مطاردة قاتلة!
انطلقَت البيجو خلف المرسيدس السوداء … و«قيس» يقود سيارة الشياطين بأقصى سرعتها … على حين تأهَّب «خالد» بمسدس سريع الطلقات معه … وكادَت البيجو تلحق بالمرسيدس … وصوَّب «خالد» مسدسه نحو السائق … ولكن «ريما» هتفَت بزميلها: لا تقتله يا «خالد» … فمن المؤكد أنه يقود السيارة وحده … وإذا قتلناه ضاع أيُّ دليل يُرشدنا إلى بقية زملائه!
خالد: وماذا سنفعل إذن؟! إن سيارته مصفحة … ولن نستطيع إيقافها بإطلاق الرصاص عليها!
ريما: فلنظل على مطاردتنا له … ونحاول إيقافَ سيارته بأية وسيلة.
اندفعَت المرسيدس السوداء تعبر نهر السين إلى الحي اللاتيني … وسيارة الشياطين تَتْبعها بكل سرعتها.
وكان الحي اللاتيني مزدحمًا بالمشاة والسيارات … ولم يكن من السهل أن تندفع فيه سيارة بكل سرعتها … ولكن المرسيدس اندفعَت كالوحش … غير عابئة بمن تصدمه من الناس … على حين خفَّفت سيارة الشياطين من سرعتها حتى لا تتسبب في إيذاء أحد.
وأخيرًا تجاوزَت السيارتان الحيَّ اللاتيني … وكانت المسافة بينهما قد تباعدَت … وراحَت سيارة الشياطين تطوي الطريق خلف المرسيدس التي توقَّفَت على بُعد وقد أطلقَت كشافاتها … أوقف الشياطين سيارتهم على مقربة … وتسلَّحوا بالمسدسات وهم ينظرون نحو المرسيدس ذات الأضواء العالية من كشافاتها التي لا يظهر خلفها شيء.
همسَت «ريما»: لعل هناك كمين حول السيارة!
خالد: هذا مؤكد! سنقترب منها بالدوران حولها حتى لا يكشفَنا ضوءُ كشافاتها، وراح الشياطين الثلاثة يدورون حول السيارة حتى صاروا خلفها … وظهرَت معالم المرسيدس … خالية من أي إنسان …
وتساءل «قيس» بدهشة: أين ذهب سائق هذه السيارة؟!
خالد: لعله أسرعَ بالهرب، وترك السيارة ليشغلنا بها عن مطاردته!
تلفَّت «قيس» حوله … لم يكن هناك أيُّ أثر لسائق المرسيدس الهارب في ذلك الظلام المحيط بالمكان.
قالت «ريما»: دعونا نقوم بتفتيش هذه السيارة … فقد نعثر على ما يُرشدنا إلى أصحابها أو إلى منظمة هؤلاء المجرمين.
وكادت تندفع نحو السيارة لولا أن هتف «خالد» بها: انتظري يا «ريما» …
وأمسك بحجر صغير وألقاه نحو المرسيدس … وما كاد الحجر يلمس السيارة المصفحة حتى دوَّى انفجارٌ هائل، وتحوَّلَت السيارة إلى كتلة من اللهب … فأسرع الشياطين الثلاثة يُلقون بأنفسهم على الأرض …
ورفعَت «ريما» رأسَها لاهثةً بعد لحظة، وهي تقول: لقد كانت السيارة ملغومة بحيث تنفجر فينا عند ملامستها!
خالد: هذا ما توقَّعتُه عندما شاهدتُ السيارة خالية من سائقها؛ فليس من المعتاد أن ينطلق أعضاء مثل هذه المنظمات الإرهابية لأي عملية وحدهم … وحتى طريقتهم في تتبُّع سيارة البروفيسور كانت مكشوفة، ومحاولة قتل البروفيسور كانت فقط لدَفْعنا لكي نتتبَّعَ هذه السيارة إلى هنا … فتنفجر فينا عندما نلمسها.
هتف «قيس»: يا لَها من خطة!
خالد: إنها خطة محترفين … من المؤكد أن تلك المنظمة أو العصابة التي نسعى خلفها أخطر وأذكى مما نظن!
ريما: لا فائدة من بقائنا هنا … فلنُسرع بمغادرة المكان … فمن المؤكد أن عشرات من سيارات الشرطة ستَصِل إلى هنا حالًا بسبب صوت الانفجار!
وأسرع الشياطين الثلاثة إلى سيارتهم … وانطلقوا بها … على حين تعالَت من الناحية الأخرى أصوت سيارات الشرطة.
عندما استمع «أحمد»، و«عثمان»، و«إلهام» إلى ما حدث لبقية الشياطين … ظهر الاهتمام على وجوههم، وقال «أحمد»: يبدو أن المعركة لن تكون معركة قوة فقط … بل معركة ذكاء أيضًا!
إلهام: وعلينا أن نكون في منتهى الحرص والحذر!
وتساءلت «ريما»: وكيف حال البروفيسور؟
عثمان: إنه بخير … وقد تناول دواء القلب … وغَرِق في النوم.
خالد: حسنًا! سوف نتجه إلى المنزل الذي استأجرناه أمام مسكن البروفيسور … وستكون مهمَّتُنا هي تأمين وحراسة المنزل من الخارج … من أية محاولة لاقتحامه. أما مهمَّتُكم فهي تأمين حراسة البروفيسور من الداخل.
