الفصل الثامن

ظهور الفقاعات: العلامات التحذيرية على حدوث فقاعة

يتسبب انفجار الفقاعات المالية في حدوث أسواق هابطة هيكلية حادة، وغالبًا ما تكون العواقب وخيمة على أسواق الأصول والاقتصادات الأوسع نطاقًا. ورغم أن الفقاعات قد تتركز في قطاع واحد أو فئة أصول واحدة، ولا تتسبب في حدوث سوق هابطة هيكلية أوسع نطاقًا، هناك فقاعات أخرى قد تكون واسعة النطاق إلى حد كبير، ولها تأثير على السوق بأكملها وخارجها. ومن ثَم، قد يكون من المفيد للمستثمرين استيعاب بعض الأسباب والخصائص الشائعة للفقاعات؛ إذ قد يستغرق التعافي منها وقتًا طويلًا.

وكما هي الحال مع الأسواق الهابطة والأسواق الصاعدة بوجه عام، لا يوجد تعريف دقيق للفقاعة. وكثيرًا ما نوقشت صعوبة اكتشاف الفقاعات في الأبحاث الاقتصادية.1 وكما ذكر نائب رئيس سابق في مجلس إدارة بنك الاحتياطي الفيدرالي، «بالنظر إلى الأحداث السابقة، حتى مع كل المعلومات المتوفرة لدينا الآن، غالبًا ما يكون من الصعب التأكد مما إذا كانت ثَمة فقاعات باستخدام الأساليب الإحصائية.».2

من الممكن تعريف الفقاعات تعريفًا عمليًّا معقولًا كما يأتي: زيادة سريعة في الأسعار والتقييمات تؤدي إلى المبالغة في تقييم العوائد والنمو في المستقبل. الجزء الثاني من هذا التعريف مهم؛ لأن كل زيادة قوية في الأسعار لا تؤدي بالضرورة إلى حدوث فقاعات. فالمشكلات تظهر عندما ينتج عن الارتفاع السريع في الأسعار دورة مثمرة ظاهريًّا، تجذب مستثمرين جددًا؛ مما يؤدي إلى فائض من رأس المال لاحقًا. والاعتقاد السائد بأن السوق تقدم ربحية لا نهاية لها غالبًا ما يُولِّد «خوفًا من تفويت الفرصة»: فكلما زاد الحديث عن موضوع معين، وزاد الاهتمام به، زاد اهتمام المستثمرين به. ومع زيادة الثقة في الموضوع أو الأصل، ترتفع التقييمات إلى مستويات لا يمكن أن تضاهيها العوائد المستقبلية.

إن سيكولوجية الجماهير — الاعتقاد بأن المرء قد يُفوِّت فرصةً عظيمة، وفي الوقت نفسه الشعور بأن الأمان وسط القطيع — تتجلى بوضوح في أسواق الفقاعات. وقد أكد تشارلز ماكاي (١٨٤١)، في دراسته الشاملة للفقاعات المبكرة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أن «الناس … يتبعون في تفكيرهم سلوك القطيع؛ وقد ثبت أنهم يصابون بالجنون معًا، لكنهم يستعيدون رشدهم ببطء، واحدًا تلو الآخر.»

كما أكد روبرت شيلر في كتابه «الوفرة اللاعقلانية» (٢٠٠٠) على التركيز المماثل على «عدوى» الحشود، وخاصة عندما يقترن ذلك بسردية قوية. ويصف شيلر الفقاعة بأنها «حالة تثير فيها أنباء ارتفاع الأسعار حماسة المستثمرين، التي تنتقل مثل العدوى من شخص لآخر؛ وتركز هذه العملية على الأحداث التي قد تبرر ارتفاع الأسعار وتجذب فئة أكبر من المستثمرين، الذين، على الرغم من الشكوك حول القيمة الحقيقية للاستثمار، ينجذبون إليه لسببين؛ أولهما شعورهم بالغيرة من نجاحات الآخرين، والثاني حبهم للمضاربة.»

إحدى أهم السمات المميزة للفقاعة النامية هي أن تدفع الإثارة بشأن موضوعٍ ما المستثمرين إلى إحدى الأسواق، دون إيلاء كثير من الاهتمام للتقييمات، أو العوائد التي تتضمنها هذه التقييمات. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك سوق الإسكان في الولايات المتحدة قبل أزمة الرهن العقاري الثانوي في عام ٢٠٠٨. ويُظهر عمل كيس وشيلر (٢٠٠٣) إفراط مشتري المساكن في توقعاتهم المتفائلة في ذلك الوقت بشأن أسعار المساكن في المستقبل. ووفقًا لبحثهما، توقع ٨٣٪ إلى ٩٥٪ من المشترين في عام ٢٠٠٣ معدل نمو سنويًّا لأسعار المساكن بنحو ٩٪، في المتوسط، في السنوات العشر التالية، وهو معدل أعلى بكثير من المتوسطات الطويلة الأجل.3

يتناول هذا الفصل قضية الفقاعات فقط في محاولة لتحديد الأنماط والخصائص والسلوكيات المتكررة عبر التاريخ.

وقد وُثِّقت العديد من الفقاعات الشهيرة على مدى أكثر من أربعة قرون. ومن أبرزها، وإن لم تكن الوحيدة بأي حال من الأحوال، الفقاعات الآتية:

  • ثلاثينيات القرن السابع عشر: الهوس بزهرة التوليب في هولندا

  • ١٧٢٠: فقاعة بحر الجنوب، بالمملكة المتحدة، وفقاعة مسيسيبي، بفرنسا

  • تسعينيات القرن الثامن عشر: الهوس بحفر القنوات في المملكة المتحدة

  • أربعينيات القرن التاسع عشر: فقاعة السكك الحديدية في المملكة المتحدة

  • ١٨٧٣: فقاعة السكك الحديدية في الولايات المتحدة

  • عشرينيات القرن العشرين: طفرة سوق الأسهم في الولايات المتحدة

  • ثمانينيات القرن العشرين: فقاعة الأراضي والأسهم في اليابان

  • تسعينيات القرن العشرين: فقاعة التكنولوجيا، في جميع أنحاء العالم

  • ٢٠٠٧: فقاعة الإسكان/البنوك في الولايات المتحدة (وأوروبا).

عند دراسة هذه الفقاعات ودراسة انهيارها اللاحق، نلاحظ وجود بعض الأنماط والخصائص المشتركة التي تربط بينها على الرغم من أنها نشأت في مجموعة من القطاعات المختلفة، وفي ظل ظروف مختلفة للغاية. ولتبسيط الفكرة، تجمع الأقسام التالية بعض أوجه التشابه والموضوعات المشتركة بين فترات الفقاعات المختلفة هذه في محاولة لوضع دليل للمستثمرين الذين يبحثون عن علامات تحذيرية مهمة، ولكن هناك العديد من الدراسات الممتازة والأكثر تعمقًا عن الفقاعات السابقة لأولئك الذين يسعون إلى مزيد من التفاصيل، وخاصةً كتاب إدوارد تشانسلور.4

ارتفاع مذهل في الأسعار … ثم انهيار

إحدى أهم سمات الفقاعات في الأصول المالية هي الارتفاع المذهل والسريع في الأسعار والتقييمات الذي يحدث أثناء الفقاعة، والذي ينتج عنه تقييماتٌ تبالِغ في نهاية المطاف في تقدير العوائد المستقبلية المحتملة. وفي الواقع يُعَد القدر الهائل من الإثارة والمضاربة، فضلًا عن ارتفاع الأسعار، السمة المميزة لجميع الفقاعات. لقد أصبح الهوس بزهرة التوليب في ثلاثينيات القرن السابع عشر، التي تُعَد واحدة من أقدم الفقاعات الموثقة جيدًا، مرادفًا لفكرة «الهوس» في الأسواق المالية. وهذا أمر مثير للاهتمام، ليس فقط بسبب ارتفاع الأسعار المذهل أثناء فترة الفقاعة نفسها، ولكن أيضًا لأن الهوس كان قائمًا على الجشع والمضاربة فقط، دون أي أسس جوهرية داعمة له.

