علاج الجسد
اعتقد الإنسان في قدرة الألوان على الشفاء منذ بداية التاريخ المدون، وربما قبل ذلك. وسبب ذلك قد يكون بسيطًا إلى حدٍّ كبير؛ فضوء الشمس يمنح الحياة لكل الكائنات، ومن دونه يكون الموت. وحتى المخلوقات التي تستطيع العيش في ظلام كامل تحتاج إلى الأغذية التي تأتي من المناطق التي تضيئها الشمس. تحدثت الفصول الأولى من هذا الكتاب عن التقاليد القديمة، والرمزية، والميثولوجيا، والخرافات المتعلقة بالألوان. ويولي هذا الفصل اهتمامًا خاصًّا بفن العلاج قديمًا وحديثًا.
(١) الأزمان القديمة
شهد العلاج بالألوان تقلبات ما بين الازدهار والانحسار على مدار القرون؛ فقد أجلَّه الأطباء القدماء، وآمنوا بخواصِّه العلاجية، وشخَّصوا باستخدام الألوان، ووصفوها للعلاج. وفي عصر التنوير، ظل العلاج بالألوان، لكن استمراريته كانت في الأغلب راجعة إلى ولاء الصوفيين. ولاحقًا رفض علم الطب الحديث العلاج بالألوان، لكن هذا لم يدم طويلًا، كما سيروي هذا الفصل؛ إذ استعادت كفاءته سابق مجدها مؤخرًا؛ فعلى سبيل المثال، في علم الأحياء الضوئية المعترف به، يوجد وعد بعلاجات جديدة وطرق جديدة لعلاج كثير من أمراض الحياة.
إن عبادة الشمس والضوء كثيرًا ما ظلت تأسر الإنسان، وكانت طبيعة الأمراض التي تسبب رعشة البدن، وتسبب القرح والحمى، وتنشر الأوبئة، وتؤدي إلى الموت مجهولة لسبب بسيط؛ ألا وهو عدم معرفة الميكروبات والفيروسات، بسبب عدم وجود أجهزة يمكنها كشفها على نحو مكبر. جرَّب القدماء كل أنواع المعالجات من المواد الكيميائية إلى الأدوية العضوية وغير العضوية، وحتى التمائم، وفوق كل ذلك التوسلات والقرابين والتضرعات إلى الآلهة.
وفي بردية إبريس المصرية، التي تعود إلى عام ألف وخمسمائة قبل الميلاد، يوجد إشارات عديدة إلى معادن ملونة مثل الملكيت والطين الأحمر والأصفر، وتوجد أيضًا إشارة إلى لبخة اللحم النِّيء لعلاج كدمة العين، وإلى كتلة حمراء لعلاج الإمساك، وإلى سائل كتابة زنجفري مخلوط بدهن الماعز والعسل لتسكين الجروح. ومارس الزرادشتيون في بلاد فارس القديمة نوعًا من العلاج بالألوان اعتمد على انبعاثات الضوء.
(٢) وجهات نظر بدائية
وقبل الانتقال إلى استعراض منظم للممارسة الطبية الحديثة بداية بالعظيم أبقراط، سأذكر الأطباء المشعوذين، والمعالجين الروحانيين، والشامانات، ومجموعة المعالجين بالسحر الذين ما زالوا يمارسون المهنة حتى يومنا المعاصر، ويفوق عددهم في واقع الأمر عدد خريجي كليات الطب في الحضارة الغربية!
ترتبط الشامانية بالشعوب البدائية في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، وبقبائل الإسكيمو، واللابيون، والشعوب الأصلية للشرق الأقصى وجنوب المحيط الهادي. يقوم الشامانات بدور الكهنة والعرافين وطاردي الأشباح والأطباء؛ فيمارسون الفصد، والتدليك بالعجن، والتنويم المغناطيسي، ويستخدمون الأعشاب والأدوية المدجلة والتمائم، كما أنهم على معرفة جيدة بالأدوية المعالجة مثل الكينين، والمخدرات مثل صبار البيوت. إنهم يرتدون ملابس مبهرجة، ويرتدون ملابس تجعلهم يبدون كهيئة الدببة والنسور والقنادس والأسود والنمور، ويحملون مسابح وخشخيشات وعصيًّا سحرية، ويزعمون امتلاكهم لقدرات روحانية. وقد كتب علماء الأنثربولوجيا عن الشامانات. وتزخر أعمال مثل كتاب «الغصن الذهبي» للسير جيمس جورج فريزر بمعلومات عن معارف الألوان.
كان المرض هو لعنة الشياطين الشريرة، ويجب طرده من خلال المعالج الروحاني، ليس فقط بواسطة التعاويذ، وإنما بالأدوية المأخوذة من الطبيعة أيضًا. كان من الممكن أن يلوي جسده، أو يهز الخشخيشات، أو ينفث في وجه المريض. واستخدم شعب النافاهو الدهانات البيضاء والحمراء والصفراء والزرقاء والسوداء في ممارساتهم العلاجية. وبعض المعالجين الروحانيين كانوا فنانين مهرة صنعوا رسومات رملية ذات جمال فائق كي ينالوا رضا الآلهة. وكانت توجد مراسم معقدة مرتبطة بالألوان متعلقة بالميلاد، والوفاة، والزواج، وقتل الرجال والحيوانات، واستجلاب الشمس أو المطر.
(٣) التعاويذ والتمائم
اعتقد الناس أنه نظرًا لأن المرض يأتي من الطبيعة على نحو غامض، فإن الأشياء المأخوذة من الطبيعة، وفيها الألوان، من الضروري استخدامها لمكافحته. وما قد نعتبره اليوم مجرد قطعة مجوهرات كان — على الأرجح — تميمة للحماية، بالإضافة إلى كونه قطعة زينة؛ فعين الحسد يمكن صرفها ومنع أذاها من خلال بعض أحجار الفيروز، أو الخرز الأزرق، أو طلاء بالأحمر أو بالأسود على الجبهة، أو شريط أحمر، أو قطعة من المرجان. كتب إي إيه واليس بودج في كتابه: «التمائم والخرافات»: «في بازارات القاهرة وطنطا، من المعتاد بيع خرزات خزفية زرقاء ذات سطح أزرق لامع، يبلغ قطرها نصف بوصة بالكامل، إلى رجال القوافل الذين يصنعون منها أطواقًا ويربطونها على جباه الجمال قبل الانطلاق في رحلاتهم عبر الصحراء. وكان سكان هذه البلاد يعتقدون أن النظرات المؤذية من العين الحاسدة يمكن صرفها إلى هذا الخرز، وإبعادها عن الحيوانات … ومن المؤكد إلى حدٍّ ما أن القطع النحاسية المستديرة وغيرها من قطع الزينة التي كانت تزين لجام أحصنة العربات وأحصنة الجر، مثل الأبواق النحاسية الكبيرة التي تتدلى من أطواقها، كان الهدف الأصلي منها حماية الحيوان من عين الحسد، لكن هذه الحقيقة أصبحت منسية، وأصبحت التمائم مجرد قطع زينة.»
