الاختطاف!
راحَت الدقائق تمرُّ بطيئة … وشعرَت «إلهام» وهي تنظر في ساعتها؛ فقد تأخر زملاؤها في العودة … وتساءلَت في قلق: هل خاضوا معركة مع رجال تلك المنظمة الإرهابية؟ وماذا كانت نتيجة الصراع … وأين وقع هذا الصراع؟
لكنها كتمَت مشاعرها، وحاولَت التماسك أمام البروفيسور «أدهم».
فجأةً دقَّ جرس الباب … وأسرعَت «إلهام» تُخرج مسدسها، وهتفَت في البروفيسور: فلْتَحْتمِ بحجرتك حتى أرى مَن يكون الطارق.
اتجهَت في حذر نحو الباب … وتساءلَت: مَن الطارق؟
ولكنها لم تسمع أيَّ ردٍّ! ونظرَت من العين السحرية فلم تشاهد أحدًا … فظهرَت الدهشة على وجهها، وتساءلت: تُرى هل تخيلتُ سماعَ جرس الباب؟!
فتحَت الباب محاذرة … ولكن لم يكن هناك أحد بالخارج، وألقَت نظرة إلى السلَّم والحديقة، لم يكن هناك أيُّ شخص على الإطلاق …
فجأةً سمعَت صوتَ صرخة خافتة من الداخل، واندفعَت نحو حجرة البروفيسور، فشاهدَت شخصًا عريض المنكبين بملامح حادة، وقد صوَّب مسدسه نحو البروفيسور المرتعب …
صاح الرجل في «إلهام»: ألقِي مسدسكِ على الأرض … وأية محاولة للمقاومة سوف يدفع ثمنَها البروفيسور.
ظهر التردد لحظةً على وجه «إلهام»، وحانَت منها نظرة إلى نافذة الحجرة، فأدركَت كيف تمكَّن ذلك المسلَّح من دخول المكان … وكان جرس الباب مجرد خدعة لإبعادها عن البروفيسور حتى يمكن السيطرة عليه.
ألقَت «إلهام» مسدسها على الأرض … وفي نفس اللحظة اندفع ثلاثة مسلحين آخرون من الباب … شاهرين مدافعهم الرشاشة وهم يضحكون ساخرين … وقال المسلح الأول ساخرًا: لقد كانت خدعة صغيرة ولكنها ممتازة … وقد تمكنَّا بواسطتها من إيقاعك أنتِ والبروفيسور بلا مشاكل … أيضًا فإن الآخرين قمنا معهم بخدعة أخرى، ولن يستطيعوا العودة قبل وقت طويل …
شحب وجهُ «إلهام»، وتساءلت: تُرى هل كان يقصد بقية الشياطين بحديثه؟! وأكمل المسلح حديثَه قائلًا: لقد أبعدنا بقية زملائك خارج باريس، وأفرغنا إطارات سياراتهم حتى نعود إلى هنا، فنُمسك بكما صيدًا سهلًا.
أدركت «إلهام» أنها في موقف حرج، وأن الوقت ليس في صالحها … وكان عليها تعطيل المسلحين الإرهابيِّين بأية وسيلة، فقالت لهم ساخرة: يبدو أنكم لا تُجيدون غير القتل في الظلام كالخفافيش، أو تدبير الخُدَع الإجرامية … وتخشَون من المواجهة وجهًا لوجه …
أجابها أحد المسلحين: بل بالعكس … فنحن لا نُجيد شيئًا مثل إجادتنا القتال وإطلاق الرصاص … فهذا هو عملنا الوحيد الذي نُجيده في منظمتنا … هل سمعتِ عن منظمة الأصابع السوداء؟!
لمعَت عينَا «إلهام»؛ فقد تذكَّرَت ذلك الاسم، فهو لأخطر منظمة إرهابية في أوروبا، تعمل على السرقة والاختطاف، وتُطاردها شرطة أوروبا بأَسْرِها …
قالت «إلهام»: لم أكن أظن أنكم بدأتم تهتمون بالأعمال السياسية أخيرًا … ولذلك رُحْتُم تقتلون علماءَنا في الظلام … فما الفائدة التي ستعود عليكم من ذلك؟
اقترب أحد المسلحين من «إلهام» وهو يقول: ألم تُدركي الفائدة بعدُ … إننا نقوم بهذا العمل لحساب إحدى الدول المعادية لكم … والتي يهمُّها أن يظلَّ عالمُكم العربي يعاني من مشاكله الاقتصادية حتى يكون النصر لهم إذا ما حدثَت أية مواجهة بينكم وبينهم!
