الاستجابة النفسية
يتناول هذا الفصل الانبعاثات، المرئية وغير المرئية، والهالات، والجسم النجمي، والتفريغ الهالي، وجسم البيوبلازما (الجسد الأثيري)، والمصطلحات الحديثة؛ مثل: الديناميكا الكهربية، والسايكوترونية، والديناميكا الحيوية، التي أصبحت في السنوات الأخيرة أمورًا خاضعة للتحقيق العلمي الجاد، بالإضافة إلى كونها أمورًا تُستخدم في استغلال العامة.
بصفتي كاتبًا في مجال الألوان، فإنني كثيرًا ما يُوجَّه لي انتقادات بسبب اهتمامي بالأمور الباطنية، وتوجهي نحو الأمور الروحية والصوفية. وكثير من الرقباء على كتبي يصرون على تقديم «الحقائق»، وهو ما لا أستطيع الوفاء به في أغلب الأحيان. وهذا لا يضايقني على نحو مبالغ فيه؛ فالعالم يعج بالألغاز التي ليس لها تفسير واضح، لا سيما ما يتعلق بالظواهر المرتبطة بالأمور النفسية. ودفاعًا عن نفسي، دعوني أذكر الرائع ألبرت أينشتاين الذي قال معترفًا: «أنا لم أتوصل إلى فهمي للقوانين الأساسية للكون من خلال عقلي المنطقي.» وقد عمل توماس إديسون على اختراع جهاز للتواصل مع الموتى، وكان فرويد مفتونًا بالظواهر الروحانية (الأحلام!) وكتب أبحاثًا عن التخاطر والباطنية، وكان يونج مهتمًّا باستجابات الجلد وكتب أن: «النشاط الكهربي للجلد يتغير تغيرًا لافتًا للنظر عند سماع أذني (الشخص) كلمات مرتبطة بالمشاعر.» أنا معجب باستنتاج بي دبليو كوير في كتابه «الألوان وشخصيتها»؛ حيث قال: «علم الظواهر لا يقدم أي حقائق على الإطلاق … (فهو) يتناول الألوان «على قدر» تجربتنا معها فحسب، ولا يتناولها كحقيقة مادية أو مفهوم مجرد؛ فهو يتعامل مع الراصد فقط على قدر تجربته مع الألوان، ولا يتعامل معه باعتباره آلية فسيولوجية.»
إن اهتمام الشخص بالباطنية ينعكس بالتأكيد على بقية معتقداته. يمكن تقديم حجج لإثبات أو نفي وجود الآلهة. أما المهم بالنسبة لعقلي، فهو انبهار الإنسان بالأمور التي تفوق قدرته على الفهم. وهذا هو رأيي. لماذا يؤمن ملايين البشر بالقوى الخارقة للطبيعة وبالتنجيم؟ لماذا هم مخرفون، وساذجون، ويصدقون الألغاز التي تبدو ضعيفة منطقيًّا أو غير منطقية من منظور الحقائق؟
(١) الصوفية القديمة والحديثة
في الاتجاه الصوفي، استخدمت الحضارات القديمة كلها تقريبًا الألوان كرمز للصفات السامية للثقافة البشرية، ورغم ذلك وُجد بعض الفلاسفة الذين تجاوزوا الرمزية الرسمية للألغاز ودرسوا الضوء الهالي الذي كان يُعتقد أنه ينبعث من جسم الإنسان. وهنا، في هذا الضوء الهالي، يمكن أن نجد العلامات الحقيقية للثقافة واضحةً لا تخطئها عين، مثل قوس قزح، مرئيةً، وفعليةً، وفيها نجد الإشارة الحقيقية إلى الصفات المتأصِّلة في الإنسان، خيرها وشرها.
يُشبَّه الإنسان بالجسم السماوي الذي يشع انبعاثات ضوئية. ويشير هذا المفهوم عادةً إلى الشمس أو إلى إله أعلى غير مرئي تمنح أشعته الحياة والروح للبشر. وكانت الهالات والملابس والشعارات والجواهر والزخارف التي استخدموها على أنفسهم كأشخاص، أو استخدموها على تماثيل آلهتهم ترمز إلى الطاقات الروحية المنبعثة من الجسم. ومثل غطاء الرأس المزخرف لدى القديس المصري والهالة لدى القديس المسيحي الأجسامُ الهاليَّة للأشخاص المختارين من قبل السماء. وكانوا يفترضون أن هذه التدفقات تنصب من على سطح الجسم، وأن ألوانها كانت مقياسًا للتطور الثقافي، والكمال الروحي، والصحة البدنية.
يرى الصوفيون أن كل النباتات والحيوانات تصدر هالات (وقد أُثبت هذا الأمر في العصور الحديثة). وفي الإنسان، كانت هذه الهالة جزءًا من هُوِيَّته بقدر ما هي جزء من جسمه. وقد قال أشخاص مشهورون أمثال بنفينوتو تشيلليني: «منذ ذلك الوقت الذي رأيت فيه تلك الرؤيا الغريبة وحتى الآن، استقرت هالة من المجد (أروع مَن وصفها) فوق رأسي. يراها كل شخص اخترتُ أن أُريها له، لكن هؤلاء الأشخاص كان عددهم قليلًا للغاية. يمكن مشاهدة هذه الهالة فوق ظلي في الصباح منذ شروق الشمس ولمدة حوالي ساعتين، وتُرى على نحو أفضل بكثير عندما يكون العشب مبللًا بالندى.»
