُدَّ هذه الفترات «دورات فائقة»؛ لأن العوائد القوية كانت مدفوعة ببعض العوامل الهيكلية الخاصة، التي ظلت دون انقطاع على مدى فترات طويلة من الزمن، حتى أثناء عمليات التصحيح.

١٩٤٥–١٩٦٨: ازدهار ما بعد الحرب

سيطر على هذه الفترة ازدهارٌ اقتصادي قوي بعد الحرب، وكثيرًا ما يُشار إليها باسم «العصر الذهبي للرأسمالية». وقد دعمتها مبادرة الولايات المتحدة لمساعدة أوروبا اقتصاديًّا، والمعروفة باسم خطة مارشال (أو خطة التعافي الأوروبية)، التي ساعدت في تعزيز النمو والحد من البطالة. كان نمو الإنتاجية قويًّا، خاصةً في أوروبا وشرق آسيا، كما ساهمت طفرة المواليد بعد الحرب في مزيد من التعزيز للطلب.

رغم أن البيئة الاقتصادية كانت مواتية لتحقيق عوائد قوية في أسواق الأسهم في هذه الفترة، تعافت التقييمات من مستويات ما بعد الحرب بمساعدة انخفاض طويل الأجل في علاوة مخاطر الأسهم مع تلاشي العديد من المخاطر التي كانت تهدد النظام العالمي. وظهرت مؤسسات دولية جديدة ونظام تجاري عالمي قائم على القواعد.1 وساعد إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كجزء من نظام المدفوعات الدولية الجديد المعروف بنظام بريتون وودز النقدي، في الحد من حالة عدم اليقين. وفي الوقت نفسه، تعززت التجارة العالمية وتوسعت بفضل أطر مؤسسية أقوى، مثل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات)، التي أُبرمَت في عام ١٩٤٨، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الذي تأسَّس في عام ١٩٦٤. وفي العام نفسه، بدأت الجولة السادسة من مفاوضات الجات، التي يُشار إليها عادةً باسم جولة كينيدي للمفاوضات التجارية المتعددة الأطراف. وبحلول عام ١٩٦٧، أسفرت المفاوضات عن تخفيضات في التعريفات الجمركية التجارية بنسبة ٣٥٪–٤٠٪ في المتوسط على العديد من البنود، ووُصفَت على نطاق واسع في ذلك الوقت بأنها «أهم مفاوضات عُقدَت على الإطلاق بشأن التجار والتعريفات الجمركية».2

خلال ستينيات القرن العشرين، أدى ظهور الشركات العالمية السريعة النمو إلى تحفيز الثقة في سوق الأوراق المالية وفيما يُسمى بأسهم نيفتي فيفتي في الولايات المتحدة على وجه الخصوص. كانت الفكرة وراء الاستثمار في هذه الأسهم هي أنه لا داعي للقلق بشأن التقييم؛ لأن هذه الشركات تمتعت إما بنمو قوي في الأرباح وإما بتوقعات عالية بالنمو القوي في المستقبل، وكان لكثير منها أيضًا علامات تجارية قوية. وعلى الرغم من عدم وجود مؤشر رسمي لهذه الشركات، كانت هناك قائمة متفق عليها عمومًا لأسهم النمو التي تضمنت العديد من الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا، مثل آي بي إم وزيروكس وتكساس إنسترومنتس وبوروز، بالإضافة إلى شركات الأدوية، مثل ميرك وفايزر وإيلي ليلي وأمريكان هوم برودكتس. بالإضافة إلى ذلك، قدمت مجموعة متنوعة من شركات التجزئة فرص نمو جديدة ومثيرة، مثل إيفون وماكدونالدز وبولارويد وكوداك. وبحلول عام ١٩٧٢، زادت نسبة السعر إلى الأرباح في بولارويد ٩٠ مرة، وفي ماكدونالدز ٨٥ مرة، وفي والت ديزني ٨٢ مرة. وزاد متوسط نسبة السعر إلى الأرباح لمؤشر ستاندرد آند بورز ٣٣ مرة، ومتوسط شركات نيفتي فيفتي بنحو ٤٥ مرة (وفيما يتعلق بأكبر خمس شركات في عام ١٩٧٣ بلغت الزيادة ٣٥٫٥ مرة؛ انظر الفصل التاسع).

