مذهب إقبال في الشعر خاصة
ذكرتُ آنفًا مذهب إقبال في الفنون عامة؛ أن لها مقصدًا في حياة الناس، وأن هذا المقصد ينبغي أن يكون تقوية النفس، وأن الفن تعبير عن نفس قوية لا تُحاكي الطبيعة، ولا تقلد غيرها، ولكنها تصوغ الفن من دمها ونبضها، وتؤثر به في الحياة.
وفي هذا الفصل أخصُّ بالبيان مذهب إقبال في الشعر، وهو فرع من رأيه في الفنون عامة. وإقبال كان شاعرًا نابغة. فكان، لا جرم، أكثر عناية بالشعر، ووجب على من يُبيِّن مذهب إقبال في الفنون الجميلة أن يخص الشعر بالبيان بعد الكلام في الفنون عامة.
الشعر والحقيقة
الحقيقة إن لم تُخالطها العاطفة فهي حكمة. وإن قبست من نار القلوب فهي شعر.
يقول إقبال في رسالة المشرق:
وهذا حق. كل حقائق العالم موضوع للشعر إن خالطتها العاطفة، ولوَّنها الخيال.
ولا يتَّسع المجال لتفصيل القول في هذا. وحسبي أن أقول إن إقبالًا يرى أن حقائق العالم كلها تدخل في الشعر إن قبست من نيران القلوب. وقد عالج الفلسفة العالية، وحقائق الحياة في دواوينه التسعة التي عددتها في الفصل الأول من هذا الباب.
الشعر جمالٌ وجلالٌ
ولا غنى للشعر عن أن يكون جمالًا وجلالًا، وأن يكون بانيًا أو هادمًا، وأن يكون هَديًا إلى كمالٍ أو ثورةً على نقص.
الشعر حياة وأمل
والصمت خير من شعر لا يبعث في النفس قوة الحياة، ونضرة الأمل، ولا يحدو الناس إلى المعالي، ويحبب إليهم الحياة العزيزة الكريمة.
لا يُعجب الشاعر بشعر العجم على ما فيه من سحرٍ وفنٍّ لما يرى فيه من التَّرف، والهمود، والإشفاق من مشقات الحياة، والتشاؤم.
هذه الأبيات عنوانها الشاعر. فهو يُريد شاعر الشرق مُجاهدًا لا يركن إلى الترف، ويريد أن تكون معانيه لامعة قاطعة كالسيف مهما تكن ألفاظها وصورها.
ويريد أن يكون الشاعر داعيًا إلى المجد، والمجد لا ينال بغير الجلاد المرِّ، والشعر عدة هذا الجلاد.
وكذلك يريد الشاعرَ سائرًا بآماله إلى غير نهاية، ففي هذا السير توحي إليه المعاني السَّرِيَّة، ويرى كل حين للوحي طورًا وبرقًا. وخيرٌ للشاعر ألا يظفر بمطلوبه حتى لا يقف به المسير:
ولهذا أيضًا يدعو إقبال شعراء المسلمين إلى أن يُولُّوا وجوههم شطر البيداء حيث السعة والحرارة والريح العاصف، وإلى أن يَنسِبوا بسلمى العرب في باديتها.
وسيأتي ذكر هذا.
فإذا نفخ الشعر في النفوس الحياة، وبعث الإنسان فهو وراثة النبوة.
أثر الشاعر في أُمته
يبين إقبال عن آرائه في الشعر والشاعر في مواضع كثيرة من شعره، أوفاها وأبينها ما كتبه في فصل من أسرار خودي عنوانه «إصلاح الآداب الإسلامية». يُبين في هذا الفصل مكانة الشاعر القوي وأثره في الأمة حياة وأملًا وهدايةً وعملًا. كما يُبين أثر الشاعر الضعيف في الأمة، ترفًا وخمودًا ويأسًا وهلاكًا.
وهذه ترجمة أبيات من هذا الفصل فيها وفاء ببيان مذهب الشاعر الفيلسوف محمد إقبال في الشعر والشعراء:
هذا الشاعر الحيُّ الذي يبعث في الأمة الحياة. وشاعرٌ آخر هو حادي الهلاك، ونذير الموت:
إلى أن يقول:
إلخ.
ثم يقول بعد وصف الشاعر الفَسْل الخائر اليائس، مُبينًا الطريقة المُثلى في الشعر:
وفي فاتحة أسرار خودي يصف نفسه ويقول إنه جديد غريب في هذا العالم، إلى أن يقول واصفًا مذهبه في الإعراب عما في النفس في صراحة وجرأة وقدرة. وهو في الحق يصف المثل الأعلى للشاعر كما يتصوره:
ويقول في رسالة المشرق، وهو إعراب عن مذهبه في الشعر والشاعر:
ويقول:
هذا مذهب إقبال في الشعر، ألفته من أبيات في دواوينه وكلماتٍ مأثورة عنه. وهي جُملة وراءها تفصيل، وعنوان يتلوه إن شاء الله بيانٌ وفيرٌ.