قدم إدوين دي بابيت، في كتابه الشهير «مبادئ الضوء واللون»، الكثير من المعلومات القيمة عن عمل السيدة ميني ويستون المتعلق بالألوان الروحية التي يقال إنها تصدر من الدماغ. وكوَّنت هذه الألوان ما أطلق عليه بابيت «الغلاف الأودي». وأوضح في البداية الحاجة إلى وجود تناغم بين انبعاثات العالم والجسم البشري، وأوصى بضرورة أن ينام الشخص ورأسه متجه نحو الشمال كي «يرقد في اتجاه خط الزوال المغناطيسي» (وكانت أسوأ وضعية هي اتجاه الرأس ناحية الغرب)، وقال إن الضوء الأودي يظهر بأشكال متعددة؛ فيظهر على هيئة الوهج، وعلى هيئة لهب، وعلى هيئة خيوط من نور أو وميض أو سديم، وعلى هيئة دخان، وعلى هيئة شرارات. وكان يُعتقد أن الغلاف الأودي أرفع مرتين من الغلاف العادي؛ لأن انبعاثاته كان يُفترض أنها أرفع مرتين من انبعاثات الضوء.
وأعلن الوسيط الروحاني إدجار كايس مؤخرًا أنه رأى ألوانًا تحيط بمعظم الأشخاص، ورغم ذلك فقد كانت تفسيراته لهذه الألوان هي تفسيرات الصوفيين على نحو تقليدي؛ فكان الأحمر يرمز إلى القوة والحيوية والطاقة، وكان البرتقالي يرمز إلى الفكر والتأمل، والأصفر إلى الصحة والعافية، والأخضر كان لون الشفاء، والأزرق كان لون الروح، والنيلي والبنفسجي كانا يشيران إلى الأشخاص الباحثين عن الخبرة الدينية. وعلى نهج أسلافه كتب: «اللون المثالي، بطبيعة الحال، هو الأبيض. وهذا ما نسعى جميعنا إليه. فإذا كانت أرواحنا في توازن مثالي، فإن كل انبعاثاتنا الملونة سوف تمتزج ويصبح لدينا هالة من الأبيض النقي.» وتنبأ إدجار كيس بالأهمية العملية الكبرى لدراسة الهالة. ويمكن تفسيرها بغرض التشخيص والمعالجة، وسنرى هذا الأمر في الصفحات المقبلة. وحذر قائلًا: «لكني لا أعتقد أن المعالجة بالألوان ستصبح منتشرة أو عملية إلى أن نقبل حقيقة الهالات ونعتاد على قراءتها؛ كي نكتشف الخلل الذي يسبب الإزعاج للشخص.»
(٢) النهج السريري
يوجد في الألوان عامل نفسي، وجذاب، وعاطفي، ومُلْهِم من جميع النواحي، ويشبه القوى الخفية. وقبل مناقشة الأمور التي يرغب الطب الحديث في الاعتراف بها فيما يخص الألوان والهالة، دعوني أنتقل من وجهة النظر الباطنية إلى وجهة النظر السريرية. إن دراسة الهالة المحيطة بالبشر ودراسة الضوء النجمي لا تعتبر دائمًا ضربًا من ضروب الصوفية والسحر، بل إن أكثر الأشخاص ارتيابًا مجبر على الاعتراف بوجود انبعاثات من نوعٍ ما تصدُر عن الجسم البشري. وهذه الانبعاثات لا يمكن الشعور بها فحسب مثل الحرارة أو الرائحة، بل في ظل الظروف المناسبة يمكن رؤيتها بالفعل. وقد كتب السير أوليفر لودج؛ الذي كان منجذبًا للظواهر الروحية، فقال: «تميل كل الأدلة إلى إقناعي بأننا نمتلك جسمًا أثيريًّا بالإضافة إلى الجسم المادي … فهذه هي الهوية المنظمة التي تكوِّن الجسم.»
(٢-١) العظيم فرانز ميسمر
إن الجسر الذي يربط ما بين الانبعاثات النجمية الصوفية ومجالات الطاقة التي يعترف بها العلم الحديث شهد عبورًا مبدئيًّا منذ فترة طويلة تعود إلى القرن السابع عشر؛ ففي عام ١٦٧٩، كتب ويليام ماكسويل أطروحة بعنوان «الطب المغناطيسي» قال فيها: «إن الأشعة المادية تتدفق من كل الأجسام التي تعمل فيها الروح بموجب وجودها، ومن خلال هذه الأشعة تنتشر الطاقة والقدرة على العمل. الروح الحيوية التي نزلت من السماء نقية وغير متغيرة وكاملة هي أم روح الحياة الموجودة في كل شيء. وإذا استغللت هذه الروح الكونية من خلال الكائنات المحملة بها، فإنك بهذه الطريقة تستدعي لمساعدتك سر العصور الأكبر. إن الطب الكوني ما هو إلا الروح الحيوية مكررة في الشخص المناسب.»
