الفصل الخامس
أمثلة من شعر محمد إقبال
أقتصر في التمثيل على ما ترجمتُ نظمًا من دواوينه. والذي ترجمتُ أربعة دواوين: رسالة
المشرق، وضرب الكليم، والأسرار، والرموز.
ولا جرم أنه تمثيلٌ ناقصٌ لا يستوعب دواوين الشاعر، ولكنه يفي بتعريف القارئ أفكار
الشاعر ومذهبه في الشعر. وكان يسيرًا عليَّ أن أعرض أمثلة منثورة من الدواوين التي لم
أُترجمها أو أنظم أبياتًا قليلةً منها للتمثيل، ولكن الوقت لم يتسع. ورأيت في الدواوين
الأربعة غُنيةً، إلى أن تُترجم الدواوين الأخرى؛ على أني نقلت في الكلام على فلسفته وفي
الكلام على مذهبه في الفنون، فقرات منثورة من الدواوين الأخرى.
•••
يقول في شقائق الطور، وهي الرباعيات من ديوان رسالة المشرق:
له نقشٌ يجدَّدُ كل حين
فلا تبقى الحياة على غرار
فإن صوَّرت يومك مثل أمس
فما يحوي ترابُك من شرار
وفي الرباعية لمحة إلى مذهبه في التجديد المستمر، والجهاد الدائب في هذه
الحياة.
ومن قوله في غشيان الأهوال، وركوب الأخطار:
دع الشطآن لا تركن إليها
ضعيفٌ عندها جرس الحياة
عليك البحر، صارعْ فيه موجا
حياة الخلد في نصَب تواتي
ومن قوله في حريَّة الإنسان:
بسلسلة القضاء ربطتَ رجلًا
وفي سعة العوالم ضقتَ حالًا
فقم، إن كنت في ريبٍ، وأقدِم
تجدْ للرِّجل في الدنيا مجالا
ويقول في الاستقلال في الفكر والابتكار في العمل:
طريقَك فانحتنها في كِفاحٍ
طريقُ سواك مسلكها عذاب
فإن أبدعت في عملٍ فرِيٌّ
وإن يَكُ مأثمًا، فلك الثواب
•••
تخذتُ لخلوتي طيني ومائي
وبُوعد بين أفلاط وبيني
فلم أستجد يومًا عينَ غيري
ولم أر عالَمي إلا بعيني
ويقول عن نفسه ويعني كل شاعرٍ ينفث في شعره نار الحياة ونورها:
أنا في الروض منفردٌ غريبٌ
على غُصني أنوح مع الرياح
فدعني يا رقيق القلب وابعد
فإن دمي ليرشح في نُواحي
•••
فأبلغ شاعر الألوان عنِّي:
لَهيبُك كالشقائق لا يضير
١
فنفسَك لا تذيب بحرِّ نارٍ
ولا ليلًا لمحزونٍ تُنير
ويقول في وَلوع الشاعر بالجمال، وإعرابه عن مكنوناته:
أنا في المرج حِدِّيثُ الطيور
ومِقوَل كلِّ بُرعومٍ صغير
فأسلِمْ للصَّبَا تُربى بموتي
فمالي غيرُ طوفٍ بالزهور
ويقول في تطور العالم وتكمُّله، وإنه لا يزال يُهيأ للكمال:
لنا كونٌ لأزميلٍ ونحتٍ
يقلبه صباحك والمساء
مثالٌ من ترابٍ لم يُكمَّل
يسوِّيه بمبرده القضاء
ويقول فيما أثار بروح الشرق من الوجد والعزم في شعره:
نفثتُ النَّار من روحي نفثت
