في سيالكوت
وقد امتاز إقبال بذكائه وجدِّه، ففاق أترابه، ونال جوائز كثيرة.
ومن نوادره أنه وهو في سن العاشرة، جاء إلى المدرسة متأخرًا فسُئل عن تأخره فقال: الإقبال يأتي متأخرًا.
وحينما كان في السنة الرابعة — في نظام التعليم في هذه المدرسة وليست بعيدة من الرابعة في التعليم الابتدائي عندنا — أخذه والده إلى صديقه مير حسن وقال: أريد أن تعلِّمه الدين بدل ما يتعلمه في المدرسة. فأجاب الأستاذ مبتسمًا: هذا الصبيُّ ليس لتعليم المساجد وسيبقى في المدرسة.
ولبث إقبال من ذلك الحين إلى أن أتم الدراسة في كلية البعثة الأسكوتية في رعاية مير حسن وتأديبه.
ورأى الأستاذ من ذكائه ومخايله، بل من قوله وفعله، ما زاده إعجابًا به وتأميلًا فيه؛ فعُني بتلقينه الدين والعربية والفارسية.
ولما رآه يَنظم الشعر وعرف موهبته فيه، أرشده وحرَّضه وحسَّن له أن ينظم باللغة الأردية مكان البنجابية.
مير حسن
هو من المنتسبين إلى آل البيت، وكان أستاذ اللغة العربية في كلية سيالكوت، وكان متضلعًا في الأدب الفارسي. وكان عَلمًا من أعلام البلد، يعرفه الصغير والكبير، مهيبًا مُبجَّلًا. وكان ضعيف البصر يمشي الهُوينى متوكِّئًا على عصًا طويلةٍ. ويسير من داره إلى الكلية مسافة ميليْن في ساعة، وكان لا يتأخَّر عن موعده دقيقة.
لقد لبثنا دقيقتين ننتظرُك. فأجاب فورًا: لا بأس لقد انتظرتُك سنين حتى جئتَ إلى هذا العالم. وكان العميد أصغر منه سنًّا.
وقد بلغ من هيبته أن الأساتذة والطلبة كانوا إذا رأوه قادمًا خَلَّوْا له الطريق أو أفسحوا له. وكان الطلبة الذين يقرءون عليه العربية يجدون منه شدة وتقريعًا أول الأمر، فإذا جاوز المرحلة الأولى أفادوا كثيرًا من غزارة علمه.
ولم يكن الشيخ، على هذا، غليظًا جافًّا بل كان ظريفًا فَكِهًا في مواضع الظرف والتَّفكُّه.
وقد وفَّى إقبال لأستاذه فأشاد بذكره في شعره. ولما عُرض على إقبال لقب «سير» كما ترى فيما يأتي، اشترط أن يمنح أستاذه لقب شمس العلماء؛ فأُجيب إلى ما اشترط.
نظم الشعر
وكان إقبال في هذه المرحلة من عمره ينظم الشعر، ويزداد على مرِّ الأيام إحسانًا فيه. وكان يُرسل بين الحين والحين شعره إلى الشاعر داغ أحدِ شعراء الأردية النابهين. ونظر الشاعر الكبير في قصائد الشاعر الشادي، ثم كتب إليه أن لا ترسل إليَّ شعرك فما يحتاج إلى تنقيح.
وعاش داغ حتى ذاع صيت إقبال وبلغ في الشعر ما بلغ؛ فكان يفخر بأنه نقَّح شعر إقبال في صباه.
وفرغ إقبال من الدرس في الكلية الأسكوتية سنة ١٨٩٥، وسِنُّه زهاء اثنتين وعشرين سنة.