الطور الأول: الإنكليزي
قد دعونا هذا الطور من الماسونية الرمزية إنكليزيًّا؛ إشارةً إلى أن إنكلترا كانت أثناءه مهدها، فيها نشأت ومنها انتشرت، وكانت في كل تلك المدة مصدرًا لتعاليمها ومرجعًا لأحكامها.
(١) تأسيس الماسونية الرمزية
قد تقدَّمَ كيف كانت الماسونية في أوائل القرن الثامن عشر من الضعف للأسباب التي ذكرناها هناك، وقد تقدَّمَ أيضًا أن أعضاءها كانوا إذ ذاك أخلاطًا من البنَّائين العمليين، وفئة أخرى من سراة البلاد ورجالها العظماء، انتظموا في سلكها بصفة أعضاء شرف، ثم تداخلوا فيها، ولا سيما عندما انحطت صناعة البناء على ما مَرَّ بك. فسَنَّ محفل القديس بوليس لائحةً هي «لائحة لندرا»، من مقتضاها قَبول كل طالب من أي مهنة كانت، بشرط أن يصادق على لياقته في محفل قانوني.
وكان معه الأخَوَان جورج باين من علماء الآثار القديمة والدكتور جيمس أندرسون بصفة مساعدين، فتداولوا في أمر إنشاء محفل أعظم باتحاد محافل لندرا الأربعة، وبعد تقرير المواد الأولية والمصادقة عليها اتحدت المحافل.
هذه الخطوة الأولى التي خطاها الماسونيون نحو الطريقة الرمزية، مع محافظتهم على الأنموذج والقانون الأساسي القديم، ومثل ذلك التقاليد والتسميات التي كانت فيها، مما لا بد منها في بناء الهياكل، إلا أنهم ألبسوها حلة رمزية زادتها رونقًا وجمالًا، ومكَّنتها من زيادة الفائدة في جسم العمران.
فانفصلت الماسونية الحرة الرمزية من البناية العملية الحقيقية انفصالًا تامًّا، وأصبحت مواضيعها وأبحاثها أدبية محضة مؤسسة على أقوى دعائم الفضيلة؛ فلم يَعُدْ ما يمنعها من الانتشار في سائر أقسام الكرة وبين سائر أصناف البشر على اختلاف نزعاتهم، وأصبحت واجباتها تشييد هيكل العمران وبث روح الفضيلة فيه، وأمست — بدلًا من نحت وتهذيب الحجارة — تنحت العقول وتهذب الأخلاق.
(٢) قرارات ونظامات وكتابات ماسونية
وعند التئام المحفل الأعظم في لندرا تقرَّر أن المحافل الماسونية لا تُفتَح إلا ببراءة من الأستاذ الأعظم الذي هو رئيس المحفل الأعظم، وأن فتحها لا ينحصر في مدينة دون أخرى.
فأخذت الماسونية من ذلك الحين تنتشر، فأُسِّست محافل عديدة في ضواحي لندن، وكان رؤساء هذه المحافل ومنبهوها يحضرون إلى اجتماعات المحفل الأعظم، ويقدمون للأستاذ الأعظم تقارير عن أعمالها ويستشيرونه فيما يخطر لهم إدخاله في أعمالهم أو قوانينهم، بحيث إنهم لا يُدخِلون في الماسونية ما يخالف القواعد المؤسسة قديمًا.
وجعلوا للمحافل الأربعة التي في لندرا امتيازات تتمتع بها إلى الأبد، ومنعوا سَنَّ أي قانون جديد يسلب أحد أعضاء تلك المحافل شيئًا من تلك الامتيازات.
وفي اجتماع ٢٤ يونيو (حزيران) سنة ١٧١٨ انتُخِب الأخ جورج باين أستاذًا أعظم، ولما تولَّى ذلك المنصب جعل همَّه ترقية شأن الماسونية، فعمل على استخراج تاريخ الماسونية، فأمر الإخوان رسميًّا في إحدى جلسات المحفل الأعظم العمومية أن كلَّ مَن كان لديه أوراق قديمة من تقارير الماسونية أو قوانينها أو معلومات من نوع آخَر تتعلق بالماسونية، فَلْيأتِ بها إليه؛ فجاء كثيرون منهم بلوائح كثيرة قديمة العهد أكثرها غوتية، فجمعها واستخرج منها التاريخ.
وفي سنة ١٧١٩ التأم المحفل الأعظم في الوقت المعين لاجتماعه كل سنة، أيْ في ٢٤ يونيو (حزيران)، وفي هذا الاجتماع انتُخِب الأخ توماس ديزاغليه أستاذًا أعظم، فانضم إلى الماسونية كثير من الأشراف وأُسِّست محافل جديدة، وهو الذي أدخل شرب سر الإخوان في المأدبات الماسونية.
وفي اجتماع سنة ١٧٢٠ انتُخِب الأخ جورج باين للرئاسة العظمى، فجمع الأوامر الرسمية الصادرة من المحفل الأعظم، ونقَّحها وجعلها على شكل لائحة قوانين مؤلَّفة من ٣١ مادة، صادَق عليها الأستاذ الأعظم الذي خلفه في السنة التالية، بعد أن تعيَّن الأخ أندرسن لمقابلتها بالمنشورات والتقاليد القديمة وتطبيقها عليها، بحيث إنها تكون صالحة للاستعمال في محافل لندرا وضواحيها. وقد دُعِيت هذه القوانين بالقوانين القديمة تمييزًا لها عن القوانين التي أُضِيفت بعد ذلك. وفي هذه السنة خسرت الماسونية كثيرًا من أوراقها السرية حرقًا بيد بعض أعضائها؛ خوفًا من إفشائها، لأنهم كانوا قد هُدِّدوا بذلك.
وفي جلسة سنة ١٧٢١ المنعقدة في كنيسة القديس بولس في لندرا انتُخِب جون دوك مونتاغيو أستاذًا أعظم، وهو أول مَن انتُخِب لهذا المنصب من الأشراف، وعيَّنَ مونتاغيو الدكتور جون بيل نائبًا له، وجونس فيلانو «رئيس التشريفات»، وتوماس موريس «وهو بناء عملي» منبهَيْن «محافظين»، وبعد إتمام الانتخاب على هذه الصورة خطب مونتاغيو خطابًا في الماسونية.
النظامات الماسونية الحرة
وفي ٢٩ سبتمبر (أيلول) من تلك السنة تعيَّن الأخ أندرسن لتنقيح اللوائح والأوامر والقوانين العمومية الغوتية، وأن يستخرج منها لائحة حاوية ما احتوته القوانين القديمة مع تنويعها على ما يناسب الأحوال. ولم يَأْتِ ٢٧ ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة حتى أنهى ما أُمِر به، فقدَّم اللائحة إلى لجنة مؤلَّفة من ١٤ من علماء الماسون تعيَّنت بأمر الأستاذ الأعظم، للنظر في لائحة الأخ أندرسن وتقرير ما يتراءى لها إلى المحفل الأعظم، فأقرت على استحسانها.
وفي ١٧ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٢٣ التأم نوَّاب المحافل التابعة للمحفل الأعظم، فعُرِضت عليهم اللائحة فصادقوا عليها، ثم طُبِعت ونُشِرت تحت عنوان «النظامات الماسونية الحرة».
وقد حدث في خلال ذلك ما يُستدل من ورائه على شهامة وكرم أخلاق الماسونية؛ وذلك أن دوك مونتاغيو انتُخِب في يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٢٢ أستاذًا أعظم، وكان في جملة المترشحين لهذا المنصب دوك هوارتن، فساءه ذلك الانتخاب، فجمع إليه جماعة من أحزابه وقرروا تسميته في ذلك المنصب، إلا أن ذلك التعيين لم يكن معتبرًا رسميًّا من المحافل، فعلم الأستاذ الأعظم مونتاغيو، فعقد جلسة رسمية تنازَلَ فيها عن الرئاسة العظمى لمناظره هوارتن حسمًا للخصام، قائلًا: «لا شك أن الأخ هوارتن أليق مني لهذا المنصب؛ لأنه أشد رغبةً فيه، فلا ريب أنه يكون أكثر نشاطًا وهمة وأعظم فائدة.» أما هوارتن فلما رأى تلك النفس الأبِيَّة خجل من سوء تصرُّفه وارتجع عن مقصده، وندم على ما فرط منه، وأصبح من ذلك الحين أول خاضع لقوانين الجمعية وتقاريرها.
غير أن الجمعية لم تبخسه حقه، فإنها عيَّنته بعدئذٍ في ذلك المنصب بصفة رسمية بمصادقة ٢٥ محفلًا ماسونيًّا، وعيَّنت ديزاغليو نائبًا له.
وفي يوم اجتماع نوَّاب المحافل سنة ١٧٢٣ كما تقدَّمَ، قدم الأخ طمسن بصفة منبه أول نسخة مطبوعة من لائحة النظامات الجديدة، فصودق عليها من عشرين محفلًا، فازدادت الماسونية رونقًا واتسعت دائرتها، فانضم إليها عدد كبير من الأشراف والتجار ورجال العلم الذين كانوا يرون المحفل الماسوني أفضل منجاة لهم من عالم التقلب والدسائس السياسية وغيرها، فازداد عدد المحافل كثيرًا، وكان الأستاذ الأعظم يزور تلك المحافل كل أسبوع ومعه نائبه والمنبهان، وأصبحت لائحة النظامات المشار إليها أعلاه ذات شأن عظيم وأهمية كبرى للماسونية، وخلف دوك هوارتن على الرئاسة العظمى فرنسيس أرل دلكيت، وخلف هذا في سنة ١٧٢٤ شارلس لنوكس دوك ريتشموند، وهو الذي شكَّل جمعية الإحسان وموضوعها مساعدة الإخوان الذين جار عليهم الزمن، وكانت هذه الجمعية تنفق عدة آلاف من الجنيهات سنويًّا ولا تزال في مثل ذلك، وكانت عضدًا كبيرًا للمحافل الماسونية.
بند إضافي للقانون الأساسي
وفي ٢٧ نوفمبر (تشرين الثاني) سنة ١٧٢٥ اقترح الأخ اللورد بايسلي على المحفل الأعظم إضافة بند واحد على القانون الأساسي من مقتضاه: «أن رئيس المحفل ومنبهَيْه إذا اجتمعوا مع عدد محدود من الأعضاء، يمكنهم ترقية الأخ التلميذ إلى درجة الرفيق، والرفيق إلى درجة الأستاذ». ولم يكن ذلك مسوغًا من قبلُ إلا للمحفل الأعظم، فوافقوه على اقتراحه، فاتسع نطاق العشيرة، وكانت الماسونية الرمزية لا تزال إلى ذلك العهد محصورة في بريطانيا مسقط رأسها، لكنها إذ ذاك برزت من خدرها.
وفي سنة ١٧٢٥ تأسَّس المحفل الأول في باريس، ثم لُقِّبت بالماسونية العامة؛ إشارةً إلى اشتمالها على أعضاء من سائر أصناف الناس متحدين على السرَّاء والضرَّاء، متعاونين على بث الفضيلة والعلم.
الدرجات الماسونية
يظهر أن الدرجات الماسونية الرمزية لم تكن معروفة إلى سنة ١٧٢٠، ولم يكن هناك إلا الدرجة الأولى «التلميذ»، وكانوا يختارون من بين أبناء تلك الدرجة مَن يترأس عليهم ويدير أعمالهم، وإنما يستفاد من بعض بنود نظامات سنة ١٧٢٠ أن الثلاث درجات كانت معروفة، إنما لم يكن إلا للمحفل الأعظم أن يرقي إلى الدرجتين الثانية والثالثة. والظاهر أن درجة الأستاذ مُنِحت في بادئ الرأي إلى بعض الأعضاء الذين ترأسوا المحافل من سنة ١٧١٧–١٧٢٠، فكانت لهم بصفة إنعام، أما الدرجة الثانية فأُدخِلت بعد ذلك لإتمام الثلاث درجات؛ تمثيلًا لثلاث درجات الماسونية العلمية.