في الكتب الأخرى التي ألَّفتُها أوردتُ الخرافات القديمة التي تتمحور حول الجواهر؛ فقد كان الكهرمان يستخدم لعلاج آلام الأذن وأمراض العين. وكانت حبات الكهرمان تستخدم لعلاج الحمى والروماتيزم وآلام الأسنان والصداع. وكان الجمشت يستخدم لعلاج النقرس، وكان العقيق الأحمر يوقف النزف الدموي، وكان العقيق الأبيض يستخدم لتفتيت الحصوات، وكان الزمرد يستخدم لعلاج أمراض العيون، وكان حجر البجادي يستخدم لعلاج الطفح الجلدي. أما حجر اليشب فكان يستخدم لعلاج الاستسقاء، وكان مفيدًا في تسهيل الولادة. وكان حجر الكهرمان الأسود يستخدم لعلاج الصرع، وكان الياقوت المغموس في الماء يستخدم كدواء معالج للمعدة. وفي فترة متأخرة تعود إلى عام ١٩٤٨، قدَّم أحد مراسلي يونايتد برس إنترناشونال تقريرًا عن «صيدلية» في مستشفًى في حيدر آباد في الهند تضم وصفات تتضمن الذهب ومساحيق اللؤلؤ والزمرد والياقوت. وقال أحد أطباء هذا المستشفى: «إننا نستخدم أسرارًا طبية كثيرًا ما أثبتت نجاحها عبر العصور. إن نظرياتنا هي خلاصة المعرفة الطبية للمغول والفرس والإغريق والرومان والمصريين والهنود والعرب. نحن أنفسنا لا يمكننا دائمًا شرح سبب نجاح وصفاتنا الطبية، لكنها كثيرًا ما كانت ناجحة عبر القرون.»
كان من الممكن أيضًا استخدام وصفات من الفطر المأخوذ من القبر، والندى المأخوذ من الحشائش، واستخدام أعضاء الكائنات ذات الدم البارد والكائنات ذات الدم الحار، والنباتات التي تشبه اليد في الهيئة (لعلاج اليد)، أو تشبه السن (لعلاج السن). وفي الوقت الحاضر ما زالت توجد سوق كبيرة في الصين لبيع الجنسنج الصيني الذي يقال إنه يُطيل العمر، ويعمل كمنشط جنسي، بالإضافة إلى فوائد أخرى.
(٤) الخرافات اليوم
يوجد أناس في عصرنا الحالي يخافون من القطط السوداء، ومن ارتداء اللون الأصفر في المسارح، ومنهم العروس التي ترتدي شيئًا أزرق اللون، ومنهم من تعج لغاتهم بإشارات إلى حراس سود، وأيام حمراء، وظلام أزرق، وحسد أخضر، وغضب أرجواني، وطعم بني في الفم، ووثنيين صفر. ومنذ فترة ليست ببعيدة، كان الأطباء يرتدون معاطف قرمزية، وكان يُستخدم قماش الفانلة الحمراء في علاج الحُمَّى القرمزية والتهاب الحَلْق. واقتباسًا لكلام بودج: «وُجد عدد كبير من الخواتم المصنوعة من حجر اليشم الأحمر، ومن الخزف الأحمر والزجاج الأحمر في مقابر في مصر؛ كلها غير منقوشة، وكلها بها فجوة، ولا يُعرف كيف ولماذا استُخدمت هذه الخواتم، لكن وجهة النظر الحديثة تقول إن الجنود والرجال الذين كانت أعمالهم أو واجباتهم تدفعهم إلى الاشتباك مع أعدائهم كانوا يرتدون تلك الخواتم لتمنعهم من الإصابة، أو لكي توقف النزيف في حالة تعرضهم للجراح. ومن الممكن أن تكون قد ارتدتها النساء لمنع النزف.»
(٥) أصول الطب الحديث
في العادة، يبجِّل الطب الحديث أبقراط (٤٦٠ إلى حوالي ٣٧٠ قبل الميلاد) بصفته مؤسس الطب الحديث. كان أبقراط قليل الاهتمام بالأمور الغامضة مقارنةً باهتمامه بالعادات والحِمْيات التي يتبعها البشر، وضربات قلب الإنسان، وشحوب الجلد. وبذلك يكون قد أسس توجهًا تشخيصيًّا وعلميًّا تجاه أمراض البشر. وما زال حتى يومنا الحاضر يقسم خريجو كليات الطب قسمًا منسوبًا لأبقراط.
في القرن الأول الميلادي، كتب أورليوس كورنيليوس سيلسوس ثمانية كتب عن الطب. كان توجهه نحو الألوان عمليًّا وعقلانيًّا أكثر منه باطنيًّا. كانت الأدوية توصف مع وضع الألوان في الاعتبار. وكانت توصف مجموعة كبيرة من الزهور — مثل: البنفسج، والسوسن، والنرجس، والورد، والليلك — والمعاجين باللون الأسود والأخضر والأحمر والأبيض. وكتب عن المعجون الأحمر فقال: «يوجد أحد أنواع المعاجين لونه أحمر تقريبًا يبدو أنه يجعل الجرح يلتئم سريعًا جدًّا.» وقال عن الأصفر: «عند وضع مرهم الزعفران مع زيت السوسن على الرأس، فإنه يعمل على استدعاء النوم وتهدئة العقل.»