بصدر الشرق قلبًا قد بعثت
وصيَّر طينَه لهبًا نواحي
كبرق في سجاياه انبعثت
ويقول في نزوع الخليقة إلى الحياة، وفي لذة القلق والاحتراق فيها. والشاعر يكبر
الحياة ويُعلي شأنها ويدعو إلى قوتها ودوامها:
تقول فراشةٌ من قبل خَلق:
أنِلْني لَمحةً قلقَ الحياة
رمادي فاذرُه صُبحًا ولكن
أذقنِي ليلة حُرَق الحياة
ويقول في الهم الذي يعتلج في قلبه من أجل المسلمين، وتأثيره فيهم:
قلوب المسلمين قبسن ناري
ودمعي من عيونهم هَتون
بروحي محشر قد غاب عنهم
فلم تر ما رأيتُ، لهم عيون
وانظر وصفه الربيع في رسالة المشرق:
هلُمَّ فإن سحاب الربيع
يُخيِّم فوق الربَى والوهاد
وشدوُ العنادل في كل واد
وسربُ القطا سادرٌ في تهادي
على حافة النهر جذلى شوادي
شقيق وورد ضحوك يُنادي
فطرفَك سرِّح بهذا المَراد
هلُمَّ فإن سحاب الربيع
يخيِّم فوق الربى والوهاد
هلُمَّ فملء الربى والسهول
قوافلُ أزهارها والورود
نسيم الربيع على كل عود
وللطير إبداعها في النشيد
ومزقت الجببَ حمرُ الخدودِ
٢
جنى الحُسنُ ناضرَ زهر نضيد
وللعشق إبداع غم جديد
هلُمَّ فملء الربى والسهول
قوافلُ أزهارها والورود
•••
دع الدور واطلب فسيح البراريِّ
وانظر إلى صفحات الجمالِ
على حافة الماء دون ملال
تأمَّل ترقرق ماء زلال
وحَدِّق إلى نرجس ذي دلال
بنيَّاتُ نيسان ذاتُ اختيال
وقبِّل لها أعيُنًا كاللآلي
دع الدُّور واطلب فسيح البراريْ
يِ وانظر إلى صفحات الجمال
ويختم الموشح بهذه الأبيات:
ثرى المرج صرَّح في هَيجه
بما أضمرت مهجة الكائنات
فناءُ الصفات وكون الصفات
وما أبدت الذات من جلوَات
وما خلته من معاني الحياة
وما خلتَه من معاني الممات
فليس له ها هنا من ثبات
ثرى المرج صرَّح في هَيجه
بما أضمرت مهجة الكائنات
وهكذا ينتقل من الوصف الحسي إلى المعاني التي نظر إليها من وراء هذه
المحسَّات.
واقرأ هذه الأبيات التي تُصوِّر مذهبه في الحياة: الفلسفة بغير قلب والفكر بغير عمل
موت، وينبوع الحياة الجدُّ الكفاح.
وعنوان الأبيات:
الأرَضة
سمعتُ بمكتبتي ليلة
يناجي الفراشةَ سوسُ الكتاب
يقول مررتُ بكتْب ابن سينا
ونقَّبْت في كتب الفاريابي
ولم أدر حكمة هذي الحياة
وما زلت من ظلمتي في حجاب
•••
تُجيب الفراشة في حرقة
أرى نكتة لا ترى في كتاب
رأيتُ الكفاح يُعِدُّ الحياه
رأيتُ الكفاح يُمِدُّ الحياه
والبراعة في شعر إقبال صورة الحياة القوية، فهي تطير بجناحيها.