وعلى الرغم من التشكيك في نطاق هوس زهرة التوليب ومدى تأثيره منذ ذلك الحين (راجع تومسون ٢٠٠٧)، كانت هذه الفقاعة طفرة ذات أبعاد تاريخية. وبين نوفمبر ١٦٣٦ وفبراير ١٦٣٧، ارتفع سعر بعض بُصيلات التوليب عشرين مرة، وفي ذروة الفقاعة، كان من الممكن أن تساوي قيمة البصيلة الواحدة قيمة منزل فاخر.5

عندما انهارت السوق أخيرًا في فبراير ١٦٣٧، كما حدث في العديد من الأمثلة الأخرى في التاريخ، كانت الانهيارات مذهلة بقدر الارتفاعات التي سبقتها. وكما حدث مع العديد من الفقاعات اللاحقة، ظل السبب الذي أدى إلى انهيارها في النهاية غير واضح تمامًا. في هذه الحالة، يمكن أن نقول إنه ربما كان هناك العديد من العوامل المساهمة. وفي ذروة الطفرة في عام ١٦٣٦ وأوائل عام ١٦٣٧، عندما كان الطلب في أعلى مستوياته، كانت البصيلات نفسها لا تزال مزروعة في الأرض، ولم يكن من الممكن تسليمها فعليًّا حتى الربيع التالي. لعب الابتكار المالي دورًا في دفع الأسعار إلى الارتفاع أكثر من أي وقت مضى. ونشأت سوق عقود آجلة للبصيلات، مكَّنَت البائعين من بيع زهور التوليب مقدمًا بسعر معين مقابل جودة ووزن معينين.

تفاقمت المخاطر عندما دُفعَت أغلب هذه العقود بسندات ائتمان، الأمر الذي جعل النظام عُرضةً للانهيار؛ ومن ثَم انتشار الأزمة. وأخيرًا، ساهم في زوال الفقاعة الخوفُ من اقتراب فصل الربيع الذي يقتضي الوفاء بسداد هذه العقود، التي قد لا يكون من الممكن دفع العديد منها. وبعد الانهيار، استغرقت السوق وقتًا طويلًا للتعافي، وبخاصةٍ بُصيلات الزهور العادية المنخفضة الجودة، التي لم تتعافَ مطلقًا من الانهيار، والتي كانت قد اجتذبت العديد من المضاربين الأصغر حجمًا في ذروة الفقاعة؛ لأن البصيلات النادرة كانت باهظة الثمن.

اشتركت الفقاعتان العظيمتان اللتان حدثتا في عام ١٧٢٠، أي بعد ما يقرب من قرن من الزمان، في بعض أوجه التشابه مع فقاعة هوس زهرة التوليب. فقد شهدت شركة ساوث سي (بحر الجنوب) في بريطانيا العظمى ارتفاعًا مذهلًا في سعر أسهمها خلال فترة قصيرة للغاية من الزمن. ففي يناير ١٧٢٠، بلغ سعر أسهم الشركة ١٢٨ جنيهًا إسترلينيًّا. وفي يونيو من ذلك العام، أقرَّ البرلمان البريطاني قانون الفقاعات الذي يلزم جميع الشركات المملوكة للمساهمين بالحصول على ميثاق ملكي، وهو ما نجحت شركة ساوث سي في الحصول عليه. وقد منح ختم الموافقة هذا مصداقيةً أكبر للشركة ومزيدًا من الراحة للمستثمرين؛ مما أدى إلى توسيع نطاق جاذبيتها. وبحلول نهاية يونيو ١٧٢٠، ارتفع السهم إلى ١٠٥٠ جنيهًا إسترلينيًّا. وعندما بدأ المستثمرون يفقدون الثقة في أوائل يوليو، بدأت الأسعار في الانخفاض، وبحلول سبتمبر من ذلك العام انهارت الأسهم إلى ١٧٥ جنيهًا إسترلينيًّا.6 وشهدت شركة مسيسيبي في فرنسا فقاعةً مماثلة وانهيارًا في الوقت نفسه تقريبًا. وارتفع سعر أسهمها بنسبة مذهلة بلغت ٦٢٠٠٪، قبل أن ينهار لاحقًا بنسبة ٩٩٪.

لعبت المضاربة دورًا مهمًّا في الفقاعة الكبرى التالية، في منتصف القرن التاسع عشر في قطاع السكك الحديدية البريطانية، بفضل النمو السريع والتغيرات التكنولوجية في السكك الحديدية. وبعد ارتفاعات مذهلة في أسعار الأسهم، انخفضت أسهم السكك الحديدية بحلول عام ١٨٥٠ بنسبة ٨٥٪ في المتوسط من ذروتها، وكانت القيمة الإجمالية لأسهم السكك الحديدية أقل من نصف رأس المال الذي أُنفقَ عليها (تشانسلور ٢٠٠٠). وعلى الرغم من تجربة فقاعة السكك الحديدية البريطانية، تكرَّر نمطٌ مماثل في الولايات المتحدة بعد عقدَين فقط من الزمان. وكان حجم الانهيار في الأسعار والاستثمار الذي أعقب ذلك مدمرًا لدرجة أنه أدى إلى سوق هابطة هيكلية ضخمة وانكماش اقتصادي أصبح يُعرَف باسم «الكساد الطويل»، وكان أسوأ فترات الانكماش الاقتصادي حتى حدوث «الكساد العظيم» في ثلاثينيات القرن العشرين. وعلى مدى السنوات السبع التي أعقبت ذعر عام ١٨٧٣، أُغلقَ ما يقرُب من نصف مصانع البلاد، وارتفعت نسبة البطالة ارتفاعًا كبيرًا. وهبطت أسعار الأسهم هبوطًا حادًّا، كما هبطت أسعار أسهم السكك الحديدية بنسبة ٦٠٪ بين عامَي ١٨٧٣ و١٨٧٨. تفاقمت الظروف الاقتصادية بسبب حالة عدم اليقين الكبيرة التي سادت أوروبا في أعقاب الحرب الفرنسية البروسية. واستغرق الأمر عقدًا من الزمان حتى ينتعش الاستثمار بعد انهيار الفقاعة، ولم ينتعش أي استثمار في السكك الحديدية مرة أخرى إلا في العقد التالي.

تكرَّر نمطٌ مماثل في طفرة الأسهم وما تلاها من انحدار أثناء انهيار سوق الأوراق المالية في عام ١٩٢٩، ولكن في هذه الحالة كان التأثير أوسع نطاقًا وأطول أمدًا. ففي يوم الاثنين الأسود (الموافق ٢٨ أكتوبر)، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة ١٣٪ (بعدما كان قد انخفض بالفعل بنسبة ٦٪ منذ أوائل سبتمبر)، ثم بنسبة ١٢٪ خلال الأيام التالية. وقد كانت السوق الهابطة الهيكلية التي أعقبت ذلك في غاية الشدة لدرجة أن المؤشر أخفق في العودة إلى ذروته السابقة حتى نوفمبر ١٩٥٤ (فيرجسون ٢٠٠٥). وعند وصول مؤشر داو جونز إلى أدنى مستوياته، بلغ عائد توزيعات الأرباح ٩٫٥٪؛ إذ أصبحت الشركات التي كانت قد ازدهرت في السابق غير مرغوب فيها على الإطلاق. وبِيعَ مقعد في بورصة نيويورك مقابل ١٧ ألف دولار بعد الانهيار، مقارنةً بسعر الذروة الذي بلغ ٦٥٠ ألف دولار في ذروة الطفرة في عام ١٩٢٩.

أدت فقاعة اليابان الأسطورية في ثمانينيات القرن العشرين إلى ارتفاعات غير عادية في أسعار الأسهم والأراضي بكل المقاييس. وبفضل انخفاض أسعار الفائدة (حيث كان بنك اليابان قد خفَّض أسعار الفائدة من ٥٪ إلى ٢٫٥٪ بحلول أوائل عام ١٩٨٧) واتفاقية بلازا عام ١٩٨٥ (التي أدت إلى خفض قيمة الدولار مقابل الين بهدف خفض العجز في الحساب الجاري الأمريكي من خلال جعل الصادرات أرخص)، شهدت أسعار الأصول ارتفاعًا مطردًا لفترة طويلة. واستخدمت الشركات اليابانية عُملتها المرتفعة القيمة في خوض حملة شراء من الخارج شملت شراء مركز روكفلر في نيويورك وملاعب الجولف في هاواي وكاليفورنيا.

