الْبَيْتُ الْجَدِيدُ
(١) الْخِنْزِيرُ وَالْخَرُوفُ
تَحَدَّثَ الْخِنْزِيرُ مَعَ صَاحِبِهِ الْخَرُوفِ، قَالَ لَهُ: «اِسْمَعْ يَا صَاحِبِي. إِلَى مَتَى أَعِيشُ فِي الطَّرِيقِ، وَلَا أَجِدُ لِي مَأْوًى؟! لَقَدْ فَكَّرْتُ فِي ذَلِكَ طَوِيلًا، وَعَزَمْتُ عَلَى أَنْ أُقِيمَ بَيْتًا لِأَسْكُنَهُ.»
الْخَرُوفُ فَكَّرَ لَحْظَةً، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ الْخِنْزِيرِ: «وَأَنَا مِثْلُكَ يَا صَاحِبِي، لَا مَأْوَى لِي. لَقَدْ سَبَقْتَنِي إِلَى التَّفْكِيرِ فِي إِقَامَةِ بَيْتٍ تَسْكُنُهُ. هَلْ تَرْضَى أَنْ أُسَاعِدَكَ فِي إِقَامَةِ الْبَيْتِ، وَأَنْ يَكُونَ شِرْكَةً بَيْنِي وَبَيْنَكَ، نَسْكُنُهُ مَعًا؟»
الْخِنْزِيرُ سَكَتَ وَقْتًا قَصِيرًا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ الْخَرُوفِ: «فِكْرَةٌ جَمِيلَةٌ! أَنَا لَا أَرْفُضُ أَنْ تُسَاعِدَنِي فِي إِقَامَةِ الْبَيْتِ، وَأَنْ تُقِيمَ مَعِي فِيهِ … أَنَا مُوَافِقٌ.»
الْخَرُوفُ فَرِحَ بِذَلِكَ، وَقَالَ لِصَاحِبِهِ الْخِنْزِيرِ: «مَا هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي نُقِيمُ بِهَا الْبَيْتَ الْمَطْلُوبَ؟»
الْخِنْزِيرُ قَالَ، وَهُوَ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِقَدَمِهِ: «أَنَا أَحْفِرُ الْأَرْضَ، لِنَضَعَ فِيهَا أَسَاسَ الْبَيْتِ.»
الْخَرُوفُ قَالَ لِصَاحِبِهِ الْخِنْزِيرِ، وَهُوَ يَمُطُّ شَفَتَيْهِ: «وَأَنَا أَقْطَعُ الْخَشَبَ، لِنَجْعَلَ مِنْهُ أَرْكَانَ الْبَيْتِ.»
(٢) فِي وَسَطِ الْغَابَةِ
فِي صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، تَمَشَّى الْخِنْزِيرُ وَالْخَرُوفُ فِي الْغَابَةِ، يَتَبَيَّنَانِ الطُّرُقَ وَالْمَسالِكَ … وَبَعْدَ أَنْ نَظَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ، قَالَ الْخِنْزِيرُ لِصَاحِبِهِ الْخَرُوفِ: «أَيُّ مَكَانٍ هُنَا يَصْلُحُ لِإِقَامَةِ الْبَيْتِ؟»
الْخَرُوفُ نَظَرَ يَمِينًا وَيَسَارًا، وَقَالَ لِصَاحِبِهِ الْخِنْزِيرِ: «إِنْ أَقَمْنَا الْبَيْتَ قُدَّامَ الْغَابَةِ — وَالْأَشْجَارُ وَرَاءَهُ — تَعَرَّضَ الْبَيْتُ لِلشَّمْسِ الْحَامِيَةِ فِي الصَّيْفِ، وَلِلْهَوَاءِ الشَّدِيدِ فِي الشِّتَاءِ. فَلَا نَسْتَطِيعُ الْعَيْشَ فِي رَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ!»