واتجه «خالد»، و«قيس»، و«ريما» خارجين نحو المنزل المقابل لمسكن البروفيسور … والذي يُطلُّ على الطريق من خلال مراقبة المكان جيدًا … وقام الثلاثة بتقسيم أنفسهم للمراقبة طوال الليل …
أما بداخل منزل البروفيسور فقد راحَت «إلهام» تقيس نبضَ العالِم المصري … وكان نبضُه يقترب من المعدل العادي … وظهر الإرهاق على وجه «إلهام»، فقال «عثمان» لها: اذهبي إلى حجرتك ونامي … فمنذ الأمس لم تحصلي على أيِّ قدر من الراحة.
إلهام: لا … سأظل مستيقظة معكما إلى الصباح خشيةً من حدوث أية مفاجأة.
أحمد: لا أظن أن المفاجآت التي ستأتينا ستكون مكشوفة!
إلهام: ماذا تقصد يا أحمد؟
أحمد: إنها معركة ذكاء … وعلينا أن نحاول توقُّع الخطوة التالية لهؤلاء المجرمين!
وفي رفق أضاف ﻟ «إلهام»: اذهبي للنوم ولا تخشَي شيئًا.
فاتجهَت «إلهام» إلى حجرتها … وقضى «أحمد» و«عثمان» الليل ساهرَين يتناوبان الحراسة … ولكن لم يحدث ما يعكِّر صفْوَ الليلة … واستيقظَت «إلهام» مبكرة، فاطمأنَّت على الباقين، وألقَت نظرة من الشرفة، فشاهدَت «ريما» تُراقب الطريق … فلوَّحَت لها «إلهام»، وعادت إلى «عثمان» و«أحمد».
قال «عثمان» في ضيق: من المؤسف أن شيئًا لم يقع الليلة … هل تظنَّان أن هؤلاء المجرمين سيتوقَّفون عن مهاجمة البروفيسور ومحاولة قتله؟!
أحمد: لا أظن! إن هؤلاء المحترفين لا يزيدهم الفشلُ إلا إصرارًا … خاصة بعد أن كشفنا خدعتَهم في السيارة الملغومة، وأعتقد أنهم سيبدءون هجومَهم مرة أخرى بأسرع مما نتوقع …
وبعد قليل استيقظ البروفيسور، وكانت تبدو عليه معالم الصحة، فأسرع الشياطين الثلاثة يطمئنون عليه … وبعد أن استمع البروفيسور إلى خدعة السيارة الملغومة … عاد وجهُه إلى الشحوب، ولم ينطق، وقال «أحمد» ﻟ البروفيسور: سوف نذهب معك إلى معملك … لتمارس حياتك العادية.
أومأ البروفيسور برأسه موافقًا …
واتجه الأربعة إلى سيارة البروفيسور، ومن الخلف ظهرَت سيارة بقية الشياطين … ولكن الطريق كان خاليًا مما يريب.
وقبل أن يتَّجه البروفيسور داخلًا إلى معمله، قالت له «إلهام»: انتظر قليلًا يا سيدي … فهناك ما يجب عمله أولًا!
وأخرجَت من حقيبتها جهازًا صغيرًا لكشف القنابل والألغام المزروعة … ولكن الجهاز ظل على صمت و«إلهام» تُمرِّره في كل ركن من المعمل، وأخيرًا التفتَت إلى البروفيسور، وقالت ضاحكة: إن المكان آمن.
تنفَّس البروفيسور في ارتياح وبدأ عملَه … وجلس الشياطين الثلاثة؛ «أحمد»، و«عثمان»، و«إلهام» على مقربة … على حين كان بقية الشياطين في سيارتهم خارج المعمل يقومون بحراسته من الخارج.
وفجأة اقتربَت سيارة صغيرة، وتوقَّفَت أمام باب المعمل، فأسرع «خالد»، و«قيس»، و«ريما» نحوها … وهبط من السيارة شخصٌ أنيق وسيم يحمل باقةَ وردٍ كبيرة معه … وقال للشياطين باسمًا: إنني أحمل هذه الورود باسم السفير المصري إلى البروفيسور تهنئةً لنجاته … فأنا سكرتير السفارة.
تبادل الشياطين الثلاثة الابتسام … وكانت سيارة ذلك الشخص تحمل الأرقام الدبلوماسية … وقال «خالد» للدبلوماسي المصري: تستطيع أن تحمل الورود إلى الداخل.
فاتجه السكرتير إلى الداخل … وتناول البروفيسور الورود باسمًا، وقال للسكرتير: أرجو أن تنقل شكري إلى سيادة السفير.
السكرتير: سأفعل يا سيدي.
واتجه السكرتير خارجًا، وانطلق بسيارته مبتعدًا … ووضعَت «إلهام» باقةَ الورد في ركن المعمل … وظهرَت الدهشة على وجه «أحمد» وهو يفكر … لماذا لم يُرسل باقة الورد إلى المستشفى الذي كان يرقد به البروفيسور «أدهم» أثناء إقامته به؟ ولماذا لم يُرسلها أيضًا إلى منزله؟ وكيف عَلِم أنه عاد إلى معمله، فأرسل باقة الورد إليه هنا؟!
اقترب «أحمد» من باقة الورد في شك، وراح يتفحَّصها … كان بداخلها نتوءٌ بارز مغطًّى بورق السوليفان الفضي … وأسرع «أحمد» ينزع ورقَ السوليفان والباقون ينظرون إليه بدهشة.
وكان توقُّع «أحمد» في محلِّه … فلم تكن باقة الورد مرسلة من السفير المصري … ولا كان حاملها هو سكرتير السفارة.
فبداخل الورق المفضض كانت هناك قنبلة زمنية، وكان ميعاد تفجيرها ثانية واحدة فقط!