سباقٌ مع الزمن!
راحَت سيارتَا الشياطين تُسابقان الزمن … فقد استطاع الشياطين الخمسة إعادةَ ملْءِ إطارات السيارتَين بأقصى سرعة … وانطلقَت بهما السيارتان صوب معمل البروفيسور في قلب باريس …
كانت المسافة بعيدة والزحام يتسبب في تعطيل الشياطين … وراح «أحمد» ينظر في ساعته بقلق شديد …
همس «عثمان»: أرجو ألَّا نصلَ متأخرين!
أجابه «أحمد» مقطِّبًا حاجبَيه: إن قلبي يحدِّثني أننا وصلنا متأخرين بالفعل!
وظهرَت بداية الطريق الذي يقع فيه معمل البروفيسور … ولكن … لم يكن للمعمل أيُّ أثر … كان هناك زحامٌ شديد من الناس حول المكان … وكان رجال الشرطة الفرنسية يطوِّقون المنطقة ويمنعون المرور فيها … أما المعمل فقد تحوَّل إلى كومة من الحطام المشتعل. راحَت سيارات الإطفاء تبذل جهدها لإطفائه.
تبادل الشياطين نظراتٍ مذهولة … واندفعوا نحو رجال الشرطة … وصاح «قيس» فيهم: ماذا حدث؟!
– يبدو أن المعمل انفجر لسبب ما … ربما لاشتعال إحدى المواد القابلة للالتهاب، فتحوَّل إلى كتلة من اللهب.
تبادل الشياطين النظراتِ … لم يكن لديهم أيُّ شك في أن المعمل تمَّ نَسْفُه بفعل فاعل … وليس كما ظن رجال الشرطة …
وهتف «أحمد» في توتُّر شديد: وهل سقط ضحايا بسبب الانفجار؟!
أجاب الشرطي: لا … لقد فحصنا المخلفات بسرعة … ولم نعثر على أي شخص.
تبادل الشياطين النظرات في ارتياح … وهمس «خالد»: إن هذا معناه أن «إلهام» والبروفيسور لم يكونَا بداخل المعمل لحظةَ انفجاره، ولعلهما أحسَّا بالخدعة، فأسرعَا يغادران المعمل في اللحظة المناسبة …
أحمد: أو أن يكون قد تمَّ اختطافهما!
ظهر القلق على وجوه الشياطين … وأكمل «أحمد» في بطء: هذا هو الاحتمال الأرجح … فلو كانت «إلهام» والبروفيسور قد اختفيَا بإرادتهما لظهرَا الآن … ولكن عدم ظهورهما يعني أنهما قد اختُطفَا!
قيس: ولماذا اختطفَتهما تلك المنظمة؟
التمعَت عينَا «عثمان»، وقال: لعلهم يرغبون في الحصول على بعض المعلومات من «إلهام»!
فلا شك أنهم قد استنتجوا أننا تابعون لجهة تتولَّى حمايةَ العالَم العربي من الأخطار والمجرمين، ويهمُّهم الحصول على معلومات عنا!
هتفَت «ريما» في قلق: إن هذا معناه أن «إلهام» في خطر شديد!
قيس: والبروفيسور أيضًا!
ظهر الغضب الشديد على وجه «خالد»، وقال في حنَقٍ: وما العمل الآن … هل سنقف مكتوفي الأيدي نتحدث مثل العجائز … يجب إنقاذ «إلهام» والبروفيسور بأي ثمن.
وكان «أحمد» يفكر في هدوء دون أن يفقد أعصابه، فقال: ولكننا لا نعرف أين اتجه هؤلاء المجرمون ﺑ «إلهام» والبروفيسور … ولا ما هو مقرُّهم!
فجأة صرخَت «ريما»: لقد عاد جهاز الاستقبال الضوئي يعمل مرة أخرى!
اندفعوا جميعًا نحو الجهاز بداخل سيارة الشياطين … وصاح «خالد»: إن الإشارات تدل على أن السيارة الدبلوماسية تتجه خارج باريس مرة أخرى … ولكن جهة الغرب …
عثمان: حسنًا … ستكون نهايتهم هذه المرة … ولحسن الحظ أنهم لم ينتبهوا إلى جهاز بثِّ الإشارات الضوئي الذي أخفيناه في سيارتهم الدبلوماسية.
خالد: ماذا تنتظرون؟! هيَّا بنا.
واندفع الشياطين إلى السيارتَين … وانطلقوا بهما بأقصى سرعة نحو الهدف المنشود …
وبدأَت «إلهام» تُفيق من إغمائها … وتنبَّهَت حولها فوجدت نفسها مقيدةَ اليدين بقيود قاسية إلى الحائط … وقد رُبط حزامٌ بوسطها نحو الحائط أيضًا … وكان البروفيسور «أدهم» مقيدًا بجوارها فاقد الوعي.
