المرأة والمجتمع
إنَّه ليُدهشني حقًّا أنَّ بعض الشباب المثقَّف نادى يومًا بفصل الجنسين في الجامعة المصرية، في وقتٍ أثمر فيه نظام الدراسة المتَّحدة وأخرج لنا فتيات حائزات على «الليسانس» و«الماجستير» و«الدكتوراه»، هن فخرُ مصر، وهن أنصع دليلٍ على رُقي مصر العقلي في الوقت الحاضر … إن القول بأن المرأة للبيت لا لمزاحمة الرجل، لا يَحُول مطلقًا دون تثقيف المرأة تثقيفًا تامًّا، لتكون زينة البيت، وأستاذ الطفل، ومعلَّم الجيل! إن المرأة ليست قطعة من أثاث البيت توضع فيه بجهلها وعقلها المغلق … وهي ليست خادمًا تُطعم الرجل وتغسل له ملابسه، ولكنها شريك محترم ينبغي أن يجد فيه الرجل متعة عقلية تُحبِّب إليه البيت.
أمَا شبِع رجالنا طوال الأجيال الماضية جلوسًا في المقاهي والحانات يأنس بعضهم ببعض، هاربين من وحشة المنزل الذي لا يحوي غير نساءٍ كالخادمات؟ … نعم … إن المرأة للبيت، ولكنها لكي تكون بحقٍّ ملكة البيت وقرة عينه يجب أن تتثقف أكمل ثقافة! … إن من النساء في صدر الإسلام من فُقنَ الرجال في فنون الشِّعر والأدب والعلم والجدل! … وقد كان لبعضهن مجالس مشهورةٌ يحضرها رجال الدولة ونوابغ الشعراء والأدباء والمغنين! … وكان ذلك في عصر لم تُزاحم فيه المرأة الرجل في المناصب والأعمال!
كذلك فلنقُل عن ثقافة المرأة الأوروبية يوم كانت صالوناتها تضمُّ أعظم العباقرة، دون أن تخرج المرأة وقتئذٍ من أجل ذلك عن وظيفتها، فتُزاحم الرجل في أسباب معاشه … لا ينبغي إذَن أن نخلط بين أمر تثقيف المرأة وبين أمر وظيفتها.
إنَّ المرأة زهرة البيت وروحه، بل زهرة المجتمع وروحه، كلنا في ذلك متفقون، فلنجعلها إذَن زهرة، وهل تعرف زهرة أينعت دون أن تتعرض قليلًا للشمس والهواء؟ … فلنحاذر كل الحذر من حبس المرأة … فإن ذلك حبس لعقلها وموت لشخصيتها، ولنذكر أننا اليوم ندفع غاليًا ثمن سجن المرأة المصرية في الماضي، فهي كلما دعتها الظروف إلى مواجهة الحياة والمجتمع اهتزت قدماها ضعفًا واحمرَّ وجهها حياءً، وتلعثمت وتعثرت في هزالها النفسي والفكري، وظهرت بمظهر يدعو إلى الرثاء والإشفاق، وبدت للأعين أقرب إلى الخادمات المحجوبات منها إلى سيدة مهذبة قوية بشخصيتها وتجاريبها، واثقة من نفسها ومن احترام الناس لها … كل هذا حدث؛ لأن المرأة في مصر ذَبل عقلها من طول السجن ولم تعتد مواجهة المجتمع منذ الصغر … إن إقصاء المرأة عن مجتمعنا كما يُقصى الحيوان الحقير، جريمة فظيعة، هي القتل المعنوي بعينه لا أكثر ولا أقل، وهو الامتهان لكرامتها ولآدميتها امتهانًا يجب عليها أن تثور من أجله، وأن تُقيم الدنيا وتُقعدها ولا تسكت عنه كما سكتت فيما مضى من أجيال، المسألة مسألة حياتها أو موتها، وإن الذين يريدون قتلها باسم الدين — والدين بريءٌ– لا يدركون أنهم بذلك إنما يقتلون أنفسهم بأيديهم!
إنَّ عقل المرأة إذا ذبل ومات فقد ذبلَ عقل الأمة كلِّها ومات!