مصر والشعار الدولي
قرأت تعقيبكم على إثارتي لحرية خلع «الطربوش» فاسمحوا لي أن أُبدي بعض حججي وأسبابي، وأبدأ فأقول إن لا محل للقلق والخوف من إضعاف الروح القومي إذا خُلع «الطربوش»؛ فإن الروح القومي هو في القلب الحار لا في ذلك «القرطاس» الأحمر. وقد يكون هنالك محل الخوف لو أننا كنا أولَ أمةٍ في الأرض قادمة على هذا التغيير … أمَا وقد فعلَت ذلك قبلنا أممٌ شرقية، هي الآن خيرٌ منا في قوة روحها القومي، فليس لنا إذَن أن نتردد أو نخاف، فما من أحدٍ يستطيع أن يقول إن اليابان ذات التقاليد الشرقية العريقة قد فقدت روحها القومي يوم لبست ولبس مليكها — وهو ذو صفة دينية مقدسة — اللباس الدولي الكامل، وما من أحدٍ يستطيع أن يقول إن النبي العربي كان له زيٌّ خاص، فهو قد لبس القَلنسوة ولبس اللامة، ولم يكن هنالك فارق في اللباس بين مسلم ومسيحي ويهودي!
واليوم وقد اتَّجه العالم كلُّه في حضارته القائمة هذه الوجهة الجميلة، وسَنَّ هذه السُّنة الحميدة التي ترمي إلى وحدة الزي في الدنيا قاطبة، هذه السُّنة التي عرفها الإسلام منذ نشأته، فلم يحفل بزيٍّ أو بلباسٍ حتى لا يجعل بني الناس فوارق غير ما لبسته أرواحهم ونفوسهم!
اليوم وقد شعرنا بحاجتنا إلى الوحدة والمساواة داخل حدود بلدنا بإزالة الفوارق التي تشطر السكان إلى طائفتَين غير متعادلتَين … اليوم ونحن مقبلون على حياة خارجية قوامها الاندماج في عصبة الدول المتحضرة، أية فائدة لنا أن نضع بيننا وبين أمم الأرض ذلك الفارق الظاهر الذي ينادي في كل حين بتخلفنا وحدنا دون غيرنا من الأمم الشرقية المسلمة وغير المسلمة، التي أعلنَت للعالم نهضتها، وقامت تجلس جنبًا إلى جنب مع أرقى الدول حضارة؟!
أما القول بأن تغيير لباس الرأس قد يجرُّ إلى تغيير اللغة أيضًا؛ فالجواب عليه أن ننظر كذلك إلى غيرنا من الدول التي تُماثِلنا في الحال، ولنبحث: هل غيَّرت «اليابان» و«الصين» و«إيران» و«العراق» لغتها؟ … بل متى كان الاتحاد في الزي يوجِب الاتحاد في التفكير؟ إن الملحوظ في حضارة اليومِ أنها وحَّدت الزي في شعوب الأرض مع عدم المساس بشخصية كل شعبٍ وثقافته!
وها هي ذي «أمريكا» تُماثل «إنجلترا» في الزي وتتكلم الإنجليزية مثلها؛ ومع ذلك فإن الأدب والثقافة وطريقة التفكير عند «الأمريكان» هي غيرها عند «الإنجليز».
لا ينبغي إذَن أن نتمسك بكلمة «الشعار الوطني» لشعبنا أو لحكومتنا المصرية؛ فإن مستقبلنا قد تغيَّر، وبعد أن كنا شعبًا منعزلًا قد أصبحنا شعبًا منضمًّا إلى هيئة الشعوب الأخرى، لنا ما لهم، وعلينا ما عليهم، فالأحرى أن نتمسَّك منذ اليوم بكلمة «الشعار الدولي الرسمي» لأمم العالم، كما تفعل كل أمةٍ تركت عُزلتها وظُلمتها وخرجت إلى الحياة والمجتمع والنور!
وبعدُ، فإني لشديد الإيمان بالتطور الطبيعي لما أراه من تطور الشرق السريع نحو حياة جديدة وتفكير جديد قوامه الخروج من العزلة والجمود إلى التجدد والتعاون مع العالم، وإني لألحظ تقدُّم مصر في هذه السبيل تقدُّمًا يشبه الركض على الرغم من المعارضة الكلامية الظاهرة؛ فالمرأة المصرية قد غيرت زيها في سكونٍ وشجاعة، فوافقها الرجال دون جدال!
هذا يدلُّني على أن مصر تتحرك بالفعل وتسير، وإن كانت لا تزال تسير مفتونة بالكلام والمناقشة أثناء السير! … نعم، كل هذا يثبِّت عقيدتي أنه لن يأتي عام ١٩٥٠م حتى تكون مصر متحدة مع العالم المتحضر في زيه الكامل المعروف، تلبية لنداء التطور الطبيعي للأشياء!