انتشرت هذه الحماسة على وجه الخصوص في سوق العقارات. وأفادت التقارير أن قيمة القصر الإمبراطوري في طوكيو قد تجاوزت إجمالي قيمة فرنسا أو كاليفورنيا. وفي عام ١٩٨٨، كانت قيمة الأراضي في اليابان نظريًّا أكثر من أربعة أمثال قيمة الأراضي في الولايات المتحدة، على الرغم من أن مساحة الأراضي في الولايات المتحدة كانت أكبر ٢٥ مرة.7 وقد زُعم أن قيمة ورقة نقدية من فئة ١٠ آلاف ين ملقاة في منطقة جينزا في طوكيو كانت أقل من قطعة الأرض التي كانت تغطيها.8 كانت هذه الفقاعة ضخمة جدًّا لدرجة أن مجموع مكاسب رأس المال على الأسهم والأراضي بلغ ٤٥٢٪ من إجمالي الناتج المحلي الاسمي من ١٩٨٦ إلى ١٩٨٩، وبلغت الخسائر اللاحقة ١٥٩٪ من إجمالي الناتج المحلي الاسمي من ١٩٩٠ إلى ١٩٩٣.9 وكان الارتفاع في أسعار الأسهم يعني أن الشركات اليابانية كانت قد أصبحت من أكبر الشركات في العالم. فقد حققت شركات ميتسوي آند كو، وسوميتومو كورب، وميتسوبيشي كورب، وسي إيتو مبيعات أعلى من مبيعات أكبر شركة أمريكية، وهي جنرال موتورز.10
وننتقل إلى حالة أحدث عهدًا من التعبير عن الثقة تبعتها في نهاية المطاف مبالغة في التقييم سبقت انهيار فقاعة التكنولوجيا في أواخر تسعينيات القرن العشرين. وقبل أن تنفجر هذه الفقاعة، كانت أسهم الشركات الجديدة ترتفع ارتفاعًا هائلًا. وعندما طرحت شركة الإنترنت ياهو أسهمها للاكتتاب العام الأولي في أبريل ١٩٩٦، ارتفع سعر أسهمها من ١٣ دولارًا إلى ٣٣ دولارًا في غضون يوم واحد؛ مما أدى إلى مضاعفة قيمة الشركة. وأصبح هذا النمط مألوفًا في الفترة التي تلت ذلك. ففي عام ١٩٩٩، على سبيل المثال، ارتفعت قيمة أسهم شركة كوالكوم بنسبة ٢٦١٩٪. وأصبح هذا النطاق من ارتفاع الأسعار أمرًا شائعًا. وارتفعت قيمة ثلاثة عشر سهمًا رئيسيًّا من الأسهم ذات القيمة السوقية الكبيرة بأكثر من ١٠٠٠٪، وارتفعت قيمة سبعة أسهم أخرى من الأسهم ذات القيمة السوقية الكبيرة بأكثر من ٩٠٠٪.11

ارتفع مؤشر ناسداك خمس مرات بين عامَي ١٩٩٥ و٢٠٠٠، لتصل بعد ذلك نسبة سعر السهم إلى الأرباح إلى ٢٠٠ مرة، وهو أعلى بكثير من نسبة السعر إلى الأرباح لمؤشر نيكي التي بلغت ٧٠ مرة خلال فقاعة سوق الأسهم اليابانية (هايز ٢٠١٩). وبحلول أبريل ٢٠٠٠، بعد شهر واحد فقط من بلوغ الذروة، خسر مؤشر ناسداك ٣٤٪ من قيمته، وعلى مدى العام ونصف العام التاليين شهدت مئات الشركات انخفاض قيمة أسهمها بنسبة ٨٠٪ أو أكثر. على سبيل المثال، انخفضت قيمة برايس لاين بنسبة ٩٤٪. ولاحقًا، انخفض مؤشر ناسداك بنحو ٨٠٪ بحلول الوقت الذي وصل فيه إلى أدنى مستوياته في أكتوبر ٢٠٠٩ (راجع ماك كولوتش ٢٠١٨).

وبحلول نهاية انحدار سوق الأسهم في عام ٢٠٠٢، كانت الأسهم قد فقدت ٥ تريليونات دولار من قيمتها السوقية منذ الذروة المحلية. وفي ٩ أكتوبر ٢٠٠٢، هبط مؤشر ناسداك ١٠٠ إلى أدنى مستوياته مسجلًا ١١١٤ نقطة، بانخفاض ٧٨٪ عن ذروته.

الإيمان ﺑ «حقبة جديدة» … الأمر مختلف هذه المرة

إن ملاحظة ارتفاع الأسعار وانهيارها على نحو مذهل لا تُعَد ذات أهمية إلا إذا كان هناك سببٌ مشترك أو خصائص متشابهة أو أنماطٌ سلوكية معروفة يمكن أن تساعد المستثمرين في اكتشاف أوجه التشابه في المستقبل. وبالنظر إلى الأحداث السابقة، نجد أن أحد أهم مكونات الفقاعات وخصائصها، إلى جانب ارتفاع أسعارها وما يعقبه من انخفاض، هو الاعتقاد بأن شيئًا ما قد تغيَّر، وعادةً ما يكون ذلك تكنولوجيا جديدة أو ابتكارًا أو فرصةً للنمو. وقد لاحظ الخبير الاقتصادي النمساوي الشهير جوزيف شومبيتر هذا العنصر المتمثل في الإيمان القوي الذي يحرك الاهتمام بالاستثمار، حيث زعَم أن المضاربة تحدث غالبًا في بداية أي قطاع جديد. ومؤخرًا، في شهادة أمام الكونجرس الأمريكي في ٢٦ فبراير ١٩٩٧، أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك آلان جرينسبان إلى أنه «من المؤسف أن يكون التاريخ ممتلئًا برؤًى مثل تلك الخاصة بحلول «حقبات جديدة» ثبَت في النهاية أنها سراب.»

وقد توصلت دراسة حديثة أجراها علماء البيانات إلى أن الفقاعات في أسعار الأسهم كانت واضحة في ٧٣٪ من الحالات في عينة من ٥١ ابتكارًا كبيرًا قُدِّمت بين عامَي ١٨٢٥ و٢٠٠٠. كما وجدوا أن حجم هذه الفقاعات يزداد كلما زادت راديكالية هذه الابتكارات، وكذلك كلما زادت قدرتها على توليد تأثير الشبكة (قدرتها على تحقيق قيمة لمستخدميها لأن الآخرين يستخدمونها)، وكلما لفتت انتباه العامة في وقت طرحها في السوق.12

ورغم أنه لم يكن واضحًا أن الابتكار كان بمثابة المحفز في حالة هوس زهرة التوليب، يمكن القول إنه كان مهمًّا في الفقاعات المالية لشركة ساوث سي في بريطانيا العظمى وشركة مسيسيبي في فرنسا في عام ١٧٢٠.

ورغم أن هذه الفقاعات تضمَّنت تكهنات محمومة وارتفاعات في أسعار أسهم الشركات المعنية، وربما لا تبدو أكثر عقلانية من هوس زهور التوليب قبل قرن من الزمان، تشير أحدث التفسيرات إلى أن الابتكارات والتقنيات الجديدة لعبت دورًا في تطورها. وعلاوةً على ذلك، وكما هو شائع أيضًا في العديد من فترات الفقاعات، ساعد الإيمان القوي في تبرير زيادة العوائد المستقبلية المتوقعة في ذلك الوقت.13 ويرى فريهن وجوتزمان وجيرت روينهورست (٢٠١٣) أن «الفقاعات المالية تتطلب قصةً معقولة لتبرير تفاؤل المستثمرين.» ففي هذه الفقاعات المبكرة، على سبيل المثال، أصدرت كلتا الشركتين أسهمًا مقابل ديون حكومية، وهو ابتكارٌ نتج عنه وسيلة لتحويل الدين الوطني إلى أسهم. وفي المقابل، كانت لهذه الشركات حقوق حصرية لاستغلال الموارد (مثل التبغ وتجارة الرقيق)؛ مما مكَّنها من تحقيق أرباح فائقة.

