سليقة المرأة
أذكرُ أن فتاة مثقفة سألتني ذات يومٍ عن رأيي في اشتغالها بالصحافة … وهل هذا العمل يناسب طبيعتها باعتبارها امرأة؟ … فقلتُ لها: ثقتي أن المرأة مُخبرةٌ صحفيةٌ بالفطرة … سواء التحقت بجريدة أو ببيتها … لقد كان «آدم» في الجنة هادئًا وادعًا ساكنًا لا يُفكِّر في شيء، ولا يصل إلى عالَمه أمر. فمَن الذي جاءه بالخبر الأول في تاريخ الأخبار … وأعني به اقتراح «إبليس» أكل الفاكهة المحرمة؟ … أليست هي «حواء» التي نقلت إلى «آدم» هذا الخبر الهام؟!
مَن الذي كان يسمع من «الحية» الكلام، ويُجري معها «الأحاديث»، ويستقي منها الأخبار، ويُفضي بها إلى آدم؟ … أليست هي حواء؟ … إني أعتقد أن هذه الحادثة هي أول عملٍ صِحفي منذ بدء الخليقة! … وبهذا تكون «حواء» هي أول صِحفية مخبرةٍ ظهرت في الكون، قبل أن تخطر فكرة الصِّحافة على بال مخلوق!
إن الصِّحافة في دم المرأة … وهي عندما لا تجد خبرًا تنقُله أو شخصًا تستجوبه، تعمِد إلى زوجها فتفضي إليه بكل ما سمعت في يومها وما رأت في نهارها … أما إذا كان الزوج هو القادم عليها من الخارج فإنها تستقبله بالسؤال تلو السؤال: أين كنت؟ … ومع مَن كنت؟ وفيمَ كنتم تتحدثون؟ … والويل له إذا تهرَّب من الإجابة متذرعًا بالتعب، أو راجيًا تأجيل الحديث، أو مؤكِّدًا أنه لم يقابل أحدًا ذا بال، فإنها عندئذٍ تعامله كما لو كان وزيرًا خطيرًا يُخفي عنها عامدًا أسرار أزمةٍ دولية! … فهي تُضيِّق عليه الخناق … وتحاوره وتداوره بكل حِذقٍ وبراعة، فإذا أكَّد لها أو أقسم أنه ليس عنده ما يستحق الكلام، صاحت به: أهذا معقول؟ كل هذا الوقت في الخارج وليس عندك ما تقول؟ … وتظل به تستحثه حتى يُضطر المسكين إلى أن يلفِّق لها خبرًا لم يقع … ولكنها بسليقتها تدرك أن ما قال ليس له نصيبٌ من الصحة، فتبتسم وتسكت متظاهرة بالإصغاء، إلى أن يتورط في سلسلة من الأكاذيب والمتناقضات، فتُمسك به متلبِّسًا بالأكذوبة، فيعترف، وهنا تقول له: لن أُصدِّقك بعد اليوم … كل أخبارك كاذبة.
– ومَن قال لكِ أن تتخذيني مصدرًا للأخبار؟
– لماذا تخترع؟ … لماذا لا تقول الحقيقة؟
– لأنَّه لا توجد حقيقةٌ … لا يوجد شيءٌ على الإطلاق … وأنتِ مصممةٌ على أن تنتزعي مني خبرًا بأي طريقة!
– أريد خبرًا صحيحًا لا مخترَعًا!
– لا يوجد … قلتُ لكِ: لا يوجد … ليس عندي اليوم خبرٌ صحيح. لم يبقَ إلا أن أخترع! … وإلا فلأسكت سكوتًا مطبِقًا … وإياكِ أن تسأليني شيئًا أبدًا!
– إذَن اخترع … هذا على كلِّ حالٍ خيرٌ من لا شيء!
نعم … إن الصحافة الإخبارية ميراث المرأة عن جَدتها «حواء» … فلتهبط ميدانها إذا شاءت، ولتنقل من الأخبار ما أرادت، ولتستقِ من المصادر ما وجدت! ولن يعوزها اليوم أيضًا في الدنيا «إبليس» ولن تنقُصها «حيَّةٌ»، فإن محيط المجتمع من قوميٍّ وعالميٍّ يعجُّ ويضجُّ بالأبالسة والشياطين والحيَّات والثعابين، بأحاديثها ومغرياتها ومقترحاتها.
ولعلَّ ملايين السنين قد علَّمت المرأةَ الآن الحكمةَ … فلن تنقل «الخبر» الذي يُخرج آدمها الجديد من «الجنَّة»!