مقدمة
هذا الكتاب مليء بالمعلومات، وقد حاولت قصارى جهدي أن أجعله سهل القراءة. أعتقد أن المعلومات الواردة حول موضوع الكتاب تفوق أي قدر من المعلومات اجتمع في كتاب واحد من قبل؛ فهو يحتوي على ملاحظات دوَّنْتُها على مدار فترة تقدر بنحو ثلاثين سنة. ولقد تحمَّستُ لتأليف هذا الكتاب، ليس من منطلق محاولة الظهور بمظهر العالم أو المتبحِّر في المعرفة، بل فقط لأن الألوان والاستجابات البشرية كثيرًا ما كانت مصدر جذب مثيرًا بالنسبة لي. لقد أردت أن أعرف كل ما يمكنني معرفته، وكنت متحمسًا لتطبيق كافة أنواع المعارف الممكنة في عملي الاحترافي بصفتي مستشارًا في الألوان.
بعد تدريب مبكر في مجال الفنون، بدأت أدْرُس الاستجابات المتعددة والمختلفة للألوان لدى الناس. انطوت هذه الدراسة على محتوًى قليل من الفيزياء والكيمياء في مقابل محتوًى أكبر من التاريخ والتقاليد والميثولوجيا والصوفية والرمزية وعلم النفس وعلم الجمال. وتناولت معظم كتاباتي (البالغة في مجملها ٢٥ كتابًا) الجانب الإنساني للون، وتأثيراته البيولوجية والثقافية القديمة والمعاصرة، وتطبيقاته العملية في الحياة المعاصرة، والأنماط الجديدة للتعبير بالألوان المستندة إلى دراسات استقصائية أُجريت مؤخرًا حول إدراك الألوان.
سبَّب لي ذلك بعض الحزن بصفتي كاتبًا في موضوع الألوان؛ إذ أصبح من الصعب تصنيف توجهي، ومن السهل انتقادي. في هذا الكتاب، على سبيل المثال، من الممكن أن يقول أحد الصوفيين إنني متشكك للغاية، وقد يتهمني أحد العقلانيين بأنني صوفي إلى حد كبير! هذا الأمر لا يزعجني. بصراحة، كثيرًا ما كان هدفي في كل الأعمال التي كتبتها عن الألوان تقريبًا مسلطًا نحو غاية واحدة؛ هي الناس. وإذا وجد بعض الأشخاص المنتمين لتوجهات معينة يتبنون وجهات نظر باطنية، وإذا كان غيرهم يريدون فقط أطروحات يمكن إثباتها على نحو كامل، فكلهم بشر على أي حال. إنني أحب الجميع، ومستعد تمامًا للاستماع لآرائهم، سواء وافقتهم الرأي أم اختلفت معهم.
انعقدت لجان للتحقيق في التأثيرات الفسيولوجية والبصرية والنفسية للألوان على يد مؤسسات مثل: جمعية هندسة الإضاءة إيلومينيتينج إنجينيرينج سوسيتي، وجمعية إنتر سوسيتي كلر كونسيل. وتتكون الجمعية الأخيرة من ممثلين عن ٢٨ مجالًا مختلفًا، وتُعقد مؤتمراتها في الولايات المتحدة وكندا. وفي عام ١٩٧٦، عُقد مؤتمر دولي عن ديناميكا الألوان في بودابست في المجر. وعُقد أول اجتماع سنوي للجمعية الأمريكية للبيولوجيا الضوئية؛ ذلك العلم المرتبط كثيرًا بالضوء والألوان، في ساراسوتا بولاية فلوريدا في عام ١٩٧٣.
مثل هذه الجمعيات لديها اهتمام قوي وشخصي بتأثيرات الضوء والألوان. ولو تأمَّلنا هذه التأثيرات من الناحية البيولوجية لوجدنا أنها تؤدي إلى اكتشاف تطبيقات علاجية لعدد من الأمراض الخطيرة والبسيطة التي تصيب البشر، وتُستخدم كوسائل إيضاح بشرية عند التشخيص، ولو تأملناها من الناحية النفسية لوجدنا أن اللون على وجه الخصوص يكون ضروريًّا في البيئات المصطنعة؛ لمواجهة الحرمان الحسي الذي يمكن أن يؤدي إلى عدد لا نهائي من الاضطرابات الفسيولوجية والنفسية. لقد تزايدت أعداد الناس الذين يعيشون «محبوسين» في مجمعات سكنية كبيرة، ودُور نقاهة، ودُور مسنين، وأصبح الأشخاص الذين يعانون من التوترات والأزمات الحياتية يزج بهم إلى المصحات العقلية، وحتى بين الأشخاص الأسوياء الذين يعملون في وظائف عادية، نجد أن المباني العملاقة مبنية ومصممة بحيث تصبح مجتمعات مبنية تحت الأرض وتحت البحر، يمكنها أن تحجب أعدادًا غفيرة من البشر عن الطبيعة وعن ضوء الشمس. ومن الممكن أن يظل رواد الفضاء المخلصون حبيسي كبسولات فضاء عملاقة لأيام وأسابيع، بل حتى لشهور وسنين. قد يكون العلم قادرًا على الحفاظ على سلامتهم البدنية، ولكن ما الذي يحول دون إصابتهم بالجنون من الناحية العقلية؟
من أجل كل هذه الأهداف، أتمنى أن يقدم هذا الكتاب بعض النصائح حول فوائد الألوان، وفي الوقت نفسه، أتمنى أن يكون مرجعًا يسيرًا يضم المصادر العديدة للمعلومات التي اطلعت عليها أثناء دراساتي.