مدينة السراب
عبرت أوروبا إلى آسِيةْ،
وما انطوى النهارْ.
كأنما الجبال والبحار
ربى وأطرافٌ من الساقيةْ
يطفرها الصغار.
بين شروق الشمس والغروبْ
تعانق الشمال والجنوب،
ونامت المروج في القفار.
وأنتِ يا ضجيعتي، كأنك الكواكبُ البعيدةْ،
كأنَّ بيننا من الكرى جدار.
تضمك اليدان تعصران جثة بليدةْ،
كأنني معانق دمي على حجار
في منزل لصوصه الرياح والهجير والغيوم،
مساؤه السكون والنجوم
وصبحه انتظار.
ترامت السنون بيننا: دمًا ونار،
أمدَّها جسور
فتستحيل سور،
وأنت في القرار من بحارك العميقةْ.
أغوص لا أمسُّها، تصكني الصخور،
تقطَّع العروق في يديَّ، أستغيث: «آه يا وفيقةْ!
يا أقربَ الورى إليَّ أنت يا وفيقةْ
للدود والظلام».
عشر سنين سرتها إليك، يا ضجيعةً تنام
معي وراء سورها، تنام في سرير ذاتها،
وما انتهى السفار
إليك يا مدينة السراب، يا ردى حياتها.
عبرت أوروبا إلى آسيةْ
وما انطوى النهار،
وأنت يا ضجيعتي، مدينة نائيةْ،
مسدودة أبوابها وخلفها وقفت في انتظار.
البصرة، ٢ / ١١ / ١٩٦١