شركة مقاولات الانتخابات
نعم يا صديقي! … لقد خطر لي أن في الإمكان إنشاء مثل هذه الشركة تسهيلًا للعمل، فإن من المرشحين مَن قد يكون مثلي ومثلك في براءة الحَمل الوديع، لا يعرف كيف ينال من خصومه، ولا كيف يمدح نفسه، ولا كيف يضحك على ذقون الناخبين! … فما أحسن لمِثلنا من أن يتوجه إلى مثل هذه الشركة، ويتفق معها على «المقاولة» ويدفع «العربون»، ويذهب إلى منزله فينام ملء عينيه، وتقوم هي بكلِّ ما يجب من إقامة السرادق، وتأجير الخطباء، وإعداد الولائم، وجمع المعلومات عن فضائح الخصم ومثالبه الشخصية … إلخ … إلخ.
وما على مثلي ومثلك بعد ذلك إلا أن يذهب إذا شاء خفية على سبيل حبِّ الاستطلاع، ويجلس في سرادق الاحتفال الذي تقيمه الشركة؛ فيرى ويسمع اللذيذ الطرين، يرى خطباء الشركة قد قاموا، أو اعتلوا المنصة واحدًا تلو واحد، يُوسعونه مدحًا، ويسردون تاريخ حياته الحافل بكل جليلٍ ومجيد، ويتكلمون في ذمته وطُهره وكفايته ونزاهته، وهو لم يرهم ولم يروه قط! … ثم يعرجون على خصمه فيطعنون فيه الطعن المرَّ، ويذكرون من خصاله الذميمة وأعماله الخبيثة وخياناته وسفالاته ما تشمئز منه النفوس، وما تكاد تختم هذه الحفلات على خير أو شرٍّ حتى تقدِّم الشركة «فاتورة» الحساب؛ فإذا استكثرت المبلغ أقسموا لك إن الشركة قامت بنفقات باهظة، وإن خصمك وحده كلف الشركة «شتائم» بما يساوي مائة جنيه … إلى هنا لا بأس … لكن لو خطر لك أن تسير قليلًا في البلدة لوجدت عجبًا؛ فإن سرادقًا آخر قد نصبته عينُ الشركة لخصمك هو هو أيضًا، وقد قام فيه خطباء آخرون من الشركة يمدحون الخصم، ويغسلون عنه ما لحقه في السرادق الأول، وينزلون بك أنت كل تهمةٍ وكل عيب، ويلصقون بك من «الشتائم» ما يساوي مائتي جنيه؛ فإذا ذهبت غاضبًا إلى الشركة قالوا لك: يا حبيبي حضرتك «زبون» وحضرته «زبون»!
فإذا صِحت محتجًّا ابتسموا لك في أدبٍ بما معناه أن «لا فضل لزبون على زبون إلا بالمال!»
هذه الشركة الخيالية غير موجودة من حُسن الحظ على هذا الوضع، ولكن مَن يدري؟ لعل الحال في جوهره يجري أحيانًا على هذا المنوال، فإن ما يُسمونه حفلات الانتخابات يؤدي غالبًا إلى مثل ذلك بدون أن نقصد، وإن يد «التنظيم» هذه إذا دخلت في مسائل الواجب والضمير فإنها تتجه غالبًا إلى فم الساذجين، فتُزحمه بألوانٍ من الطعام، يضيع معها صوتُ الواجب والضمير!