الحرب بكلِّ الأسلحة
كارثة أخرى من الكوارث التي نُكبت بها مصر، وهذا الغلو والإغراق في الخصومات؛ فإذا اختلفنا على رأيٍ فنحن أفيالٌ هائجةٌ تدوس كل شيءٍ وتحطم كل شيء، إن في كلِّ بلدٍ راقٍ حدودًا مقدسة تقف عندها الخصومة وأسلحة لا يلجأ إليها أبناء الوطن الواحد، فإقحام الدين مثلًا في ميادين الخلاف السياسي أمرٌ لا يمكن أن يحدث اليوم في أي شعب ديمقراطي متحضر!
فالديمقراطية ليست كلمة تقال في الخُطب؛ لأنها جميلةٌ ذات رنين، ولا هي بناءٌ شامخٌ يسمونه «البرلمان»؛ ولكن الديمقراطية هي روح المساواة والإخاء وحرية الفكر المكفولة للجميع! … وإن كل طعنةٍ تصيب كتلة الوطن فتحللها إلى عناصر أو طوائف إنما هي طعنة مسمومة تصل مباشرة إلى قلب الأمة وصميم الديمقراطية، كذلك ينبغي أن نتذكَّر دائمًا أن الخصم في المبدأ هو مواطن مصري قبل كل شيء، وأن خصومة المبادئ ليس معناها القضاء المبرَم على الأشخاص بكل الأسلحة، وتعطيل كل أدوات المنفعة التي تُرجى منهم في وقتٍ من الأوقات، فليس من حقِّ مُواطن أن يقضي على مُواطن آخر قضاءً يُخرجه إلى الأبد من ميدان النفع العام، وإنما الغرض الذي يسعى إليه الجميع هو خدمة الوطن وحده! … فلتكن الخصومة في حدود التنافس على القيام بخدمة المجموع، وليعتقد كلٌّ في خصمه أن عجزه يومًا بعد خدمة بلاده على الوجه المطلوب لا يمنع من استطاعته ذلك في يوم، فلتكن إذَن السهام المصوَّبة من طرف إلى طرف في غير مقتل من الشخصية والآدمية والشرف، فليس من مصلحة الوطن أن تُفرش أرضه بصرعى وقتلى من أبنائه العاملين، إنما المصلحة هي في أن تتداول السواعد إدارة العجلة، وأن تتهيأ لكلِّ يدٍ الفرصة لخدمة البلاد!