كان جالينوس (١٣٠ إلى حوالي ٢٠٠ بعد الميلاد) الطبيب الملكي لماركوس أورليوس وغيره من الرومان المشهورين، وقد كتب ما يقرب من ٥٠٠ أطروحة، وألقى المحاضرات، وألقى الدروس، وقام بالتجارب والتشريح، وظل يمثل مرجعية في الطب لا يشق لها غبار فعليًّا على مدار عدة قرون. وكان جالينوس منجذبًا إلى الألوان فقال: «لقد مُسِحْتُ بمرهم أبيض من شجرة الحياة.» وكانت تغيرات الألوان بارزة في تشخيص الأمراض. وإليكم أحد تساؤلاته: «إذن كيف يمكن أن يتحول الدم إلى العظم دون أن يصبح أولًا، وقدر الإمكان، متخثرًا ومبيضًّا؟ وكيف يمكن للخبز أن يتحول إلى دم دون أن يفارق تدريجيًّا بياضه، ويكتسب الحمرة تدريجيًّا؟»
وفي العصور المظلمة، انتقل مقر التقدم في الطب من روما إلى العالم الإسلامي. وكان ابن سينا (٩٨٠ إلى حوالي ١٠٣٧ بعد الميلاد)، ذلك العربي الذي قضى معظم حياته في فارس، قد كتب كتاب «القانون في الطب»، الذي يعد تحفة عصره، ومنحه مكانة هائلة حتى القرون الوسطى. كانت الألوان تظهر في كل كتابات ابن سينا، وكانت توجد أهمية تشخيصية في لون الشعر واللحم والعيون والبول والبراز. ووضع جدولًا يوضح فيه علاقة الألوان بالحالة المزاجية للإنسان وبالحالة البدنية للجسم. ومثل سابقيه من الأطباء، كان مهتمًّا بالأخلاط، أو بسوائل الجسم، فكتب يقول: «حتى الخيال، والحالات العاطفية، وغيرها من العوامل تؤدي إلى تحرك الأخلاط؛ ولذلك إذا حدق المرء بتركيز في شيء لونه أحمر، فإنه سيؤدي إلى تحرك الخلط الدموي؛ ولهذا السبب يجب عدم السماح للشخص الذي يعاني من نزيف الأنف بالنظر إلى الأشياء ذات اللون الأحمر الفاقع.» وقال إن الأزرق يهدئ من حركة الأخلاط. وعلى غرار سيلسوس الذي سبقه، فقد كانت الزهور جزءًا أساسيًّا من علاجاته، وكانت الزهور الحمراء تشفي أمراض الدم، بينما الزهور الصفراء تشفي أمراض الجهاز الصفراوي.
(٦) عودة إلى الصوفية
اختفى منطق أبقراط وسيلسوس وجالينوس وابن سينا — المتمثل في دراسة الأدلة الموضوعية والعلمية البحتة للمرض — خلال العصور الوسطى. وتصدر المشهد أخوية من الصوفيين والخيميائيين الذين تحدثوا عن التناغم مع القوى الإلهية، وعن الرب، وعن الفلسفة، وعن قوانين الطبيعة.
وعلى صلة وثيقة بهذه القصة المختصرة التي تتحدث عن الألوان في تاريخ الطب، يأتي اسم باراسيلسوس (١٤٩٣–١٥٤١) الذي حرق على الملأ كتب جالينوس وابن سينا معلنًا أن المرض سببه عدم التناغم مع الطبيعة. كان يرى أن الإنسان يتكون من جسم مادي، وجسم أثيري، وجسم نجمي، وذات، وذات عليا، وزعم أن الشمس تحكم قلب الإنسان، وأن القمر يحكم عقله، وأن زحل يحكم الطحال، وأن عطارد يحكم الرئتين، وأن الزهرة تحكم الكليتين، وأن المشتري يحكم الكبد، وأن المريخ يحكم الصفراء، وقال إن جسم الإنسان يتكون من الملح والكبريت والزئبق، وإذا اختل توازن هذه العناصر فإن هذا الاختلال يتبعه المرض. وأصبح العبقري والمرجعية باراسيلسوس مشهورًا في كل أنحاء أوروبا (وما زال يحظى بتقدير الصوفيين حتى وقتنا الحاضر). كان يعالج باستحضار الأرواح، والموسيقى، والألوان، والتمائم، والأعشاب، وتنظيم الحمية الغذائية، والفصد، وتليين البطن.
أما الخيمياء، وحجر الفيلسوف، وإكسير الحياة، فهي قصة في حد ذاتها. إنها بمنزلة مقدمة للكيمياء الحديثة تفخر بأسماء مثل: روجر بيكون، وبن جونسون، وألبرتوس ماجنوس، وتوما الأكويني، ونيكولاس فلاميل، وريموند لولي، وجيكوب بومه، وباراسيلسوس السالف الذكر. ربما كانت الخيمياء معنية بتحويل المعادن، لكنها فوق كل ذلك كانت «علمًا» صوفيًّا وخفيًّا. ويمكن تشبيه حجر الفلاسفة بالمسيح، فهو مزيج من الوثنية والمسيحية. وما زالت مخطوطات ومجلدات موجودة حتى الآن عن الخيمياء، وقد جذبت كارل يونج لأنها مليئة بكشوف عميقة وروحانية متعلقة بما أسماه «اللاوعي الجمعي»، وألغاز الكون، والجنة والجحيم، وإعادة الخلق الممكنة للإنسان نفسه.
تزخر الخيمياء بالإشارات إلى الألوان، وكانت الألوان الرئيسية فيها هي الأسود والأبيض والأحمر، وكانت تضم سبعة معادن متعلقة بالكواكب السبع، بالإضافة إلى النسور، والسمندرات، والأسود، والغربان، والحمام، والبجع، والطواويس، والزهور، وكلها تستخدم في الجمال والرمزية. كانت لغة الخيميائي مخفية في الاستعارات، وكانت معانيها معروفة فقط لممارسيها، وكان أكبر الإنجازات التي تحلم بها هو إكسير حقيقي للحياة؛ وهو حجر أحمر وذهب صالح للشرب يمكن أن يمنح الحياة الأبدية والخلو من الأمراض. واليوم أصبحت أحلام الخيميائيين حقائق من خلال صناعة البلاستيك، والأحجار النفيسة، والتطبيقات المذهلة للطاقة الإلكترونية، وانشطار الذرة.