كانت مقايضة الديون الحكومية بالأسهم أحد الابتكارات (التي لم تدُم طويلًا). وكان الابتكار الآخر، وربما الأكثر أهمية، إنشاء أول شركات تأمين تطرح أسهمها للتداول العام. نشأت هذه الشركات في بريطانيا العظمى نتيجةً لقانون الفقاعات، الذي حاول الحد من مخاطر المضاربة. وكان إنشاء شركات التأمين الممولة من القطاع العام، ولكن ذات المسئولية المحدودة، سببًا في تغيير طبيعة مشاركة المخاطر؛ مما ساهم في زيادة الرغبة في تمويل المشاريع المحفوفة بالمخاطر.

في الوقت نفسه، أتاحت التغيرات التكنولوجية (في الملاحة البحرية، على سبيل المثال) إمكانية فتح طرق التجارة عبر الأطلسي، وكان هذا تحولًا غيَّر الأوضاع التي كانت سائدةً قبلئذٍ؛ فقد أصبحت طرق التجارة الجديدة بين أوروبا وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، التي مُوِّلت، جزئيًّا نتيجةً لوسائل مشاركة المخاطر الجديدة، النظامَ التجاريَّ السائد حتى أوائل القرن التاسع عشر، وأسفرت عما يمكن اعتباره أحد الأشكال الرئيسية الأولى للعولمة. وكان الجمع بين الرغبة في المخاطرة، وظروف التمويل، والوسيلة التي قدمت عوائد جذابة، والتقدم التكنولوجي في الملاحة الذي مكَّن من استغلال الفرصة، بمثابة خلفية خصبة للمضاربة.

لعبت التطورات التكنولوجية أيضًا دورًا محوريًّا في طفرة حفر القنوات في بريطانيا العظمى في سبعينيات القرن الثامن عشر؛ إذ ساهم توفير وسائل نقل جديدة وسريعة في فتح آفاق لطرق نقل أرخص وأسرع للفحم والمنسوجات والمنتجات الزراعية؛ ومن ثَم جذب اهتمام المستثمرين. كانت القناة الأولى، التي افتتحها دوق بريدجووتر في عام ١٧٦٧، تمتد من مناجم الفحم في ضيعته شمال غرب مانشستر إلى جنوب غرب المدينة، حيث أُنشئت مصانع نسيج جديدة. وقد حققت القنوات الأولى عوائد قوية على رأس المال؛ مما جذب مستثمرين ووافدين جددًا إلى هذا المجال، وهو نمط مألوف آخر في الطفرات والفقاعات اللاحقة. بلغت الطفرة ذروتها في عام ١٧٩٣ نتيجة لبداية الحروب الثورية الفرنسية. وبحلول القرن التاسع عشر، هبط العائد على رأس المال في القنوات من ذروة ما قبل الفقاعة البالغة ٥٠٪ إلى ٥٪ فقط، وبعد ربع قرن من الزمان، بلغت نسبة القنوات التي كانت لا تزال قادرة على دفع توزيعات الأرباح ٢٥٪ فقط (راجع تشانسلور ٢٠٠٠، ص١٢٤).

تزامنت الموجة الكبيرة التالية من التكنولوجيا مع عصر السكك الحديدية في أربعينيات القرن التاسع عشر في المملكة المتحدة، وجلبت معها الفقاعة الكبرى التالية. وقد سلبت السكك الحديدية لُب الجمهور بطريقة استثنائية، وتأجَّج الاهتمام بالتكنولوجيا والافتتان بها من خلال انتشار الصحف والمجلات الخاصة بالسكك الحديدية. وغطت هذه الصحف والمجلات التطورات في السوق، وغالبًا ما كانت تُروِّج للسكك الحديدية الجديدة وتُحقِّق إيراداتٍ عاليةً من عوائد الإعلانات. ووقعت ظاهرة مماثلة في فترة الهوس بحفر القنوات قبل ذلك بقرن من الزمن.

أصبح العديد من المشاهير والسياسيين البارزين مستثمرين في أسهم السكك الحديدية. وكانت الأخوات برونتي من بينهم، وكذلك العديد من المفكرين والسياسيين البارزين مثل جون ستيوارت ميل، وتشارلز داروين، وبنجامين دزرائيلي.14 وانضم إليهم الملك جورج الأول الذي كان مستثمرًا في فقاعة ساوث سي (راجع تشانسلور ٢٠٠٠، ص٧٣)، وكذلك السير إسحاق نيوتن، الذي يُقال إنه خسر ٢٠ ألف جنيه إسترليني؛ أي ما يعادل تقريبًا ٣ ملايين جنيه إسترليني في عالمنا اليوم، عندما انهارت السوق.15

وقد أدى اتساع نطاق الاهتمام إلى دفع مزيد من الناس إلى تصديق «النجاح المضمون» للاستثمار. وفي عام ١٨٤٥ كتب مؤلفٌ عُرِف باسم «العامل الناجح»: «دليل قصير ومؤكد للمضاربة في السكك الحديدية؛ بضع قواعد واضحة حول كيفية المضاربة بأمان وتحقيق ربح في أسهم السكك الحديدية.» زعم هذا المؤلف أنه «لا توجد مشاريع أخرى يمكن توجيه رأس المال والذكاء إليها على نحو أكثر شرفًا أو أمانًا من الاستثمار في السكك الحديدية، إذا أُجري هذا الاستثمار على نحو صحيح. […] لم يُستخدم رأس مال البلاد [إنجلترا] على نحو أكثر إفادة من هذا قَط.» كان هذا قبل وقت قصير من الانهيار الملحمي لفقاعة السكك الحديدية في بريطانيا العظمى.

وعلى غرار فقاعة التكنولوجيا التي ظهرت بعد قرن ونصف، تمكَّن المستثمرون من التعرف على التأثير التحولي لأحدث الابتكارات، لكنهم بالغوا لاحقًا في تقدير العوائد المحتملة التي قد تُحققها مثل هذه الابتكارات. لا شك في أن تطور السكك الحديدية كان دراماتيكيًّا، مع التوسع السريع للشبكة والبنية الأساسية الداعمة. على سبيل المثال، تطور خط السكك الحديدية في بريطانيا من ٩٨ ميلًا في عام ١٨٣٠ إلى ١٠٤٣٣٣ ميلًا بحلول عام ١٨٦٠. ولكن العوائد المالية فشلت في الارتقاء إلى مستوى هذه التوقعات العالية.

أحاطت بطفرة السكك الحديدية في الولايات المتحدة في سبعينيات القرن التاسع عشر موجةٌ مماثلة من التفاؤل. فقد شهدت نهاية الحرب الأهلية فترةً من النمو القوي في الولايات المتحدة وزيادة هائلة في الإنفاق والاستثمار في السكك الحديدية. وبين عامَي ١٨٦٨ و١٨٧٣، زاد حجم القروض التي قدمتها البنوك، والتي ساعدت في تمويل التوسع، بمعدل أسرع سبع مرات من الودائع.16

كانت الطفرة الأمريكية في عشرينيات القرن العشرين مدعومة أيضًا بتغيرات تكنولوجية ومجتمعية. وقد جلبت هذه الفترة معها اهتمامًا هائلًا بالمنتجات الاستهلاكية الجديدة ونموًّا كبيرًا لها. وشهدت أجهزة الراديو، على وجه الخصوص، زيادةً هائلة في الطلب. وبحلول نهاية عشرينيات القرن العشرين، تضخَّم انتشار أجهزة الراديو في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من ثلث المنازل في الولايات المتحدة. وارتفعت قيمة الأسهم في شركة راديو كوربوريشن أوف أمريكا (آر سي إيه) من ٥ دولارات إلى ٥٠٠ دولار في عشرينيات القرن العشرين. ولكن عندما حدث انهيار عشرينيات القرن العشرين، هبطت أسهم أجهزة الراديو هبوطًا حادًّا. وتوقفت أغلب شركات تصنيع أجهزة الراديو عن العمل. وانهارت قيمة أسهم شركة آر سي إيه، مثل قيمة العديد من الشركات، بنسبة ٩٨٪ بين عامَي ١٩٢٩ و١٩٣٢. ولم تعد إلى أعلى مستوياتها السابقة لمدة ٣٠ عامًا.