وتُضيء لنفسها لا تستجدي غيرها نورًا، كما يقول على لسانها:
ولا أعشو إلى نيران غيري
كما يهفو الفراش إلى الحريق
إذا حلك الظلام كعين ظبي
أنرت بنار أضلاعي طريقي
وهذه أبيات من منظومة في رسالة المشرق عنوانها:
اليراعة
وذرَّة حقيرة
قد جمَّعت قواها
كأنها فراشة
من حُرَق تصلاها
قد نوَّرت دُجاها
من حرقة في قلبها
تحوَّلت نضارا
وبصرا نظَّارا
فراشةٌ في قلق
تطير كلَّ ناحيه
على اللهيب رفرفت
حتى كأنه هيه
يا مِشعلا للطير في
مُعتكر الظلام
ما حرقة أحسستها
فأنت في هُيام؟
حرارة الأقدام
فالجد والإقدام طارا بالذرة
وحَولاها نارًا ونورًا
ولا أجد بُدًّا من إثبات أبيات في العشق لها مشابه في شعره. والعشق في فلسفة إقبال
هو
الحياة بل نار الحياة. يذكره في مقابل العقل والعلم. وهما بدونه عجز وحيرة وجبن:
فكريَ قد أجدَّ كلَّ سَير
وطاف حول حرم ودير
عدوتُ للطِّلاب في البراري
مُرتديًا بالنَّقْع كالإعصار
مُنطويًا كالموج في البحار
حيران كالإعصار في الصحاري
هذه الأبيات تُصوِّر كدَّ العقل وسعيه في طلب الحقيقية دون جدوى. وفي الأبيات الآتية
يُصوِّر فيض العشق في نفس هذا الطالب، وفتحه له مغالق الحياة.
في الأبيات الآتية من القصيدة يقول إن العشق فاضَ بقلبه فأيقظ وجدانه، ويَسَّر له
كل
عسير، وحلَّ له كل عُقدة، ورفعه إلى عُليا الدرجات.
عشقك فاض بغتةً بقلبي
وحلَّ كل عُقدة في لبِّي
عرَّفني الوجود والفناء
فصار دَيري حرَمًا وَضَّاء
رفعت للعرش المُعلَّى تربي
بالسرِّ قد أفشيته لقلبي
وبلغتْ سفينتي مَرساها
وفاض قُبحي رونقًا وتاها
عندي حديث العشق لا سواه
لا أقبل الملام في بَلواه
غنيتُ عن ومض العلوم، حسبي
دمعي ووجدي وخفوق قلبي
وهذه قصيدة الوحدة التي يُصوِّر فيها الشاعر انفراد الإنسان في العالم بالعقل
والوجدان، واحتماله الآلام، وأنه لا يجد نجيًّا بين هذه الخلائق، كما في القرآن الكريم:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا.
قد قلتُ للبحر يومًا
في موجِه المتعالي:
أراك دائبَ سعي
فما تُكنُّ ببال؟
كم قد حويت بصدرٍ
من لامعات اللآلي
أفيك مثلي صدرٌ
بجوهر القلب حالي
فصدَّ عنِّي بجزر
ولم يردَّ سؤالي
وقلت للطَّود يومًا
يا خاليًا من عناءِ!
أنال سمعُك صوتٌ
من زفرةٍ وبكاء؟
إن كنت تحوي عقيقًا
فيه عروق دماء
فواسِني بحديثٍ
إني حليفُ شقاء
فصدَّ عنِّي بصمت
ولم يردَّ سؤالي
جددتُ في السير حتى
أتيت بدر السماء
فقلت: يا نِضو سَير
حتَّام ذَرْع الفضاء؟
الأرض مَرج زهور
من نورك اللألاء
أخلفَ نورك قلب
في حُرقة وعناء؟
رأى الكواكب ترنو
فلم يردَّ سؤالي
وقلت لله ربِّي
من بعد طوف البرِيَّه
أما بدنياك هذي
من ذرة بي حفيَّه؟
أكلُّ طينيَ قلبٌ
وذي البرايا خليَّه؟
طابت مروج، ولكن
ليست بشدوي حرِيَّه
أجابني بابتسام
ولم يردَّ سؤالي
هذه حال الإنسان في العالم، لا يجد شريكًا له بين الخلائق يُناجيه ويواسيه. والله
تعالي حجب عنه الأسرار، ووكَّله بالكشف عنها.