(٧) الطبيب بابيت الرائع
من رحم عصر النهضة، ومتفقًا مع المبادئ السليمة لأبقراط وسيلسوس وجالينوس وابن سينا، جاء علم الطب كما هو معروف اليوم متمثلًا في فيزاليوس، وهارفي، وليفينهوك، وباستور، وكوخ، وفلمينج، والمجهر، والمجهر الإلكتروني، والأشعة السينية، والراديوم، والليزر، وكمبيوتر تشخيص الأمراض. كوَّن إدوين بابيت فترة فاصلة إن لم تكن مقاطعة لتقدم الممارسة الطبية والجراحية المتنورة. ويمثل بابيت أحد الرجال المتميزين في تاريخ العلاج بالألوان. لقد كان عبقريًّا، وكذلك دجالًا هاجمته ونبذته واختلفت في أمره مهنة الطب القانونية، في حين عشقه الصوفيون.
جاء قبل بابيت الجنرال إيه جيه بليزنتون، الذي كان يعيش في فيلادلفيا، وألَّف كتابًا في عام ١٨٧٦ حمل عنوان «الأزرق وضوء الشمس»، ووصف في هذا الكتاب بيتًا زجاجيًّا له ألواح زجاجية زرقاء وشفافة. وزعم زراعة كرمات عنب وارفة، واستخدم الخنازير كحيوانات تجارب محاولًا زيادة وزنها. وكان يرى الجنرال أن السماء تحمل أسرارًا متعلقة بالرخاء الذي تحفل به الحياة؛ فهي «تنتزع الأكسجين من غاز حمض الكربونيك، وتمنح الكربون للنباتات، وتدعم كلًّا من الحياة النباتية والحيوانية بالأكسجين الذي تقدمه.»
وبعد ذلك بعام، كتب إس بانكوست كتابًا آخر بعنوان «الأزرق والضوء الأحمر» هاجم أطباء عصره، ومدح «الحكماء القدماء»، وتحدث مفاخرًا عن علاجات معجزة تتمثل في تمرير أشعة ضوء الشمس عبر زجاج أحمر أو أزرق، وقال: «أثناء فترة ازدهار حياة الإنسان، يكون التقدم من الأسود إلى الأحمر؛ فالأحمر يمثل قمة ريعان النضج، وعند تراجع حياة الإنسان يكون المسار من الأحمر إلى الأسود، وفي كلٍّ من الازدهار والتدهور يمر الإنسان باللون الأبيض؛ حيث يمثل فترة الصحة الوافرة والمرونة التي تميز أول النضج والمرحلة الوسطى في الشيخوخة.»
وفي العام التالي، جاءت رائعة إدوين دي بابيت كتاب «مبادئ الضوء واللون»، الذي خلق ثورة عالمية، وإن كانت محدودة في فن العلاج بالألوان (دعوني أوضح أنني لست من أنصار نظريات بابيت. لقد كتبت عنه وحررت كتابه في عام ١٩٦٧، واعتبرته واحدًا من أكثر الشخصيات المميزة في مجال الألوان الواسع والعام). ولد بابيت في هامدن، في نيويورك، في ١ فبراير ١٨٢٨، وكان ابنًا لراعي كنيسة بروتستانتية طائفية (توفي في عام ١٩٠٥، وهو والد إيرفينج بابيت الكاتب في مجال الإنسانيات والأستاذ في جامعة هارفرد). بدأ حياته كشاب راشد بالعمل مدرسًا، وكتب ونشر كتبًا عن فن الخط، واهتم بالدين و«الحقائق الروحانية». وفي منتصف العمر، أعلن بابيت أنه عالم مغناطيسي وطبيب روحي. لا شك أنه قضى سنين في تأليف كتاب «مبادئ الضوء واللون» الذي ضم ٢٠٠ ألف كلمة و٥٦٠ صفحة. وعند نشر هذا الكتاب في عام ١٨٧٨، أصبح بابيت رجلًا مشهورًا على الفور، وسرعان ما أصبح رئيسًا لكلية نيويورك للمغناطيسيات. ومن أقواله: «إن العلاج بالألوان يعتمد على حقيقة أبدية، وكلما بكَّرنا في تقبل هذه الحقيقة الرائعة، كان هذا أفضل لكل الأطراف.» كان هذا يوم المعالجين الروحانيين، وأدوية الوصفات العلاجية المسجلة، والأحزمة المغناطيسية، ومستحضرات زيت الحية الشافي، وعدد لا يحصى من الأدوية السحرية. ودخل بابيت مجال العلاج بالألوان، وباع الكتب، و«الأقراص الملونة»، و«القوارير الملونة»، وغرفة «الضوء الحراري» الخاصة للعلاج بالألوان، وزجاج ملون، ومرشحات ملونة، و«نافذة ملونة» جميلة مصممة بأبعاد ٥٧ في ٢١ بوصة مصنوعة من الزجاج الملون توضع داخل منزل يواجه الجنوب، وخلفها يمكن للأشخاص الانغماس في معالجات بالألوان مفيدة للصحة.
كون بابيت سلسلة علاقات رائعة بين الألوان والعناصر، وبين العناصر والألوان، ووصف هذه الأمور بأنها ألوان حرارية وألوان كهربية. ودعونا نقتبس مما قاله: «توجد سلسلة تدرجات ثلاثية في القدرات الغريبة للألوان، ويقع مركز وذروة التأثير الكهربي الذي يهدئ الأعصاب في اللون البنفسجي، وذروة التأثير الكهربي الذي يهدئ الجهاز الوعائي تقع في اللون الأزرق، وذروة السطوع تقع في اللون الأصفر، وذروة السخونة أو الحرارة تقع في اللون الأحمر. وهذا ليس تقسيمًا خياليًّا للصفات، بل تقسيم حقيقي؛ فاللون الأحمر الذي يشبه اللهب ينطوي على مبدأ الدفء في حد ذاته، والأزرق والبنفسجي ينطويان على مبدأ البرودة والكهربية. وبذلك توجد لدينا أساليب كثيرة للتأثير اللوني، ومنها تدرجات الألوان، وتدرجات الضوء والظل، وتدرجات النعومة والخشونة، وتدرجات القوة الكهربية، وتدرجات القوة الضوئية، والقوة الحرارية … إلخ.»