عزَّز قطاع الاتصالات التفاؤل بالنمو القائم على التكنولوجيا في ذلك الوقت. وشهدت شركة أمريكان تليفون آند تليجراف (إيه تي آند تي)، المحرك المركزي في هذه الصناعة السريعة النمو، نموًّا سريعًا، وبحلول عام ١٩١٣ أصبحت شركةً محتكرة بموافقة الحكومة؛ مما سمح لشركات الهاتف المستقلة بالاتصال بشبكتها التي تغطي مسافةً طويلة. ووظفت إيه تي آند تي أكثر من ٤٠٠٠ عالم، وانتشرت براءات الاختراع خلال هذه الفترة. وفي عام ١٩١٥، بعد ما يقرب من ٤٠ عامًا من مكالمتهما الهاتفية الأولى، أجرى الدكتور بيل وتوماس واتسون أول مكالمة عابرة للقارات عبر خط يبلغ طوله ٣٤٠٠ ميل بين نيويورك وسان فرانسيسكو. وقد ساهم هذا الأمر في مضاعفة الحماسة بشأن التكنولوجيا وإمكاناتها في تنمية الأسواق.

في حقبة عشرينيات القرن العشرين التي كانت تتسم بالتفاؤل، لم تكن الثقة في الاقتصاد مدفوعةً بالتقنيات الجديدة فحسب، بل أيضًا بالاعتقاد بأن «النظام الأمريكي» للعلاقات العمالية قادر على تعزيز الإنتاجية والطلب. وقد لعب نموذج التفاوض الناجح مع النقابات، الذي كان يتضمن التحول من النهج الصدامي إلى النهج التعاوني في التعامل مع العمال، دورًا محوريًّا في هذا الأمر، وكان يُعتقد أن منع الكحول يساعد في الحد من إدمانه ورفع إنتاجية العمال. وعززت هذه التطورات التوقعات بشأن نمو الأجور، وبالتبعية الطلب. وتطورت دورة إيجابية أفضت فيها زيادة الإنتاجية إلى مزيد من الاستثمارات في مجالات جديدة من التكنولوجيا.

تكررت سمات عديدة لطفرة عشرينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة خلال تسعينيات القرن العشرين في اليابان. وكان الدافع وراء هذه الفقاعة هو سهولة الاقتراض، إلى جانب الإيمان بأن الإنتاجية قد تحسنت.17 ونشأت دورة إيجابية، يغذيها التمويل المتاح بسهولة، وأسعار الفائدة المنخفضة، والنمو القوي. وفيما بين بداية عام ١٩٨١ و١٩٩٠، ارتفع مؤشر نيكي بنحو ٢٠٪ سنويًّا (زيادة خمس مرات). وتمكنت الشركات من جمع مبالغ هائلة من المال مع انهيار تكلفة رأس المال؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى حدوث طفرة في الاستثمار والإنتاجية. وساعد سعر الصرف القوي (كما حدث في الولايات المتحدة في أواخر تسعينيات القرن العشرين) في الحد من ضغوط التضخم. واقتنع بنك اليابان أن الإنتاجية وإمكانات النمو في الاقتصاد الياباني قد زادت، وأنه لم يكن هناك داعٍ لتشديد القبضة على السياسات النقدية.

شهد النصف الثاني من القرن العشرين عدة مرات حماسةً بشأن قدرة الابتكارات والتقنيات على تحقيق مكاسب أوسع نطاقًا، وكان ذلك واضحًا في ثمانينيات القرن العشرين في قطاع التكنولوجيا الحيوية وفي ثورة أجهزة الكمبيوتر الشخصية الجديدة. وفي عام ١٩٨١، سهلت شركة آي بي إم، الشركة الرائدة في مجال صناعة الكمبيوتر، التسويق التجاري الواسع النطاق لأجهزة الكمبيوتر الشخصية. وازدهر الطلب على أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وبدأت مئات الشركات في تصنيعها في أوائل ثمانينيات القرن العشرين. ومع ذلك في عام ١٩٨٣، أعلنت العديد من الشركات مثل أتاري وتكساس إنسترومنتس وكوليكو عن تعرُّضها لخسائر نتيجة لفشل محاولاتها لتسويق أجهزة الكمبيوتر الشخصية للمستهلكين. وفي الانهيار الذي أعقب ذلك توقفت العديد من شركات أجهزة الكمبيوتر الشخصية عن العمل، ومن بينها كومودور وكولومبيا داتا سيستمز وإيجل كمبيوتر. واستغرقت الأسهم الباقية عدة سنوات للتعافي، وكان هذا النمط قد شُوهد أيضًا في أعقاب طفرة السكك الحديدية في القرن التاسع عشر.

كذلك عكست فقاعة اليابان في ثمانينيات القرن العشرين إيمانًا بحقبة جديدة تنطوي هذه المرة على إمكانية أن تصير اليابان أكبر اقتصاد في العالم. وفي ذلك الوقت، كان أحد أكثر الكتب شعبيةً هو كتاب «اليابان في المرتبة الأولى: دروس لأمريكا» للكاتب عزرا إف فوجل، الأستاذ الفخري بجامعة هارفرد. ناقش الكتاب كيفية تطور اليابان لتصبح «القوة العظمى» الأكثر تنافسية في العالم، دون أن تعاني من العديد من المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات الغربية. وتزايد تركيز وسائل الإعلام على صعود اقتصاد اليابان. وكان الآباء الطموحون في مختلف أنحاء الغرب يدفعون أطفالهم لدراسة اللغة اليابانية، على أمل اكتسابهم مهارات لها أهميتها في العالم الآخذ في التغير. وكان أحد عروض العمل الأولى التي تلقيتها في ذلك الوقت في أحد البنوك اليابانية الرائدة، وعندما أخبرت الناس بالعرض ظن معظمهم أن مستقبلي سيكون آمنًا بالعمل في بنك ياباني، في طليعة التمويل العالمي.

ومن المثير للاهتمام أن هذه الظاهرة كانت أيضًا ظاهرة متنامية في الفترة الأخيرة مع تحول التركيز إلى الهيمنة الصينية. وقد عبَّرت أشهر الكتب عن روح العصر؛ حيث عكس كتاب مارتن جاك «حينما تحكم الصين العالم: نهاية العالم الغربي وميلاد نظام عالمي جديد» — الذي حقَّق أفضل مبيعات في عام ٢٠٠٩ — الأهداف التي يركز عليها العصر والإيمان بعالم آخذ في التغير بكل ما يصاحبه من مخاطر وفرص. وكما ارتفعت سوق الأسهم اليابانية ارتفاعًا حادًّا، ثم انهارت مع تزايد التوقعات بشأن هذه التغييرات المستقبلية ثم انكماشها، حدث نمطٌ مماثل في الصين، وإن كان بدرجة أقل. فقد ارتفع مؤشر شنغهاي المركب لأسعار الأسهم، على نحو عكس التفاؤل السائد، بنسبة ١٦٥٪ (أو ٦١٪ سنويًّا) بين يونيو ٢٠١٣ ويونيو ٢٠١٥. ومع تباطؤ النمو العالمي وتكثيف المخاوف بشأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، انهارت سوق الأسهم بنسبة ٤٨٪ بحلول مارس ٢٠١٦.

