طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
«واعلم أيها الأخ، أيَّدك الله وإيَّانا بروح منه، أن لنا كُتبًا نقرؤها مما شاهَدها الناس ولا يُحسِنون قراءتَها، وهي صورةُ أشكالِ الموجودات بما هي عليه الآن … ولنا كتابٌ آخَر لا يُشارِكنا فيه غيرُنا ولا يَفهمه سِوانا؛ وهو معرفةُ جواهرِ النفوس ومَراتب مَقاماتها، واستيلاء بعضِها على بعض، وافتنان قُواها، وتأثيرات أفعالها في الأجسام من الأفلاك والكواكب.»
تُعَد جماعة «إخوان الصفاء وخِلَّان الوفاء»، التي تَأسَّست في القرن الرابع الهجري بمدينة البصرة، من أهم الحركات الفلسفية والدينية التي أكَّدت مدى نبوغ الفكر العربي والإسلامي، واستيعابه جميعَ الفلسفات والأفكار التي أنتَجها البشر، وهي التي سعَت إلى التوفيق بين الدِّين والفلسفة؛ فالإنسان العاقل يَسعى إلى تأكيدِ إيمانه بالتفكير العقلي. دوَّنت هذه الجماعةُ إنتاجَها في رسائلَ بلغ عددُها ٥٢ رسالة شملت العلومَ كافة؛ كالمنطق، والفلك، والطبيعيات، والجغرافيا، والبيئة الأرضية، وعلم النفس، والإلهيات، إلى جانب أفكارها الفلسفية والروحية والمنابع التي نهِلَت منها. وقد درس «فِراس السوَّاح» هذه الرسائلَ عن طريق تفكيكِها ورصدِ الأفكار الرئيسية فيها وكيفيةِ تطوير الإخوان لها، والبحثِ عن أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين الغنوصية باعتبارها المعرفةَ الحَدْسية الباطنية التي تسعى إلى الحقيقة الكلية من خلال البصيرة الداخلية.