هذا الافتراض الكبير ألهم، لاحقًا، الأب الروحي للتنويم المغناطيسي فرانز أنطون ميسمر (١٧٣٣–١٨١٥). أصبح ميسمر خبيرًا في المغناطيسية الحيوانية، ودرس في فيينا، وفتح عيادة شهيرة في باريس جذبت المرضى من كل أنحاء أوروبا، وأعلن أنه: «يوجد تأثير متبادل بين الأجرام السماوية والأرض والأجسام الحية.» اخترع ميسمر حوضًا مغناطيسيًّا بيضاويًّا محفوفًا بكراسِيَّ أو مقاعدَ يجلس عليها المرضى. ووصفت الحيلة في ذلك الوقت على النحو التالي: «السيد ميسمر؛ طبيب خريج كلية طب فيينا بالنمسا، هو المكتشف الوحيد للمغناطيسية الحيوانية. إن هذه الطريقة التي تعالج عددًا كبيرًا من الأمراض — الاستسقاء، والشلل، والنقرس، والإسقربوط، والعمى، والصمم العرضي وغيرها — تقوم على استخدام سائل أو وسيلة يوجهها السيد ميسمر نحو الأشخاص الذين يلجئون إليه، أحيانًا بأحد أصابعه، وأحيانًا بقضيب معدني يمسكه بإصبع آخر ويشير به حسبما يختار. ويستخدم أيضًا حوضًا مزودًا بأحبال موصلة يربطها المرضى حول أنفسهم، ومزودًا أيضًا بقضبان حديدية مثنية يقربها المرضى من المعدة، أو الكبد، أو الطحال، أو في العموم إلى أي جزء في الجسد يشكون منه. وكان المرضى، لا سيما النساء، يصابون بتشنجات أو يصابون بنوبات تؤدي إلى الشفاء. ويضع المنومون المغناطيسيون [أولئك الذين كشف السيد ميسمر سرَّه لهم، وعددهم يزيد على المائة، من بينهم النبلاء الأوائل في البلاط الملكي] أيديهم على الجزء المصاب ويدلِّكونه لبعض الوقت. وتعجِّل هذه العملية بتأثير الحبال والقضبان. وكل يومين يتم تخصيص حوض للفقراء، ويعزف الموسيقيون في غرفة الانتظار مقطوعات موسيقية مخصصة لبثِّ البهجة في قلوب المرضى. ويُرى الرجال والنساء من كل الأعمار والمستويات قادمين بأعداد غفيرة إلى منزل الطبيب الشهير؛ ومنهم الجندي ذو شارة الشرف، والمحامي، والراهب، والأديب، والطاهي الممتاز، والحرفي، والطبيب، والجراح. إنه لمشهد رائع يصدر حقًّا عن أرواح مرهفة الحس، أن ترى رجالًا متمايزين بحكم الأصل أو المكانة الاجتماعية يُنوَّمون مغناطيسيًّا، بعناية عطوفة، وأيضًا أطفالًا ومسنين، وفوق كل ذلك الفقراء. أما بالنسبة للسيد ميسمر، فهو يظهر روح الإحسان في كل أحاديثه؛ فهو رجل رزين وقليل الكلام. ويبدو أن رأسه تعج دائمًا بأفكار رائعة.» كان عملاء ميسمر مشهورين إلى حد كبير، وكان باستطاعته أيضًا مغنطة الماء واستخدامه كإكسير علاجي. وعلى الرغم من أن البعض امتدحه، فقد نظر البعض الآخر إلى أعماله باعتبارها أعمالًا شيطانية؛ ولذلك فقد كان محسنًا رائعًا ومحتالًا في الوقت نفسه.
(٢-٢) جورج ستار وايت
في العصر الحديث، درس عدد من الباحثين الأمور المتعلقة بالهالة الضوئية. ودعوني أُشِر إلى أعمال جورج ستار وايت، ووالتر جيه كيلنر، وأوسكار باجنال.
إن كتاب «قصة الهالة الضوئية البشرية»، الذي كتبه جورج ستار وايت، سلك مسلكًا متوسطًا إلى حد كبير ما بين وجهة النظر الصوفية البليغة ووجهة النظر العلمية المتواضعة. واتفق وايت مع ميسمر فقال إن الغلاف المغناطيسي يحيط بالحيوانات والنباتات، وقال إن هذه الانبعاثات مختلفة وخاضعة للتغيير. ومن خلال قبول هذه الانبعاثات يمكن للمرء تفسير ألغاز التخاطر، والمعرفة المستقبلية بالأحداث، وهي أشياء كثيرًا ما تحدث للإنسان. وقال إن الصحة والمرض كلاهما واضح في هذه الهالة، وإن الأشعة يتغير مظهرها عندما يلتفت الشخص نحو الجهات المختلفة للبوصلة. «بغض النظر عن الشكل الذي قد تتخذه الحياة أو قوة الحياة، وبغض النظر عن المركبة التي تحمل الحياة داخلها — سواء أكانت حية أم غير حية — فلا بد أن يكون وجود غلاف مغناطيسي هو سمة هذه المركبة.» واختتم وايت كلامه قائلًا إن الانبعاثات المغناطيسية الصادرة من سبابة اليد اليسرى وإبهام اليد اليمنى انبعاثات إيجابية، وإن الانبعاثات الصادرة من سبابة اليد اليمنى وإبهام اليد اليسرى سلبية. ووصف خزانة للهالة الضوئية لدراسة هذه الظاهرة، وقال إن لون الهالة الضوئية المتوسطة هو الأزرق الرمادي (وحاليًّا يستخدم تصوير كيرليان، الذي سنتناوله لاحقًا في هذا الفصل، لالتقاط صور فعلية للهالات).
(٢-٣) والتر جيه كيلنر
أما عن التوجه الأكثر منطقية وبُعدًا عن التحيز فنجده في كتاب والتر جيه كيلنر «الغلاف البشري». لقد تجنب كيلنر على نحو متعمد تمامًا الجوانب الصوفية للضوء الهالي، وأجرى تحقيقه بمنتهى المثابرة التي تميز العاملين في المختبرات. وتمثلت استنتاجاته في أن الجسم البشري يحيط به غشاء مرئي يتكون من ثلاثة أجزاء محددة؛ أولًا: شريط ضيق قاتم عرضه ربع بوصة، وهو ملاصق للجلد. وبعده تمتد هالة ثانية للخارج تتراوح ما بين بوصتين وأربع بوصات. وهذه الهالة هي الأوضح. وبعدها توجد هالة ثالثة ضبابية المظهر وليس لها إطار محدد عند حافتها الخارجية، ويبلغ عرضها في العموم حوالي ست بوصات. تنبعث الإشعاعات عادةً عند الزوايا اليمنى من الجسم. هذه الأشعة الداخلية كهربية في المظهر، وتتسم بأنها غير مستقرة، فهي تتحول وتتغير. وتصدُر أشعة أطول من الأصابع، والمرفقين، والركبتين، والوركين، والثديين. ووفقًا لكيلنر، فإن اللون الدال على الصحة هو الرمادي المزرق المشُوب بأصفر وأحمر. أما اللون الأكثر رمادية والأبهت فيدل عادةً على جسم مريض. وعلى الرغم من ذلك، فقد فضل كيلنر أن يبني تشخيصاته على شكل الهالة وليس على صفاتها اللونية.