ومع مرور سنوات عقد ستينيات القرن العشرين، أصبحت قيمة الدولار الأمريكي مُبالغًا فيها، بعدما كانت قيمته ثابتة مقابل الذهب بموجب نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة. وكانت الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام في الولايات المتحدة، الناجمة عن برامج «المجتمع العظيم» التي تبناها الرئيس ليندون جونسون وزيادة الإنفاق العسكري لتمويل حرب فيتنام، سببًا في زيادة الضغوط على النظام. وتعرضت قاعدة الذهب لضغوط كبيرة في أواخر الستينيات، وقد ألغاها الرئيس ريتشارد نيكسون أخيرًا في عام ١٩٧١، عندما أعلن التعليق «المؤقت» لإمكانية تحويل الدولار إلى ذهب.3 ومن ثَم انفجرت فقاعة أسهم نيفتي فيفتي.

في أغلب أسواق الأسهم، استقرت الأسعار بالفعل نحو عام ١٩٦٦ بعد ارتفاع مذهل على مدى السنوات الخمس عشرة السابقة (خاصةً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة). ووصلت الولايات المتحدة إلى الذروة في عام ١٩٦٨. كانت السوق الهابطة التي تلت ذلك هيكليةً بطبيعتها، وانخفضت السوق الأمريكية من حيث القيمة الحقيقية بنسبة ٧٥٪ بين عامَي ١٩٦٦ و١٩٨٢. ولكن، كما في حالة الأسواق الهابطة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، كانت في الواقع سوقان هابطتان على الأقل مدمجتين في سوق واحدة. وشكلت الصدمات السياسية والاقتصادية مرة أخرى سمةً رئيسية. وفي عام ١٩٧٣، أدت فضيحة ووترجيت في الولايات المتحدة إلى زيادة حالة عدم اليقين في السوق، وبحلول أكتوبر من ذلك العام، أدت الحرب العربية الإسرائيلية، فضلًا عن حظر النفط الذي فرضته أوبك والاضطرابات الصناعية، إلى زيادة عدم استقرار السوق.

وبحلول نهاية سبعينيات القرن الماضي، شهدت أسواق الأسهم بعض الارتفاعات الحادة. وفي الولايات المتحدة، كان يُنظَر إلى فوز رونالد ريجان على جيمي كارتر في نوفمبر ١٩٨٠ وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ على أنهما عاملان مواتيان للسوق. ولأول مرة منذ عام ١٩٧٦، ارتفع مؤشر داو جونز مرة أخرى إلى مستوى ١٠٠٠ نقطة. ولكن الحماسة لم تدُم. فقد أدت جولة أخرى من الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة (حيث رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الخصم إلى أعلى مستوًى له على الإطلاق عند ١٤٪) إلى حدوث هبوط حاد آخر في سوق الأسهم ودخول معظم الاقتصادات في جميع أنحاء العالم في ركود آخر. خلال عام ١٩٨١، أدى التضخم وارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي إلى انخفاض الأسهم في جميع أنحاء العالم إلى مستويات أدنى.