لقد أصبحت فقاعة التكنولوجيا التي نشأت في العديد من البلدان في أواخر تسعينيات القرن العشرين أوسع نطاقًا، وشملت شركات في مختلف صناعات التكنولوجيا والاتصالات والإعلام (التي يُشار إليها عادةً بالاختصار تي إم تي).18 وبالإضافة إلى النمو الاقتصادي القوي وانخفاض أسعار الفائدة، كان الانبهار والحماسة بشأن ابتكارات التكنولوجيا عاملًا رئيسيًّا. وكما كان الحال مع الحماسة بشأن إمكانية توفير اتصالات أسرع في أعقاب المكالمات الأولى العابرة للقارات في عام ١٩١٥، تعززت التوقعات بسبب الانخفاضات الحادة في تكلفة الاتصالات في تسعينيات القرن العشرين، عندما زادت سرعة الاتصالات بمعدل أسرع من ذي قبل، وبنتائج مماثلة. انخفضت تكلفة المكالمة الهاتفية التي تبلغ مدتها ثلاث دقائق من نيويورك إلى لندن من ٤٫٣٧ دولارات في عام ١٩٩٠ (بأسعار عام ٢٠٠٠) إلى ٠٫٤٠ دولار في عام ٢٠٠٠.19

إلغاء القيود التنظيمية والابتكار المالي

غالبًا ما يكون إلغاء القيود التنظيمية أو تخفيفها أحد مكونات ظهور الفقاعات المالية. على سبيل المثال، في طفرة السكك الحديدية في أوائل القرن التاسع عشر في بريطانيا العظمى، كان إلغاء قانون الفقاعات في عام ١٨٢٥، الذي صدر بعد انهيار فقاعة ساوث سي في عام ١٧٢٠، تطورًا مهمًّا. وقد حدَّد القانون، الذي كان يهدف إلى التحكم في تشكيل الشركات الجديدة، عدد المستثمرين في شركات المساهمة بخمسة فقط. وبإلغاء القانون، سهلت الحكومة تسجيل الشركات وتأسيسها. ونتيجة لذلك سمحت لأعداد كبيرة من الجمهور المتحمس بالاستثمار في الشركات الجديدة. وفي الوقت نفسه، وكما أشرنا سابقًا، سمح الابتكار المالي لشركات التأمين الجديدة بتوفير بيئة أكثر ملاءمة للمخاطرة.

خلال طفرة السكك الحديدية في بريطانيا العظمى في منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت عملية التقدم بطلبات للحصول على تصاريح لبناء خطوط سكك حديدية جديدة أقل صرامة. ومن أجل تسريع العملية، بحلول عام ١٨٤٥، كانت الطلبات تُرسَل مباشرةً إلى لجانٍ مختارة في مجلس العموم لاتخاذ القرار. ولكن اشترك في المضاربة العديد من البرلمانيين، الذين كانوا يخدمون مصالحهم الشخصية. ونتيجةً لذلك، سُمح بعددٍ هائل من التصاريح الجديدة؛ مما أدى إلى تأجُّج المضاربة. وبحلول عام ١٨٤٦، كان البرلمان قد أقرَّ ٢٧٢ قانونًا لإنشاء شركات سكك حديدية جديدة.

وقد لعب إلغاء القيود التنظيمية وزيادة الثقة في المؤسسات دورًا أيضًا في طفرة عشرينيات القرن العشرين. وأدى إنشاء نظام الاحتياطي الفيدرالي في عام ١٩١٣ (على غرار موجة الاستقلال في البنوك المركزية في تسعينيات القرن العشرين) إلى زيادة الثقة من جانب المستثمرين، ومهَّد انتخاب الرئيس كالفين كوليدج الطريق لتخفيف صرامة قوانين مكافحة الاحتكار ولموجة من عمليات الدمج.

ساهمت عملية إلغاء القيود التنظيمية جزئيًّا في ظهور فقاعة اليابان في ثمانينيات القرن العشرين. ففي عام ١٩٨١، على سبيل المثال، منحت وزارة المالية الشركات اليابانية الإذن بإصدار سندات في سوق سندات العملات الأجنبية في لندن. وأعطت هذه السندات خيارَ شراء أسهم في أي شركة بسعر محدد قبل تاريخ انتهاء الأجل. ونظرًا للارتفاع السريع في أسعار الأسهم الذي أدى إلى زيادة قيمة السندات، تمكنت الشركات اليابانية من إصدار سندات بأسعار فائدة منخفضة للغاية. فكلما زاد عدد الشركات التي تقترض بأسعار الفائدة المنخفضة هذه وتصدر المزيد من السندات، زاد الطلب على السهم. وأُتيح للشركات حافزٌ إضافي يتمثل في قدرتها على إصدار سندات بالدولار. وفي أعقاب اتفاقية بلازا في عام ١٩٨٥، أدى الانخفاض المستمر في قيمة الدولار إلى توقع المستثمرين لارتفاع قيمة الين مقابل الدولار طيلة عمر السند، الأمر الذي نتج عنه ظهور دورة تبدو في ظاهرها إيجابية.

في عام ١٩٨٤، سمحت وزارة المالية اليابانية للشركات بإنشاء حسابات خاصة تُسمى «حسابات توكين» لحصصها في الأسهم، وهو ما سمح للشركات بتداول الأوراق المالية دون الحاجة إلى دفع أي ضريبة أرباح رأسمالية على أرباحها. ومن منتصف ثمانينيات القرن العشرين إلى أواخرها، كانت الأرباح التي تحققها الشركات من المضاربة في سوق الأوراق المالية تنمو بوتيرة سريعة، الأمر الذي شجَّع معظم الشركات الصناعية على المشاركة. وقد حققت العديد من الشركات أكثر من نصف أرباحها من حسابات توكين. وارتفع إجمالي مكاسب الشركات من صناديق توكين من ٢٤٠ مليار ين في عام ١٩٨٥ إلى ٩٥٢ مليار ين بحلول عام ١٩٨٧ (راجع تشانسلور ٢٠٠٠). كما ارتفعت مستويات الدين لتشمل أيضًا قطاع الأفراد. وكان ما يقرب من نصف الأفراد الذين طلبوا المساعدة من جمعية اليابان للاستشارات الائتمانية في طوكيو خلال عام ١٩٨٩ يملكون ما بين ١١ و٢٠ بطاقة ائتمان.20
تأثرت طفرة التكنولوجيا في التسعينيات كذلك بالابتكار في المنتجات المالية. وكان نمو أسواق المشتقات المالية محركًا مهمًّا لهذا. فبين عامَي ١٩٩٤ و٢٠٠٠، نمَت المبالغ الاسمية للمشتقات المالية في أسعار الفائدة والعملة بنسبة ٤٥٧٪، وهو ما يعادل النمو بنسبة ٤٥٢٪ في الفترة من عام ٢٠٠١ إلى عام ٢٠٠٧.21

رغم ازدهار أسواق المشتقات المالية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فقد لعبت أشكال أخرى من الابتكار دورًا محوريًّا في سوق الإسكان، وكانت سببًا في طفرة الرهن العقاري الثانوي وما تبعها من انهيار البنوك وسوق الأسهم من ٢٠٠٧ إلى ٢٠٠٨. لم يكن تأثير هذه الفقاعة واضحًا حقًّا في تقييم سوق الأسهم على نطاق أوسع، رغم أن انهيارها أدى إلى انخفاضات هائلة في أسعار الأسهم. وكانت القيود التنظيمية الخفيفة المفروضة على المؤسسات المالية، إلى جانب ابتكار المنتجات المالية، عنصرًا مهمًّا في طفرة الإسكان التي سبقت الانهيار. وكما قالت كارلوتا بيريز (٢٠٠٩)، فإن «مصطلح «سادة الكون»، الذي يُستشهد به في كثير من الأحيان للإشارة إلى نوابغ المالية الذين كان من المفترض أن يكونوا قد خططوا للرخاء اللامتناهي في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يعبر عن الطريقة التي كان يُنظر بها إليهم باعتبارهم مبتكرين قديرين، يتعاملون مع المخاطر في عالم المالية الشاسع المعقد ويقضون عليها بطرق سحرية.»