(٢-٤) أوسكار باجنال
عكف أوسكار باجنال على دراسة وتطوير أعمال كيلنر إلى حدٍّ كبير. وفي كتابه «أصل وخصائص الهالة البشرية»، قدَّم عددًا من النظريات المثيرة، بالإضافة إلى تفسير مفصَّل للإجراء اللازم اتِّباعه لجعل هذه الهالة مرئية. وقد يرى البعض هذه الهالة ببساطة عند النظر إلى الشخص في غرفة ضعيفة الإضاءة. وعلى الرغم من ذلك، فقد حذا باجنال حذو كيلنر واستخدم حائلًا خاصًّا.
قسم باجنال الهالة إلى جزأين: جزء داخلي وجزء خارجي. وتتسم الهالة الداخلية، التي يبلغ عرضها حوالي ثلاث بوصاتٍ بضياء واضح وأشعة تنبثق على هيئة خطوط مستقيمة. وهذه الهالة واحدة تقريبًا في كل الأشخاص، ومن الممكن أن يكملها مجموعة أشعة خاصة منبعثة من أجزاء مختلفة من الجسم ليست متوازية بالضرورة مع الأشعة الأخرى. والهالة الخارجية، وهي أكثر رقة، تتوسع مع العمر، وعادةً يكون قطرها أكبر لدى النساء منه لدى الرجال، ويبلغ متوسط عرضها حوالي ست بوصات. ويُرى اللون في أفضل حالاته في هذه الهالة، ويكون مائلًا إلى الزرقة أو إلى الرمادي. وكلما زادت زرقة اللون كان العقل أكثر ذكاءً، وكلما زادت رمادية اللون كان العقل أبلد. وتخضع الهالة الخارجية لتغير جذري بسبب الحالة المزاجية أو المرض. ويقول باجنال إنه لا تسطع أي هالات من شيء ميت.
عند دراسة الهالة، يلزم في البداية جعل العين حساسة من خلال النظر إلى السماء عبر مرشح ديسيانين (أزرق) خاص. وبعد ذلك، يجلس الناظر وظهره إلى النافذة، ويُسمح بدخول إضاءة ضعيفة إلى الغرفة، ويقف المريض العاري أمام حائل حيادي. ووفقًا لما قاله باجنال، فإن الضوء الهالي لديه أطوال موجية محددة تقع خارج نطاق الطيف المرئي. ونظرًا لأن الأشعة الزرقاء والبنفسجية تُرى على نحو أفضل من خلال الخلايا العصوية مقارنةً بالخلايا المخروطية، فإن المرشح الأزرق يميل إلى استبعاد أشعة الضوء الحمراء والبرتقالية ذات الطول الموجي الأطول مع إبراز الأشعة البنفسجية. ويمكن أيضًا إكساب العين الحساسية من خلال النظر أولًا إلى قطع من الورق الأصفر؛ مما يرهق أعصاب الشبكية عند رؤية الأحمر والأخضر، وفي الوقت نفسه يعطي استجابة أقوى تجاه اللون الأزرق.
ووفقًا لباجنال، فإن الأمراض العضوية يبدو أنها تؤثر على الهالة الداخلية. إن الأشعة المنبعثة من الممكن أن تفقد لمعانها وتبدو باهتة أو شفافة. ويبدو أن الاضطرابات العقلية والعصبية والبلوغ والطمث تؤثر على الهالة الخارجية. وعند الإصابة بمرض ما، فمن الممكن أن تظهر بعض البقع الداكنة. وعلى الرغم من ذلك، فإن أكثر ما يقدم معلومات عن الأمراض لهو الشكل العام للهالة. إن الهالة التي تتضاءل فجأة عند منطقة الفخذ قد تشير إلى أن الشخص يعاني من مرض عصبي. ويعد وجود نتوء خارجي بعيدًا عن العمود الفقري علامة مميزة للإصابة بالهيستيريا. وعادةً يكون المصابون بالأمراض العصبية لديهم هالة خارجية ضعيفة وهالة داخلية باهتة. ويبدو أن الاضطرابات البدنية تؤثر على السطوع، وأن الأمراض العصبية تؤثر على جودة اللون. ويشخص باجنال الحمل على النحو التالي: تصبح الهالة أعرض وأعمق فوق الثديين، ويتسع الضباب في المنطقة الموجودة أسفل السرة مباشرةً، ويوجد انخفاض نسبي في صفاء اللون الأزرق، وهي ظاهرة تتغير مع تقدم الحمل. ويشعر باجنال أن الطب والجراحة قد يخدمهما إجراء المزيد من الدراسات السريرية؛ إذ يبدو أن هذه الانبعاثات الصادرة من الجسم لها أهمية كبيرة. وهذه النظرة وهذا الافتراض وجدا الدعم والإثبات في العصور الحديثة، كما سنوضح فيما يلي.