وبدأَت «إلهام» تتذكَّر بدهشة ما حدث لها … وأدركَت أنه قد تم اختطافها مع البروفيسور … وإحضارهما إلى ذلك المكان، والذي لم يكن هناك شكٌّ في أنه مقرُّ تلك المنظمة الإرهابية …
وتساءلت «إلهام» بقلق: تُرى ماذا حدث لبقية الشياطين، وماذا سيفعلون عندما يكتشفون اختطافها هي والبروفيسور؟! وهل سيُفلحون في الوصول لمكانهما؟
وراحَت تتأمل المكان حولها في توتُّر … كانت في حجرة واسعة خالية من الأثاث، لها جدران رطبة ذات رائحة عفونة، فاستنتجَت «إلهام» أن ذلك المكان بداخل باريس … بالقرب من نهر السين؛ بسبب رائحة الرطوبة النفاذة … ولم يكن لديها شكٌّ في أنه مكانٌ سريٌّ تحت الأرض … يجهله أيُّ إنسان …
حاولَت «إلهام» أن تجذبَ يدَيها من القيود القاسية بلا فائدة … وأحسَّت بألم شديد في يدَيها … وجاء صوتٌ ساخر من اليسار يقول: لا فائدة يا عزيزتي … كثيرون قبلك أكثر منك قوة عشرات المرات حاولوا أن يفعلوا نفس الشيء بلا فائدة …
كان المتحدث هو زعيم المنظمة … كان منظرُه مفزعًا … خاصة عينَيه الكبيرتَين اللتين تآكلَت جفونهما … فبدتَا أكثرَ تشويهًا واتساعًا.
وتقدَّم الزعيم من «إلهام» وقد ارتسم على وجهه ابتسامةٌ قبيحة … ووقف أمام «إلهام» يحدِّق فيها، ثم قال: إن مثلَكِ ومَن كان لها مثل هذا الجمال … جديرة أن تكون زوجةً حسناء … لرجل مثلي.
هتفَت به «إلهام» في احتقار وسخرية … ومَن قال لك إنني أقبل الزواج … من مجرم محترف الإجرام …
ظهر الغضب الشديد على وجه الزعيم، وأمسك «إلهام» من شعر رأسها وجذبه بعنف، وهو يقول: إنني لا أحب مَن يصفني بالإجرام!
ودفعها بعنف إلى الحائط، وهو يُكمل: كثيرون أهانوني بأقل مما قلتِ … وكان نصيبُهم الموت برصاصة قضَت عليهم في الحال.
واجهَته «إلهام» في شجاعة، قائلةً: وماذا تنتظر؟!
الرجل: إنني أنتظر أن أعرف منكِ كلَّ ما أريد من أسرار عن الجهة التي تعملين لحسابها!
إلهام: أنت واهم … وستنتظر طويلًا!
الرجل: أحقًّا؟!
وانفجر الزعيم في الضحك بصوتٍ عالٍ … وحدَّق في «إلهام» وهو يقول: إنني عادة لا أحب الانتظار، وأحصل على ما أريد بأقصى سرعة.
وأخرج من جيبه سكينًا حادة، وراح يُلوِّح بها أمام وجه «إلهام» التي واجهَته في ثبات … ثم قرَّب السكين من عنقها وهو يقول: ماذا تفضلين؟ الموت … أم الاعتراف بما أريده؟
أجابَته «إلهام» ساخرة: إنك لن تحاول إرهابي أيها القبيح المشوَّه … ربما تستطيعُ تهديدَ أحدٍ غيرى، أما أنا فلا!
ضاقَت عينَا الزعيم لحظة … ثم تراجع إلى الوراء، وهو يقول: ما رأيُكِ إذن في هذه الطريقة؟
وضغط على زرٍّ بجواره … وفي الحال بدأ الماء يتدفَّق ببطء من ركن الحجرة إلى قلبها من خلال فتحات خاصة …
وقال الزعيم: إننا بجوار نهر السين … وسوف يظل الماء في التدفق سريعًا إلى أن يَصِل إلى عنقِكِ ثم رأسكِ … وبعدها تموتين دون أن تجدي مَن يُنقذكِ …
إلا إذا تحدَّثتِ أولًا بما أريد!
هتفَت «إلهام» في غضب: إنني لن أتحدَّثَ مهما فعلتَ … وحتى إذا تمكَّنتَ من إغراقي … فسوف يأتي الباقون لينتقموا لي … الباقون! وانفجر الزعيم في الضحك بشدة … ثم توقَّف، وقال في وحشية: إنهم لن يذهبوا إلى أيِّ مكان آخر … عدا المكان الذي خدعتُهم ليذهبوا إليه … فهي خدعتي الأخيرة لهم …
حيث يُلاقون حتْفَهم جميعًا …
وانطلق يُقهقه مرة أخرى … وغادر المكان. وراح الماء يعلو حول قدمَي «إلهام» … وتساءلَت بقلق شديد بينها وبين نفسها: تُرَى ما هي تلك الخدعة الأخيرة التي تحدَّث عنها ذلك المجرم؟!