وكتب عن العلاج بالألوان يقول: «الضوء الأحمر، مثل الأدوية الحمراء، هو عنصر التدفئة في ضوء الشمس، لا سيما مع تأثيره المثير للدم وللأعصاب إلى حدٍّ ما، خاصةً عند تسرُّبه من درجات الزجاج الأحمر الذي لن يسمح فقط بدخول الأشعة الحمراء، بل سيسمح بدخول الأشعة الصفراء أيضًا؛ وبذلك يثبت فائدة في حالات الشلل وغيره من أمراض السبات والأمراض المزمنة.» وقال إن الأصفر والبرتقالي يثيران الأعصاب؛ «فالأصفر هو المبدأ الأساسي لتحفيز الأعصاب، بالإضافة إلى كونه المبدأ المثير للدماغ الذي يعد الرأس الأساسي للأعصاب.» وكان يستخدم كمُليِّن ومحفِّز للقيء ومطهِّرٍ مَعَويٍّ. وكان يستخدمه بابيت في علاج الإمساك والأمراض الشعبية والبواسير. وعند خلط الأصفر بقدر كبير من الأحمر فإنه يصبح مُدرًّا للبول، وعند خلطه بقدر قليل من الأحمر يصبح مثيرًا للدماغ، وعند خلطهما مناصفة فإنه يصبح مُنشطًا ويساعد الجسم البشري في العموم. يتمتع الأزرق والبنفسجي «بقدرات تتمثل في البرودة والكهربية والتقلص». وكلا اللونين يهدِّئان كافة الأجهزة التي تكثر فيها الأمراض الالتهابية والعصبية، مثل عرق النسا، ونزيف الرئتين، والتهاب السحايا الدماغية النخاعية، وصداع الألم العصبي، والعصبية، وضربة الشمس، والتهيجية العصبية. وكان الأزرق والأبيض فعَّالين إلى حدٍّ كبير في علاج عرق النسا، والروماتيزم، والانهيار العصبي، والصلع، وارتجاج المخ. وبتنبُّؤ نادر، وصف الذرة وقال في كتابه هذا التصريح المميز: «إذا وضعت مثل هذه الذرة في وسط مدينة نيويورك، فسوف تولِّد إعصارًا يجعل كل مبانيها العملاقة، وسفنها، وجسورها، والمدن المجاورة لها، التي يبلغ عددُ سكانها مليوني نسمة تقريبًا، تتحول إلى شظايا تذروها الرياح وتحملها إلى السماء.»
وحتى يومنا هذا، أي بعد مائة سنة من عصر بابيت، ما زال العلاج بالألوان الذي أسسه موجودًا وقيد الممارسة، وما زالت الكتب التي قامت على مبادئه تُنشَر. وتوجد دورات ومحاضرات واجتماعات ومدارس ألوان، كلها تعود إلى بابيت. وعلى الرغم من أن معداته وأجهزته ووصفاته لا يمكن تصنيعها أو تطبيقها على نحو قانوني في الولايات المتحدة، فإن العلاج بالألوان ما زال «علمًا» حيًّا في إنجلترا. وإذا كان القارئ مهتمًّا بهذه الشعوذة، فعليه مطالعة بعض هذه الكتب (معظمها ذات غلاف ورقي) الموجودة في قائمة المَراجع؛ وهي كالتالي: دبليو جيه كولفيل، وكورين هيلين، وجيه دادسون هيسي، ورولاند هانت، وسي إي إيرديل («الألوان والسرطان»)، وإس جي جيه أوزلي، وسي جي ساندر. «قوة الأشعة» للكاتب سي جي جيه أوزلي نُشِر لأول مرة عام ١٩٥١، وأعيدت طباعته تسع مرات حتى عام ١٩٧٥. وفي هذا الكتاب مديح لبابيت. ولا يتردد أوزلي في وصف معالجات ألوان للأمراض بداية من الربو وحتى الصرع، والداء السكري، والروماتيزم، والالتهاب الرئوي، والاضطرابات العقلية.
(٨) الممارسة الحدية
ربما لن يوجد مطلقًا تمييز قاطع بين ما هو نفسي في الطب وما هو جسماني وعضوي. وكما قلت في فصول أخرى من هذا الكتاب، ثمة عوامل نفسية في المرض إلى جانب العوامل الجسمانية الصرفة. إن وجود الطبيب النفسي الذي يهتم بعقول البشر وأرواحهم المعنوية ومشاعرهم ضروري تمامًا مثل وجود طبيب المعالجة المثلية والجراح اللذين يهتم كلٌّ منهما بالجسم البشري.
ولنذكر بعض الأمثلة الحدية على العلاج بالألوان باستخدام الألوان المرئية؛ فالضوء الأحمر كثيرًا ما استخدم لعلاج الحُمرة، والحمى القرمزية، والحصبة، والإكزيما. وقد يكون اللون الأحمر للميكروكروم فعالًا في علاج الجروح. والسبب في ذلك يرجع إلى حدٍّ ما إلى امتصاصه للضوء الأزرق. ويقال إن الضوء الأحمر يقلل الألم في شقوق ما بعد الجراحة، والالتهابات الحادة، وحروق الأشعة فوق البنفسجية. إن الأحمر (والأشعة تحت الحمراء) ينتج حرارة في الأنسجة ويوسع الأوعية الدموية، وقد يساعد في تخفيف آلام الروماتيزم، والتهاب المفاصل، والتهاب الأعصاب، والألم القطني. وللأزرق تطبيقات حديثة ومهمة، كما سنذكر لاحقًا؛ فقد وُصف استخدامه لعلاج الصداع، وارتفاع ضغط الدم، والأرق. وقد يرجع سبب ذلك إلى تأثيراته الباعثة على الهدوء النفسي. ويقال إن الأصفر؛ ذلك اللون المبهج للعين، يفتح الشهية. ووُجد أن أشعته ترفع ضغط الدم المنخفض المرتبط بفقر الدم، والوهن العصبي، والضعف العام، ربما على نحو نفسي جسماني. وكان الأخضر حياديًّا في معظم الحالات. وكما يقال في مواضع أخرى، فإنه حيادي في تأثيراته على النبات، وربما يكون هذا التأثير الحيادي نفسه منطبقًا على البشر.