خلال سنوات الطفرة في تسعينيات القرن العشرين، حولت البنوك كميات هائلة من ديون الرهن العقاري العالية المخاطر إلى أوراق مالية بضمان رهن عقاري وأذونات دين مضمونة، يمكن بيعها في الأسواق المالية. وقد مكَّن هذا الابتكار المؤسسات الاستثمارية من تلقي الدخل من أقساط الرهن العقاري، مع تعريضها في الوقت نفسه لمخاطر الائتمان الضمنية.

كانت المشكلة أنه عندما بدأت سوق الإسكان في السقوط نشأت دورة سلبية. وانهارت البنوك، ونتج عن مخاطر الائتمان التي طالت المؤسسات في مختلف أنحاء العالم ضعف منهجي في أسواق الأصول. وقُيِّمت العديد من منتجات أذونات الدين المضمونة22 على أساس «القيمة السوقية»، وهو ما تسبب في انهيار أسواق الائتمان بالتزامن مع هبوط الأسعار؛ ومن ثَم انعدام السيولة في السوق. وقد اضطرت البنوك إلى إجراء عمليات تخفيض قيمة جذرية.23

الإقراض الميسر

على غرار العديد من الفقاعات الأخرى اللاحقة، كان النمو السريع للمستثمرين الجدد في فقاعة السكك الحديدية في الولايات المتحدة عام ١٨٧٣ ميسرًا أيضًا بفضل سهولة الاقتراض وبنوك النقد الأجنبي الجديدة التي كانت تقدم قروضًا بضمان أسهم السكك الحديدية. كما سمحت شركات السكك الحديدية بازدياد لمستثمري القطاع الخاص بالشراء بالهامش، وهو ما يتطلب عادةً دفع ١٠٪ كدفعة مقدمة، مع احتفاظ شركة السكك الحديدية بحق المطالبة ببقية رأس المال في أي وقت (وهو خيار فُعِّل بالطبع في وقت لاحق؛ مما أدى إلى تفاقم التداعيات).

ساعد النمو الائتماني في تمويل توسعات السكك الحديدية، وبين عامَي ١٨٦٥ و١٨٧٣ زادت المسافة التي تقطعها خطوط السكك الحديدية في الولايات المتحدة من ٣٥ ألف ميل إلى ٧٠ ألف ميل، منها ١٨ ألف ميل طُوِّرت في عام ١٨٧٣ وحده. وكما حدث مع العديد من الفقاعات الأخرى، توسعت تقييمات السكك الحديدية بسرعة. ومن بين ٣٦٤ شركة عاملة في عام ١٨٧٢، دفعت ١٩٤ شركة فقط توزيعات أرباح. ومع تشديد السياسات، احتاج رواد الأعمال في مجال السكك الحديدية إلى تأمين مزيد من رأس المال لمواصلة النمو السريع للسكك الحديدية. وفي هذه الفقاعة، انتهى الأمر بشركة التمويل الشهيرة جون كروك آند كمباني إلى الإفراط في التوسع في محاولتها لبناء خط سكة حديد ثانٍ عبر المحيط الأطلسي، يُعرف باسم خط سكة حديد شمال المحيط الهادي. وبعد الحصول على قرض ضخم من الحكومة، ظهرت مخاوف بشأن الحالة الائتمانية للشركة، وأعلنت الشركة إفلاسها في عام ١٨٧٣؛ مما أدى إلى بدء الانهيار. أدى ذلك بدوره إلى سلسلة من حالات الإفلاس للشركات. وأفلس عدد كبير من شركات السمسرة، وفي عام ١٨٧٣ أُغلقَت بورصة نيويورك ١٢ يومًا لمحاولة الحد من الانهيار.

زعم جون كينيث جالبريث (١٩٥٥) أن النمو السريع للاقتراض بالهامش كان أيضًا سببًا مهمًّا في انهيار عام ١٩٢٩. ولاحقًا، قيل إن هذا النمو السريع لعب دورًا مهمًّا في انهيار عام ١٩٨٧، وإن الاقتراض المنخفض التكلفة كان أيضًا سببًا أساسيًّا في نشوء الفقاعة اليابانية. تمكنت البنوك من تعزيز أصولها بفضل الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة وتكلفة رأس المال. وفي عام ١٩٩٨، كانت أكبر عشرة بنوك في العالم كلها يابانية، وكانت تستخدم مزايا تكلفة رأس المال للاستحواذ على حصة من السوق العالمية. وبحلول عام ١٩٨٨، أصبحت البنوك اليابانية أكبر المقرضين في العالم في مجال الخدمات المصرفية الدولية، بحصة عالمية تزيد عن ٢٠٪. وكان النمو المذهل للبنوك اليابانية وارتفاع القيم السوقية يعني أنه بحلول أواخر ثمانينيات القرن العشرين كان إجمالي القيمة السوقية لأكبر ١٣ بنكًا يابانيًّا أكبر بخمس مرات من أكبر ٥٠ بنكًا على مستوى العالم.24 أما اليوم، فالبنوك الأربعة الأولى على أساس الأصول صينية.

كانت القروض المنخفضة التكلفة التي يسهل الحصول عليها من السمات المميزة لفقاعة الدوت كوم في أواخر تسعينيات القرن العشرين. وفي عام ١٩٩٧ تدفقت مبالغ غير مسبوقة من رأس المال إلى ناسداك. وبحلول عام ١٩٩٩، استحوذت شركات الإنترنت على ٣٩٪ من جميع استثمارات رأس المال المخاطر. وفي ذلك العام، ارتبط ٢٩٥ من أصل ٤٥٧ طرحًا عامًّا أوليًّا بشركات الإنترنت، تلاها ٩١ في الربع الأول من عام ٢٠٠٠ وحده (راجع هايز ٢٠١٩).

أساليب تقييم جديدة

فقاعات عديدة في التاريخ نشأت بسبب الاعتقاد بأن «الأمر مختلف هذه المرة»، وقد شجَّع هذا الأمر المستثمرين على النظر في طرق جديدة لتقييم الشركات وتسويغ تلك الطرق. خلال عشرينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، زعم العديد من الأكاديميين أن الأسهم ليست أخطر من السندات، ولكنها تقدم عوائد محتملة أكبر.25 بالإضافة إلى ذلك، ركَّز عدد من الدراسات على النمو المركب في الأسهم.26
وقد زعم آخرون، مثل تشارلز دايس في كتابه «مستويات جديدة في سوق الأوراق المالية»،27 أن أسعار الأسهم في أواخر عشرينيات القرن العشرين كانت منخفضة للغاية. ومن وجهة نظره، لم تكن السوق قد أخذت بعين الاعتبار بعد الثورة الثلاثية في الإنتاج والتوزيع والتمويل التي كانت آخذة في رفع قيمة الصناعة الأمريكية.
سادت حماسة مماثلة، وخاصةً في الولايات المتحدة، أثناء طفرة سوق الأوراق المالية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. وقد ذكر بنيامين جراهام في كتابه «المستثمر الذكي» (١٩٤٩)28 أن «المعايير القديمة للتقييم لم تعد قابلة للتطبيق»، حيث أدت محاولة بنك الاحتياطي الفيدرالي لتجنب الكساد من خلال خفض أسعار الفائدة إلى زيادة إمكانات النمو في الاقتصاد؛ ومن ثَم قيمة الأسهم.

شاعت أيضًا في تسعينيات القرن العشرين نقاشاتٌ بشأن تبرير ارتفاع التقييمات أثناء فقاعة اليابان. وقد أدى ارتفاع نسبة السعر إلى الأرباح في الأسهم إلى زيادة الفارق في عائد الأسهم من أواخر ثمانينيات القرن العشرين إلى أوائل تسعينياته. وكما ذكر أوكينا وشيراكاوا وشيراتسوكا (٢٠٠١)، فإن معدل النمو المتوقع لإجمالي الناتج المحلي الاسمي المحسوب من الفارق في عائد الأسهم في عام ١٩٩٠، كان مرتفعًا بمقدار ٨ نقاط مئوية، استنادًا إلى الافتراض المعياري القائم على عامل الخصم. وكان معدل النمو هذا غير محتمل إلى حد كبير في ذلك الوقت (أو بالأحرى منذ ذلك الحين) نظرًا لانخفاض معدلات التضخم والتوجهات الديموجرافية. ومن ثَم، وكما حدث مع العديد من الفقاعات الأخرى، كان المستثمرون يعكسون توقعات شديدة التفاؤل غير مستدامة على المدى الطويل.