وقصيدة الحور والشاعر التي يُعارض بها الشاعر الألماني جوته، تُصوِّر مذهب إقبال في
الأمل الدائم، والجدِّ الدائب، والسير المستمر في هذه الحياة.
الحور
:
لا الخمر يومًا تطيبك
ولا إلينا أنت ناظر
عجبٌ لنا من شاعرٍ
بهوَى الأحبة غير شاعر
من حَرِّ أنفاس الرجا
ءِ وحرقة الطلب المثابر
نفَسٌ تُذيبُ بلوْعةٍ
وتَغزُّل يشجو المزاهر
وخلقتَ بالألحان دنـْ
ـيَاك العجيبة خلق شاعر
تبدو بها إرَم كما
يبدو لعين سحر ساحر
الشاعر
:
ماذا أقول وفطرتي
لا ترتضي دَعة المنازل
قلبي على قلق كما
تهفو الصَّبا حول الخمائل
فإذا نظرتُ إلى جميـ
ـلٍ فاتن حلو الشمائل
خفق الفؤاد إلى الذي
يعلوه حُسنًا في المحافل
فمن الشرار إلى النجو
مِ إلى الشموس رُقيَّ آمل
إني ليهلكني القرا
رُ فما أعوج على المراحل
وإذا شربتُ من الربيـ
ـعِ الكاس تسري في المفاصل
أشدو بشعرٍ محدثٍ
وربيعيَ الآتي أُغازل
طلبي النهاية في مدى
لا ينتهي فيه المُسائل
لا صابر نظري ولا
قلبي عن الآمال غافل
هذه المعاني صوَّرها الشاعر مئات الصور في دواوينه. وقدمت في تلخيص أسرار خودي في
باب
الفلسفة من هذا الكتاب أبياتًا وافية في هذا الشأن.
وهذا مثالٌ من قصائد في رسالة المشرق تُسمى الخمر الباقية، وهي من الضرب الذي يُسمى
غزلًا في اصطلاح الشعر الفارسي، ويغلب فيها التصوف، وغموض المعنى، ولا يلزم فيها وحدة
الموضوع:
عقلنا ينحت رَبا كلَّ حين
فهو من قيدٍ إلى قيدٍ رهين
ارفع الستر جهارًا لا تُبل
ليس في حيِّك غيري ذو حنين
أنا من عيني غيورٌ ناسج
نظراتي لك سترًا في العيون
بَسمة خَلْس ودمعٍ ورَنا
ليس في الحب سواها من يمين
حبذا العشق ففي يوم النَّوى
زاد باللوعة عهدًا لا يمين
٩
أيها الطائر من قلبي اقبسَن
لتزيد النار في هذا الأنين
سادنَ الكعبة لا تأذن له
فلإقبال إلهٌ كلَّ حين
وهذه أخرى من الخمر الباقية:
في ذلك الحفل سُؤالي
عن محرم بي حقيق
يبث قلبي حديثًا
بمقلتي وبموقي
في خلوة كلِّ لفظ
فيها كسِتر صفيقِ
مطهِّرٌ نظراتي
بدمع عينٍ طليق
من أجل نظرة وجد
لوجهك المرموق
لكن إلى ضوء شمس
أنمو بقلبٍ مشوق
إلى أن يقول:
لا أستريح بعش
من لذة التحليق
طورًا بشاطئ نهر
طورًا بروضِ شقيق
واختتم التمثيل في هذا الضرب — قصائد الخمر الباقية — بهذه:
عندليب الربيع جُن غناءً
وعروس الشقيق تُزهَى بهاء
لا مُغن ولا مزاهر فيه
ذاك لحن من عالم الغيب جاء
مَحرم الستر من يُسدِّد ضربا
في وِتار الحياة أيَّان شاء
١٢
لا تُعنِّف وخذ سبيل وداد
قدَّر الله في الحياة لقاء
أين في دارة التراب مُقام؟
كل شيءٍ كالرمل يمضي هباء
زهرةٌ من رياض كشمير جسمي
وبأرض الحجاز قلبي أضاء
وأغانيَّ واللحونُ نمتها
أرض شيراز حَب ذاك انتماء
١٣
وفي ديوان رسالة المشرق قسمٌ سمَّاه الشاعر نقش الفرنج، ذكر فيها جماعة من فلاسفة
أوروبا وشعرائهم.