(٩) الممارسة الطبية الحديثة
دعوني أنتقل من الأمور الصوفية التي تثير على الأرجح شكوك علم الطب المعترف به قانونيًّا حاليًّا في كل أنحاء أمريكا والعالم، وأتحدث عن الأطباء والممارسين حَمَلة مؤهلات كليات الطب وأصحاب رخص ممارسة المهنة المعتمدة من قبل الحكومة.
إلى حد كبير، بسبب بابيت ومجموعة كبيرة من المعالجين بالألوان المدَّعين والمحتالين، نظرت مهنة الطب الحديث بعين الازدراء إلى اللون باعتباره عاملًا علاجيًّا. ولطالما تبنى الطب الحديث توجهًا عدائيًّا صريحًا أكثر منه لا مُباليًا. وقد استهجنت الجمعية الطبية الأمريكية ومكتب البريد الأمريكي المعالجين بالألوان ومنعتهم من مزاولة المهنة. ورغم ذلك، ففي الوقت الحاضر، يشق الضوء واللون طريق العودة إلى مجال الطب. وفي العلم المعروف باسم علم الأحياء الضوئية، تُجرَى دراسة التأثيرات الغريبة للضوء، المرئي وغير المرئي؛ إذ إنها تميل إلى إحداث تغيير أو تأثير على المواد الكيميائية، والكائنات الحية، والميكروبات، والنباتات، والحيوانات، والبشر. وقد بذلت قصارى جهدي لأكون على اطِّلاع بأحدث تطورات الأبحاث. ويسعدني أن أقدم في هذا الكتاب بعض اكتشافاتي.
اعترف الطب الحديث بقيمة إشعاع الأشعة تحت الحمراء على سبيل المثال؛ فهي مفيدة في تخفيف بعض الأوجاع والآلام، كما يعترف أيضًا بفوائد الأشعة فوق البنفسجية، ولها استخدامات علاجية كما سنوضح لاحقًا. وفي نطاقات أخرى من الطيف الكهرومغناطيسي الكامل، توجد استخدامات علاجية للأشعة السينية، وأشعة الراديوم، والأشعة الطويلة، التي تستخدم في الإنفاذ الحراري. لكن ماذا عن الضوء «المرئي»؛ الأحمر، والأصفر، والأخضر، والأزرق؟ لقد اقتبست من بعض المصادر القليلة المقبولة، وفقًا لما قاله فريدريش إلينجر، فإن «معرفة أهمية الضوء المرئي كعامل معالج تتناسب عكسيًّا مع الأهمية العامة للضوء المرئي في الأحياء.» ويقول توماس آر سي سيسون: «إن الضوء المرئي، وكذلك الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء، لديه القدرة على إحداث تأثيرات بيولوجية كبيرة. وقد كانت الاستخدامات الطبية للطيف المرئي مهملة إلى حد كبير من جهة الأطباء على مدار السنوات التسعين الماضية.» ويقول ريتشارد جيه وورتمان: «من الواضح أن الضوء المرئي قادر على اختراق أنسجة كل الثدييات إلى عمق كبير. وقد لوحظ وجوده داخل دماغ أحد الخراف الحية.»
(٩-١) العلاج بأشعة الشمس
إن معرفة أن الضوء واللون من العوامل العلاجية لها بداية مبكرة؛ فوفقًا لما يقوله فريدريش إلينجر: «معرفة التأثير العلاجي للضوء يعد من أقدم الممتلكات الفكرية للبشر. وبطبيعة الحال، اعتمدت أقدم التجارب على مصدر الضوء الطبيعي المتمثل في الشمس. وحمام الشمس ممارسة تعود لزمن قديم؛ إذ كان الآشوريون والبابليون وقدماء المصريين يمارسونه، وكان يوجد طائفة عالية التطور تستحم بالشمس والهواء في اليونان وروما قديمًا. وكان الجرمان القدماء يقدرون القدرات الشفائية لضوء الشمس تقديرًا كبيرًا، واتخذوا من الشمس المشرقة إلهًا وعبدوها، كما مارس شعب الإنكا في أمريكا الجنوبية عبادة الشمس أيضًا.»
ومع التقدم العلمي للطب، واستخدام إجراءات وأجهزة تشخيصية جديدة، ومواد كيميائية، وأدوية ومضادات حيوية جديدة، أصبح الفن القديم المتمثل في العلاج بالشمس مهملًا. وفي القرن التاسع عشر، ظهر على الساحة رائد عصري؛ حيث قدَّم العلاج الضوئي في بداية جديدة. وجد الدنماركي نيلس آر فينسن فوائد سحرية في الضوء. وقد سعى في سنواته الأولى إلى علاج الجدري باستخدام الضوء الأحمر المرئي لمنع النسيج الندبي. وفي حوالي عام ١٨٩٦، لاحظ الخواص الإشعاعية لضوء الشمس وأسس معهد الضوء لعلاج السل، وحصل نظير ذلك على جائزة نوبل في عام ١٩٠٣. أصبح ضوء الشمس العلاج الرئيسي للسل، وأصبحت المصحات حول العالم تُصمَّم بطراز معماري متمثل في باحات وردهات وأسطح تدخلها الشمس.
إن الأشعة فوق البنفسجية ضرورية لرفاهة البشر؛ فهي تساعد في منع الكساح، وتعزز تكوين فيتامين د، وتدمِّر الجراثيم، وتُحدِث عددًا من التغيرات داخل الجسم. وعلى الرغم من ذلك، فإن زيادتها يمكن أن تؤدي إلى سرطان الجلد. ووفقًا لما قاله عالم الكيمياء الحيوية دبليو إف لوميس، فقد كان الكساح: «أول مرض ناتج عن التلوث الجوي.» خلال الثورة الصناعية عتَّم الدخان الأسود السماء، وأصبح الكساح بلاءً وبائيًّا يتفشى على نطاق كبير في مدن إنجلترا وأوروبا. قديمًا، كانت الإصابة بهذا المرض تُعزى إلى سوء التغذية، لكن ثبت أن السبب يعود إلى نقص التعرض للأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس. وكان الأطفال المولودون في الخريف أكثر عرضة للإصابة بالكساح مقارنةً بأولئك المولودين في الربيع.
يلزم بلا شك وجود مقدار من الضوء فوق البنفسجي في البيئات الصناعية، وتصنع حاليًّا مصادر ضوء تشع هذا الضوء. وقد استخدم الروس على مدار سنوات الأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى ضوء الفلورسنت التقليدي في المدارس والمستشفيات والمكاتب. في المدارس، حقق الأطفال نموًّا أسرع من المعتاد، وتحسنت القدرة على العمل والدرجات التي أحرزوها، وقلت الإصابة بالنزلة (التهاب القناة التنفسية). كما يُطلب من عمال المناجم الروس الحصول على علاجات الأشعة فوق البنفسجية. فماذا يحدث؟ وفقًا لتقرير للمفوضية الدولية للإضاءة، فإن «تأثير الأشعة فوق البنفسجية يعزز العمليات الإنزيمية للتمثيل الغذائي، ويزيد نشاط جهاز الغدد الصماء، ويعزز الاستجابة المناعية البيولوجية للجسم، ويحسن توتر الجهاز العصبي والعضلي المركزي.» هذا كثير. وبالإضافة لذلك، يمكن ملاحظة أنه على الرغم من أن الأشعة فوق البنفسجية مفيدة لصحة الكائنات الحية، فإنها يمكن أن تدمر الأعمال الفنية، والأصباغ، والملونات، والمنسوجات؛ ولذلك فإن استخدامها قد يكون مناسبًا في المدارس وليس في المتاحف أو المعارض الفنية. الضوء المتوهج، الذي لا يشع تقريبًا أي أشعة فوق بنفسجية هو الأفضل استخدامًا في تلك الأماكن. وتوجد مزيد من الملاحظات عن الأشعة فوق البنفسجية والضوء المتوازن في الفصل الثاني.
(٩-٢) الحساسية الضوئية
إذا كانت الأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تسفع الجلد وتسبب التهاب الجلد، فإن الضوء المرئي يمكن أن تكون له تأثيرات أيضًا. على سبيل المثال، إنها لحقيقة غريبة أن التعرض للضوء «المرئي» يمكن أن يساعد في علاج الضرر الناتج عن ضوء «الأشعة فوق البنفسجية» غير المرئي.
في مرض نادر يعرف باسم «الشري الشمسي»، قد يصاب بعض سيئي الحظ بطفح جلدي عند التعرض لضوء أزرق أو بنفسجي «مرئي». والسبب؟ يفسر هارولد إف بلوم فيقول: «لا ضير في قول إن هذه الاستجابة تحدث في الجلد الطبيعي، بخلاف هذه الحالة؛ بسبب وجود مادة نشطة ضوئيًّا تمتص المناطق الزرقاء والبنفسجية من الطيف.»
إن الطفح الجلدي، الذي يحدث عند التعرض لضوء الشمس، قد يعقب استخدام مستحضرات التجميل والعطور ومستحضرات ما بعد الحلاقة، وقد يعقب أيضًا تناول كعكة الفراولة أو كعكة الحنطة السوداء. ومعروف عن العمال التعرض للطفح الجلدي بعد التعرض لبعض الأبخرة الصناعية، وحمل الجزر البري أو التين، ومنتجات قطران الفحم. وقد تتعرض بعض الحيوانات إلى «حروق» مميتة بسبب ضوء الشمس بعد تناول نباتات معينة مثل عشبة القديس جون. وكتب آرثر سي جيزا يقول: «في بعض أجزاء من إيطاليا … يمكن تربية الغنم الأسود فقط، وفي بعض أجزاء من شبه الجزيرة العربية يمكن تربية الخيول السوداء فقط. كما يغطون الأجزاء البيضاء في الخيول السوداء بأصباغ سوداء.»
وعلى الرغم من أن معظم الآثار المذكورة آنفًا غير مرغوبة ومؤذية، فحاليًّا في مجال المعالجة الضوئية، يجد الخلق المتعمد للحساسية الضوئية تطبيقات علاجية؛ فبعض الأشخاص المصابين بحساسية تجاه الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة الزرقاء البنفسجية المرئية في ضوء الشمس يمكن إعطاؤهم دواءً يمنع بفعالية هذا الإشعاع غير المرغوب، ويمكِّن هؤلاء الأشخاص من الاستمتاع بالحياة في الهواء الطلق في أحد الأيام المشمسة. ويمكن علاج الصدفية بأصباغ توضع موضعيًّا. وفي العدوى المعروفة باسم فيروس «الحلأ البسيط» (قروح الزكام) أصبحت ممارسة شائعة أن تدهن المنطقة المصابة بأحد الأصباغ ثم تُعرض للضوء المرئي. وقد خضع العديد من الأصباغ الملونة للتجربة (قد تكون الأصباغ نفسها خاملة)، ووجد أن أحد الأصباغ؛ كروم أصفر اللون، فعَّال إلى حد كبير. واقتباسًا من مقالة جوزيف إل ميلنيك: «إن المعالجة المستخدمة حاليًّا تتكون من تمزيق الجروح الحويصلية القديمة بإبرة معقمة، ووضع محلول صبغ البروفلافين على قاعدة الحويصلات الممزقة، وتعريضها لمدة ٣٠ دقيقة لمصدر ضوء ذي طول موجي مناسب (٤٥٠ نانومترًا بالنسبة للبروفلافين) وبشدة كافية. ويوصى بإعادة التعرض للضوء أربع مرات خلال اليومين التاليين، وإذا تطورت الجروح يعاد الإجراء.» ولون مصدر الضوء ذي الطول الموجي المقدَّر بنحو ٤٥٠ نانومترًا بنفسجي مزرق، ولون صبغ البروفلافين أصفر.
في مقالة حديثة لدورية الكيمياء الضوئية والأحياء الضوئية «فوتوكيمستري آند فوتوبيولوجي» (أبريل ١٩٧٧)، خُصِّصَت سلسلة من المقالات للتحدث عن استخدام الأصباغ في علاج فيروس «الحلأ البسيط». يشيع هذا المرض إلى حد كبير، لا سيما في حالات العدوى التناسلية التي تتبع الأمراض التناسلية مثل السيلان. ويتناول مايكل جاريت هذا الموضوع ويساوره «الشك في فعالية معالجة تستخدم صبغ الأحمر المتعادل وصبغ البروفلافين»، ويفضل استخدام «سلفات» البروفلافين ذي اللون الأصفر، الذي يمتص على نحو كبير المنطقة الزرقاء البنفسجية في الطيف المرئي. أما بالنسبة لمصدر الضوء، فقد اختار الضوء المتوهج الذي يمر عبر مرشح ضيق النطاق (أزرق اللون) مفضلًا إياه على الضوء الفلورسنت، ويعلق قائلًا: «إن تعطيل «فيروس الحلأ البسيط» بالديناميكا الضوئية يتحسن في درجات الحرارة العالية؛ ولذلك فإن الحرارة المنبعثة من مصدر متوهج على نطاق قريب تجعل مصدر الضوء المتوهج من الناحية النظرية خيارًا أفضل في المحيط السريري، مقارنةً بالمصباح الفلورسنت الأبيض البارد.»
إن استخدام البورفيرنيات كثيرًا ما كانت له تأثيرات مفيدة في علاج الأنواع السطحية من السرطان والأورام، وقد قال إيفان دايموند وشركاؤه في خطاب أمام الجمعية الأمريكية للبيولوجيا الضوئية (يونيو ١٩٧٣): «الأورام الخبيثة تمتص الهيماتوبورفيرين وتحتفظ به على نحو أكبر من الأنسجة العادية.» وفي حالة الورم، على سبيل المثال، تتراكم المادة المحسسة (البورفيرين) عند الجزء المصاب، ونجد أن المنطقة المسرطنة «تتضرر بشدة عند تعرضها للضوء المرئي أو لضوء الأشعة فوق البنفسجية القريبة.» ومستقبلًا: «تقدم المعالجة الديناميكية الضوئية طريقة جديدة لعلاج أورام الدماغ وغيرها من الأورام المقاومة لكل أشكال المعالجة الموجودة حاليًّا.» وفي استخدام آخر لمواد التحسيس الصبغي، تصبح الهيماتوبورفيرين مستشعة للون الأحمر عند تعرضها للضوء الأزرق. ويقول توماس بي فوجال في مقالة في مجلة «أوبتيكس نيوز»: وفي حالة وجود نمو خبيث، فإن «المنطقة المصابة، ولتكن مثلًا تجويف الفم، تعرَّض للضوء الأزرق.» وسوف تصبح المنطقة مستشعة، وربما «تمكن الجراح من معرفة حجم النسيج اللازم استئصاله.» ويجب الاعتراف بأن العلاقة بين الأصباغ والضوء والأمراض الجلدية ما زالت قيد الدراسة، وما زالت محل شك. وما زلنا نتعلم المزيد مع مرور الوقت.
(٩-٣) الضوء الأزرق المرئي
من الفوائد الحديثة للألوان في مجال الطب استخدام الضوء الأزرق المرئي في علاج مرض الصفراء في الأطفال حديثي الولادة. مع الأسف، تشيع الإصابة بفرط بيليروبين الدم؛ مرض الصفراء، بين الأطفال حديثي الولادة، وقد تُسجَّل نسبة عالية بين الأطفال «المبتسرين» تصل إلى نحو ١٧ بالمائة. تتحلل خلايا الدم الحمراء وينتج عن ذلك الإصابة بالبيليروبين، وتتراكم مادة صفراء تمنح الطفل لونًا برتقاليًّا مصفرًّا، ويمكن أن يؤدي هذا إلى الإصابة بالصمم، والتلف الدماغي، واختلال الاستجابات الذهنية والعضلية، وقد تؤدي أيضًا إلى الشلل الدماغي، بل والموت أيضًا.
قديمًا كانت تستخدم بعض الطرق العلاجية مثل نقل الدم، لكنها لم تحقق إلا قدرًا قليلًا من النجاح. وفي حوالي عام ١٩٥٨، لاحظ الطبيب الإنجليزي ريتشارد جيه كريمر مع زملائه وفريق التمريض أن المواليد الموجودين في مهود قريبة من النافذة كان معدل الصفراء لديهم أقل من أولئك الموجودين بعيدًا عن الضوء الطبيعي، وبعد ذلك عرَّضوا الأطفال المصابين لضوء الشمس على نحو معتدل، مع إجراء التجارب باستخدام الضوء الصناعي. ومن خلال الاختبارات المعملية والسريرية، كان الضوء الأكثر فعالية من بين كل الأضواء هو الأزرق. ومن هذه النتيجة، نشأت معالجة جديدة، وثبت أن استخدام مصابيح زرقاء معينة ذات إشعاع طيفي محدود (وخالية تمامًا من الأشعة فوق البنفسجية) هو الخيار الأفضل. واليوم، تستخدم هذه الطريقة على نطاق واسع في أمريكا وأوروبا وفي كل مكان.
وما زالت تُجرَى مزيد من الدراسات. فما شدة الضوء الأزرق الواجب استخدامها؟ كم تبلغ مدة استخدامه؟ وكم عدد الفترات اللازمة؟ هل يمكن أن يكون استخدام الضوء على نحو متقطع؟ هل اللون الأزرق أفضل من بقية الألوان الأخرى؟ تناول الدكتور توماس آر سي سيسون هذا السؤال الأخير فقال: «إن وجود أطوال موجية أخرى من الطيف المرئي … لا تزيد من فعالية العلاج الضوئي.» ويوضح الدكتور سيسون أمرين آخرين: الأمر الأول يتمثل في ضرورة حماية عيون الأطفال من الإشعاع الزائد، والأمر الثاني هو أنه عند استخدام مصابيح زرقاء خاصة في حضانات المستشفيات للأطفال المبتسرين، لوحظ أن الممرضات «اشتكين من الضيق أو حتى النعاس». ولتخفيف ذلك، وضعوا بعض المصابيح الذهبية.
ربما تكون هذه بدايات جديدة؛ فالخواص السحرية للضوء واللون التي أكدها الناس منذ الأزمان الغابرة، وقُبلت، ورُفضت ثم قُبلت مرة أخرى عبر العصور، لطالما كانت مصدر إبهار. إن حقيقة أن الضوء واللون يحظيان باستحسان عاطفي قوي لطالما كان في صالحهما، بيد أن هذا الأمر أثار الشك في الوقت نفسه. إن كلًّا من الجانب العاطفي والجانب المادي للون أصبح مُعترَفًا حاليًّا بامتلاكهما للقدرة العلاجية. وسيكون من المبهج، بطبيعة الحال، إذا كان لشيء بهذا الجمال النفسي — اللون — دور عادي أيضًا في السلامة الفسيولوجية للبشر.