١٩٨٢–٢٠٠٠: بداية الانكماش

ركز الأكاديميون على انخفاض التضخم باعتباره أحد المحركات الرئيسية للسوق الصاعدة الطويلة الأجل التي حدثت بعد عام ١٩٨٢. وزعم البعض أن المستثمرين عانوا من «الوهم النقدي» بعد التضخم الكبير في سبعينيات القرن العشرين. وقد أدى هذا إلى خطأين؛ أولهما: رسملة المستثمرين للأرباح المستقبلية بالسعر الاسمي (المرتفع للغاية) آنذاك بدلًا من السعر الحقيقي، والثاني: فشلهم في مراعاة المكاسب الناجمة عن خفض القيمة الحقيقية للالتزامات الاسمية.4 ومن المؤكد أن الارتفاعات الحادة في التضخم في سبعينيات القرن العشرين قد ساهمت في انهيار التقييمات في كلٍّ من أسواق السندات والأسهم. وقد انتهت حقبة التضخم هذه، التي كانت ضارَّة للغاية بالأسواق المالية، جزئيًّا نتيجةً لما يُسمى بأزمة فولكر الائتمانية (وهي الفترة المعروفة بالركود الناجم عن دورة تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي التي بدأت في عام ١٩٧٧)، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الفائدة على أموال بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (أسعار الفائدة الأساسية) من نحو ١٠٪ إلى ما يقرب من ٢٠٪. ومنذ تلك اللحظة، بدأ التضخم في الانخفاض في مختلف أنحاء العالم، ومع التعافي القوي في النشاط الاقتصادي من الركود الشديد، بدأت مستويات الثقة — وتقييمات الأصول — في الارتفاع. ومن أغسطس ١٩٨٢ إلى ديسمبر ١٩٩٩، بلغ العائد الحقيقي المركب على متوسط داو جونز الصناعي ١٥٪ سنويًّا، وهو ما يتجاوز كثيرًا متوسط العوائد الطويلة الأجل أو حتى الزيادة في الأرباح أو القيمة الدفترية خلال تلك الفترة.5 ومن ثَم عكَس جزءٌ كبير من هذه السوق الصاعدة الطويلة الأجل توسعًا في التقييم؛ وهي الظاهرة التي دفعت عوائد الأسهم والدخل الثابت (السندات) إلى الارتفاع في الوقت نفسه.
شهدت ثمانينيات القرن العشرين كذلك مجموعةً كبيرة من عمليات إلغاء القيود التنظيمية والإصلاح والخصخصة في ظل إدارتَي ريجان وتاتشر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على الترتيب. ففي الولايات المتحدة، طبَّق قانون الانتعاش الاقتصادي لعام ١٩٨١ إصلاحات ضريبية كبيرة؛ مما أدى إلى انخفاض ضرائب الدخل ذات المعدل العالي من ٧٠٪ في عام ١٩٨٠ إلى ٢٨٪ في عام ١٩٨٦. وانخفض الإنفاق غير العسكري انخفاضًا كبيرًا، وأُلغيت القيود التنظيمية من العديد من الصناعات، ومنها قطاعا النقل الجوي والمالية، حيث أدى الإلغاء الجزئي لقانون جلاس ستيجال لعام ١٩٣٣ إلى إزالة الحواجز في قطاع الأسواق المالية التي كانت تمنع المؤسسات من الاندماج عبر الأعمال المصرفية والأوراق المالية والتأمين. وطبَّقَت المملكة المتحدة إصلاحاتٍ مماثلة، بالإضافة إلى برنامجٍ شامل لخصخصة مجموعة كبيرة من الأصول، وغيرها من المرافق. تمتعت هذه الإصلاحات بتأثير بعيد المدى. وكانت الشركات المملوكة للقطاع العام في المملكة المتحدة تُمثل ١٢٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام ١٩٧٩؛ لكنها لم تشكل سوى ٢٪ بحلول عام ١٩٩٧.6 وفي منتصف تسعينيات القرن العشرين انتشر اتجاه الخصخصة إلى بقية أوروبا، حتى إنه وصل إلى الحكومات التي يقودها الاشتراكيون مثل حكومة ليونيل جوسبان في فرنسا، التي قدَّمَت طرحًا أوليًّا بقيمة ٧٫١ مليارات دولار لشركة فرانس تيليكوم في عام ١٩٩٧، ثم قدَّمَت طرحًا ثانويًّا بقيمة ١٠٫٤ مليارات دولار بعد عام (مع تزايد الحماسة تجاه شركات الاتصالات أثناء فقاعة التكنولوجيا المتنامية).

