سفره إلى أوروبا
عزم إقبال على الرحيل إلى أوروبا للتزود من العلم، اتِّباعًا لمشورة السير توماس آرنولد، وسِنُّه يومئذ اثنتان وثلاثون سنة.
ولما بلغ مزار نظام الدين أنشد قصيدة باللغة الأردية إنشادًا شاجيًا.
يقول في هذه القصيدة بعد مدح نظام الدين:
ويقول:
وفي هذه القصيدة نفحات من شعر إقبال ومن فلسفته، الفلسفة والشعر اللذيْن شاعا من بعدُ فملآ الآفاق نورًا ونارًا.
ثم رجع إلى المدينة دلهي، ومر في طريقه على قبر الشاعر الكبير الذي هو أعظم شعراء المسلمين في الهند قبل إقبال، ميرزا أسد الله غالب المتوفى سنة ١٨٦٩م.
وقد استأذن القوَّال في إنشاد بيت لغالب، واستمع إقبال مأخوذًا بالشعر والذكرى، فلما هم الحاضرون بالانصراف قبَّل قبرَ الشاعر العظيم وانصرف. ومثل إقبال يُقدِّر شعر غالب ويخشع لذكراه ويلثم قبره.
إقبالٌ في أوروبا
عاد إقبال إلى لندن، فدرس القانون، وجاز امتحان المحاماة، والتحق كذلك بمدرسة العلوم السياسية زمنًا.
وكان الأستاذ آرنلد حينئذٍ أستاذ العربية في جامعة لندن، واضطر إلى الانقطاع عن عمله ثلاثة أشهر، فاختار إقبالًا ليخْلُفَه في عمله.
ولم يألُ محمد إقبال — وهو في أوروبا — في لقاء العلماء والتحدث إليهم ومداولة الرأي معهم في قضايا من العلم والفلسفة. وكان كدأبه طول عمره مُولَعًا بالقراءة والاستزادة من المعرفة جهد الطاقة.
حدَّثني الشيخ سيد طلحة، وكان أستاذًا في جامعة بنجاب، قال: حدَّثني خادم مكتبة الجامعة أنه لم ير أحدًا كإقبال حرصًا على مطالعة الكتب والنظر فيها والاستزادة منها.
يا ساكني ديار الغرب، ليست أرض الله حانوتًا. إن الذي توهَّمتمُوه ذهبًا خالصًا ستروْنَه زائفًا، وإن حضارتكم ستبخَع نفسها بخنجرها. إن العُشَّ الذي يُبنى على غصنٍ دقيق لا يثبت.
وكان بعد أن علم ما علِم ورأى ما رأى في الهند وأوروبا يتنازعه طريقتان في الحياة؛ طريقة العمل وطريقة الفكر. وبدا له حينًا أن يهجر الشعر ويغامر فيما يغامر الناس فيه، ولكن صديقه السير عبد القادر وأستاذه آرنلد حسَّنا له أن يدوم على نظم الشعر.
وما كان أعظمها خسارةً للأدب الإسلاميِّ وأدب العالم كله وللإنسانية جميعها لو هجر إقبال الشعر فلم يخرج للناس دواوينه التسعة.