الْخِنْزِيرُ أُعْجِبَ بِقَوْلِ صَاحِبِهِ، وَقَالَ: «هَذَا صَحِيحٌ! وَأَيْضًا لَوْ أَقَمْنَا الْبَيْتَ قُدَّامَ الْغَابَةِ، أَصْبَحَ الْبَيْتُ مَكْشُوفًا لِلْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ؛ فَتُهَاجِمُنَا، وَنَحْنُ فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ، لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفِرَّ، كَأَنَّنَا فِي قَفَصٍ أَوْ فِي مِصْيَدَةٍ! لَا نُقِيمُ بَيْتَنَا قُدَّامَ الْغَابَةِ. أَحْسَنُ أَنْ نُقِيمَ الْبَيْتَ فِي وَسَطِ الْغَابَةِ، لِيَكُونَ مَسْتُورًا عَنْ عُيُونِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ، وَلِيَحْمِيَنَا مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ، وَلَفْحِ الْهَوَاءِ، وَهُبُوبِ الْغُبَارِ، بِفَضْلِ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْأَشْجَارِ.»
(٣) الْوَزَّةُ الذَّكِيَّةُ
الْخِنْزِيرُ مَشَى مَعَ صَاحِبِهِ الْخَرُوفِ، فِي طُرُقَاتِ الْغَابَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ رَأْيُهُمَا عَلَى أَنْ يُقِيمَا الْبَيتَ وَرَاءَ الْأَشْجَارِ.
الْوَزَّةُ الذَّكِيَّةُ قَابَلَتْهُمَا، سَلَّمَتْ عَلَيْهِمَا، وَقَالَتْ لَهُمَا: «صَبَاحُ الْخَيْرِ. إِلَى أَيْنَ تَذْهَبَانِ مَعًا؟»
الْخِنْزِيرُ قَالَ لِلْوَزَّةِ الذَّكِيَّةِ، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ: «إِلَى وَسَطِ الْغَابَةِ. اتَّفَقْنَا عَلَى أَنْ نُقِيمَ لَنَا بَيْتًا فِيه.»
الْوَزَّةُ الذَّكِيَّةُ فَكَّرَتْ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَتْ: «هَلْ تَقْبَلَانِ أَنْ أَكُونَ لَكُمَا شَرِيكَةً فِي الْبَيْتِ؟»
تَعَجَّبَ الْخِنْزِيرُ وَالْخَرُوفُ، وَقَالَ الْخِنْزِيرُ لِلْوَزَّةِ: «لَا تُشَارِكِينَا إِلَّا إِذَا قَدَّمْتِ عَمَلًا. فَمَا هُوَ عَمَلُكِ فِي إِقَامَةِ بَيْتِنَا الْجَدِيدِ، يَا أَمِيرَةَ الْوَزِّ اللَّطِيفَةَ؟»
الْوَزَّةُ هَزَّتْ جَنَاحَيْهَا، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَنَا سَأُقَدِّمُ لَكُمَا مُسَاعَدَةً عَظِيمَةً: أَلْتَقِطُ الْحَشَائِشَ بِمِنْقَارِي الطَّوِيلِ، لِنَسُدَّ بِهَا الشُّقُوقَ بَيْنَ أَلْوَاحِ الْخَشَبِ فِي الْبَيْتِ. وَبِذَلِكَ نَمْنَعُ دُخُولَ الْبَرْدِ وَالْمَطَرِ مِنْ هَذِهِ الشُّقُوقِ.»
وَافَقَ الْخِنْزِيرُ وَالْخَرُوفُ، وَقَالَ الْخِنْزِيرُ: «حَسَنٌ جِدًّا! كُونِي مَعَنَا لِنُقِيمَ الْبَيْتَ، وَنَسْكُنَهُ جَمِيعًا.»
(٤) الْأَرْنَبُ الْأَبْيَضُ
مَشَى الْخِنْزِيرُ وَالْخَرُوفُ وَالْوَزَّةُ، عَازِمِينَ عَلَى إِقَامَةِ الْبَيْتِ.
فِي الطَّرِيقِ، ظَهَرَ الْأَرْنَبُ الْأَبْيَضُ الصَّغِيرُ. قَالَ: «أَيَّتُهَا الرُّفْقَةُ الطَّيِّبَةُ الْكَرِيمَةُ، إِلَى أَيْنَ أَنْتِ ذَاهِبَةٌ؟»
الْوَزَّةُ أَجَابَتِ الْأَرْنَبَ الْأَبْيَضَ الصَّغِيرَ: «نَمْضِي إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ، فِي وَسَطِ الْغَابَةِ.»
الْأَرْنَبُ الْأَبْيَضُ الصَّغِيرُ قَالَ لِلْوَزَّةِ: «مَا الْغَرَضُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى وَسَطِ الْغَابَةِ؟!»