وقد توقف هذا الاتجاه الطويل الأجل مؤقتًا بسبب الانهيار (الحاد القصير الأجل) الذي حدث في عام ١٩٨٧ قبل أن يدفع انخفاض أسعار الفائدة واستمرار النمو الاقتصادي الأسهم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

وقد حفز سقوط جدار برلين في عام ١٩٨٩، وتفكك الاتحاد السوفيتي الذي تلاه بعد فترة وجيزة، استمرار إعادة تقييم الأسهم. وارتفع مؤشر داكس، وهو المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم الألمانية، بنسبة ٣٠٪ بين أكتوبر ١٩٨٩ ويوليو ١٩٩٠. ونتيجةً لهذا، شهدت تسعينيات القرن العشرين اقتصادًا عالميًّا أكثر تكاملًا. وخلال هذه الفترة، شهدت أسواق الأسهم انخفاضًا في سعر الخصم؛ ولم يقتصر الأمر على استمرار هبوط أسعار الفائدة نتيجة انخفاض مستويات التضخم العالمية المرتفعة، بل ساعد انتهاء الحرب الباردة أيضًا في تقليص علاوة مخاطر الأسهم (الحد الأدنى للعائد المطلوب للاستثمار في الأصول الخطرة مقارنة بالسندات القليلة المخاطر).

وقد تعرضت هذه السوق الصاعدة القوية مرةً أخرى لضربة جرَّاء أزمة آسيا في عام ١٩٩٨، ولكن استجابة السياسات الحاسمة أسفرت عن تخفيف القيود على الأموال؛ الأمر الذي ساعد في دفع فقاعة التكنولوجيا في أواخر تسعينيات القرن العشرين. وعندما انفجرت هذه الفقاعة في نهاية المطاف، أنهت الاتجاه التصاعدي الطويل الأجل الذي بدأ في عام ١٩٨٢.

٢٠٠٩ وما بعده: بداية التيسير الكمي و«الاعتدال العظيم»

يتناول الفصل التاسع بمزيد من التفصيل بعض الظروف المحددة التي أعقبت الأزمة المالية، وجدير بالذكر أن هذه السوق الصاعدة كانت قويةً وطويلة الأجل على نحو خاص. بعد انهيار مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠ بنسبة ٥٧٪ بعد وصوله إلى الذروة في عام ٢٠٠٧، بدأ المؤشر مرحلة التعافي القوي الذي أسفر عن أطول سوق صاعدة في التاريخ. وكما حدث في أوائل تسعينيات القرن العشرين، فقد نتج جزء من قوة التعافي عن حجم الانخفاضات في الاقتصاد والسوق التي سبقته. وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، أدى انهيار سوق الإسكان إلى خسارة الأسر لثروات هائلة. ومع تجاوز قيمة الرهن العقاري الثانوي المستحقة تريليون دولار أمريكي، كان انتشار الخسائر في مختلف المؤسسات الاقتصادية والمالية أمرًا جللًا. وفي الوقت نفسه، ووفقًا لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك بن برنانكي، فإن «المؤسسات المالية الأكبر من أن يُسمَح لها بالإفلاس كانت مصدرًا (وإن لم تكن المصدر الوحيد بأي حال من الأحوال) للأزمة، وأحد العوائق الأساسية التي كان لا بد لجهود واضعي السياسات أن تحتويها».7 وفي الفترة بين عامَي ٢٠٠٧ و٢٠١٠، انخفض متوسط ثروة الأسرة في الولايات المتحدة بنسبة ٤٤٪؛ مما أدى إلى انخفاض مستوياتها إلى ما دون مستويات عام ١٩٦٩.8

كانت الإجراءات التي اتُّخذت لاحتواء الأزمة غير مسبوقة. ففي مارس ٢٠٠٩، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن خططٍ لإنفاق تريليون دولار أمريكي من الدولارات المطبوعة حديثًا لشراء السندات الحكومية وسندات الرهن العقاري لخفض أسعار الفائدة من خلال برنامجه للتيسير «الكمي»، الذي كان حاسمًا في إحداث انتعاش في أسواق الأسهم.

وكان العامل الثاني والمهم في هذه السوق الصاعدة هو نمو شركات التكنولوجيا الكبرى، التي كانت تحتل، خاصةً في سوق الأسهم الأمريكية، القطاع الأكبر وتتمتع بعوائد مذهلة (يتناول الفصل الحادي عشر هذا الموضوع بمزيد من التفصيل).