أما الدرجات العالية فوق الثالثة، فلم تكن معروفة إلى سنة ١٧٤٤.
وفي سنة ١٧٢٧ بعد تولي جورج الثاني ملك إنكلترا، اجتمع المحفل الأعظم تحت رئاسة أرل إنشكوين، وقرَّر أن حقوق الانتخاب في المحفل الأعظم تكون للمنبهين السابقين أيضًا، وقد كانت محصورة في الأساتذة العِظَام السابقين والنوَّاب السابقين.
الأساتذة العِظَام الإقليميون
وقرَّروا أيضًا في ذلك الاجتماع تعيين أساتذة عِظَام إقليميين لتأليف محافل عظمى في الأقاليم خارج لندرا، ثم طُلِب تشكيل محفل في مدريد وتقرَّر، ثم تعيَّن الأخ جورج بومفريت أستاذًا أعظم إقليميًّا، وهو أول مَن تقلَّد هذا المنصب.
وكان على الرئاسة العظمى في سنة ١٧٢٩ اللورد فيسكونت كنستون، وفي ٢٩ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٣٠ سلَّم زمام الرئاسة لخلفه دوك نورفولك لداعي رغبته في التوجه إلى أيرلاندا، فسار إليها فانتُخِب رئيسًا لمحفل أعظم في دبلين، وذلك في ٦ أبريل (نيسان) سنة ١٧٣١، ولم يكن في أيرلندا محفل أعظم إلى ذلك العهد.
ملابس متوظفي المحفل
وأما ملابس أصحاب الوظائف في المحافل، فقد كانت مجردة من أدوات الزينة حتى أيام الأستاذ الأعظم دوك نورفولك، فهذا أهدى المحفل الأكبر سيف غوستافوس أدلفوس وسيف الباسل دوك برنارد ويمور من فنيسيا، فاستعملهما المحفل بمثابة سيف الأمة. ومن ذلك الحين مال الإخوة إلى استخدام المصوغات في ملبوساتهم؛ ففي سنة ١٧٣١ تقرَّر رسميًّا أنه لا يجوز لأحد غير الأستاذ الأعظم ونائبه ومنبهيه أن يلبسوا مصاغهم مذهبًا، يتقلدونه في أعناقهم بأطواق من الحرير الأزرق، وأن يأتزروا بجلد أبيض عليه حرير أزرق.
انتشار الماسونية وتنقيح القوانين
وفي سنة ١٧٣٢ كانت الرئاسة العظمى في يد اللورد فيسكونت مونتاغيو فأزهرت الماسونية تحت رئاسته وكثر تأسيس المحافل، فتأسَّس في سنة واحدة ١٨ محفلًا في لندرا وحدها، و٧ محافل في أماكن أخرى من إنكلترا.
وفي سنة ١٧٣٣ انتُخِب لهذا المنصب إرل ستراتمور، وكان أحد منبهيه الأخ يوحنا ورد، وهو مِن الممتازين بالغيرة والهمة الماسونيتين.
وفي نحو أواخر سنة ١٧٣٣ اتسعت دائرة امتيازات جمعية الإحسان المتقدم ذكرها، بحيث إنها لم تترك للمحفل الأعظم شيئًا من السيادة، فقد كان مرخَّصًا لها الاجتماع والبحث في أمور مهمة والقطع بها بدون مشورة أحد، فهي بذلك لم تسلب حقوق المحفل الأعظم فقط، لكنها سلبت أيضًا ميزانية المساواة بين الإخوة.
وفي أيام الأخ ستراتمور أُسِّس المحفل الأول في جرمانيا.
وفي سنة ١٧٣٤ ترأس على المحفل الأعظم إرل كروفورد، وكان شديد الغيرة على الماسونية، فأمر الأخ جيمس أندرسن لينظر في إعادة طَبْع كتاب النظامات، ولم يتم ذلك إلا في سنة ١٧٣٨. وفي رئاسة كروفورد عُيِّنَ ٣ أساتذة عِظَام إقليميين في لنكشير ودرهام ونورثمبرلاند.
وفي سنة ١٧٣٧ تحت رئاسة إرل دارنلي انتظم البرنس فريديك أوف ويلس في سلك الماسونية، وكان غيورًا على مصالحها، لكنه توفي سنة ١٧٥١، وهو لم يتم كل مساعداته لها.
وفي سنة ١٧٣٨ أصدرا البابا منشورًا ضد الماسونية وهو المنشور الأول.
وفي نحو هذا التاريخ انتشرت الماسونية في جرمانيا وروسيا وأميركا.
وفي سنة ١٧٤٠ ازدادت المحافل التابعة للمحفل الأعظم الإنكليزي «ذي الطقس الحديث» عددًا ونشاطًا، وما زالت الماسونية تزيد انتشارًا، وتعاليمها إفادةً، وأعضاؤها عددًا وقوةً حتى سنة ١٧٥١، فخافها جماعة الحكام والكهنة وأصدروا في حقها المنشورات والأوامر تَتْرَى بين تهديد وترهيب في سائر أقطار أوروبا، وكانت كلما زاد الاضطهاد زادت قوةً وثباتًا، تدافع بالأمر الممكن منتظرة إحقاق الحق، وهي في كل ذلك لم تنوِ على أحد سوءًا، ولم تقصد بفئة شرًّا.
ولكن البشر ضعيفون بالطبع، وقد قدَّر الله أن لا تخلو جماعة منهم ممَّن ينكرون الحق، وهم يعلمون خيفة أن تمس حقوقهم أو يلحق بهم ضر. فملافاةً لما يخشى حدوثه بسبب ذلك التأَمَ المحفل الأعظم الإنكليزي «نعني به الحديث دائمًا» سنة ١٧٥٤، تحت رئاسة ماركيز كارنارﭬﻮن ونيابة الأخ توماس ماننهام، الذي اشتهر بعلو الهمة والحزم، وكانت المحافل الماسونية في إنكلترا مدوَّنة في سجل عمومي، إلا أن كثيرًا منها كان قد أبطل العلاقة مع المحفل الأعظم، وبعضها أبطل الاشتغال كلية، فأصدر ماننهام قرارًا باسم الأستاذ الأعظم بتاريخ ٢٧ يونيو (حزيران) سنة ١٧٥٤ مآله: «أنه يطلب من كل أخ «حسب استطاعته» أن يتحرى بنفسه عن تصرف وأعمال المحافل الفرعية، بأن يحضر اجتماعاتها ويلاحظ أعمالها، ويقدم عنها تقريرًا عما يتراءى له، وأن كل محفل لا يقدِّم بحقه ما يثبت مواظبته على العمل ومحافظته على القانون، يُشطَب اسمه من السجل الماسوني.»
ثم تقرَّر تحوير لائحة النظامات وإضافة بعض البنود التي اقتضتها الأحوال، وتعينت لذلك لجنة من الرئيس الأعظم وبعض الإخوة من ذوي الاطلاع والمعرفة.
ووجد المحفل الأعظم بالبحث أن عددًا من الإخوة قد أسَّسوا محفلًا على غير سنَّته، فتهددهم بالشطب فلم يرعووا، فأصدر في حقهم منشورًا مآله أن محفلهم هذا يُعتبَر محفلًا غير قانوني، وأن أعضاءه لا يُقبَلون في محافله بصفة زائرين، وأن جميع الدبلومات الماسونية بعد ذلك يجب أن تكون مختومة بالختم الماسوني وممضيَّة من السكرتير الأعظم.
وبقيت رئاسة المحفل الأعظم بيد كارنارﭬﻮن ثلاث سنوات أنشئ أثناءها أربعون محفلًا، وتعيَّن تسعة أساتذة عظام إقليميون.
وفي سنة ١٧٥٨ وقع انتخاب الرئاسة العظمى على اللورد البردود، وما زال عليها إلى سنة ١٧٦٢، وتشكَّل في أيامه محافل كثيرة، وتقرَّر تعيين ١٣ أستاذًا أعظم إقليميًّا.
وفي سنة ١٧٦٢ انتُخِب اللورد فرر للرئاسة ولم يكن مقدامًا، فتقهقرت الماسونية في أيامه. ويقال إن بعض الإخوة في لندرا حرَّروا رسميًّا إلى المحفل الأعظم الاسكوتلاندي يطلبون البراءة لإنشاء محفل تحت رعايته، فكان من سياسة رئيسه أن يرفض طلبهم؛ خيفة أن يتداخلوا بأعمال المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي ٨ مايو (أيار) سنة ١٧٦٤ انتُخِب اللورد بلاني للرئاسة العظمى، وبقي فيها أربع سنوات، تأسَّس أثناءها ٧١ محفلًا، وتعيَّن ١٢ أستاذًا أعظم إقليميًّا.
وفي سنة ١٧٦٧ تقرر طَبْع لائحة النظامات طبعة جديدة، وفي هذه السنة دخل الماسونية دوك غلوسستر ودوك كمبرلاند في لندرا، ودوك يورك في برلين.
وفي ٢٧ أبريل (نيسان) ١٧٦٧ انتُخِب للرئاسة العظمى دوك بوفروت، وأزهرت الماسونية في أيامه.
محاولة توحيد الماسونية
ومن الحوادث التي حصلت في أيام هذا الأستاذ الأعظم مما يستحق الذكر محاولةُ توحيد الماسونية، وذلك أن نائب الأستاذ الأعظم كان عالمًا أن دوك بوفورت يرغب في ذلك التوحيد، فعرض الأمر على المحفل الأعظم وأظهر له عِظَم الفوائد الناجمة عن ذلك، ثم إنه عمل في ذلك لائحةً وعرَضَها على الأعضاء، فاستحسنوها وصادقوا عليها، ثم أخبرهم أنه التمس من جمعية الإحسان الماسونية أن تجمع مبلغًا لبناء قاعة ماسونية للمحفل الأعظم لابتياع الأدوات اللازمة لها من أثاث وملابس ومصاغ وما شاكل، من غير رأسمالها الأصلي، وكانت تلك الطريقة بمثابة الشروع في ذلك التوحيد؛ لأن الدراهم المطلوبة ستجمع من الإخوان الماسونيين على اختلاف نزعاتهم، فأقر المحفل الأعظم على ذلك الالتماس، وطبعوا لائحة التوحيد وفرَّقوها في المحافل، فقبل بها ١٦٨ محفلًا، أما المحافل التي لم تصادق عليها فكانت ٤٣ محفلًا، فتقرَّر وجوب التوحيد بالأغلبية.
وفي سنة ١٧٧١ قُدِّمت نسخة من لائحة التوحيد للبرلمان الإنكليزي بواسطة نائب الأستاذ الأعظم شارلس ديلون؛ لكي ينظر فيها ويصادق عليها، وعند تلاوتها للمرة الثانية اعترض عليها أحد أعضاء البرلمان ووافقه بعض الإخوة، فطلب ديلون تأجيل البحث فيها لمدة غير معيَّنة، فحبطت مساعي ديلون وذهبت أدراج الرياح.
بناء قاعة الاجتماع
وفي سنة ١٧٧٢ انتُخِب اللورد بيتر للرئاسة العظمى، وفي جلسة الانتخاب عينها تقرَّر إضافة بعض البنود الثانويَّة في حفظ الممتلكات الماسونيَّة، وتعيَّنت لجنةٌ للنظر في بناء قاعة ماسونيَّة.
وفي سنة ١٧٧٣ تقرَّر فتح باب للمخابرات مع محفل جرمانيا الأعظم في برلين. وفي سنة ١٧٧٤ أُدخِلت درجة الرويال أرش «القنطرة الملوكيَّة» إلى إنكلترا.
