المرأة والبيت
سألَتني كذلك إحدى المجلات عن رأيي في الفتاة المصرية الحديثة، وفهمها لرسالتها نحو «البيت»، فأبديت خوفًا شديدًا من أن يؤدي تيار الحياة العصرية إلى جرف المرأة المصرية بعيدًا عن واجبها الأسمى. فالفتاة اليوم أمام هيكلَين هائلَين، يؤثران في عقليتها الناشئة ومجرى تفكيرها الحديث: دُور السينما، ودُور الجامعات، وإني لأخشى أن أقول إنَّ الفتاة في مصر اليوم إذا فقدت الاتزان، واندفعت بكل روحها إلى أحد هذَين الهيكلَين، فلا مناص لها من أن تكون إحدى اثنتَين:
الأولى: تلك التي تخرَّجت بنجاح في دور السينما والملاهي، وحذَقت تقليد ممثلات «هوليوود» ورأت «كلوديت كلولبير» تصفع زوجها في الرواية على خدِّه الأسيل، فيمسح مكان الصفح بالمنديل، وراحت تُراقص هذا وذاك، وتجلس على مقعد «البار» العالي وتتمدد عارية على أديم الرمال، ولا تعرف من شئون الدنيا والآخرة غير الكلام في الجاذبية وقلة الجاذبية التي عند الرجال، ولا تدرك أن عليها لزوجها واجبات، فهي ليست مسئولة عن بيتٍ ولا مطبخٍ ولا أولاد؛ لأن هذا من عمل الخدَم والمربيات … أما هي فوظيفتها في الصباح الطواف بحوانيت الزينة والثياب والذهاب إلى الخياطات، وفي الظهر استقبال زوجها بالطلبات، وفي العصر التعلُّق برقبته ليخرج بها إلى النزهة، أو يدعها تذهب إلى «زوزو» و«شوشو» و«موشو» للعب «البريدج» و«الكونكان»!
أظن مثل هذه المرأة توافقني على أن الرجل المحترم المسئول هو آخر مَن يفكر في قبول مثل هذه المرأة شريكًا محترمًا يسير إلى جانبه في طريق حياةٍ جديةٍ قد تكون عظيمة الأثر في تاريخ بلاده!
أما النوع الثاني من المرأة: فهو نوعٌ تخرَّج بنجاح في المدارس والجامعات، فحذَق تقليد الرجل في جهله بشئون البيت، ومعرفته بآراء «أفلاطون» و«أبي العلاء»، نوع من حائزات البكالوريات أو الدبلومات اللاتي قد يَصلحن للتدريس أو التوظيف، ولكنهن لا يصلحن زوجات! … نساءٌ يعرفن «أفلاطون» ولا يعرفن كيف تُقلَى بيضة، فإذا مَرِض الطباخ أو خرج تغذَّى الزوج المحترم بزبدة أفكار «أفلاطون»!
أما خريجات المدارس الإنجليزية — ممن تعلَّمن قشور اللغة الفرنسية أو الإنجليزية ومبادئ البيانو — فإنهن عرائس جوفاء صُنعت في حوانيت «المير دي ديو» أو «المدام دي سيمون»، لتوضع مع جهاز العُرس في بيت زوجٍ مسكين، كُتب عليه أن يُنكَب بحمل هذه الدُّمية المتحركة الناطقة «بمون شير» و«ماشيري» من حيث أراد مُعِينًا يُعينه على حمل متاعب الحياة!
وكلتا المرأتينِ لم تفهم مما تعلمته في هذه المدارس المختلفة غير شيءٍ واحدٍ: حقها المطلق في السيطرة على الرجل وإخضاعه وعدم طاعته، وجعله خادمًا لمطالبها، نازلًا على إرادتها، واعتبار أي حقٍّ له قبلها تأخرًا، يُقابل منها بالاحتجاج والازدراء … هذا حادثٌ في مصر بالفعل الآن!
أما في أوروبا، حيث عرفت المرأة كيف تصل إلى الاتزان المطلوب، فهاكُم ما تقوله زوجةٌ فاضلةٌ في إحدى القصص الفرنسية الشهيرة قرأتُها أخيرًا بالمصادفة: «منذ الأيام الأولى لزواجي، رسمتُ لنفسي خطَّ سيرٍ محددًا: هو أن أسمع وأعمل كل ما يريده زوجي، ولم أنحرف قطُّ عن هذا المبدأ. ولقد وجدت نفسي بذلك على خير حال؛ إذ بفضل ذلك جعل زوجي يسمع ويعمل كل ما أريد! … هنا سِرُّ سعادتي، وهي كما ترى قائمةٌ على هذا المبدأ البسيط: فلتفعل الزوجة ما يُعجِب زوجها، ويفعل هو ما يُعجِبها! …» هل يستطيع أحدٌ أن يَعُد لي كثيرًا من الزوجات عندنا اليوم يسِرنَ على مثل هذا المبدأ البسيط؟!
إني أعتقد أن الزوجة الصالحة هي تلك التي تستطيع مشاركة زوجها في سيره الطويل الشاق في طريق الحياة، وأن تُعينه حقيقة أصدق المعاونة على احتمال متاعب السير، وأن تُخفف عنه قسطًا وافرًا من أعباء الحياة اليومية!
لكَم أثَّرت في نفسي صورةٌ أخيرةٌ للمستر «تشرشل»، وهو يمشي إلى جوار زوجته، متنزهَين في أحد الطرق! … كل ما في تلك الصورة يدل على أن هذَين الزوجَين قد قطعَا معًا على هذا النحو طريق الحياة بما فيه من هناءٍ وشقاء.
كذلك أثَّرت في نفسي كلمة إهداء، صدَّر بها أحد كبار رجال السياسة في فرنسا كتابًا له ختم به حياة كلها كفاح:
«إلى زوجتي التي تشاركني أيامي البيض وأيامي السُّود!»
فإلى أن تَكثُر في مصر والشرق مثل هذه الشريكة، لن نجد بكثرة رجالًا عظامًا، يحتملون السير في طريق الجهاد والمجد حتى النهاية!