الأسواق الصاعدة الدورية

على الرغم من وجود اتجاهات طويلة للغاية في السوق تدفعها ظروفٌ محددة قد تؤدي إلى الحصول على عوائد سنوية مرتفعة، لا يزال هناك دورات داخل هذه الاتجاهات. وتبرز صعوبة التعريف حتى عندما ننظر إلى دورة الأسهم «النموذجية». على سبيل المثال، يمكن اعتبار أن أحدث سوق صاعدة للأسهم، وهي التي بدأت بعد الأزمة المالية في عام ٢٠٠٩ مستمرة، أو يمكن القول إنها انتهت في أكتوبر ٢٠١٨، عندما هبطت السوق بنحو ٢٠٪ (هذا هو التعريف النموذجي للسوق الهابطة) قبل أن تتعافى بسرعة. لقد تجاوزت العديد من أسواق الأسهم مستوى ٢٠٪ في هذه الفترة، على الرغم من أن مؤشر ستاندرد آند بورز القياسي الأمريكي انخفض بنسبة ١٩٪ قبل أن ينتعش.

وبافتراض أن هاتين السوقين هما سوقان صاعدتان منفصلتان، تتغير المتوسطات قليلًا. ولكن كقاعدة عامة، وباستخدام الولايات المتحدة كمثال، منذ عام ١٩٠٠ شهد متوسط السوق الصاعدة ارتفاعًا في الأسعار بأكثر من ١٦٠٪ (٢٤٣٪ من حيث العائد الإجمالي عند تضمين الأرباح) في أقل من ٥ سنوات؛ مما يحقق عائدًا سنويًّا بنحو ٢٥٪. ومنذ عام ١٩٠٠، كانت هناك ١٨ دورة من هذا القبيل في الولايات المتحدة؛ في حين كانت هناك ١١ دورة في فترة ما بعد الحرب (مقارنةً بثلاثة ارتفاعات كبرى طويلة الأجل ناقشناها سابقًا).

يوضح شكل ٧-٢ آخر الأسواق الصاعدة الكبرى (باستخدام سوق الأسهم الأمريكية كدليل)، بالإضافة إلى عوائدها السنوية.
fig29
شكل ٧-٢: تحليل عوائد مؤشر ستاندرد آند بورز خلال أسواق صاعدة سابقة. ٧٥٪ من إجمالي العائد على الأسهم ناتجة من السعر، و٢٥٪ من توزيعات الأرباح المُعاد استثمارها.

المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

وفيما يأتي بعض الملاحظات الرئيسية.

  • شهد متوسط السوق الصاعدة عوائد سنوية بلغت ٢٥٪.

  • تتراوح العوائد السنوية بين ١٧٪ و٤٢٪. وعمومًا، تتحقق أعلى العوائد السنوية بعد الأسواق الهابطة الأشد حدة.

  • في المتوسط، في الأسواق الصاعدة السابقة، نتج ٧٥٪ من إجمالي العائد على الأسهم من السعر، و٢٥٪ من توزيعات الأرباح المُعاد استثمارها. وتتراوح نسبة توزيعات الأرباح بين ١٦٪ و٤٦٪ (انظر شكل ٧-٢).
جدول ٧-١: الأسواق الصاعدة في الولايات المتحدة.*
البداية النهاية الشهور الأعوام عائد السعر إجمالي العائد إجمالي العائد السنوي
أكتوبر ١٩٠٣ سبتمبر ١٩٠٦ ٣٤ ٢٫٨ ٦٠٪ - -
نوفمبر ١٩٠٧ ديسمبر ١٩٠٩ ٢٥ ٢٫١ ٦٥٪ - -
ديسمبر ١٩١٤ نوفمبر ١٩١٦ ٢٢ ١٫٨ ٣٩٪ - -
ديسمبر ١٩١٧ يوليو ١٩١٩ ١٩ ١٫٦ ٤٠٪ - -
أغسطس ١٩٢١ سبتمبر ١٩٢٩ ٩٦ ٨٫٠ ٣٧١٪ - -
يونيو ١٩٣٢ مارس ١٩٣٧ ٥٦ ٤٫٧ ٣٢١٪ ٤١٣٪ ٤٢٪
أبريل ١٩٤٢ مايو ١٩٤٦ ٤٩ ٤٫١ ١٥٠٪ ٢٠٨٪ ٣٢٪
مارس ١٩٤٨ أغسطس ١٩٥٦ ١٠٠ ٨٫٣ ٢٥٩٪ ٤٧٧٪ ٢٣٪
أكتوبر ١٩٥٧ ديسمبر ١٩٦١ ٤٩ ٤٫١ ٨٦٪ ١١٤٪ ٢٠٪
يونيو ١٩٦٢ فبراير ١٩٦٦ ٤٣ ٣٫٦ ٨٠٪ ١٠١٪ ٢١٪
أكتوبر ١٩٦٦ نوفمبر ١٩٦٨ ٢٥ ٢٫١ ٤٨٪ ٥٨٪ ٢٤٪
مايو ١٩٧٠ يناير ١٩٧٣ ٣١ ٢٫٦ ٧٤٪ ٨٩٪ ٢٧٪
أكتوبر ١٩٧٤ نوفمبر ١٩٨٠ ٧٣ ٦٫١ ١٢٦٪ ٢٠١٪ ٢٠٪
أغسطس ١٩٨٢ أغسطس ١٩٨٧ ٦٠ ٥٫٠ ٢٢٩٪ ٣٠٣٪ ٣٢٪
ديسمبر ١٩٨٧ يوليو ١٩٩٠ ٣١ ٢٫٦ ٦٥٪ ٨١٪ ٢٥٪
أكتوبر ١٩٩٠ مارس ٢٠٠٠ ١١٣ ٩٫٤ ٤١٧٪ ٥٤٦٪ ٢٢٪
أكتوبر ٢٠٠٢ أكتوبر ٢٠٠٧ ٦٠ ٥٫٠ ١٠١٪ ١٢١٪ ١٧٪
مارس ٢٠٠٩ يناير ٢٠٢٠ ١٣٠ ١٠٫٨ ٣٩٢٪ ٥١٧٪ ١٨٪
المتوسط ٥٦ ٥ ١٦٢٪ ٢٤٨٪ ٢٥٪
الوسيط ٤٩ ٤ ٩٤٪ ٢٠١٪ ٢٣٪
الحد الأدنى ١٩ ٢ ٣٩٪ ٥٨٪ ١٧٪
الحد الأقصى ١٣٠ ١١ ٤١٧٪ ٥٤٦٪ ٤٢٪
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.
يوضح جدول ٧-١ أن التباين بين هذه الأسواق الصاعدة كان كبيرًا.

التباينات في مدة الأسواق الصاعدة

يوضح جدول ٧-١ أيضًا أن الأسواق الصاعدة تتباين تباينًا كبيرًا في مدتها، حيث إن أقصرها كانت أقل بقليل من عامين، وأطولها (السوق الحالية) تمتد أكثر من ١٠ أعوام.
بلغ متوسط مدة استمرار السوق الصاعدة (في الولايات المتحدة) ٥٦ شهرًا، وكان الوسيط ٤٩ شهرًا. ومع ذلك كانت التباينات كبيرة (انظر شكل ٧-٣).
fig30
شكل ٧-٣: الأسواق الصاعدة والهابطة في مؤشر ستاندرد آند بورز. استمرار متوسط السوق الصاعدة ٥٦ شهرًا.

تختلف الأسواق الصاعدة أيضًا من حيث تكوينها، أو بعبارة أخرى، ما يحركها. وقد تأتي عوائد مستثمري الأسهم من تغيرات الأسعار (التي تتأثر بالأرباح) ومن تغيرات التقييم؛ لأن المضاعف (على سبيل المثال، نسبة السعر إلى العائد) الذي يستعد المستثمرون لدفعه مقابل الأرباح المستقبلية المتوقعة قد يتغير. وعندما يشعر المستثمرون بالتفاؤل و/أو عندما ينخفض مستوى أسعار الفائدة، فمن المرجح أن ترتفع التقييمات؛ مما يُسفر عن زيادة نسبة العائد للمستثمرين. وبالمثل، عندما يشعر المستثمرون بالقلق و/أو عندما يرتفع مستوى أسعار الفائدة، تميل التقييمات إلى الانخفاض.

يعرض شكل ٩-١ التباين في دوافع العوائد. وينقسم العائد الإجمالي (الذي يظهر في شكل المعين) إلى نسب مئوية مختلفة. لذا عندما نفكر في الأسواق الصاعدة، لا يهتم المستثمرون بالمدة والقوة فقط، بل أيضًا بالفرق بين عائد السعر والعائد الإجمالي. وعلاوة على ذلك، من المهم فهم دوافع عنصر السعر، على سبيل المثال، مقدار الزيادة المرجَّح حدوثها نتيجة نمو الأرباح الأساسية ومقدار الزيادة المرجَّح حدوثها نتيجة تغير التقييمات.

بوجه عام، يمكننا قول ما يأتي عن الأسواق الصاعدة:

  • الدورات الاقتصادية الأقل تقلبًا والأطول مدةً تعني أسواقًا صاعدة ذات مدة أطول.

  • أسعار الفائدة المنخفضة والأكثر استقرارًا غالبًا ما تتسبب في حدوث أسواق صاعدة أقوى، يكون فيها التقييم مسئولًا عن جزء كبير من العائد.

  • توزيعات الأرباح هي المسئولة عن جزء كبير من عوائد الأسواق التي تتمتع بعوائد توزيعات أرباح أعلى (الناتجة غالبًا من القطاعات الأكثر نضجًا التي تفضل دفع مزيد من التدفقات النقدية بدلًا من الاحتفاظ بها للاستثمار في المستقبل).

أسواق صاعدة لا تتأثر بالاتجاه العام

بالإضافة إلى الاتجاهات التصاعدية الهيكلية الطويلة الأجل، والأسواق الصاعدة الدورية الأكثر شيوعًا، هناك فترات من العوائد المستقرة نسبيًّا. وعلى الرغم من أنها ليست شائعة جدًّا، فهذه الفترات التي لا تتأثر بالاتجاه العام في الأسواق غالبًا ما تحدث نتيجةً لارتفاع التقييمات عندما تنمو الاقتصادات والأرباح ببطء. يمكن تقسيم هذه الأسواق أيضًا إلى فئتين:

  • أسواق مستقرة منخفضة العائد (تقلبات منخفضة، عوائد منخفضة): أسواق منخفضة العائد تكون فيها أسعار الأسهم عالقة في نطاق تداول ضيق، وتشهد تقلبات منخفضة.
  • أسواق متقلبة منخفضة العائد (تقلبات عالية، عوائد منخفضة): فترات (غالبًا طويلة جدًّا) تحقق فيها مؤشرات الأسهم تقدمًا ضئيلًا للغاية، ولكنها تشهد تقلبات كبيرة بالإضافة إلى تصحيحات وارتفاعات قوية (وحتى أسواق صاعدة وهابطة صغيرة) بينهما.

على عكس أغلب الأسواق الصاعدة والهابطة، لا يوجد ذروة أو قاع مطلقان يمكن من خلالهما تحديد فترات الاستقرار وانخفاض العائد. وبحكم طبيعتها، يصعب تمييز هذه الفترات وتحديد تاريخ دقيق لبدايتها ونهايتها. ومع ذلك، هناك العديد من الأمثلة الجيدة لفترات انخفاض العائد النسبية وفترات الاستقرار النسبية (أي عدم حدوث سوق هابطة، ولا سوق صاعدة بعائد أكبر من ٢٥٪ على مدى أقل من عامين). منذ الحرب العالمية الثانية، كانت هناك سبع فترات في سوق الأسهم الأمريكية تستوفي هذه المعايير بوجه عام. وهناك المزيد خارج الولايات المتحدة؛ نظرًا لأن الولايات المتحدة شهدت أعلى العوائد على مستوى العالم خلال هذه الفترة؛ وبمجرد استبعاد الأسواق الهابطة، تسود معظمَ الفترات المتبقية سوقٌ صاعدة مباشرة.