(٣) الهالة البشرية
تعد الهالة البشرية أحد المجالات التي حققت فيها الصوفية القديمة انتصارات مذهلة في العصور الحديثة؛ فما كان ينظر إليه الكثيرون على أنه افتراضات ملتبسة؛ اتضح الآن أنه حقيقة محددة. لقد كان الناس يرون الهالات ويؤمنون بها قبل قرون من معرفة وجود الطاقة الكهرومغناطيسية. وأي شخص يشك الآن في حقيقة الانبعاثات البشرية (بالإضافة إلى الحرارة والرائحة والرطوبة) فإنه يحبس نفسه في سجن الماضي. يرسل الجسم البشري سلسلة من المجالات الكهربية أو المغناطيسية. وانبعاثات هذه المجالات يمكن قياسها باستخدام الأجهزة الحديثة مثل جهاز تخطيط كهربية الدماغ (جهاز رسم المخ)، الذي يقيس موجات الدماغ. إن الطاقة تأتي من كل أعضاء الجسم ومن الجلد نفسه. لقد اجتمع الصوفي القديم والعالم الحديث معًا في المختبر نفسه.
(٣-١) تصوير كيرليان
دعوني أبدأ بما يُعرف بتصوير كيرليان (إذا كان القارئ يتمتع بالمعرفة في هذا المجال، فليسامحني على هذا التلخيص). في الوقت الحاضر، كُتِبتْ مقالاتٌ وكتبٌ عن «كلام الجلد»؛ وفيه يقدم النشاط الكهربي للجسم معلومات عن أفكار ومشاعر الشخص. إن تصوير كيرليان يصور الهالات. وتكشف أساليب الارتجاع البيولوجي الاستجابات العاطفية والفسيولوجية تجاه الألوان.
في حين تحدَّث الصوفيون عن الألوان بطريقة حماسية وخيالية، وكتب رجال أكثر حكمة عن إجراءات غامضة إلى حدٍّ كبير، وصف الروسيَّانِ سيميون دي وفالنتينا كيرليان حوالي عام ١٩٥٨ طريقة تتمثل في استخدام انبعاثات عالية الجهد لتصوير «أشكال متوهجة» لأشياء حية وغير حية. وقد أجريت محاولات ناجحة إلى حد ما من قبلُ، وأجريت محاولات على قدرٍ مساوٍ من النجاح منذ ذلك الحين. وفيما يعرف حاليًّا بتصوير كيرليان، أصبحت الهالة أشبه بسجل ملموس ومرئي. والآن يدخل العالم عصر الديناميكا الكهربائية والديناميكا الحيوية (من المراجع الجيدة في هذا الصدد كتاب «هالة كيرليان» للمؤلفين ستانلي كريبنر ودانيال روبين).
ماذا يُرى؟ لنقتبس ما قاله أوستراندر وشرودر: «يجب أن نلاحظ أنه عند التصوير على فيلم ملون متعدد الطبقات باستخدام ألواح على هيئة أقراص، تُتَرجَم أجزاء مختلفة من جلد الإنسان لألوان مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، تكون منطقة القلب شديدة الزرقة، ويكون الزند أزرق مخضرًّا، والورك زيتونيًّا … ويوجد سبب لافتراض أنه عند حدوث تجارب عاطفية غير متوقعة (مثل الخوف والمرض)، فإن اللون المتأصل في أحد مناطق الجسم يتغير. ويبدو لنا أن هذه المظاهر المميزة تستحق دراسة جادة؛ نظرًا لأهميتها في التشخيص في المجال الطبي؛ من أجل الاكتشاف المبكر للأمراض … ودعونا نتوقف لنتأمل المرات العديدة التي لوحظ فيها النشاط الكهربي في جلد إنسان حي. في المجال البصري، على خلفية تمثل شكل الجلد، تُرى قنوات تفريغ الانبعاثات الكهربية ذات السمات المتغيرة؛ تفريغ نقطي، وتفريغ إكليلي، وتوهجات على شكل عناقيد ذات إشعاع ضوئي. وتتسم بألوانها المختلفة؛ فمنها الأزرق، ومنها الخزامي والأصفر. وقد تكون زاهية أو باهتة، ثابتة أو متغيرة الشدة، متوهجة بين الحين والآخر أو متوهجة باستمرار، عديمة الحركة أو متحركة … في بعض أجزاء الجلد، تتوهج النقاط الزرقاء والذهبية على نحو مفاجئ، وسمتها المميزة هي إيقاع من التوهجات وعدم الحركة … وقد يكون لون العناقيد أزرق لَبَنيًّا، أو أرجوانيًّا فاتحًا، أو رماديًّا، أو برتقاليًّا.»
أما عن طرق إنتاج صور كيرليان أو صور مجال الإشعاع فهي موصوفة بالتفصيل في كتاب «الهالة الحية» للمؤلف كيندال جونسون. كما يصف أوستراندر وشرودور في كتاب «دليل اكتشافات ما وراء الطبيعة» أيضًا أساليب وطرق تصوير كيرليان بتفاصيل مستفيضة. من خلال التفريغات العالية الجهد الكهربي — لكن دون عدسات أو كاميرات — تُسجل صور فوتوغرافية لهذه الانبعاثات. وقد يكون من غير الضروري وصف الأساليب أو الأدوات المستخدمة نظرًا لأن وحدات تصوير كيرليان الكهربائي موجودة الآن في السوق (١٩٧٦) من خلال شركة إدموند ساينتيفيك العلمية في نيوجيرسي. ومن خلال صور لأحد الأصابع ملتقطة بتقنية التصوير الكهربائي توصل جونسون لعدة استنتاجات مثيرة؛ يقول: «بدا أن الراحة والاسترخاء والشعور بالسكينة مرتبطة بهالة واسعة ساطعة ملساء … وأن الخوف أو القلق يميلان إلى جعل الهالة ضعيفة متقطعة بها بقعة.»
إلى الآن لم يتم التقاط صور كيرليان — أو صور المجال الإشعاعي — للجسم ككلٍّ. فالهالة البشرية من الرأس للقدم، التي وصفها الصوفيون القدماء، ووصفها كيلنر وباجنال في الأوقات الأكثر حداثة، لم تسجَّل بعدُ على أي فيلم أو لوح فوتوغرافي ضخم. وقد يكون هذا غير ضروري؛ لأنه من خلال دراسة أمواج الدماغ واستجابات الجلد بأجهزة متقدمة نتعلم الكثير عن التكوين الجسماني والعاطفي للإنسان.
(٣-٢) اكتشافات تشخيصية
استكمالًا لحديثنا عن الهالة، توجد أدلة واضحة على أن التحولات والتغيرات قد تشير وتتنبأ في واقع الأمر بأمراض فسيولوجية ونفسية لدى الفرد. في الطب النفسي الجسدي، الذي قد تؤدي فيه الظروف البيئية إلى التوتر والخوف والاكتئاب، وقد تسبب هذه الأشياء بدورها عددًا من الأمراض الفسيولوجية؛ يمكن أن تقدم دراسة الهالة مساعدة كبيرة في التشخيص. ويمكن اكتشاف الحالات العاطفية بطرق عدة على النحو التالي: من خلال جهاز رسم المخ (الذي يسجل الموجات الدماغية)، وكذلك من خلال إنتاج الهرمونات، واتساع حدقة العين، والضغط على الأصابع، وقدرة راحة اليد على توصيل الكهرباء.
إن وجود الهالة في حد ذاته قد يساعد في تفسير أو على الأقل تأكيد العلاج النفسي، وفيه يمكن لأشخاص نادرين معينين أن يقدموا المساعدة من خلال «وضع اليد» في بعض الحالات المرضية التي تصيب البشر. ويوجد بعض الباحثين المعترف بهم الذين يعتقدون أنه من خلال تصوير كيرليان يوجد دليل مرئي على تدفق الطاقة، أو على التفاعل بين البشر وبين بيئاتهم، وأنه من خلال المعالجين النفسيين يمكن أن تتدفق هالة المعالج إلى الشخص الذي يعالجه. قد يبدو هذا احتمالًا بعيدًا، لكن الطب النفسي الجسماني الليبرالي لا يرفض تمامًا مثل هذه «المعجزات». وتقدم ثيلما موس في كتابها الرائع «احتمالية المستحيل» وصفًا جيدًا لتصوير كيرليان. وفيما يتعلق بموضوع العلاج النفسي قالت: «أعتقد حقًّا أن الصور (تصوير كيرليان) توضح إمكانية انتقال الطاقة ليس فقط من المعالج إلى المريض، لكن من المريض إلى المعالج.» ويوجد أيضًا تدفق للطاقة أو تفاعل بين البشر وبين بيئتهم. والمعالج ذو الهالة الواسعة يمكن أن ينقل الطاقة لشخص ذي هالة ضيقة. علاوة على ذلك، توجد أربعون إشارة إلى العلاج الروحي في الكتاب المقدس.
(٣-٣) الوخز بالإبر
بلغت الأجهزة الإلكترونية مبلغًا من التطور مكَّنها من تحديد نقاط الوخز بالإبر (هوكو) في جسم الإنسان. ويمتلك الروس جهاز توبيسكوب، فيصف كيندال جونسون أحد اختراعاته قائلًا: إن جهاز التوبيسكوب الروسي يضيء عند لمس نقاط الوخز الإبري؛ وبذلك يعدُّ جهازًا مفيدًا لمتخصصي الوخز بالإبر. وسواء أكان الوخز بالإبر مُرحَّبًا به من قِبل الأطباء أو مرفوضًا، فلا بد ألا ينسى المرء أن الصينيين اعترفوا به لبضعة آلاف من السنوات. وبحكمة، كتب طبيب أيزنهاور بول دودلي وايت الذي زار الصين فقال: «لو كان غير مفيد لتوقف استخدامه منذ آلاف السنوات. توجد فائدة فيه، لكن من الصعب قول ما هي هذه الفائدة بالتحديد.» هل من الممكن أن يكون الوخز بالإبر يحتاج إلى الإيمان والصوفية لدعمه؟
(٣-٤) طاقة البيوبلازما
إن الانبعاثات الهالية للجسم الأثيري قد لا يرجع سببها بالكامل إلى درجة حرارة الجلد، أو استجابة الجلد الجلفانية، أو المجالات الكهربية أو المغناطيسية، أو التعرُّق؛ فمن المحتمل جدًّا أن تكون هناك طاقة أخرى، أو ظواهر غير متوقعة ولا يمكن تفسيرها بالنظرية الفيزيائية. وسواء أكان اسمها الطاقة البيوبلازمية أم أي مصطلح آخر، فالعلم لا شك لديه انبعاثات أخرى وغامضة عليه فهمها ورصدها.
يقول هارولد ساكون بير من جامعة ييل إنه إذا كانت الانبعاثات مغناطيسية، فإن المجالات الكهرومغناطيسية داخل الجسم تتأثر بمجالات أكبر موجودة في كل الكون؛ وهذا يؤكد المفهوم الصوفي القائل بوجود كون صغير داخل الكون الكبير. ونجد عمل بير الفريد موصوفًا من قِبل إدوارد دبليو راسل في كتابه «تصميم المصير»، فيقول: «كل الكائنات الحية — سواء الجسم البشري، أو الحيوانات، أو الأشجار، أو النباتات، أو الكائنات الحية الأدنى — تمتلك مجالات كهرومغناطيسية، وتقع تحت سيطرة هذه المجالات.» وقد تكون الانبعاثات مسئولة أيضًا عن ألغاز الإدراك الخارج عن الحواس. «ومن دون الاستعانة بالعلم، فإن انتقال الأفكار كثيرًا ما كان «حقيقة أثبتتها التجارب» لعدد لا حصر له من الأشخاص منذ بداية التاريخ البشري. إنه أمر شائع معترف به يحدث بين الأزواج والزوجات، وبين الوالدين والأبناء، وبين الأشخاص الذين تجمعهم عاطفة مشتركة.»