وفي سنة ١٧٧٥ أضيف إلى كتاب النظامات بعض البنود.
وفي أول مايو (أيار) من تلك السنة وُضِع الحجر الأساسي للقاعة الماسونيَّة، وفي السنة التالية تقرَّر نشر تقويم ماسوني.
وفي ٢٣ مايو (أيار) من هذه السنة تم بناء القاعة المشار إليها، وتكرست رسميًّا بحضور الأستاذ الأعظم بيتر وعدد غفير من الإخوة باسم الفضيلة والبر والإحسان.
وفي أول مايو (أيار) سنة ١٧٨٢ انتُخِب هنري فريدريك دوك كمبرلاند للرئاسة العظمى، ونظرًا لغيابه مؤقتًا عُيِّن إرل أفنغام ليقوم مقامه. وفي هذه السنة انفصل محفل «الآثار القديمة» من المحفل الأعظم الإنكليزي.
(٣) الماسونية في أيرلندا
يظهر أن الماسونية العملية كانت في أيرلندا قبل أيام الرمزية بأجيال، كما يُستدَل من الآثار البنائية التي تركتها. أما الماسونية الرمزية فلم تدخلها إلا سنة ١٧٣٠ عن طريق إنكلترا، وقد تقدَّمت فيها على نوعٍ ما، ونظرًا لقلة أهميتها نغض الطرف عنها؛ إذ ليس من غرض كتابنا التطويل.
(٤) الماسونية في اسكوتلاندا
قد كانت الماسونية العملية معروفة في اسكوتلاندا، وقد كان لها فيها شأن، كما قد علمت مما مَرَّ بك.
أما الرمزية فدخلتها سنة ١٧٣٦، وكيفية ذلك أنه عند اتحاد محافل لندرا الأربعة إلى محفل أعظم سنة ١٧١٧، كانت المحافل العملية لا تزال معروفة في اسكوتلاندا، فلما رأى الاسكوتلانديون ما كان من تقدُّمِ المحفل الأعظم الإنكليزي، وانتشار تعاليمه، وقد كان البعض منهم منتظمين في سلك ذلك المحفل؛ رغبوا في إنشاء محفل على مثاله، إلا أنهم لم يكونوا يستطيعون ذلك؛ لأن الرئاسة العظمى عندهم كانت محصورة بالإرث في عائلة سانكلار روسلن، فكان ذلك عثرة في طريقهم، غير أن وليم سانكلار آخِر أعضاء تلك العائلة كان رجلًا عاقلًا غيورًا، وكانت الرئاسة العظمى في يده، ولم يكن له أولاد، فخيفة أن تبقى كرسي الرئاسة بعد وفاته خالية جمع إليه أعضاء المحافل في أيدنبرج وضواحيها في ١٥ أكتوبر سنة ١٧٣٦، وطلب إليهم أن يختاروا من بينهم أستاذًا أعظم يليق بالمنصب بدلًا منه، وأنه مستعد أن يتخلى عن كل الامتيازات والحقوق التي له فيه؛ وبناء على ذلك الطلب نُشِرت دعوات عمومية إلى سائر المحافل في اسكوتلاندا للاجتماع لأجل الانتخاب.
ففي ٣٠ نوفمبر سنة ١٧٣٦ التأَمَتِ المحافل الاسكوتلاندية، وعددها نحو من ٣٢ محفلًا، تحت رئاسة محفل كنيسة القديسة مريم، فتُلِيَ على الجلسة استعفاء الأستاذ الأعظم، ثم تقدَّموا لانتخاب مَن يقوم مقامه، فلم يجدوا أليق منه، ولا سيما بعد أن أظهر ما أظهره من الحميَّة والغيرة لصالح الماسونية، فوقع الانتخاب عليه ليكون أستاذًا أعظم على كل الماسونية في اسكوتلاندا، ولا يخفى أن رئاسته هذه المرة هي غير رئاسته المرة الماضية؛ لتجرده فيها من حقوق الوراثة.
فلما تم الانتخاب على هذه الصورة ارفضَّ الاجتماع، وفي الاجتماع التالي قدَّمت المحافل الاسكوتلاندية عمومًا التماسات تطلب فيها لوائح جديدة رسمية لتسير بمقتضاها، فاعتبر المحفل الأعظم تلك الطلبات بمثابة التنازل عن الحقوق القديمة؛ لأن معظمها كان مرخصًا لها الاشتغال، وهي منظمة رسميًّا بحسب قانون الماسونية العملية، فأُعطِيت لها اللوائح والنظامات الجديدة حسب الطريقة الحديثة، ومن مقتضاها أن يدفع كلُّ مَن دخَلَ الماسونية رسم تكريسٍ مقداره معيَّن، وأن المبالغ المجموعة تُصرَف في احتياج الإخوة الذين أثقل عليهم الدهر. أما الذين لا يدفعون ذلك الرسم فلا يكون لهم الحق بالاستفادة من المال المجموع.
وكان من عادة المحافل أن تجتمع في ٢٤ يونيو (حزيران) من كل سنة، فجعلها الاسكوتلانديون في ٣٠ نوفمبر (تشرين الثاني).
وفي سنة ١٧٤٧ أُجِيز للأخ إسكندر دريموند، الذي كان قاطنًا في اسكندرونه (وهي الفاصل بين سوريا وبر الأناضول)؛ أن يؤسِّس محافل ماسونية في أي بلدٍ كان من أوروبا وآسيا على سواحل البحر المتوسط، وكان دريموند أول أستاذ أعظم إقليمي من قِبَل اسكوتلاندا.
وفي سنة ١٧٤٩ قلَّت مالية المحفل الأعظم الاسكوتلاندي لِمَا تكبَّده من المصاريف الباهظة للمحتاجين من أعضائه، إلا أنها عادت إلى القوة بإنشاء محافل جديدة وتثبيت البراءات القديمة للمحافل.
وفي سنة ١٧٥٢ وُضِع الحجر الأول لبناء الرويال اكستشنج في أيدنبرج، بحضور الأستاذ الأعظم وجَمٍّ غفيرٍ من الإخوة بالملابس الرسمية، وجعلوا تحت ذلك الحجر ثلاثة نياشين ماسونية، وضعوها الواحد بعد الآخَر بيد الأستاذ الأعظم، وكان كلما وضع نيشانًا ينطق بعبارة مقدسة، وختموا التدشين عند المساء بمأدبة فاخرة، فكان احتفالًا حافلًا تتجلى فيه هيبة ووقار الأعمال الماسونية.
وفي سنة ١٧٥٤ انتُخِب الأخ جيمس فورب للرئاسة العظمى، والأخ دالرمبل للنيابة العظمى، ولما تم الانتخاب سار نحو ٤٠٠ من الإخوة بالمشاعيل من كنيسة القديسة مريم إلى المدرسة العليا، وتقرَّر في هذه الجلسة أن الاجتماعات الاعتيادية للمحفل الأعظم التي تلتئم كلَّ ثلاثة أشهر، تكون في يوم الإثنين الأول من أشهر فبراير (شباط)، ومايو (أيار)، وأوغسطس (آب)، ونوفمبر (تشرين الثاني).
وما زالت الأحوال جارية على ما تقدَّمَ إلى سنة ١٧٦٢، وإذ ذاك عرض بعض الإخوة في لندرا إلى المحفل الأعظم الاسكوتلاندي — وهو برئاسة الأخ شارلس إرل الجن — يطلبون البراءة لإنشاء محفل تحت رايته في لندرا، فلم يقبل طلبهم تخلُّصًا من التداخل في حقوق محفل لندرا الأعظم، وقد تقدَّمَ ذلك.
وفي سنة ١٧٧٨ توفي الأخ وليم سان كلار المشهور — وقد تقدَّمَ شيء عنه — فعمل له المحفل الأعظم الاسكوتلاندي احتفالًا ماسونيًّا عظيمًا، خطب فيه السير فورب خطبة طويلة عدَّدَ فيها فضائل هذا الأخ ومناقبه، وحضر ذلك الاجتماع نحو من أربعمائة أخ.
أما قوانين ونظامات محافل اسكوتلاندا فقريبة جدًّا من نظامات وقوانين المحافل الإنكليزية الحالية، لا تختلف عنها إلا ببعض الأمور، مثل أن المحافل في أيدنبرج وضواحيها لم يكن يجوز لها الاجتماع إلا متى تألفت من واحد وعشرين عضوًا فما فوق، أما فيما خلاها فسبعة أعضاء تكفي.
(٥) الماسونية في فرنسا من سنة ١٧٢٦–١٧٨٢ب.م
تأسَّس أول محفل في فرنسا سنة ١٧٢١ في دينكرك، ودُعِي «المحبة والإخوة» تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي.
وفي سنة ١٧٢٥ تأسَّس أول محفل في باريس بسعي اللورد درفانت واترس وأخوين إنكليزيين، ويقال إن هذا اللورد هو أول مَن أسَّس محفلًا ماسونيًّا في فرنسا ببراءة رسمية من المحفل الأعظم الإنكليزي، وقد أسَّس أيضًا محافل أخرى.
وفي ١٢ يونيو (حزيران) سنة ١٧٢٦ تأسَّس محفل القديس توما في باريس، تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي أيضًا.
وفي سنة ١٧٢٩ تأسَّست محافل أخرى في باريس، منها محفل لويس دارجان، ومحفل فنون القديسة مرغريتا الأول، تأسَّس في ٧ مايو (أيار) والآخَر في أول أبريل (نيسان).
وفي سنة ١٧٣٢ تأسَّس محفل بيسي، ويُعرَف بمحفل أومون.
وفي سنة ١٧٣٦ تأسَّس في باريس محفل أعظم إقليمي تألَّف من اتحاد أربعة محافل على الطريقة الاسكوتلاندية، وتحت رئاسة البارون دي رمسي.
وفي سنة ١٧٣٨ تأسَّس المحفل الأعظم الإنكليزي في فرنسا، والبارون دي رمسي هو أول أستاذ أعظم سُمِّي رسميًّا فيها.
وكانت الماسونية عند أول عهدها في فرنسا لا يُقبَل فيها إلا العلماء والأشراف وسراة البلاد الذين اشتهروا بالفضيلة والاستقامة، فكانت معززة لا شيء يكدر اجتماعاتها.
اضطهاد لويس الخامس عشر للماسونية
وما زالت كذلك حتى أجيز للأواسط والأسافل الالتحاق بها، فتطرقت سموم الفساد إلى مادتها، فأتيح لأعدائها الوشاية بها إلى أولي الأمر وذوي السيادة، فوشي إلى لويس الخامس عشر من كاهنه الخاص أنها جمعية مفسدة في الناس، ويُخشى على البلاد من شرها، فأصدر منشورًا سنة ١٧٣٧ مآله: «أن المحافظة الكلية على الأسرار الماسونية أوجبت الظن في أن وراءها مقاصد مخيفة، فكل الرعايا الأمناء ممنوعون من التداخل فيها، أو الانضمام إليها». ومنع جميع الأشراف الملتحقين بالماسونية من الحضور في مجلسه، إلا أن هذه الاضطهادات لم تكن إلا لتزيد أولئك الأشراف رغبة في التمسك بحبالها، فكانت المحافل تجتمع سرًّا وعدد الطالبين يزداد يومًا فيومًا، وقد أخذ بناصرها على الخصوص أغنياء الإنكليز المقيمون في باريس، وبالغوا في جسارتهم، حتى إن بعضهم كانوا لا يبالون بالتصريح أن المحفل الأعظم سيجتمع في يوم كذا لانتخاب أستاذ أعظم مثلًا، فبلغ البوليس شيء من ذلك، فاغتنم فرصةً باغت فيها الإخوة في إحدى جلساتهم في ١٠ سبتمبر (أيلول) سنة ١٧٣٧، وقبض على إحدى لوحات «وقائع» جلساتهم ونشرها على العموم، بعد أن فرض عليهم جزاء نقديًّا دفعوه فورًا.
نعم، إن مثل هذه المعاملات لم تكن كافية لإيقاف هذه الجمعية عن الاجتماعات وتبادل شعائر الإخاء، إلا أنها حملتها على السعي وراء تكثير عدد أعضائها، الأمر الذي أوجب تساهلها في انتقاء الطالبين، فكثر فيها الأعضاء الذين لم يكونوا على شيء من مقاصد هذه الجمعية، فساد الفساد، ثم ترأس عليها مَن لم يكن أهلًا للرئاسة، فتنحى عنها الأعضاء العلماء والأشراف، فأمست ألعوبة في أيدي الرعاع وسَفَلَة القوم.
لكنها مع ذلك لم تذعن لأوامر لويس الخامس عشر؛ لأنه ظهر في إحدى الجرائد بتاريخ ١٢ فبراير (شباط) سنة ١٧٣٨ أن الجمعية الماسونية احتفلت احتفالًا فاخرًا في لينفيل في ٢٤ يونيو (حزيران) من تلك السنة، حصل فيه استعفاء الأستاذ الأعظم هرنوستر وانتخاب دوك أوتين بدلًا منه.
وكانت أشغال هذه المحافل مشابهة لأشغال المحافل الإنكليزية، ولا تشتغل إلا بالدرجات الثلاث الرمزية.
اضطهاد أحبار رومية للماسونية
ولم ينحصر اضطهاد الماسونية في محل نشأته، لكنه امتد إلى أنحاء بعيدة؛ فإن البابا أكليمندس الثاني عشر شكَّل مؤتمرًا من كرديناليته للبحث في أمر الاجتماعات الماسونية، وفي ٢٨ أبريل (نيسان) سنة ١٧٣٨ أصدر منشورًا شديد الوطأة تهدد فيه الكهنة وغير الكهنة بالحرم إذا انضموا إلى تلك الجمعية، أو أخذوا بناصرها، أو سعوا إلى نشرها في بيوتهم أو في محل أشغالهم، إلا أن هذا المنشور قد ذهب أدراج الرياح في فرنسا، وربما كان ذلك لانتصار فريدريك الأعظم ملك بروسيا لها. ومثل ذلك كان نصيب منشور البابا بنيدكت الرابع عشر.
اضطهادات أخرى واختلال في الأعمال
وجماعة البوليس في فرنسا كانوا قد أنشئوا سنة ١٧٣٥ جمعية دَعَوها «جمعية نوح» إشغالًا للناس عن الماسونية، وقد حاولوا بتعاليمهم فيها إثبات تسلسل الماسونية من اجتماعات الصليبيين. ثم إن ميشال أندرو رمسي خطب خطابًا سنة ١٧٤٠ حاول فيه إيضاح فائدة هذه الجمعية إيقاعًا بالماسونية، وأدخل إليها الدرجات العليا تعزيزًا لها وبرقشة على أعين الأشراف من الإخوة، فأحدث علامات وكلمات للتعارف بين الأعضاء، وعلى مثل ذلك نشأت الدرجات العليا في الماسونية، وكان رمسي من أشد منشطيها.
ثم توفي دوك لوتين وانتُخِب بدلًا منه كونت كليرمون بأصوات رؤساء ١٦ محفلًا.
ولا يخفى أن الكونت كليرمون ترأس على الماسونية — وهي على ما علمت من الاحتياج إلى الإصلاح — فجعل يتحرى تحريًّا دقيقًا في انتقاء الطالبين، ويُكثِر من التشديد في منح البراءات لإنشاء محافل حديثة، واقتصد بقدر الإمكان في النفقات الباهظة التي كانت تُبذَل في الاحتفالات والولائم، وبالجملة جعل يسعى إلى كلِّ ما مِن شأنه إصلاح الماسونية وإرجاعها إلى سابق أحوالها من النظام والمواظبة والاستقامة.
ومن جملة ما كان جاريًا في المحافل أنهم لم يكونوا يدوِّنون وقائع جلساتهم، وقد كان للرؤساء أن يتصرفوا في إدارة المحفل وماليته كيف شاءوا، وأن يقيموا على كرسي الرئاسة أيًّا كان لا يلاحظون شيئًا من أهليته. فقد كان الفساد سائدًا في الماسونية إلى حد أنهم كانوا يُصدِرون المنشورات والبراءات تزويرًا، ويجعلون تاريخها أقدم مما هو بمئات من السنين، فبعض المحافل جعل تاريخ براءته سنة ١٥٠٠، وبعضهم جعلها أقدم من ذلك، والسبب أن المحفل الأعظم لم يكن يقوى على تنفيذ سلطته، والأستاذ الأعظم الكونت كليرمون لم يكن يجسر على المظاهرة بالعمل في سبيل الماسونية.
سَنُّ النظامات والقوانين
بناءً على ادِّعَاء كثير من الإخوة أنهم أساتذة اسكوتلانديون، وطلبهم بمقتضى ذلك حقوق وامتيازات رسمية في محافل خصوصية، الأمر الذي لم نَرَ له أثرًا في السجلات القديمة المنتشرة في كل المحافل على سطح الكرة الأرضية، وملافاةً لتفاقم الخطب وحفظًا للنظام الذي لا بد منه بين الإخوة البنَّائين الأحرار، نصرِّح أن أولئك المدَّعِين لا تُقبَل دعواهم، ولا يمكن التسليم لهم بما يطلبونه من الحقوق المقدسة إلا بعد اشتغالهم بوظائف معينة في المحفل الأعظم أو المحافل الأخرى الفرعية، وإلا فإنهم لا فرق بينهم وبين التلامذة والرفاق، وليس لهم ما يتميزون به عنهم.
ومثل هذه العبارات تدل دلالة صريحة على أن ما يسمونه بالدرجات السكوتسية لم تظهر إلا في ذلك العهد، وبمراجعة جميع التقارير والمنشورات القديمة لا يوجد لها ذكر، إلا ما لمَّح إليه رمسي في خطابٍ ألقاه سنة ١٧٤٤. وكانوا يسمون هذه الدرجة في الماسونية الدرجة الرابعة.
وعلى مثال ذلك نشأت الدرجات العليا، إلا أن أصل نشأتها بالتدقيق فغير معروف تمامًا؛ لفقدان الأوراق الماسونية التي كان يمكن الاهتداء بها إلى شيء من ذلك. لكن المظنون أن دعاة عائلة ستيورت، وفيهم الجزويت، كانوا يسعون إلى إعادة هذه العائلة إلى التملك في اسكوتلاندا، فاستنجدوا الماسونية، فأَبَتْ خيانة ملكها والسعي إلى استبداله، فلم يَرَ أولئك أولى من أن يجمعوا إليهم مَن كان على دعوتهم من الماسونيين، وأن يجتمعوا معًا في حالةٍ غير حالة الاجتماعات الماسونية الاعتيادية، فاستحدثوا طريقة دَعَوها بالدرجات العليا، وذلك سنة ١٧٣٦، وجعلوا يمدون سطوتهم إلى الأنحاء البعيدة، فلم يجدوا لها أنسب من فرنسا؛ لأنها كانت فيها على ما علمت من الانحطاط وسفالة الأعضاء، وقد صادفوا نجاحًا لمشروعهم، فأقدم الفرنساويون على الاشتراك في تلك الدرجات، واتفق وجود رمسي الخطيب المشهور هناك، فخطب ونشَّط تلك الاجتماعات، فازداد الفرنساويون رغبة في الأمر. ثم إن الذين جاءوا بعد ذلك أتموا تلك الاختراعات؛ ففي سنة ١٧٤٣ اختُرِعت درجة قادوش في مدينة ليون.
أما درجة الفرسان الهيكليين فكانت في أيام الصليبيين وأُلغِيت سنة ١٣١١، لكنها عادت إلى الظهور في نحو سنة ١٧٤٠، عندما نُفِي فرسان مالطا لداعي تهمتهم بالاشتراك مع الماسونيين.
وقِسْ على ما تقدَّمَ كثيرًا من الدرجات العالية التي استُحدِثت في الماسونية، وكان لكلٍّ منها غرض في حينه، ولذلك ترى بالمقابلة أنها لا تنطبق بعضها على بعض، وربما خالفت في بعض الأحوال مبادئ الماسونية الحقيقية، الأمر الذي يجعل لغير الماسونيين بابًا للانتقاد والتنديد.
وقد صادقت هذه الدرجات ترحابًا عظيمًا في فرنسا، ففتح لها الماسون هناك صدورًا رحبة، وأغفلوا الدرجات الثلاث الأصلية التي هي بالحقيقة الدرجات الماسونية الحقة، وربما كان ذلك لجهلهم الغرض الشريف المقصود منها؛ فعكفوا على الدرجات العليا، فضربوا الأثلاث وجمعوها، فكانت لهم درجة ٩ وهي ٣ × ٣، ودرجة ٣٣، ودرجة ٩٠، وجعلوا لكلٍّ من هذه الدرجات إشارات وكلمات ورموز خصوصية، فرغب الناس في الانضمام إليها، ولا تزال تلك الرغبة شديدة في كثيرين إلى هذا اليوم.
فعلى مثل ما تقدَّمَ نشأت الدرجات العليا، ولمثل هذه الغايات أُنشِئت، على أن ذلك لا يمنع كونها الآن على خلاف ما ذُكِر؛ لأن الجماعات مؤلَّفة من الأفراد، فتختلف مقاصدها باختلاف مقاصد أولئك الأفراد.
فإذا كان شأن الماسونية الحرة في فرنسا على ما تقدَّمَ، لا نعجب إذا رأينا البوليس يتتبع خطواتها ويجعل في طريقها العثرات، فإنه في ٥ يونيو (حزيران) سنة ١٧٤٤ أكثر من التحريات عن الاجتماعات، فباغت اجتماعًا في باريس شتَّت شمل أعضائه.
وفي سنة ١٧٤٤–١٧٤٧ نُشِرت في حق الماسونية منشوراتٌ عديدة تتهمها بالتداخل في الأعمال السياسية والدينية. وعلى هذه المنشورات بُنِي كلُّ ما تبع ذلك من الاضطهاد.
تسمية المحفل الأعظم الفرنساوي
وكانت محافل فرنسا إلى ذلك العهد تحت رعاية المحفل الأعظم الإنكليزي القائم في باريس. ففي ٤ يوليو (تموز) سنة ١٧٥٥ أقروا على تسميته «المحفل الأعظم الفرنساوي»، باجتماع الآراء في جلسة رسمية قانونية، وأقروا في تلك الجلسة على قبول لائحة القانون الجديد، وهي تشتمل على ٤٤ مادة، وفيها درجات الاسكوتلانديين، ويستدل من نصوص بعض المواد أن من موضوعها المساعدة في نشر الكثلكة، ونص المادة الثانية يُوجِب تعميد الطالبين.
وفي سنة ١٧٥٦ تشكَّل المجمع الأول الفرنساوي تحت اسم «فارس المشرق»، ومن قوانينه أن أعضاءه يُدعَون أمراء وسلاطين.
وفي سنة ١٧٥٨ نشأ مذهب جديد مؤلَّف من ٢٥ درجة، وتألَّف منه مجمع دعا نفسه «مجلس شورى إمبراطوري المشرق والمغرب»، وأعضاؤه ملوك وأمراء ماسونيون، وانتشر هذا المذهب في أنحاء كثيرة من أوروبا.
وفي سنة ١٧٦٣ أخذ بنسمايل رئيس محفل لاكندور في متس في نشر درجات هذا المذهب، وبينها درجة «القنطرة الملوكية» ودرجة «الصليب الوردي» وهي مستحدثة في ذلك الوقت، وقد قال أحد المؤرخين إن هذه الدرجة «يعني الصليب الوردي» ليست شيئًا آخَر سوى مذهب الروم الكاثوليك منتظمًا على شكل الدرجة.
اختلافات داخلية
ثم أخذ إمبراطورو المشرق والمغرب وأمراؤهما أن ينقسموا فيما بينهم، فنشأ انقسام المحافل. وملافاةً للعاقبة أصدر المحفل الأعظم الفرنساوي أمرًا عاليًا في ٢٤ أوغسطس (آب) سنة ١٧٦٦، مآله: مقاومة الدرجات العليا ومجامعها، ومنع المحافل الرمزية من اعتبارها بصفة رسمية، وأرسل هذا القرار إلى المحفل الأعظم الإنكليزي فصادق عليه، وجرت بينهما في سنة ١٧٦٧ مخابرات رسمية آلَتْ إلى عقد معاهدة مآلها: أن لا يصرِّح أحدهما بإنشاء محافل فرعية تحت رعايته في البلاد التي هي تحت رعاية الآخَر. إلا أن هذه المعاهدة لم تَكَدْ تظهر قبل أن تفاقم الخطب في المحافل الفرنساوية، وزاد انقسامها فآلَ الأمر إلى إنشاء محفل أعظم ثاني. وكيفية ذلك أن كلًّا من الحزبين بالغ بالقحة، حتى إنه جعل يطعن بالآخَر جهارًا في المطبوعات العمومية، فتداخلت الحكومة المحلية في المسألة، فأمر المحفل الأعظم جميع المحافل أن تتوقف عن الاجتماع، غير أن ذلك لم يمنع بعضها من الاجتماع سرًّا؛ فلم تَأْتِ سنة ١٧٧١ حتى تأسست محافل أخرى، إما من تلقاء ذاتها، أو برخصة من الأستاذ الأعظم، أو بإقرار من رؤساء المحافل الفرعية، فنشأ نحو من ٣٠ محفلًا في باريس وأقاليمها، ولا يخفى أن كثيرًا من الإخوة في فرنسا كانوا لا يزالون يتذكرون علاقتهم مع إنكلترا، بل كانوا يعتبرون سيادتها عليهم، فأنشئوا محفلًا أعظم ثانيًا لم يمكث طويلًا.
وفي يونيو (حزيران) من تلك السنة توفي الأستاذ الأعظم كونت كليرمون، وهو لم يَأْتِ على شيء من الإصلاح. وقبل وفاته تمكن كثيرون من الإخوة القدماء من الأشراف وأعضاء البرلمان من تثبيت المحفل الأعظم الفرنساوي بعض التثبيت، وتقرَّبَ كثير من الإخوة المنفيين من المحفل الأعظم بوسائط مختلفة، وأَبْدَوا إخلاصهم وأملهم بإصلاح الأحوال. وفي اجتماع ٢١ يونيو (حزيران) من سنة ١٧٧١ قَبِل المحفل الأعظم بعض هؤلاء الإخوة وأعادهم إلى حضنه، في اجتماعٍ عُقِد تحت رئاسة ثلاثة من الإخوة الأساتذة القدماء، وقرَّروا في ذلك الاجتماع وجوب الإعمال على انتخاب أستاذ أعظم.
تنظيمات جديدة واتفاق المحافل والمجامع
ففي ١٤ أوغسطس من تلك السنة (١٧٧١) انتُخِب موظفو المحفل الأعظم، وقُدِّم في تلك الجلسة لائحة قوانين مؤلَّفة من ٥٣ و٤١ مادة، فتقرر قبولها ووقَّعَ عليها النائب الأعظم.
وتختلف مواد هذه اللائحة عن التي كانت قبلها باعتماد طريقة التنويب، واتحاد المحافل في تقرير المسائل العمومية المبنية على القانون.
وفي ١٧ ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة تقرَّر تعيين ٢٢ رقيبًا أعظم إقليميين، على أن يبقوا في تلك الوظيفة ثلاث سنوات متتابعة. أما واجباتهم فزيارة المحافل، ومراقبة تنفيذ القوانين فيها، مع تعيين مقدار شغل كلٍّ منها، وأن يقدِّموا كل ثلاثة أشهر عند اجتماع المحفل الأعظم تقريرًا فيما راقبوه وعرفوه.
وفي ٥ أبريل (نيسان) سنة ١٧٧٢ انتُخِب دوك شارترس للرئاسة العظمى في المحفل الأعظم، وقد قَبِل تلك الوظيفة على نية توحيد الدولة الماسونية، ولم تكن مقاصده محصورة في المحفل الأعظم فقط، ولكنها كانت شاملة لمجامع الدرجات العليا التي يرأسها إمبراطورو المشرق والمغرب، وقد تقرَّر ذلك حسب مرغوبه في ٩ أوغسطس (آب) من تلك السنة.
إنشاء الشرق الأعظم الفرنساوي
ولمَّا تمَّ قرار ٩ أوغسطس على ما رأيت تعيَّنت لجنة من قدماء الإخوة للنظر في بعض الإصلاحات؛ تخلُّصًا مما كان يُخشَى وقوعه من الشرور.
وفي ١٧ سبتمبر من تلك السنة تفرَّق في المحافل منشورٌ يُنسَب فيه الانقسام الذي كان حاصلًا إلى تطلُّب الدرجات العليا امتيازات خصوصية، فبحثت تلك المحافل في جلساتها التي انعقدت أثناء سنة ١٧٧٣ بالمواد التي وضعت بشأن إعادة الامتيازات.
وفي ٩ مارس (آذار) التأَمَ المحفل الأعظم تحت رئاسة دوك لكسمبرج، وصادق على تسمية ذلك المحفل الذي تألَّفَ من اتحاد الفئتين «المحفلَ الأعظم الوطني».
إن رؤساء المحافل الباريسية قد بلَّغتكم تعيين سمو دوك شارترس رئيسًا أعظم، والأخ الشهير دوك لكسمبرج مدبرًا عامًّا للماسونية في فرنسا. وبناءً على اقتضاء الأحوال قد تعيَّنَتْ لجنةٌ من ثمانية مندوبين بإقرار الرؤساء في باريس، لكي ينظروا في قضيةٍ قد مَرَّ عليها ستة أشهر وهي في مجال البحث. ثم إن الدعوة التي دُعِيتموها بالمنشور للاجتماع في اللجنة، فقد حضر مندوبوكم إليها وأظهروا أهليتهم، والتأموا في اجتماع ٥ مارس (آذار) سنة ١٧٧٣. ثم في الاجتماع التالي الذي انعقد في ٨ من الشهر المذكور أظهروا قبولهم، وصادقوا على انتخاب سمو الأستاذ الأعظم وحضرة المدبر العام، وقد أقروا مع إخوانهم في باريس على السعي الشديد بما فيه خير العشيرة. وفي ٩ منه اجتمع مجلس من نوَّاب الأقاليم تحت رئاسة المدبر الأعظم، وتداولوا مع المندوبين المنتخبين من رؤساء المحافل في باريس، ثم سار سبعة من الإخوة تحت رئاسة المدبر الأعظم إلى الأستاذ الأعظم يطلبون مصادقته فنالوها، فعرضوا على الجلسة القوانين التي كان ألَّفها مندبو محافل باريس، فتعيَّنت لجنةٌ من تسعة إخوة لتفحصها. ونظرًا لشدة غيرة المحترمين في باريس، ورغبتهم في العمل في سبيل النفع العام، قد اجتمعوا في خمسة أقسام لتعيين أربعة عشر مندوبًا؛ لينوبوا عنهم في الاجتماع العام، فاجتمع هؤلاء المندوبون مع نوَّاب الأقاليم ونوَّاب باريس بالنيابة عن جميع الماسون الفرنساويين التابعين للمحفل الأعظم الوطني، وقرَّروا استحسان تلك القوانين اعتمادًا على أنها تئول إلى ملافاة التهورات التي كان يُظَن تطرُّقها إلى الإدارة السابقة، وكان غرضهم الأول إقامة الحد، فاستدعوا رؤساء الأقاليم لمشاركتهم في الاستيلاء على حققوهم وامتيازاتهم.
وخشية أن يكون في تجديد انتخاب المتوظفين ما يكدِّر الاتفاق تركوه للمدبر الأول، الذي له الأفضلية في كل الاجتماعات، ثم نظروا في أمر المالية، وقرَّروا جمع مبالغ وصَرْفها في سبيل احتياجات المحافل التي هي تحت المحفل الأعظم الوطني الفرنساوي، وقد كان بين موظفي المحفل الأعظم الوطني المذكور عدد من الأشراف، كالأستاذ الأعظم دوك شارترس، والمدبر الأعظم دوك مونت مرنسي لكسنبرج، والمحافظ الأعظم الكونت بوزنسوا، ونائب الأستاذ الأعظم البرنس روجان، والخطيب الأعظم بارون دي لاشفالري، والمرشد الأعظم البرنس بكناتِلِّي، وهذا الأخير تعيَّن سنة ١٧٧٠ من قِبَل المحفل الأعظم الإنكليزي أستاذًا أعظم في نابولي وسيسيليا وغيرهما.
وفي ٣٠ أوغسطس (آب) نهض المحفل الأعظم القديم إلى إقامة الحجة، وصرَّح أن المحفل الأعظم الوطني غير قانوني، وأن الأساتذة المترأسين على المحافل مشتركون معه بذلك، فكان المحفل الأعظم القديم عثرة في طريق المحفل الوطني، ولا سيما بقطع المخابرات؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون الإخوة المنضمين إليه حديثًا، وكانت الدفاتر والسجلات والمذكرات المهمة لا تزال في مكتب كاتب سر المحفل الأعظم القديم، ولذلك لم يكن في وسع المحفل الأعظم الوطني الإجابة على شيء مما كانت تسأله عنه المحافل من تلك الأوراق.
وقد اجتهد المحفل الأعظم الوطني بوسائط مختلفة مع أعضاء المحفل الأعظم الآخَر بين استعطاف وتهديد لكي يسلموا تلك الأوراق، فذهبت كل مساعيه أدراج الرياح، فآلَ الأمر إلى تداخل الحكومة، فتوجَّه اللورد لكسمبرج إلى وكيل البوليس، وطلب إليه أن يقبض على أمين ختم المحفل الأعظم ويُلقِيه في السجن مع كثير من الأعضاء غيره، ولم تكن النتيجة إلَّا زيادة العداوة بين الجانبين وسقوط كثير من المحافل. ثم أُطلِق المسجونون وقد زاد إصرارهم على التوقف في تسليم الأوراق.
هذه حالة الماسونيَّة في فرنسا سنة ١٧٧٣، وقد كانت على مثل ذلك في إنكلترا وجرمانيا.
وقد كانت لائحة القوانين وقرار ٥ مارس لا يزالان بدون مصادقة الأستاذ الأعظم دوك شارترس، فتعيَّنت لجنة من أربعة إخوة متوظفين توجَّهوا لمقابلة الأستاذ الأعظم وطلب مصادقته، فرفض مقابلتهم انتقامًا لما سبق في حقه من الاستهزاء عند استلامه زمام الرئاسة، فعادوا إليه ثانية، فرفض أيضًا. وما زالوا يسعون إلى غرضهم حتى ١٤ أكتوبر؛ إذ جاءوا إليه بحيلة تهنئته بمولودٍ له جديد، ولما قابلوه عرضوا ما جاءوا من أجله وطلبوا إليه تعيين يوم مخصوص لأجل تنصيبه، فعُيِّن يوم ٢٢ أكتوبر لذلك.
وفي اليوم المعيَّن حصل احتفال التنصيب، وأقسم الموظفون على إخلاصهم، فثبَّتهم الرئيس الأعظم ثم صادق على اللائحة وسائر القرارات وختمها بختمه.
ومن يوم تنصيب الأستاذ الأعظم أُبْطِل اسم «المحفل الأعظم الوطني»، وعُوِّض عنه باسم «الشرق الأعظم الفرنساوي»، فأخذ من ذلك الحين في تنظيم شئون الماسونية، فقرَّر أن المحافل التي لا يكون لديها براءة من الشرق الأعظم لا تُعتبَر قانونية، فاضطر كثير من المحافل القديمة أن تجدِّد براءتها.
ثم تراءى للإخوة النظر في أمر تحوير الدرجة العليا، وعيَّنوا لذلك لجنة، إلا أن المحافل لم يكن لها رغبة في ذلك، وإنما رغبتهم كانت بالدرجات الرمزية الثلاث فقط، وفي ١٠ يونيو (حزيران) سنة ١٧٧٤ قرَّر الشرق الأعظم إنشاء محافل لقبول النساء.
وكان الشرق الأعظم في بادئ الرأي يلتئم في بيوت بعض الإخوة، ثم استأجروا له بناءً كبيرًا كان مدرسةً للجزويت، وانتقلوا إليه في ١٢ أوغسطس (آب) سنة ١٧٧٤.
محافل إقليمية
وفي ٢٢ أكتوبر سنة ١٧٧٤ قرَّر الشرق الأعظم الفرنساوي وجوب تأسيس محافل إقليمية فاستشار، فقُدِّمت له لوائح عديدة فاختار منها واحدةً، من مقتضاها أن فرنسا عمومًا تُقسَّم إلى ٣٢ مقاطعة أو إقليم، وعاصمة كلٍّ من هذه الأقاليم تكون مركزًا للمحفل الأعظم الإقليمي، وهذا المحفل يتألف من رؤساء المحافل الحاليين والسابقين وبعض مندوبي المحافل التي هي في مقاطعته. ولكلٍّ من المحافل العظمى الإقليمية الحق بإرسال نائب ينوب عنه أمام الشرق الأعظم، ومن مجتمع هؤلاء النواب تتألف لجنة تنظر في أحوال الماسونية بوجهٍ عامٍّ، تنتقد سيرها وتبحث فيما تحتاج إليه من الإصلاح، وتراقب أعمال المحافل وتلاحظ محافظتها على القوانين وتنفيذها لأوامر الشرق الأعظم، ولهذه اللجنة الحق بفصل ما يقع من النزاع بين الإخوة والمحافل، وعليها الاستعداد لتعيين الموظفين في الوقت المعين وللنظر في المذكرات التي تُلقَى أمامها وغير ذلك. وهي تقابل اللجنة المستديمة في الشرق الأعظم المصري.
فصادفت هذه اللائحة مصادقة الشرق الأعظم، إلا أنها قلما صادقت تنشيطًا. فلم ينشأ إلا أربعة أو خمسة محافل إقليمية أقدمها محفل ليون، وأصبح الشرق الأعظم ينظر إلى تلك اللائحة نظر الارتياب. وفي ٢٩ ديسمبر (كانون الأول) سنة ١٨١٠ أبطلها.
وقد كان موظفو الشرق الأعظم يلازمون وظائفهم مدة حياتهم، إلا الأستاذ الأعظم، ففي ٢٧ ديسمبر (كانون الأول) سنة ١٧٧٤ التأَمَ الشرق الأعظم، فاستدعى لكسمبرج ووافقه كثيرون من الموظفين أن يجعل تعيينهم في تلك الوظائف لمدة ثلاث سنوات فقط، وأن للشرق الأعظم بعد ذلك أن ينتخب خلافهم وتقرَّر ذلك، فقال الأستاذ الأعظم إنه هو أيضًا يطلب مثل ذلك في تعيينه، فلم يوافقوه. واحتفالًا بذلك الاجتماع واحترامًا لذلك القرار أُطلِق ٣٥ مسجونًا من الإخوة الذين سُجِنوا لتأخرهم في دفع ما كان عليهم من مصاريف بيوتهم وغيرها، وآخرون كانوا تحت طائلة القصاص أُفرِج عنهم.
وفي ٢٥ ديسمبر (كانون الأول) سنة ١٧٧٥ حضر الأستاذ الأعظم بنفسه لتكريس محفل لاكاندرو في باريس.
مقاومات ودسائس
ثم إن الماسونية قاست بعد ذلك دسائس كبيرة من جمعيات مختلفة المقاصد، كانت تتلبس بها، منها جمعية «ستريكت أوبسرفانس» يقال إن الجزويت أسَّسوها لمقاومة الماسونية، وسعوا بها إلى فصم عروتها، ولكنهم لم يأتوا على ما أرادوا. كل ذلك لإغفال الماسونيين مراعاة القواعد الأساسية من قوانينهم.
ومن هذه الجمعيات جمعية أنشأها رجل كان يُدعَى يوسف بلسمو، ثم دُعِي كاليوسترو، ودُعِي أيضًا بأسماء وألقاب أخرى كثيرة. وُلِد في بالرمو من أعمال إيطاليا سنة ١٧٤٣، ولما شَبَّ درس المبادئ الطبيعية من كيمياء وفلسفة طبيعية وغيرها، بعد أن تزوَّج في رومية بلورنزا المشهورة بالجمال، ثم سافر إلى بطرسبرج وكان يدعي نفسه تارةً ماركيس بلليجريني، وتارةً الكونت فيلكس، ولكن في الأغلب كان يُدعَى كونت كاليوسترو، وكان يدَّعِي تارةً السحر وطورًا استخراج الذهب أو إتيان المعجزات، إلى غير ذلك من الخزعبلات التي كان يتخذها وسيلةً لسلب مال الناس؛ فالتف حوله بعض الطلبة وكان ينفث فيهم من تعاليمه، ويشترط عليهم أن لا يأكلوا إلا مآكل معلومة، واشترط عليهم مثل ذلك في الشرب واللباس وسائر حاجيات العيش، ولم يكن ذلك كل ما اقترفه هذا الرجل، فإنه تطرَّق بمساعيه وما اكتسبه من النفوذ إلى الالتحاق بالماسونية، فقُبِل سنة ١٧٧٠ في أحد محافل لندرا على نية أنهم يطَّلِعون منه على شيء من تعاليم جمعية الروسيكروسيان، فتلقَّى الدرجات الثلاث في ليلة واحدة، وأَدْخَل امرأته معه على أمل أن تكون معضدة له في مقاصده. ثم سار إلى جرمانيا وهناك تعرَّف بمحفل «ستريكت أو بسرفانس»، فانضم إليه ثم سافر مصحوبًا ببعض المنشورات الماسونية التي تحصل عليها ببعض سُبُل الخداع، وجعل يعلِّم في الناس تعليمًا جديدًا، واستحدث طريقة ماسونية دعاها «الطريقة المصرية»، أنشأ عليها جمعية انتشرت تعاليمها على الخصوص في فرنسا، وكان هو رئيسها واسمه «الكوفتا الأعظم»، وهو لقب الكهنوت في مصر، وامرأته «الكوفتين العظمى»، وأعضاء هذه الجمعية كانوا يُعرَفون بالكوفتا والكوفتين؛ لأن الجمعية كانت على فرعين فرع للرجال وآخَر للنساء، وكان كاليوسترو يكرِّس الرجال وامرأتُه تكرِّس النساء، وكانت رئيسة محفل النساء تُدعَى «ملكة شبا».
أما ما كان ينتظره المنتظمون في سلك هذه الجمعية فإطالة العمر، وكانوا ينتحلون للحصول عليه طرقًا مختلفة رجالًا ونساء، وكان كاليوسترو يستخدم أحيانًا حجر الفلاسفة على زعمه، فيحوِّل سائر المعادن إلى الذهب، لكنه لم يكن يحصِّل درهمًا من الذهب إلا بعد أن ينفق على تحويله قيمة أربعة دراهم.
وفي سنة ١٧٧٩ سار إلى كورلاند وأسَّس فيها عدة محافل، وتوصَّل إلى مقابلة كاترينا إمبراطورة روسيا بواسطة الكونتس إليزا، إلا أنها لما اتصل بها ما كان من نفاقه، أشهرت أمره بمنشورات تُرجِمت إلى اللغة الروسية، فعاد إلى فرنسا فلاقى هناك صدورًا مفتوحة ترحابًا به، وبالغ الفرنساويون في تعظيمه، حتى إنهم كانوا يلقِّبونه أحيانًا بكاليوسترو الإلهي، وكانوا يتبركون بصورته لا سيما الشرفاء، فيجعلونها قلادة في أعناقهم، وصورة امرأته زينة لخواتمهم وسائر مصاغهم وأدواتهم.
وفي سنة ١٧٨٢ سار إلى ليون، وهناك أسَّس المحفل المصري الرئيسي، ودعاه «محفل انتصار الحكمة». ومن هذا المحفل نشأت محافل عدة نال بها مالًا كثيرًا.
فلما رأى الباريسيون ما كان من نفوذ هذا الرجل في ليون، تاقوا بكليتهم إلى استجلابه إليهم، فتمكَّنوا من ذلك، فلاقى بينهم إكرامًا عظيمًا، فحدَّثته نفسه أن يترأس على كل المحافل الماسونية، لكن حدسه هذا لم يتحقَّق قبل أن ظهرت خزعبلاته فترصده البوليس، ففَرَّ من فرنسا قبل الثورة الفرنساوية وسار إلى لندرا، ومنها إلى رومية، وهناك قُبِض عليه وأُودِع السجن في ٢٧ ديسمبر (كانون الأول) سنة ١٧٨٩. وبعد المحاكمة مدة طويلة حُكِم عليه بالإعدام، فعفا عنه البابا، فتحول الحكم إلى الأشغال الشاقة مدة الحياة، فتوفي سنة ١٧٩٥.
السن الشرعي وكلمة الستة أشهر
- (١)
أنه لا يجوز للمحافل الماسونية أن تطبع شيئًا وتنشره قبل مصادقته عليه.
- (٢)
أن السِّنَّ الشرعي للأخ التلميذ ٢١ سنة، وللرفيق ٢٣ سنة، وللأستاذ ٢٥ سنة.
ثم رأى الأستاذ الأعظم بعد ذلك اتخاذ رابط وطيد يمنع تطرق الدسائس إلى العشيرة، فارتأى أن يُتَّفَق سرًّا على كلمة مخصوصة دعاها كلمة الستة أشهر، يتلقنها الإخوة وتُستبدَل كل ستة أشهر، وبها يمكنه زيادة المحافل، وبواستطها يُعرَف أنه ماسوني حقيقي، فعرض رأيه على الجلسة فاستحسنته وقرَّرته.
التحاق الفيلسوف ﭬﻮلتير بالماسونية
وفي سنة ١٧٧٨ انضم الفيلسوف الشهير فولتير إلى الماسونية في محفل «التسع أخوات»، قدَّمه إلى الهيكل فرنكلين وكونت جبلين، وكانت امتحاناته مقصورة على بعض مسائل أدبية مع إغفال الامتحانات الأخرى الاعتيادية، بعد انضمامه بيسير نُقِل إلى الشرق الأعظم، وكان من أهم أعضائه، وأصبحت المحافل بعد ذلك على رغبة شديدة في الأبحاث العلمية والفلسفية، فلم تكن تنعقد جلسة إلا ويجول فيها الأعضاء بالأبحاث الفلسفية والتاريخية والصناعية، وازدادت رغبتهم في عمل الخير، وكانوا يجمعون في جلساتهم كميات وافرة من النقود تُنفَق في سبيل البر.
إدخال درجات عليا في الشرق الأعظم
وفي ١٨ يناير (كانون الثاني) سنة ١٧٨٨ قرَّر المحفل الأعظم القديم وجوب نشر أسماء موظفيه في الجرائد بعد الانتخاب، واستمروا عليه بعد ذلك. ثم نشأت محافل أخرى أكثرها ليس من الماسونية بشيء، وكانوا لا يعترفون بسلطة الشرق الأعظم الفرنساوي، فاضطر الشرق الأعظم أن يجعل حدًّا لسلطته، فصرَّح لكل محفل أن يتخذ الخطة التي يريدها، فأصبحت سلطته محصورة في المحافل التابعة للطريقة الفرنساوية، وقد فعل ذلك دَفْعًا لما كان موجَّهًا نحوه من التهم بمعارضته للجمعيات الأخرى، إلا أنه كان لا يزال ساعيًا تحت طي الخفاء إلى تعميم سلطته وتعاليمه.
وفي أثناء ذلك كانت الدرجات العليا آخِذة في الانتشار رويدًا رويدًا، حتى أصبح لها شأن رفيع، فاضطر الشرق الأعظم الفرنساوي إلى التساهل فيما كان مُصِرًّا عليه، وأن يقبل الدرجات العليا، فبحث في شأن تحوير نظاماته، إلا أن اللجنة التي تعيَّنت لذلك لم تكن راضية باعتماد الدرجات العليا، فلم تحور شيئًا.
- (١)
درجة «المنتخب».
- (٢)
درجة «شفاليه المشرق».
- (٣)
درجة «اسكوتسيا».
- (٤)
درجة «شفاليه الصليب الوردي».
وانتخابها مبني على أن تعاليمها شبيهة بالتعاليم الماسونية، فصادَق الشرق الأعظم على قرار اللجنة، وصرَّح أن هذه الدرجات الأربع هي الدرجات العليا التي يقبلها الشرق الأعظم تحت رعايته بصفة قانونية.
إلا أن ذلك لم يَأْتِ بعواقب حسنة؛ لأن بعض المحافل التابعة للشرق اعتبرت ذلك التصريح بدعةً لا طائل تحتها، ورؤساء وأعضاء مجامع الدرجات العليا اعتبروه إباحةً لأسرارهم، فكان الرفض متبادلًا من الجانين. إلا أن الشرق الأعظم لم يتحول عن خطته، وحمل كثيرين من رؤساء الطرق الأخرى على الاتحاد معه تعزيزًا لجانبه، وطلب أن يكون هو المترئِّس على المحافل الرمزية في فرنسا، وتعهَّد أن لا يتداخل مطلقًا في طرق اشتغالها، ولا يمنعها من التصريح بالتبنية في الدرجات العليا من طرقها. ولم يكن ذلك إلا كالكتابة على الماء، على أنه استفاد من ذلك بأنه قلَّل عدد أعدائه، وانضم إليه كثيرون من رؤساء الطرق، فكان على موازاة مع المحفل الأعظم الذي جدَّد شبابه سنة ١٧٨١.
وفي سنة ١٧٨٣ نشر المحفل الأعظم إلى ما تحته من المحافل لائحةً تتضمن ما هو مزمع اتخاذه من المشروعات.
وما زال الخصام قائمًا بين الشرق الأعظم والمحفل الأعظم، إلى أن أتت الثورة الفرنساوية فوضعت حدًّا لهذه المشاكل، لكنها قسَّمت أيضًا الفرق الماسونية إلى قسمين.
(٦) الماسونية في جرمانيا من سنة ١٧٢٦–١٧٨٢
لم يكن للماسونية أن تظهر وتتأيد في جرمانيا إلا بعد تولية الملك هنوفر في إنكلترا؛ لأن الماسون الجرمانيين لم يكونوا يستطيعون التظاهر بها في جرمانيا لما كان يحول دون ذلك من الاضطهاد والحرمان الشديد، أما بعد تولية هنوفر وما تجدَّد بين الأمتين من العلاقات التجارية وغيرها، تيسَّرَ لهم أن يتظاهروا بعض التظاهر، فكانوا نحو سنة ١٧٣٠ منتشرين في جرمانيا المركزية وأنحائها الشمالية والغربية، وكانوا حيثما اجتمعوا يشكِّلون ما يشبه هيئة المحفل ويتبادلون شعائر الإخاء التي كانت تتوقد في أفئدتهم. أما أعمالهم في تلك الاجتماعات، فكانت مقصورة على تلاوة كتاب الشرائع، والمذاكرة في التعاليم الماسونية.
وفي سنة ١٧٣٣ أجاز الأستاذ الأعظم الأخ اللورد ستراتمور لأحد عشر أخًا من الجرمانيين أن يأسسوا محفلًا ماسونيًّا في همبرج، ولكنا لا نعلم ماذا تم من أمره بعد ذلك الحين، إنما الذي نعلمه أنه في سنة ١٧٣٧ تأسَّس في تلك المدينة محفل دُعِي — في سنة ١٧٤١ — «محفلَ أبي شالوم»، وفي سنة ١٧٤٠ سُمِّي الأخ لوتمان أستاذًا أعظم إقليميًّا ببراءة من المحفل الأعظم الإنكليزي، وترأَّس على ذلك المحفل. ومنذ سنة ١٧٤١ سُمِّي هذا المحفل رسميًّا محفلًا أعظم إقليميًّا في همبرج وسكسونيا السفلى، وهو أول محفل عُرِف بهذه الصفة في جرمانيا.
انضمام فريدريك الأعظم وانتصاره للماسونية
ومما زاد الماسونية شرفًا ومنعة انضمام ولي عهد بروسيا البرنس فريدريك إليها، الذي صار بعد ذلك الملك فريدريك الثاني أو فريدريك الأعظم، ولولاه ما استطاعت الماسونية النهوض من حضيضها في تلك الديار، ولكنه لما انتظم في سلكها اقتدى به أمراء بلاده وتابعهم كثيرون من الأشراف، ولم تنتهِ حرب السبع سنين حتى أصبحت الماسونية شرفًا يتباهى بالانضمام إليها أشرافُ البلاد وسراتها.
وكان لفريدريك الثاني رغبةٌ شديدة في الفضيلة والعلم وبثهما في رَعِيَّته، ولم يَرَ وسيلة أفضل من الماسونية لهذه الغاية، أما تكريسه فكان في مدينة برونسويك بحضور لجنة من محفل أبي شالوم المتقدم ذكره.
ولما تولَّى الأحكام سنة ١٧٤٠ زاد رغبةً في نصرة الماسونية، فتولَّى أمر رئاستها في ٢٠ يونيو (حزيران) من تلك السنة في قلعة شارلتنبرج. وفي ١٣ سبتمبر منها أسَّس محفلًا في برلين دعاه «محفل الثلاثة عوالم»، وأصبح ذلك المحفل سنة ١٧٤٤ محفلًا رئيسيًّا.
وما زال فريدريك الأعظم على الرئاسة العظمى حتى أثناء حرب السبع سنين، لكنه لم يكن يستطيع معاطاة الأعمال الماسونية مباشرةً بنفسه، لما كان يتجاذبه من مشاغل الأمة؛ فاضطربت داخلية المحفل يسيرًا، فعيَّن سنة ١٧٤٧ دوك هلستين بك نائبًا للرئاسة، فحوَّر القوانين ونظَّم محل الاجتماع وضبط المالية.
انتصار إمبراطور النمسا للماسونية
وكما كان فريدريك الأعظم في بروسيا، كان الإمبراطور فرنسيس الأول في أوستريا. وُلِد هذا الإمبراطور في ٨ ديسمبر (كانون الأول) سنة ١٧٠٨، وانضم إلى الماسونية سنة ١٧٣١ في «هجيو»، واسمه إذ ذاك دوك لوثر ينجن، وكان على كرسي الرئاسة دوك شسترفيلد، ثم ارتقى إلى درجة الأستاذ في لندرا وسُمِّي من ذلك الحين الأخ لوثر ينجن.
وكانت امرأته ماريَّا تريزا تنظر إلى الماسونية نظر الارتياب، إلا أن ذلك لم يمنع انتشارها، فأُسِّست محافل كثيرة في مدن أوستريا وأماكن أخرى.
وكان فرنسيس الأول شديد الميل إلى الفنون الجميلة والكيمياء، فرقَّى شأنها ونشر الفضيلة وأيَّد الدين، وكان محبًّا للفقراء والمساكين، شديدَ الرغبة في إعالتهم، حتى إنه خاطر بحياة زوجته مرارًا لإنقاذ بعض المساكين في حريق ﭬﻴﻨﺎ وفيضان الدانوب. وكان يقدِّر علم التاريخ حقَّ قدره، فقد كتب إلى وصي ابنه الذي عهد إليه تهذيبه ما نصه: «إن ابني هذا ينبغي أن يدرس التاريخ درسًا يكشف له الغطاء عن شرور رؤساء العالم وأغلاطهم، كما يكشف له عن فضائلهم.»
وفي سنة ١٧٣٧ استولى على دوكية توسكانا، فلم يكتفِ بإبطال الاضطهاد الذي كان يتهدد الماسونية في بلاده، ولكنه أخذ جانبها وكان من أقوى نصرائها.
إنشاء محافل أخرى في جرمانيا
وفي سنة ١٧٤٢ تأسَّس محفل «الوحدة» في فرنكفورت، ولم تكن المحافل الجرمانية تشتغل إلا بالدرجات الثلاث الرمزية، وكان أساس أعمالها كتاب النظامات الإنكليزي، وإليه وحده كان مرجع أحكامها، على أنهم ما لبثوا بعد حين حتى شعروا باحتياجهم إلى قوانين محلية تُسَنُّ على مقتضيات ظروفهم. أما الطريقة التي كانوا يشتغلون عليها فهي طريقة بريتشارد، ولم يكن في عداد أعضاء محافلهم إلا الأساتذة، أما مَن كان دون هذه الدرجة فلم يكن له حق العضوية. وكانت المحافل مستقلة بأعمالها، فيقرر كلٌّ منها بما يتراءى له ويستحسنه، فنتج من ذلك تبايُن في نظاماتها وقوانينها.
وكانت المحافل في نومبرج تفرِض على أعضائه أن يقدِّم الواحد كلَّ سنة مقالة علمية على الأقل. أما في برونسويك فكانت المحافل تنعقد أسبوعيًّا سنة ١٧٦٣ وتبحث في مواضيع مختلفة كلها علمية، وفي نحو هذا الزمن انضمَّ إلى الماسونية كثير من سراة البلاد ووجهائها، ولم يكن يشتغل في المحافل إلا الأغنياء لكثرة ما يحتاج إليه العمل من النفقات الباهظة بين مساعدات وولائم وما شاكل، فآلَ الأمر إلى انحصار الماسونية في الأشراف وذوي الثروة، وحرمان كثيرين ممَّن هم ذوو لياقة ومعارف. وهذا إجحاف لا يُسامَحون عليه؛ لأن واجبات الماسونية وأعمالها أشرف من ذلك كثيرًا، فضلًا عن أن الصف الأوسط من الناس أقدر على حِفْظ النظام والمحافظة على القوانين من الصف الأعلى.
ثم إن الدرجات الماسونية العليا ما لبثت أن انتشرت في فرنسا حتى انتقلت إلى جرمانيا. وقبل النظر في كيفية دخولها ننظر في كيفية انتشار الماسونية عمومًا في جرمانيا.
انتشار الماسونية في جرمانيا
كان المحفل الأعظم الملوكي في برلين واسمه «الثلاث عوالم» متَّبِعًا في أعماله خطة المحفل الأعظم الإنكليزي، فأسَّس محفلًا دعاه «محفل القهارمة» — وكان مثل هذا المحفل في إنكلترا — لأجل النظر في ضبط مالية المحافل وزيادة مداخيلها، فآلَ ذلك إلى البذخ في الولائم فنفدت المالية، فتساهل بعض المحافل في اختيار الطالبين والتحري عنهم. فتخلُّصًا من اختلاط المستحقين بغير المستحقين اجتمعت محافل همبرج وفرنكفورت وغيرها، وتباحثت فيما يجب اتخاذه لملافاة الخطب، فاقترح بعض الأعضاء استحداث علامة تتَّفِق عليها المحافل ولا يبيحون بها إلا للمستحقين، فيتعارفون بها فينفصلون من غير المستحقين، واقترح آخَرون من محافل فرنكفورت أن يُجعَل للمحفل الرئيسي ختمٌ تُختَم به الشهادات، ويجعل على الوجه المخالِف لمحل الختم توقيع الأستاذ الأعظم ومنبهيه. وتقدَّمت اقتراحات أخرى لم يقرِّروا شيئًا منها.
وبما أن ملك البلاد لم يَعُدْ يستطيع النظر في أشغال المحافل بنفسه؛ لضيق وقته، ونظرًا لوفاة نائبه أصبح المحفل الأعظم سنة ١٧٥٥ بدون رئيس، فانتخبوا الأخ ﭬﻮن رملسبرج للرئاسة، إلا أن هذا الانتخاب لم يصادف مصادقة كل المحافل، فوقع الخلاف بينها، لكن ذلك لم يمنعه من تعاطي تلك الوظيفة بكل نشاط.
ثم أُسِّست محافل كثيرة في إشرسلبن وهوشبرج ودانسك وستتن وغيرها.
ومثل ذلك الاضطراب حصل في محافل هنوفر وفرنكفورت.
حالة جرمانيا في أواسط الجيل الثامن عشر
وفي متوسط الجيل الثامن عشر اتخذت المحافل الجرمانية اللغة الفرنساوية في محافلها؛ لأنها كانت لغة الطبقة العليا من الناس، وكانت تسمَّى المحافلُ بأسماء فرنساوية، وكانت اللغة اللاتينية لغة العلماء، أما الجرمانية فكانت لا تزال دونهما من هذا القبيل. وكانت الهيئة الاجتماعية في جرمانيا باحتياج إلى مُصلِح خارجي لعلومها وتجارتها وعمرانها، ولا سيما في أوائل الجيل الثامن عشر، وقد كان للفرنساويين في ترقية شأن الجرمانيين يد بيضاء، ثم ظهر في جرمانيا أفراد تفرَّدوا بالاجتهاد وحب العلم، فعلَّموا الشعب ورقوا أفكارهم، ثم جاء فريدريك الأعظم الذي تشرَّب المبادئ الماسونية، فسعى إلى ترقية شأن أمته بعد أن عرف الداء فوصف الدواء، فأصلح البلاد سياسيًّا وعلميًّا، فأطلق حرية التعليم، ونشَّط الفنون والصنائع، واكتسب ثقة الدول الأجنبية، ويقال بالإجمال إن هذا الرجل العظيم هو الذي أنهض جرمانيا من حضيض الجهل إلى مرتفع من العمران، ونشَّط الماسونية على الخصوص؛ ذلك لما رأى من مبادئها ما هو أكبر مساعد لمشروعاته.
اضطهادات
على أن الماسونية في جرمانيا مع ما لاقته من انتصار ملك البلاد لها، وإقبال الفئة العاقلة على الانضمام إليها، فإنها لم تَنْجُ من اضطهاد رجال الدين، فإنهم نظروا إليها نظر الارتياب فطلبوا إلغاءها؛ فالكاثوليك ظنوها من قبيل بروتستانت إنكلترا، والبروتستانت كانوا يعتبرونها مناقضة لعبادة الله وللديانة المسيحية، بل وللديانة على وجه العموم. واختلق عليها عامة الناس أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، ونسبوا إليها أعمالًا سحرية وخزعبلات، فأجمع الجميع على اضطهادها. ومما زاد ارتياب القوم فيها شدة حرص الأعضاء على أسرارهم وإخفاء أوراقهم ومحلات اجتماعاتهم. وقد كان المشهور عن الماسونية أنها لا تشترط على الطالب الاعتراف بشيء مخصوص، فتردَّد الناس في حكمهم عليها، على أنهم لم ينفكوا عن اعتقادهم أن الماسونيين جميعهم طبيعيون، وأنهم إنما يتظاهرون بالحيادة عن الدين، ولكنهم يحتقرونه باطنًا، ونسب إليهم آخرون غير ذلك. على أن الماسونية لم تُحرَم من كَتَبَة ذلك الجيل غير الماسون مَن أخذ بناصرها، وبيَّنَ أنها براءٌ من تلك التُّهَم، واستخرج من قواعدها الأساسية ما أثبت أنها لا دَخْلَ لها في أمر الدين على الإطلاق، وبيَّنَ أن ذلك أشرف المقاصد في توحيد الكلمة.
حل الرموز الماسونية
وقد اشتغل الماسون أنفسهم في جرمانيا طويلًا يطلبون حل الرموز الماسونية، ولم يكن لديهم في بادئ الرأي إلا رموز الدرجات الأولى، وقد كانوا في أول أمرهم يجتمعون في المحافل ويستعملون تلك الرموز استعمالًا ميكانيكيًّا، لا يفقهون إلى شيء من غايتها. ثم قام بينهم مَن أجهد فكرته في حلها، ولمَّا لم يكن لديهم معرفة بتاريخ الماسونية، جعل كلٌّ منهم يفسرها على مقتضى ما يقوده إليه عقله، ويبني أقواله على ما اعتاده من الحوادث؛ فكان الكيماوي مثلًا يفسرها إلى ما يوافق صنعته، ومثل ذلك الموسيقى واللاهوتي والتاريخي وعالِم الآثار القديمة والفيلسوف العقلي والرياضي والفلكي وغيرهم. ولا غرو؛ فإن العشيرة التي تجهل تاريخها تكون عُرْضة لاختلاف الآراء في أصلها.
الدرجات العليا
وقد ساعد في تشويه وجه الماسونية الجمعيات العديدة التي قامت لمقاومتها، مثل جمعية الفرسان الهيكليين، والجزويت، والروزيكروسين، وغيرهم. ولا ننكر أيضًا أنه قامت جمعيات أخرى تشبه كونها فروعًا من الماسونية، فأخذت بناصرها وقاومت مقاوميها، منها جماعة الأيلوميناتي «المستنيرين»، وقد انحلت عقدتها في أواخر الجيل الثامن عشر.
(٧) الماسونية في سائر أنحاء أوروبا وأميركا
وعلى مثل ما تقدَّمَ من السبل المختلفة انتشرت الماسونية الرمزية في أنحاء أوروبا وأميركا، وكانت في كل أحوالها لا ديدن لها إلا نشر الفضيلة والعلم. وحبًّا بالاختصار نذكر البلاد التي دخلتها الماسونية الرمزية في طورها الأول، غير ما تقدَّمَ ذكره مع ذكر تاريخ دخولها:
الدنمارك | سنة ١٧٤٣ |
بولاندا | سنة ١٧٣٦ |
روسيا | سنة ١٧٣١ |
أسوج | سنة ١٧٣٥ |
سويسرا | سنة ١٧٣٧ |
إيطاليا | سنة ١٧٣٣ |
إسبانيا | سنة ١٧٢٧ |
بورتغال | سنة ١٧٣٥ |
أميركا | سنة ١٧٣٢ |
وقد اعترضها في سبيل نشر مبادئها مشاق عظيمة واضطهادات جسيمة، من فئات كثيرة كانت ترى في رفع شأن الماسونية حطة لشأنها. والماسونية مع كل ذلك لم تكن ليتحول عزمها أو تضعف قُوَاها، فكانت تارةً تصعد، وطورًا تنزل، وطورًا تكمن تنتهز فرصةً للنهوض.
على أنها لا يسعها إلا الإقرار بما لاقته من الترحاب، في صدور العظماء من الملوك والأمراء ورجال العلم في كل مكان.
(٨) نظر عام في تاريخ الطور الأول من الماسونية الرمزية
إذا تأملنا بما مَرَّ بنا من الحوادث التي توالت على الماسونية بين سنة ١٧١٧ و١٧٨٣، نرى أنها كانت كغيرها من الأجسام الحية في أول أمرها — أيْ من سنة ١٧١٧ إلى سنة ١٧٤٧ — سريعة النمو في معزل من الأتعاب والمقاومات، فانتشرت واتسع نطاقها واتصلت فروعها بأنحاء العالم المعمور، فاستظل بها عظماء الأرض على اختلاف النزعات بين ملوك وشرفاء وفلاسفة وعلماء وغيرهم، وقد شدُّوا أزرها ورفعوا شأنها وأحلوها مكانًا عَلِيًّا. أما هي فلم تبخسهم حقهم من الاجتزاء بمنافعها، وقد خدمتهم كما خدموها. وقد كان عليها للتأمين على مستقبل حياتها أن تقرِّر عدم قبول شرائعها ونظاماتها التغيير، ووجوب الوحدة في الأمور الجوهرية، والمحافظة على القانون الأساسي مع الإباحة لأعضائها الحرية بما خلا ذلك.
فقد أخطأ المحفل الأعظم الإنكليزي من الجهة الواحدة بإهماله وتغافله عن مثل هذه الأمور، وقد ساء التصرف في أمور كثيرة آلَتْ إلى تأخُّره؛ فمحفل أيرلاندا الأعظم ومحفل سكوتلاندا الأعظم أُنشِئَا بالاستقلال عن محفل إنكلترا الأعظم، بل وبدون علائق حبية بينها، ولم يكن ذلك مناسبًا لنموهما ولا لحفظ حياة الجسم الماسوني عمومًا، فلم تَمْضِ مدة يسيرة حتى آلَ الأمر إلى انقسامات وانشقاقات حلَّتْ في عموم العشيرة، وأقام المنشقون محفلًا أعظم ثانيًا في لندرا، فكان ذلك نماءً مرضيًّا في جسمها.
ثم جاءت الضربات عليها من فرنسا بما كان من أمر الدرجات العليا، وما دعت إليه الحال من اختلاف الأغراض، وما استعمل في التوصُّل إليها من سُبُل النفاق والأكاذيب، وما لُفِّق عليها من الأقوال التي ما أنزل الله بها من سلطان، فقالوا باتحاد الماسونية مع جماعة الهيكليين، وأنها وُجِدت في أيام الحروب الصليبية، وأدخلوا إليها رموزًا وتعاليم مستحدثة انتشرت ونمت في جرمانيا وسائر أوروبا وأميركا مشوِّهة لوجه الماسونية الحقة. فكم من محافل عظمى وغير عظمى نشأت، وكم من مثلها سقطت، وكم من مذاهب مستحدثة انتشرت وقديمة هُدمت، وكم من معاهدات أقيمت ونقضت. وقد قبلت في أحضانها كثيرين ممَّن هم ليسوا أهلًا لها، فأفسدوا فيها واستحدثوا في مبادئها أحيانًا ما آلَ إلى المتاعب والقلاقل، وتعريضها إلى الطعن والثلب.
ولكنها أيضًا لم تنفك عن نصرة الفضيلة والعلم والقيام بالبر والإحسان وتهذيب الأخلاق. وبالإجمال إنها كانت دعامة الهيئة الاجتماعية وعنوان الكمال، تحمل الفضيلة من بلد إلى بلد، ومن أمة إلى أمة، وكانت تفعل كل ذلك بقَدَمٍ ثابتة وعزم شديد، غير مبالية بما كان يتهددها من الاضطهاد.
ولا نغفل عما كان للدرجات العليا من التأثير في هيئتها في إنكلترا، لكنها لم تتمكَّن هناك ما تمكَّنته في جرمانيا وفرنسا، وإذا نظرنا نظرًا عامًّا إلى حالتها في الأماكن التي احتلتها، نراها كانت تختلف باختلاف الأمة التي هي بين ظهرانيها، فلم يكن ذلك تقصيرًا منها أو فسادًا في مبادئها، إنما هو من مقتضيات الظروف.
وسترى فيما يأتي عند الكلام عن الطور الثاني أنها عادت إلى حالها من البساطة التي كانت عليها قديمًا، فإنه طور الإصلاح والتقدم.