يعرض جدول ٧-٢ قائمة بالأسواق المستقرة المنخفضة العائد، مع تواريخ تقريبية لبدايتها ونهايتها.
جدول ٧-٢: الفترات المستقرة المنخفضة العائد في الولايات المتحدة (مؤشر ستاندرد آند بورز ٥٠٠).*
البداية النهاية المدة (بالعام) الأداء (٪) الأداء السنوي (٪) أقصى تغيير (٪) نمو الأرباح لكل سهم سنويًّا (٪) مضاعف نسبة السعر إلى الأرباح في بداية الفترة بناءً على أرباح الاثني عشر شهرًا الماضية مضاعف نسبة السعر إلى الأرباح في بداية الفترة بناءً على أرباح الاثني عشر شهرًا الماضية نسبة التغيير في السعر إلى الأرباح في الاثني عشر شهرًا الماضية (٪)
سبتمبر ١٩٤٦ مايو ١٩٤٨ ١٫٧ −٠٫٥ −٠٫٣ −١٤٫٧ ٥١٫١ ١٧٫٨ ٨٫٧ −٥٠٫٦
أغسطس ١٩٥١ يناير ١٩٥٤ ٢٫٤ ٧٫٧ ٣٫١ ١٩٫٠ −٢٫٢ ٨٫٧ ٩٫٩ ١٣٫٧
أكتوبر ١٩٥٥ أكتوبر ١٩٥٧ ٢٫٠ ٠٫٤ ٠٫٢ −١٧٫٧ ٠٫٤ ١٢٫١ ١٢٫٠ −٠٫٥
ديسمبر ١٩٥٨ يناير ١٩٦١ ٢٫٠ ٨٫٥ ٤٫١ −١٣٫٩ ٦٫٣ ١٨٫٦ ١٧٫٨ −٤٫٢
أبريل ١٩٨٣ يناير ١٩٨٥ ١٫٧ ٦٫٧ ٣٫٨ −١٤٫٤ ١٥٫٦ ١١٫٧ ٩٫٧ −١٧٫١
يناير ١٩٩٢ ديسمبر ١٩٩٤ ٢٫٩ ٥٫٩ ٢٫٠ ٢٢٫٢ ٩٫٧ ١٩٫٤ ١٥٫٧ −١٩٫١
فبراير ٢٠٠٤ يوليو ٢٠٠٦ ٢٫٤ ٦٫٦ ٢٫٧ ٢٤٫٧ ١٦٫٥ ٢٢٫٧ ١٦٫٧ ٢٦٫٤
الوسيط ٢٫٠ ٦٫٦ ٢٫٧ −١٣٫٩ ٩٫٧ ١٧٫٧ ١٢٫٠ −١٧٫١
المتوسط ٢٫٢ ٥٫٠ ٢٫٢ ٠٫٨ ١٣٫٩ ١٥٫٨ ١٢٫٩ −١٤٫٩
المصدر: قسم أبحاث الاستثمارات العالمية بجولدمان ساكس.

رغم صعوبة تحديد هذه الفترات بدقة، وتمتع كلٍّ منها بمجموعة خاصة من الظروف، يمكننا مع ذلك الإدلاء ببضع ملاحظات:

  • من الشائع أن تحتوي الأسواق ذات نطاق التداول الضيق على فترات منخفضة العائد؛ فقد سادت هذه الفترة في سوق الأسهم الأمريكية في نحو ٢٠٪ من مدتها منذ عام ١٩٤٥ (خلال تلك الفترة، كانت هذه الأنواع من بيئة السوق في أوروبا أكثر شيوعًا، ومثلت نحو ٣٠٪ من مدتها؛ ويمكن تفسير الفرق من خلال حقيقة أن سوق الأسهم الأمريكية شهدت عمومًا نموًّا أقوى في الأرباح؛ مما دفع السوق إلى الارتفاع).

  • تميل هذه الفترات إلى أن تكون قصيرة نسبيًّا، حيث تستمر من سنة إلى ٣ سنوات.

  • غالبًا ما يكون النمو الاقتصادي قويًّا في هذه الفترات، بمتوسط ٣٪−٤٪. ومن ثَم، عادةً ما تكون الأرباح قوية، مما يتسبب في انخفاض القيمة بنسبة ١٠٪–١٥٪ في هذه البيئات ذات العائد المنخفض.

  • أخيرًا، في المتوسط، رغم ارتفاع أسعار الفائدة خلال هذه الفترات المنخفضة العائد، يساعد نمو الأرباح القوي في تخفيف أثر ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض التقييمات؛ ومن ثَم، تستقر السوق بدلًا من أن تنخفض.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