ورد في صحيفة «ذا إيكونوميست» (في الخامس عشر من أبريل ١٩٨٩) ما يأتي: «لقد أدرك المستثمرون اليابانيون الطريقة الدرامية التي غيَّرت بها الشركات اليابانية الرائدة مصادر أرباحها من خلال إعادة الهيكلة. وقد أدى هذا إلى جعل أرباحها غير منتظمة للغاية بحيث لا تعطي أي معنًى للمقاييس الثابتة مثل نسبة السعر إلى الأرباح. وبدلًا من ذلك، بدأ المستثمرون في تقييم تدفُّق أرباح الشركة في المستقبل من خلال النظر إلى إجمالي قيمة أصول الشركة […] وهذا يعني ضمنًا أن الأسهم قد تكون أقل من قيمتها الحقيقية.»

أثناء الفقاعات، غالبًا ما ساعدت ثقة المستثمرين في الاتجاه السائد في ارتفاع التقييمات. حدث هذا أثناء فقاعة السكك الحديدية في سبعينيات القرن التاسع عشر، وتكرر في فقاعة التكنولوجيا وفقاعة الدوت كوم في تسعينيات القرن العشرين. وبدراسة أسعار الأسهم أثناء فقاعة الدوت كوم، وجد كوبر وديميتروف وراو (٢٠٠١) أن الشركات التي غيَّرت أسماءها في أواخر تسعينيات القرن العشرين إلى مصطلح مرتبط بالإنترنت أو بتكنولوجيا المعلومات (مثل إضافة دوت كوم إلى اسمها) تسببت في زيادة سعر أسهمها بنسبة ٥٣٪ في المتوسط في الأيام التي أعقبت الإعلان عن هذا التغيير، حتى لو كان نشاط الشركة محدودًا مع قطاع تكنولوجيا المعلومات أو فيه.29

مشكلات وفضائح محاسبية

من السمات الشائعة للفقاعات عبر التاريخ إدراك المشكلات المحاسبية التي تظهر بعد انفجار الفقاعة.

بعد ثلاث سنوات من انفجار فقاعة السكك الحديدية في المملكة المتحدة (١٨٤٨)، ألَّف آرثر سميث كتابًا بعنوان «فقاعة العصر؛ أو مغالطة الاستثمار في السكك الحديدية، وحسابات السكك الحديدية، وتوزيعات أرباح السكك الحديدية».30 الأمر المثير للاهتمام حول هذه الفقاعة هو أنه بمجرد انفجارها، أُفصحَ على نطاق واسع عن حدوث انتهاكات محاسبية. وأكَّد سميث أن الطفرة في أسهم السكك الحديدية التي حدثت في السنوات القليلة السابقة أدت إلى حدوث انتهاكات محاسبية ضخمة. وأضاف أن «توزيعات أرباح كل شركة سكك حديدية منذ استخدام القاطرات ذات المحرك كانت تُدفع من خلال تخصيص مبالغ من رأس المال تُضاف إلى حساب الإيرادات. وهذا يعني أن توزيعات الأرباح كانت تُدفَع فعليًّا من رأس المال. وكانت السكك الحديدية تتطلب دائمًا مصدرًا ثابتًا للنفقات يفوق توزيعات الأرباح المعلنة، دون احتساب النفقات الخاصة بالخطوط الفرعية أو التوسعات.» قاد أحد أعضاء البرلمان، جورج هدسون، إحدى هذه العمليات؛ وقد فشلت لأنه تورَّط في ممارسة احتيالية تتمثل في دفع توزيعات الأرباح من رأس المال (وهي ممارسة حدثت أيضًا في فقاعة ساوث سي).

أشار جراهام ودود في عام ١٩٣٤ (في كتابهما «تحليل الأوراق المالية») أن «في عامَي ١٩٢٨ و١٩٢٩ حدث تراخٍ شامل وكارثي في تطبيق معايير السلامة التي كانت تلتزم بها مؤسسات إصدار الأوراق المالية في السابق. وقد تجلَّى هذا في بيع العديد من العروض الجديدة المنخفضة المستوى، بمساعدة أساليب خادعة في عرض الحقائق للجمهور. وقد أثَّر الانحدار العام في القيم تأثيرًا شديدًا في تلك الإصدارات غير السليمة وغير الموثوق فيها، وكانت الخسائر التي تكبَّدها المستثمرون في العديد من هذه التعويمات مروعةً للغاية.»

أثناء فقاعة اليابان في تسعينيات القرن العشرين، سمح إنشاء «الزايتيك»، أو الحسابات المصطنعة، بتلاعب الشركات بالعديد من الأصول؛ مما أدى إلى حدوث فضائح محاسبية. وقد تكشَّفت في صيف عام ١٩٩١ سلسلة من هذه الفضائح. إحدى هذه الفضائح، على وجه الخصوص، تضمنت، حسبما زُعم، مدفوعاتٍ سرية تزيد عن مليار دولار من أكبر شركات الأوراق المالية في البلاد إلى عدد قليل من العملاء المختارين. وكانت تهدف إلى تعويض العملاء عن خسائر التداول في فترات هبوط السوق في عامَي ١٩٨٧ و١٩٩٠. كما كانت هناك اتهامات بأن أكبر شركة سمسرة في العالم في ذلك الوقت، وهي شركة نومورا المحدودة للأوراق المالية، تلاعبت بسعر أسهم شركة طوكيو.31
استمرت الاتهامات بالفضائح، وأدت إلى إفلاس عدد من البنوك، مثل بنك توكاي وبنك كيوا سايتاما، اللذين أُلقي عليهما اللوم لإصدار شهادات إيداع وهمية لتزويد العملاء ﺑ «ضمانات» للقروض العقارية.32

ذكر بنيامين جراهام وديفيد دود (١٩٣٤) في كتابهما أنه «بدلًا من تقييم السوق باستخدام المعايير القياسية للقيمة، اعتمدت الحقبة الجديدة على سعر السوق.»

سلطت فقاعة التكنولوجيا في تسعينيات القرن العشرين الضوء أيضًا على العديد من الفضائح والمخالفات. ربما كانت أشهرها شركة إنرون، الشركة التي كانت مجلة «فورتشن» قد أطلقت عليها لقب الشركة الأكثر ابتكارًا في أمريكا لمدة ست سنوات متتالية من عام ١٩٩٦ إلى عام ٢٠٠١.33 وعندما أعلنت إنرون إفلاسها في الثاني من ديسمبر ٢٠٠١، اتضح أن الميزانية العمومية المدقَّقة قد اقتطعت من ديون الشركة الطويلة الأجل نحو ٢٥ مليار دولار. وشهدت شركة وورلدكوم فضيحة أخرى ظهرت بعد انفجار الفقاعة. فقد صنفت الشركة نفقات تُقدَّر ﺑ ٣٫٨ مليارات دولار كاستثمارات رأسمالية، وكان هناك ٣٫٣ مليارات دولار أخرى من المخالفات المتعلقة بالتلاعب بالاحتياطيات، عندما خصصت الشركة احتياطيات لتغطية الخسائر المقدرة.

خلاصة القول، رغم أن كل الأحداث التي ناقشناها في هذا الفصل كانت مختلفة اختلافًا واضحًا، فهناك سمات مشتركة لفترات الفقاعة أو الهوس تتضمن ما يأتي:

  • الإيمان ﺑ «حقبة جديدة» أو تكنولوجيا جديدة.

  • إلغاء القيود التنظيمية والابتكار المالي.

  • توفر القروض الميسرة والظروف المالية الموائمة.

  • تبرير تدابير التقييم الجديدة.

  • ظهور فضائح ومخالفات محاسبية.

هذه النقاط تتضمن بعضًا من العلامات التحذيرية التي تشير إلى تحوُّل السوق الصاعدة إلى فقاعة، قد ينجم عند انفجارها سوق هابطة هيكلية حادة، أو على الأقل خسائر كبيرة في جزء من السوق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