إلهام: لقد فهمتُ الآن … وهم يدفعون لكم مقابل عملكم … أليس كذلك؟
المسلح: بالفعل … ويدفعون بسخاء أيضًا … فهم لا يحبون أن يظهروا في الصورة إذا ما حدث خطأ ما حتى لا ينكشفوا أمام العالم … ومن أجل ذلك عَهِدوا إلينا بهذا العمل … ونحن بالطبع لا نُخطئ أبدًا … ومن ثَم يستحيل أن يَصِل إلينا أيُّ إنسان أو يعثر على دليل يُديننا.
تساءلَت «إلهام»: ولماذا تُخبرني بكل هذه المعلومات رغم خطورتها على المنظمة التي تعملون لحسابها؟
أجابها الإرهابي المسلح: لأنني واثق أنكِ لن تُفشيها لأي إنسان … فالموتى عادةً لا يُفشون الأسرار!
قالت «إلهام» ساخرة: حسنًا … ماذا تنتظر … فأطلق الرصاص علينا!
أجابها المسلح ساخرًا: ليس الآن … فقد جاءتنا معلوماتٌ تقول إنكم تابعون لمنظمة عربية لمكافحة الجريمة ضد وطنكم العربي … ويهمُّ منظمتنا أن تحصل على معلومات عن منظمتكم … ومن أجل هذا سنُبقيكِ حيةً أنتِ والبروفيسور إلى أن نحصل على هذه المعلومات … وبعدها …
وانطلق الإرهابي يضحك بشدة … على حين شحب وجهُ البروفيسور بشدة، وعاودَته الأزمة القلبية …
وكان على «إلهام» التصرف بسرعة … وكانت تلك هي فرصتها … فدفعَت البروفيسور إلى الأرض ليتحاشَى طلقات الرصاص، وقفزَت نحو أقرب المسلحين إليها، ووجَّهَت إليه ضربة صاعقة، جعلَت رأسه يصطدم بالحائط في صوت مثل انفجار القنبلة، ثم سقط بعدها بلا حَراك …
وقبل أن يُفيقَ كانت «إلهام» تطير في الهواء، وفي سرعة البرق صوَّبَت ضربتَين هائلتَين نحو الحارسَين الآخرَين، فاصدم رأساهما ببعضهما، ثم ترنَّحَا وسقطَا على الأرض متألِّمَين.
وقبل أن تنتبهَ «إلهام» لحركة المسلح الأخير أحسَّت بطلقة رصاص تمسُّ ذراعها … وتخدشها في ألم كالنار …
وألقَت «إلهام» بنفسها بعيدًا لتحاشي طلقات الرصاص … وسمعَت صوتًا يأتي من باب الحجرة يقول: لا تقتلها أيها الغبيُّ!
وظهر في مدخل الحجرة شخص عملاق … ولم يكن من شك في أنه زعيم منظمة الأصابع السوداء.
وتقدَّم العملاق نحو «إلهام» … ورفعها فوق ذراعَيه … وهو يقول ساخرًا: إنك ساحرة الجمال، وبارعة في القتال أيضًا!
صوَّبَت «إلهام» ضربةً إلى وجه العملاق، ولكن قبضته أمسكَت بيدها واعتصرَتها بقوة هائلة … وأحسَّت «إلهام» بأن يدَها تكاد تتحطم لقوة العملاق، فصدرَت منها صرخةُ ألم … وامتدَّت كفُّ العملاق تصفع «إلهام» في توحُّش، وأحسَّت «إلهام» بالضعف والانهيار، وهتفَت في العملاق: سوف تدفع ثمن ذلك أيها المجرم …
وغابَت عن وَعْيها، فلم تشعر بشيء بعد ذلك … وهتف العملاق في بقية رجاله: احملوا تلك الفتاة والبروفيسور إلى مقرِّنا السِّري … وأسرعوا؛ فهناك ما يجب أن نقوم به في الحال!
وعلى الفور قام المسلحون بتنفيذ أوامر زعيمهم … وحملوا «إلهام» والبروفيسور … الذي أوشك على أن يفقد وَعْيَه لشدة آلام قلبه … حملوهما إلى سيارة المنظمة التي انطلقَت بهما بعيدًا …
وألقى زعيم الأصابع السوداء نظرة أخيرة إلى المعمل … ثم أخرج من جيبه عدة أصابع ديناميت، وأشعل فتيلَها بحيث ينفجر بعد دقيقة واحدة، وأسرع يغادر المكان.