فَأَسْرَعَ الْخَرُوفُ يَقُولُ لِلْأَرْنَبِ: «نُرِيدُ أَنْ نُقِيمَ بَيْتًا هُنَاكَ، أَيُّهَا الْأَرْنَبُ اللَّطِيفُ.»
الْأَرْنَبُ الْأَبْيَضُ الصَّغِيرُ سَأَلَ، وَهُوَ فِي دَهْشَةٍ: «مَنِ الَّذِي يَتَوَلَّى مِنْكُمُ الْعَمَلَ فِي إِقَامَةِ الْبَيْتِ؟»
الْخِنْزِيرُ رَفَعَ صَوْتَهُ، يُجِيبُ الْأَرْنَبَ: «كُلُّنَا نَتَعَاوَنُ فِي الْعَمَلِ، وَلِكُلٍّ مِنَّا نَصِيبٌ فِيهِ.»
قَالَ الْأَرْنَبُ يَعْرِضُ مُسَاعَدَتَهُ: «أَنَا أَقْرِضُ الْخَشَبَ بِأَسْنَانِي، وَأَحْمِلُ مِنْهُ مَا أَسْتَطِيعُ.»
الْجَمَاعَةُ رَحَّبَتْ بِمُسَاعَدَةِ الْأَرْنَبِ، وَاشْتِرَاكِهِ مَعَهَا.
ثُمَّ مَشَى الْجَمِيعُ، وَهُمْ يَرْقُصُونَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ.
(٥) الدِّيكُ الْفَصِيحُ
الدِّيكُ الْفَصِيحُ رَأَى الْجَمَاعَةَ، وَهِيَ مَاشِيَةٌ. قَالَ: «إِلَى أَيْنَ يَا جَمَاعَةُ؟ هُنَاكَ شَيْءٌ مُهِمٌّ، لَا بُدَّ!»
الْوَزَّةُ الذَّكِيَّةُ قَالَتْ لِلدِّيكِ الْفَصِيحِ: «إِلَى وَسَطِ الْغَابَةِ، نُقِيمُ هُنَاكَ بَيْتًا لِلسُّكْنَى!»
الدِّيكُ الْفَصِيحُ قَالَ لِلْوَزَّةِ الذَّكِيَّةِ: «أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَعَكُمْ. وَلَنْ أَكُونَ مَعَكُمْ بِلَا فَائِدَةٍ.»
الدِّيكُ الْفَصِيحُ نَظَرَ إِلَى الْخِنْزِيرِ، وَقَالَ: «أُسَاعِدُكُمْ فِي خِدْمَةِ الْبَيْتِ؛ أَلْتَقِطُ كُلَّ حَبَّةٍ تَسْقُطُ فِيهِ؛ فَيَبْقَى الْبَيْتُ نَظِيفًا، لَيْسَ فِيهِ قَشَّةٌ وَاحِدَةٌ.»
الْخِنْزِيرُ قَالَ لِلدِّيكِ الْفَصِيحِ، فِي صَوْتٍ مُنْخَفِضٍ: «هَذِهِ خِدْمَةٌ حَسَنَةٌ، وَلَكِنَّهَا شَيْءٌ بَسِيطٌ.»
الدِّيكُ الْفَصِيحُ رَفَعَ صَوْتَهُ، يَقُولُ لِلْخِنْزِيرِ: «أَيْضًا سَأَكُونُ السَّاعَةَ الَّتِي تُبَيِّنُ الْوَقْتَ: أَصِيحُ فِي الْفَجْرِ لِأُوقِظَكُمْ بِصَوْتِيَ الرَّنَّانِ، لِتَذْهَبُوا إِلَى أَعْمَالِكُمْ مُبَكِّرِينَ.»
الرُّفْقَةُ فَرِحَتْ بِصُحْبَةِ الدِّيكِ الْفَصِيحِ، وَرَحَّبَتْ بِمُعَاوَنَتِهِ فِي نَظَافَةِ الْبَيْتِ، وَالتَّعْرِيفِ بِالْوَقْتِ.
وَرَقَصَ الْجَمِيعُ عَلَى نَغَمَاتِ صَوْتِهِ الْجَمِيلِ.
(٦) إِقَامَةُ الْبَيْتِ
الْجَمَاعَةُ وَاصَلَتْ سَيْرَهَا، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى وَسَطِ الْغَابَةِ.
