البرنامج أولًا
ما دُمنا قد اتفقنا على أن «العمل» قد حان له أن يحلَّ محل «الكلام»، وما دُمت يا صديقي قد طلبت إليَّ أن أمضي في ذكر التفصيلات؛ فإني أقول لك إن أول ما ينبغي عمله هو وضع «البرنامج»، وقد ترُد عليَّ بأن «البرامج» هو أيضًا مما يدخل في منطقة «الكلام»، ولكن ما الحيلة إذا كانت حتى هذه الخطوة الأولى في سبيل العمل لم نخطها بعد؟ … إن كل النهضات التي قامت بها الحكومات الحديثة في بلادها — خصوصًا بعد الحرب — قد تمَّت وَفق منهجٍ مرسوم، وتحدد لتنفيذها زمن معلوم فقالوا:
هذا «نظام خُمسي» وهذا «نظام عُشري» تبعًا لعدد السنوات التي قرر الأخصائيون أنها لازمة لظهور المشروعات، فأين نحن من هذا؟ … أتستطيع مثلًا أن تقول لي: هل وُضع نظام ثابت لمحو الأمية من البلاد في ظرف سنوات معلومة كما فعلَت العراق، حتى نُرتب على هذا الحدث نتائج اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية نواجه بها هذه النهضة القادمة؟ … أيمكنك أن تقول لي: هل هنالك مشروعات اقتصادية، درسها الخبراء وقرروا لها زمنًا تتم فيه، وتخرج للبلاد في نهايته، وسيلة جديدة من وسائل الإنتاج تزيد الثروة الأهلية الزيادة التي تتعادل مع نمو عدد السكان، وتسد الحاجات المنتظرة والمطالب المستقبلية … أو أننا سنظل دائمًا كما نحن، وكما كنا منذ أن أدخل الخديو «إسماعيل» في مصر زراعتي القطن والسُّكر، لا نفكر في مصدر جديد للثروة ينفعنا في الغد؟
وهل في مقدورك أن تقول لي: هل درَس الباحثون سياسة ثابتة للتعليم الجامعي، وخطة واضحة لتوجيه الثقافة العامة في نهضتنا؟ … وإلى أي مدى ننحو نحو الحضارات القائمة … أو أننا سنبقى حيارى في حدائق المعرفة، لا ندري ماذا نأخذ وماذا ندع؟ … فأنت ترى أنه لم يوضع شيء بعد — حتى على الورق — لتحديد العمل والزمن مما يقتضيه التنفيذ لمختلف فروع نهضتنا، بل إنه لم يُنظر إلى الآن حتى فيما يجب البدء به حالًا من هذه المرافق المختلفة، تبعًا لحاجة البلاد، حتى لا يضيع علينا الوقت، فهل أنت ما زلت من المتفائلين؟!