في مقاله «المجالات المغناطيسية لجسم الإنسان»، يشير ديفيد كوهين إلى ميسمر، ويصف الوسائل المستخدمة حاليًّا في تفقد المجالات المغناطيسية للجسم البشري، يقول كوهين: «في الوقت الراهن، تخضع المجالات المغناطيسية لجسم الإنسان للقياس في عشرة مختبرات على الأقل، كما أنها موضوع ثماني رسالات دكتوراه وحوالي خمسين بحثًا منشورًا.» إن الجسم البشري لهو حقًّا «مصدر للمجالات المغناطيسية». وقد رُصدت هذه المجالات في غرف محمية خاصة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ويعلق كوهين قائلًا إن «القياسات المسجلة للقلب والدماغ والرئتين من الممكن أن تكون ذات قيمة بالنسبة للتشخيص السريري وفي الأبحاث الفسيولوجية.»
يضم كتاب «الطب النفسي والصوفية» (تحرير ستانلي آر دين) فصولًا ممتازة كتبتها شفيقة كاراجولا؛ من كلية الأطباء الملكية في إدنبرة، وجون سي بياراكوس؛ معالج نفسي ممارس للمهنة ورئيس معهد تحليل الطاقة الحيوية في نيويورك. وتصف الدكتورة كاراجولا النطاقات الهاليَّة الثلاثة على النحو التالي: المجال الأول: هو مجال الطاقة الحيوية، ويمتد هذا المجال من حوالي ثلاثة إلى خمسة سنتيميترات خارج الجسم، ولديه لون أزرق، والمجال الثاني ذو الأنماط اللونية المتغيرة: يكشف عن مشاعر الشخص، والمجال الثالث: هو مجال عقلي، وهو «يظهر ملكة العقل والتفكير لدى الفرد». ويوجد مجال رابع مُكمِّل. تقول الدكتورة كاراجولا إن هذه المجالات يمكن استخدامها لأغراض التشخيص. إن دوامة الطاقة الموجودة عند الحنجرة يكون لونها أزرق أو بنفسجيًّا شاحبًا في الإنسان السليم. ويكشف اللون الأحمر أو البرتقالي عن وجود مشاكل في الغدة الدرقية يمكن اكتشافها مسبقًا.
بعض الأطباء الموهوبين معروف عنهم رؤية الهالات في مرضاهم وتشخيص حالاتهم من الهالات، دون أن يشيروا عادةً إلى هذه الرؤية على الإطلاق. ويعلن بعض الأطباء النفسيين أن الأشخاص المصابين بأمراض عقلية لديهم أيضًا رائحة مميزة. ويصف الدكتور بياراكوس الهالة والأداة المستخدمة في قياسها، ويتحدَّث أيضًا عن ثلاث طبقات أو مجالات لها، يقول بياراكوس: «إن الحركة الأساسية للطبقات الثلاث يمكن وصفها بأنها موجة تتحرك بعيدًا عن الجسم … أنا أعتبر المجال في الأساس تعبيرًا عن كل جوانب الإنسان البدنية والعاطفية والعقلية والروحانية.» هذه تصريحات طبيب نفسي لا صوفي! وكتب أيضًا: «يبدو أن البشر يسبحون في بحر من الفيض مخضب على نحو منتظم بألوان فاقعة تغير ألوانها باستمرار، وتتلألأ، وتهتز. في حقيقة الأمر، أن تكون حيًّا يعني أن تكون غنيًّا بالألوان ونشطًا.» وأشار إلى تغيرات متعددة في الأمراض وقال إن الخوف يؤدي إلى تأثير البَهَتِ. وأشار إلى أن مرضى الفصام أظهروا اضطرابات شديدة.
(٣-٥) الجلد يتحدث
كُتبت العديد من المقالات، وعلى الأقل كتاب واحد عن «حديث الجلد» (وذلك الكتاب هو «اللمس: أهمية الجلد للبشر» للكاتب أشلي مونتاجيو). تقريبًا كلنا جرَّبنا شعور احمرار اليدين وتعرُّقهما وكذلك تعرُّق الإبطين. ومن خلال جهاز كشف الكذب (البوليجراف)، لوحظ توصيل الجلد للكهرباء ووثق بالفعل. وما يحدث هو أن الجهاز يسجل النبضات الكهربائية التي تكشف على نحو مفاجئ مشاعر الشخص؛ ليس على نحو ثابت، لكنه عام. ويمكن للجهاز كشف معلومات عن مشاعر الشخص. وقد جرب يونج الجهاز ولاحظ أن النشاط الكهربي للجلد يمكن أن يتأثر حتى بتداعيات الكلمات.
وكتبت باربرا بي براون في كتابها المذهل «عقل جديد، جسم جديد» أن «الجلد يرى بالألوان»؛ فالجلد يستطيع التمييز بين الألوان. «ويعد الجلد أيضًا مؤشرًا جيدًا على الألوان، ويبدو أنه يعكس طريقة معالجة عصبونات الدماغ للمعلومات المتعلقة بالألوان. وتدعم التجارب التي تظهر استجابات الجسم للألوان المعتقد الشائع الذي يقول إن الألوان تحفز حالات شعورية معينة خاصة بالألوان على اختلافها.» عند عرض ألوان مختلفة على شاشة، أظهر جهاز كشف الكذب استجابة أقوى تجاه اللون الأحمر عنها تجاه اللون الأخضر، وأظهر استجابة أكبر تجاه اللون البنفسجي مقارنةً باللون الأخضر. ومن الواضح أن المعلومات المسجلة اختارها الدماغ من خلال العين، ثم عبر عنها كهربائيًّا من خلال الجلد. ومن الواضح أن الهالات الضوئية لها دور في هذا الصدد.
(٣-٦) الموجات الدماغية
وضع روبرت أورنشتاين وروجر سبيري نظرية تقول إن نصفَي الدماغ لديهما وظيفتان مختلفتان. لقد كان كلٌّ من الرجلين مهتمًّا بأساليب الارتجاع الحيوي واستجابات الموجات الدماغية. وباختصار، فإن النصف الأيسر من الدماغ بارع في المنطق، بينما النصف الأيمن يميل إلى الحدسية إلى حدٍّ كبير. والمحامون من المحتمل أن يكون نصف الدماغ الأيسر أنشط لديهم، في حين أن الفنانين كان النصف الأيمن لديهم هو الأنشط.
وبالانتقال من البوليجراف، الذي يقيس استجابة الجلد، إلى جهاز تخطيط الدماغ (جهاز رسم المخ)، الذي يقيس الموجات الدماغية، تظل الهالة تشع، تقريبًا كل أجزاء الجسم البشري تولد تيارًا كهربيًّا. وينطبق هذا على الدماغ بصفة خاصة. وإذا ضُخِّمَت هذه الكهرباء على نحو صحيح، فإن قدرًا كافيًا من هذه الطاقة يمكن تطويره لإطفاء المصابيح وإشعالها (ولتشغيل القطارات الكهربية التي يلعب بها الأطفال). إن ما يطلق عليه الارتجاع الحيوي يجذب استحسانًا شعبيًّا كبيرًا. وتوجد جمعية أبحاث الارتجاع الحيوي، ومئات الباحثين والتقارير البحثية التي تخصصت في هذه الظاهرة. وتمتلك أيضًا شركة إدموند ساينتيفيك العلمية، التي ذكرنا سابقًا أنها مصنع جهاز تصوير كيرليان، أجهزة مراقبة ارتجاع حيوي متاحة، وكذلك مجسَّات موجات ألفا (١٩٧٦). وما كان في السابق تطورًا علميًّا أصبح للأسف ألعوبة علمية زائفة. ويستخدم مرقاب استجابة الجلد الجلفانية أيضًا في فحص استجابات النباتات للضوء، وتجاه اللمس، والموسيقى، وصوت الإنسان، والدخان.
ومن خلال سيطرة الفرد على موجات ألفا (أو غيرها من الموجات)، يمكن تنظيم استجابات الجسد من الداخل للخارج، إن جاز التعبير. إن السيطرة على موجات ألفا بصفتها وسيلة للتأمل تمثل بارقة أمل للطب النفسي الجسماني في علاج أمراض مثل: ضغط الدم المرتفع، والصداع الشقي، والأرق، والربو، وتأهيل مدمني المخدرات، كما يمكنها أيضًا التعامل مع المخاوف والتوترات والإحباطات النفسية.
وفيما يتعلق بالألوان، حاولت باربرا براون تحديد «هل كانت المشاعر تجاه الألوان تعدل الموجات الدماغية، أم أن الموجات الدماغية تتأثر أولًا بالألوان ثم تتكون المشاعر لاحقًا؟» وسجَّلت نشاط الموجات الدماغية عند عرض ألوان مختلفة. واستنتجت براون أن: «التداخل بين ارتباطات الألوان والحالات الشعورية وارتباطات الألوان والموجات الدماغية … يشير إلى احتمالية أن نشاط الفرد المتعلق بالألوان من الممكن أن ينشأ عن العمليات العصبية الأساسية نفسها التي تنشأ منها الموجات الدماغية … وأميل إلى تفضيل فكرة أن الاستجابة العصبونية للخلية الدماغية تجاه اللون تحدث أولًا؛ لأنه في دراساتي ودراسات الآخرين نجد أن الاستجابة الكهربية للدماغ تجاه اللون الأحمر هي التنبه أو الاستثارة، في حين أن الاستجابة الكهربية للدماغ تجاه اللون الأزرق هي استجابة استرخاء. وهذا الأمر يحدث في الحيوانات، وكذلك في الإنسان.» ومنذ هذا الكتاب، فقدت أساليب الارتجاع الحيوي بعض سحرها، وتوقف الكثير من اجتماعات الممارسين، والمجموعات السريرية، والاجتماعات المحلية والإقليمية. ورغم ذلك، فقد أصبح الارتجاع البيولوجي مسألة مثيرة للغاية للطب التشخيصي والعلاجي، ولا شك أنه سيستمر خاضعًا للبحث في المستقبل.
يبدو أن الهالة، واستجابة الجلد، واستجابة الدماغ — وأيضًا ضربات القلب والتعرق وضغط الدم — مرتبطة بالألوان من خلال النبضات الكهربية. إن الصوفي القديم أو الشامان، والمعالج الروحي، والطبيب النفسي الحديث وعالم النفس السريري، كلهم كانوا — ولا بد أن يظلوا — مهتمين بقوس قزح الذي يحيط بكل الكائنات. وقد أصبحت الخرافة مدعومة بالحقيقة؛ فالعالم ملون بالكامل ظاهرًا وباطنًا.