وهذه أبيات من هذا القسم عنوانها «شوبنهاور ونطشه»، الأول الفيلسوف الألماني المتشائم
الساخط، والثاني فيلسوف القوة والإقدام.
شوبنهاور ونطشه
طار من عُشه يسير بروض
فأصابته شوكة من زهور
لعن الروض والزمان ونادى
بثُبور لنفسه والطيور
ورأى وسمة الشقائق جورًا
وطِلسَم البرعوم خَدع غَرور
١٤
قال: دارٌ على اعوجاج أقيمت
كل صبح فيها إلى ديجور
ناح حتى تقاطرت نغمات
من دماء بدمع عين غزير
•••
وشَجا الهدهدَ النُّواحُ فوافى
ينزع الشوك من جناح الكسير
قال: أخرج من كل خسرك ربحا
واجعل الجُرح بلسمًا فسترضى
وائْلفِ الشوك تَغْدُ كُلُّكَ روضا
هذه أمثلة من رسالة المشرق يرى فيها القارئ افتنان إقبال في شعره عامة، وفي تصوير
مذهبه خاصة.
وأُردِف هذه بأمثلة من ديوان ضرب الكليم. وهو كما بينت في مقدمته وفي الفصل الأول
من
هذا الباب؛ أقرب إلى الفلسفة منه إلى الشعر، وآراء إقبال فيه مقسمة على أبواب في
موضوعات شتى، كأنه كتاب.
تكلم الشاعر عن الإسلام والمسلمين، والتربية والتعليم والفنون الجميلة والسياسة، ووصل
كل هؤلاء بمذهبه في الذات وتقويتها وصلًا ظاهرًا أو خفيًّا. وقدمتُ نماذج من شعر هذا
الديوان في الفصل: «مذهب إقبال في الفنون الجميلة»، والفصل: «مذهب إقبال في الشعر
خاصة». فحسبي هنا أمثلة قليلة في موضوعات أخرى.
أبياتٌ عنوانها: رجال الله
إنما الحرُّ من يُجيد ضرابا
لا الذي حَربه تدور هُراء
من خفايا ترابهم أخذ الدهـْ
ـرُ شرارًا فصاغ منه ذُكاء
فطرةٌ حُرَّة تعاف الدنايا
من طواف الأصنام عاشت براء
أنت في الكفر والتدين جمعا
وثنيٌّ تقدِّس الأهواء
وهذه صفة المؤمن من صفات كثيرة وصفه بها الشاعر الكبير:
في الدنيا
مع الصحب لَين كمسِّ الحرير
شديدٌ إذا ما طغى باطل
وكالليث في المعرك المؤمن
من الطين لكن على الأرض يسمو
ويأبى على الفلك المؤمن
وما همُّه صيد طير ولكن
يصيد من الملَك المؤمن
في الجنة
تقول الملائك في غبطة:
حبيبٌ إلى قلبنا المؤمن
وانظر هذه المحاورة بين الخالق تعالى وإبليس في أبياتٍ عنوانها: القَدَر. والفكرة
مأخوذة من ابن عربي.