شَرَعَتْ تُقِيمُ الْبَيْتَ الْجَدِيدَ، فِي جِدٍّ وَاهْتِمَامٍ.
كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرُّفْقَةِ، كَانَ يَقُومُ بِعَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُحِسُّ أَنَّهُ يَبْنِي بَيْتًا لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، فَأَدَّوْا وَاجِبَاتِهِمْ، بِأَمَانَةٍ وَإِخْلَاصٍ وَذِمَّةٍ.
الْخِنْزِيرُ حَفَرَ الْأَرْضَ حَفْرًا عَمِيقًا جَيِّدًا، لِيَكُونَ أَسَاسُ الْبَيْتِ مَتِينًا قَوِيًّا، يُطَمْئِنُ سُكَّانَ الْبَيْتِ.
الْخَرُوفُ بَحَثَ عَنِ الْأَشْجَارِ الَّتِي يَسْتَطِيعُ قَطْعَهَا، وَتَصْلُحُ أَنْ تُقِيمَ جَوَانِبَ الْبَيْتِ. وَلَمْ يَكُفَّ عَنِ الْعَمَلِ حَتَّى أَتَمَّ مَا يُرِيدُ.
الْأَرْنَبُ قَرَضَ الْأَخْشَابَ الْمُتَعَوِّجَةَ، بِأَسْنَانِهِ الْحَادَّةِ، لِتُصْبِحَ مُسْتَوِيَةً مُنْتَظِمَةً، تَتَكَوَّنُ مِنْهَا جَوَانِبُ الْبَيْتِ.
الْوَزَّةُ الْتَقَطَتِ الْحَشَائِشَ، وَهِيَ طَرِيَّةٌ، وَسَدَّتْ بِهَا الشُّقُوقَ بَيْنَ أَلْوَاحِ الْخَشَبِ، لِتَحْمِيَ الْبَيْتَ مِنْ دُخُولِ الْهَوَاءِ الشَّدِيدِ، وَالْغُبَارِ الْمُؤْذِي، وَالْمَطَرِ الْكَثِيرِ.
الدِّيكُ الْفَصِيحُ لَمَّ الْأَعْشَابَ الْمُبَعْثَرَةً بِمِنْقَارِهِ، وَنَظَّفَ الْبَيْتَ. وَكَانَ يُغَنِّي لِلْجَمَاعَةِ، وَهِيَ تَقُومُ بِعَمَلِهَا فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ.
ثُمَّ يُؤَذِّنُ لَهَا عِنْدَ الْفَجْرِ، لِيُوقِظَهَا مِنْ نَوْمِهَا الْمُرِيحِ.
(٧) نَشِيدُ الْعَمَلِ
لَمَّا تَمَّتْ إِقَامَةُ الْبَيْتِ، فَرِحَتِ الْجَمَاعَةُ بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَعَاشَ الْخِنْزِيرُ، وَالْخَرُوفُ، وَالْوَزَّةُ الذَّكِيَّةُ، وَالْأَرْنَبُ الْأَبْيَضُ الصَّغِيرُ، وَالدِّيكُ الْفَصِيحُ — عِيشَةً رَاضِيَةً، فِي الْبَيْتِ الْجَدِيدِ.
كُلُّ سَاكِنٍ فِي الْبَيْتِ، شَعَرَ أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاكِنٍ لَهُ نَصِيبٌ فِيهِ؛ فَقَدْ شَارَكَ فِي إِقَامَتِهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ مَجْهُودٍ، دُونَ تَقْصِيرٍ مِنْهُ أَوْ تَهَاوُنٍ.
بِهَذَا عَرَفَتِ الْجَمَاعَةُ الطَّيِّبَةُ، وَالرُّفْقَةُ الصَّالِحَةُ: أَنَّ الْخَيْرَ — كُلَّ الْخَيْرِ — فِي التَّعَاوُنِ، وَأَنَّ السَّعَادَةَ فِي الِاتِّفَاقِ وَالِاتِّحَادِ.
•••
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ جَدِيدٍ، عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، كَانَ الدِّيكُ الْفَصِيحُ يَرْفَعُ بِهَذِهِ الْأُنْشُودَةِ صَوْتَهُ الرَّنَّانَ، لِيُوقِظَ الْإِخْوَانَ: