محاولة أخرى للقتل!
توقَّفَت سيارة رينو حديثة أمام أبواب مستشفى «سان ماري» في قلب باريس … وهبط من السيارة الشياطين الثلاثة … «أحمد»، و«إلهام»، و«عثمان» … وبدَوا من ملامحهم العربية أنهم أغراب عن العاصمة «الباريسية» …
وهمسَت «إلهام» ﻟ «أحمد»: ألن يكونَ منظرُنا لافتًا للانتباه … إذا كان هناك مَن يراقب المكان انتظارًا لخروج البروفيسور «أدهم» من المستشفى؟
أحمد: بل هذا ما نريده بالضبط … لفْت انتباه هؤلاء القتلة … فلا شك أنهم سيعرفون أن وجودَنا بجوار البروفيسور سيكون لحمايته … ولأنهم محترفون فسوف يدفعهم هذا إلى التحدِّي ومواجهتنا!
عثمان: أرجو ألَّا يطولَ انتظارُنا … فإنني أشتعلُ غضبًا لمقابلة هؤلاء المجرمين القتلة!
وألقى نظرة خاطفة نحو المستشفى … كان كلُّ شيء يبدو هادئًا ساكنًا … وتحرَّك الشياطين الثلاثة داخلين المستشفى نحو مكتب الاستعلامات، وسألت «إلهام» الموظف المسئول عن حجرة البروفيسور «أدهم»، فقال لها: إنه يرقد في الحجرة رقم (٤١٣)، ولكن غير مسموح لأحد بزيارته.
إلهام: إننا نحمل تصريحًا خاصًّا بذلك من الشرطة الفرنسية.
وأبرزَت له التصريح … الذي أعطاه لهم رقم «صفر» … فتأمَّله الموظف، وقال: عليكم بإبرازه لضباط الحراسة أمام حجرة البروفيسور ليسمح لكم بالدخول …
صَعِد الشياطين إلى الطابق الرابع … واتجهوا نحو الحجرة ٤١٣ … وعندما شاهد ضباطُ الأمن الفرنسيون التصريحَ سمحوا للشياطين الثلاثة بالدخول …
وكانت حجرة البروفيسور من الداخل بلا نوافذ … وكان يبدو بحالة طيبة … وصافح الشياطين البروفيسور بعد أن قاموا بتعريف أنفسهم … فأغمض البروفيسور عينَيه لحظةً في ارتياح، وقال: الآن فقط بدأتُ أشعر بالأمان والراحة.
إلهام: وهل تشكُّ في أحدٍ من المحيطين بك؟
البروفيسور: مَن يدري! لعل أحدَ عملاء هؤلاء القتلة مندسٌّ ضمن أفراد الشرطة الفرنسية … أو أي شخص آخر!
أحمد: هل تلقَّيتَ أيةَ تهديدات بالقتل من قبل؟
البروفيسور: لا … على الإطلاق … ولكني لاحظتُ أن هناك مَن يراقبني منذ أيام، كأنهم كانوا يسجِّلون تحركاتي.
أحمد: هذا طبيعي … حتى يعرفوا الوقت المناسب للتخلص منك بلا ضجة!
إلهام: ولكن هل لمحتَ القاتل؟
البروفيسور: إنه شخص طويل عريض … بادي القوة … ولكني لم أميِّز ملامحه بسبب نظاراته العريضة وقبعته والظلام الذي كان منتشرًا في المكان … ومن المؤكد أنه قاتل محترف؛ فقد أطلق عليَّ الرصاصَ ببساطة كما لو كان يتناول طعامه!
تبادل الشياطين النظراتِ في صمت … وقال «عثمان»: لقد عرفنا أن لك سكرتيرة فرنسية كانت معك قبل الحادث بقليل … هل تشكُّ فيها؟
هتف البروفيسور: إطلاقًا … إنها فتاة رقيقة لا يمكن أن يكون لها أية علاقة بهذه العملية … بالإضافة إلى أنها تعمل معي منذ وقت طويل.
وشحب وجهُ البروفيسور، وقال: هل سأتعرض لمحاولة قتل مرة أخرى؟!
أجابه «أحمد» في ثقة: لا تخشَ شيئًا، فسنكون بجوارك دائمًا … وسنحميك من أيِّ خطر … سوف أكون حارسك الشخصي، وسأُلازمك كظلِّك … وستحل «إلهام» مكان سكرتيرتك … وسيُصبح «عثمان» سائقَك الخاص. وهناك مجموعة أخرى ستعمل عن قرب، ولن تجعلك تغيب عن عينَيها!
البروفيسور: وهذا معناه أنني سأتعرض للخطر مرة أخرى!
إلهام: كان بالإمكان إعادتك إلى مصر … ولكن هذا سيضيع منَّا الخيط الموصل لهؤلاء المجرمين، فيضيع دمُ زملائك هدرًا … ويكون موتهم بلا ثمن. أما بقاؤك في باريس … فسيدفع المجرمين إلى مهاجمتك مرة أخرى … وعندئذٍ … سنكون بانتظارهم للانتقام لك وللآخرين.
سادَت لحظةُ صمت … وجفَّف البروفيسور بعضَ حبات العرق الملتمعة على جبهته … وكان هناك أثرُ خدش في الجبهة.
ونهض البروفيسور وهو يقول: من الأفضل أن أغادر المستشفى الآن.
أحمد: هذا أفضل بالفعل.
وتعاونوا في إخراج البروفيسور … وحملَتهم السيارة «الرينو» الخاصة ﺑ البروفيسور إلى منزله … وكان «عثمان» يقودها كسائق خاص … على حين جلس «أحمد» في الأمام … وجلس البروفيسور بجوار «إلهام» في الخلف، وكانت هناك سيارة «بيجو» راحَت تتبع «الرينو» على مسافة، وبداخلها ثلاثة أشخاص. ولاحظها … البروفيسور، فقال في قلق: إن هناك سيارة تتبعنا منذ خرجنا من المستشفى!
إلهام: إنها تابعة لنا … وبداخلها أصدقاؤنا.
ظهر الارتياح على وجه البروفيسور، وراح «عثمان» يقود السيارة نحو الشانزلزيه … أرقى أحياء باريس … وقلبها النابض بالحركة …
كان الوقت مساءً … وقد التمعَت واجهاتُ المحلات والفتارين بأشكال متنوعة من الإضاءة الملونة التي جعلَت الطريق يبدو كما لو كان عروسًا مجلوةً ليلة زفافها … وقد أضاء حسنها.
وتساءل البروفيسور في قلق: كم شخصًا آخر قد مات؟
أحمد: ثلاثة … في «نيويورك» و«برازيليا» و«لندن».
أغمض البروفيسور عينَيه متألِّمًا … ثم تساءل بعد لحظة: ألم تعثر الشرطة في أيٍّ من هذه البلاد على دليل ضد القتلة؟!
إلهام: للأسف! فمن الواضح — كما قلتَ — أنهم محترفون يُجيدون عملَهم الإجرامي.
قال البروفيسور في رجاء: أرجو ألَّا تكونَ أسرتي قد عرفَت شيئًا عن الحادث ومحاولة اغتيالي … فسيصابون بقلق شديد!
عثمان: لا تخشَ شيئًا؛ فإن صحافتنا تكتمَت النبأ!
وتوقَّف «عثمان» في إحدى الإشارات … وتنبَّه إلى سيارة «مرسيدس» سوداء … ذات ستائر مسدلة على نوافذها … كان منظرها يبدو غريبًا … سائقها المتجهم قد راح يرمق «عثمان» بنظرات باردة متفحصة …
وقد اختفى ركاب السيارة خلف الستائر السوداء … وظهر نور الإشارة الأخضر، وبدأ طابور السيارات في التحرك … وشعر «عثمان» أن المرسيدس السوداء تَتْبعه … فدار في طريق جانبي … وفي الحال اندفعَت المرسيدس خلفه.
وهتف «أحمد» في «عثمان»: إن منزل البروفيسور بالقرب من قوس النصر … حاول أن تنحرف عن الطريق الرئيسي!
أجابه «عثمان»: هناك سيارة تَتْبعنا … لا تنظروا خلفكم مباشرة!
ساد الصمت داخل السيارة، وألقى «أحمد» نظرةً إلى مرآة السيارة العاكسة، فشاهد المرسيدس السوداء تَتْبعهم من الخلف، ولا يبدو منها غير سائقها … ومن خلفها ظهرَت سيارة بقية الشياطين …
تساءلت «إلهام»: هل تظنون أن هذه السيارة السوداء تَتْبعنا بالفعل؟!
عثمان: هذا مؤكَّد … وقد جاء ركابها إلى سوء حظهم؛ فقد صاروا محاصرين بين سيارتنا وسيارة بقية الشياطين … وسوف …
وقطع حديثَ «عثمان» صرخةُ «إلهام»: حاذر يا عثمان!
وأسرعَت تدفع ﺑ البروفيسور أسفل المقعد، في نفس اللحظة التي انطلقَت فيها رصاصة من المرسيدس أصابَت مؤخرة السيارة الرينو في زجاجها … مكان البروفيسور تمامًا … ولولا أن دفعَته «إلهام» لأسفل لاستقرَّت الرصاصة في رأسه … وضغط «عثمان» على فرامله بأقصى سرعته وقوته … فتوقَّفَت الرينو بصوتٍ حادٍّ، وقفز «أحمد» من السيارة شاهرًا مسدسه … ولكن المرسيدس اندفعَت تزأر كالوحش نحو «أحمد»، فقفز بعيدًا عنها … وأطلق عدة رصاصات نحو السيارة وإطاراتها دون أن تُصيبَها بأذًى …
هتفَت «إلهام»: إنها سيارة مصفحة!
أحمد: فلنُسرع خلفها.
وقفز بداخل السيارة، وانطلق بها «عثمان» في نفس الوقت الذي اندفعَت فيه سيارة الشياطين الأخرى خلف المرسيدس السوداء.
كان البروفيسور يبدو شاحبَ الوجه وخائفًا … وأمسك بقلبه وهو يقول: إنني أكاد أُعاني من نوبة قلبية! إن قلبي ضعيفٌ، ولن يحتملَ أيَّ جهد بعد الآن!
قطَّب «أحمد» حاجبَيه لحظةً ثم التفت ﻟ «عثمان» قائلًا: فلنتجه إلى منزل البروفيسور لكي يرتاح.
عثمان: والمرسيدس السوداء!
أحمد: سنتركها لبقية الشياطين!
كاد «عثمان» يهتف محتجًّا … ولكن نظرة واحدة إلى وجه البروفيسور الشاحب المتألم جعلَته يتجه بالسيارة نحو منزل البروفيسور وهو يُغمغم بصوت غاضب من بين أسنانه: سوف تكون هناك جولات أخرى قادمة … وسيتضاعف الحساب مع هؤلاء المجرمين.
أما سيارة بقية الشياطين … فكانت قد اندفعَت خلف المرسيدس المصفحة في مطاردة قاتلة …