إبليس
:
يا إلاهًا أمرُه كن
ليس عنه من محيد
لم يُصَب آدم منِّي
بعدوٍّ أو حسود
كيف أستكبر عن أمـْ
ـرِك أو كيف أحيد؟
كان في علمك أني
لست أرضى بالسجود
الخالق
:
هل عرفت السر هذا
قبلُ أو بعد الجحود؟
إبليس
:
بعدُ يا من في تجلِّيـ
ـهِ كمالات الوجود
الخالق
(ناظرًا إلى الملائكة)
:
خسَّة الفطرة فيه
لقَّنته الزور عُذرا
قال: ما شئتَ سجودي
أنا لا أملك أمرا
ذلك الظالم سمَّى
اختيارًا فيه جبرا
إنه سمَّى رَمادا
شعلة فيه وجمرا
ولُبُّ المحاورة أن إبليس لم يعرف أن إباء السجود مقدَّر عليه إلا بعد أن أبى.
فالتقدير كان بعد إرادته. وإقبال من دعاة حرية الإرادة، يقول إن الإنسان يبلغ من الحرية
والمكانة عند الله أن يكون عزمه مشيرًا على القدر.
•••
وهذا خطابٌ إلى أمراء العرب:
هل يُسعد الكافرَ الهنديَّ
٢٠ منطقه
مُسائلًا أمراء العرب في أدب
مَن أمة قبل كل الناس قد أخذت
بحكمة فأعانتها على النوَب
إخاء كلِّ تقيٍّ دون تفرقة
وهجرُ كل غويٍّ من أبي لهب
ما من حدود وأرض كان منشؤها
من أحمد العُرب كانت أمة العرب
يَنعَى على أمراء العرب التفرق والتفريق بين الناس، ويقول إنهم أول أمة جاوزت حدود
النسب والوطن، وآخت في الناس كل مهتد يتبع الرسول، وهجرت كل غويٍّ يتبع أبا لهب.
وهذه قطعة يسمو فيها إقبال على الأقوام والأوطان، بل على الدنيا والآخرة. وينفث فيها
قوة الحياة ونارها:
إلى عصَبات العُرب ما أنا مُنتم
ولا أنا هندي ولا أنا أعجمي
فقد حلَّقت بي «الذاتُ» تحليق نافر
يمرُّ على الدارين غيرَ محوم
بعينك أني كافر غير مسلم
وأنت بعيني كافر غير مسلم
فدِينُك تَعدادٌ لأنفاس محجم
وديني إحراقٌ لأنفاس مُقدم
٢١
تبدلَت، فالتبديلَ في الشرع تبتغي
فليس يطيق الظبي شرعة ضيغم
٢٢
ولستُ أرى في بِيدك اليوم جِنَّة
تشبُّ بهذا العقل نار التقدم
٢٣
إذا حاد عن نار الحياة مُنَغم
فموت شحوب لحن هذا المنغِّم
وإقبال يُكرم المرأة كل إكرام، ولكن لا يرى أن من كرامتها ما يُسمَّى حرِّية في هذا
الزمان. ويقول فيما يقول: لا بد من خلوة المرأة إلى نفسها في بيتها.
وهذه أبيات من قسم المرأة من ديوان ضرب الكليم عنوانها:
الخلوة
فضح العصرَ جِنةٌ بالسفور
نورُ عين، وظلمةٌ في الصدور
إن تجز متعة العيون مداها
كان منها الشتات في التفكير
قطرةُ الماء لا تُحوَّل دُرَّا
دون أصدافها بقاع البحور
وأبيات أخرى عنوانها:
حصانة المرأة
في الصدر سرٌّ ليس يُدركه
من حاز برد دمائه عصب
حفظ الأنوثة في يدَيْ رجل
لا العلم يحفظها ولا الحُجب
إن غاب هذا الحق عن أمم
فكسوف شمس نهارهم كثب
وأختم التمثيل بقطعة في باب السياسة من ضرب الكليم عنوانها:
إلى أهل مصر
من أبي الهول أتتني نكتةٌ
وأبو الهول طوى السرَّ القديم
٢٤
كم شعوب بدَّلت سيرتَها
قوة لم يجفُها العقل الحكيم
طبعها في كل عصر ماثل
تبدل الشكل وتبقى في الصميم
فهي طورًا في حسام المصطفى
وهي طورًا في عصا موسى الكليم