الشاعر الرجيم
(إلى شارل بودلير.)
حملت للنِّزال سيفك الصديءْ،
يهتز في يدٍ تكاد تحرق السماءْ
من دمها المتقد المضيء،
تريدُ أن تمزِّق الهواء.
وتجمعُ النساء
في امرأة شفاهُها دمٌ على جليدْ،
وجسمها المخاتل البليد
أفعى إذا مشت، وسادة على الفراش …
لا تُريدْ
أن تُفتح الكوى ليدخل الضياء.
كي لا تحسَّ أنها خواء.
ويرفع الشَّرْقُ أمام عينك الستورْ،
توشك أن تعانقَ الجمال عند سُدَّة الإله،
تكاد أن تراه
يهفُّ وسْطَ غيْمةٍ من عَبَقٍ ونور.
تراه في حُلمة نَهْدٍ توقد النجومْ
بحمرةٍ لها …
أريتَه يقوم
من قبره، تحمله سحابةُ الدُّخَانْ،
ينام تحت ظلِّها الفقير والشريد،
فهو أميرٌ حوله الكئوسُ والقيان،
وبيته العتيد
جزيرٌ من جُزُر المرْجان،
كأنَّ بحرًا غاسلًا لسبوسَ١ بالأجاج،
تشربه روحك من صدًى إلى القرارْ،
كأن سافو أورثتك من العروق نار،
وأنت لا تضمُّ غير حُلْمِك الأبيدْ،
كمن يضمُّ طيفَه المُطلَّ من زجاجْ،
حُرْقةُ نرسيس، وتنتلوس٢ والثمارْ!
كأنَّ أفريقيةَ الفاترة الكسولْ
(أنهارُها العراضُ والطبول
وغابُها الثقيل بالظلال والمطرْ،
وقيظُها النديُّ … والقَمَر)
تكورتْ في امرأةٍ خليعةِ العذار،
رضعتَ منها السُّمَّ واللهيبْ،
قطرتَ فيها سُمَّك الغريب …
كأنَّها سحابةُ الدخانِ والخَدَرْ
أقمتَ منها، بين عالم تشدُّه نوابضُ النضار
وبين عالم من الخيال والفِكَرْ،
من نشوة جدار
تقبع خلف ظلِّه فلا ينالُكَ البَشَر.
دخلتُ، من كتابك الأثيم،
حديقةَ الدم التي تؤج بالزَّهَرْ،
شربتُ من حروفه سلافةَ الجحيم
كأنَّها أثداء ذئبةٍ على القفار،
حليبُها سُعار،
وفيْئها نعيم
غرقتُ فيه، صكَّني العبابْ،
يقذفني من شاطئٍ لشاطئٍ قديم،
حملتُ من قراره محارةَ العذاب.
حملتُها إليكْ،
فمُدَّ لي يديْك،
وزحزحِ الصخورَ والتراب.
البصرة، ٢٤ / ٣ / ١٩٦٢
١
الجزيرة التي اتخذت الشاعرة الإغريقية سافو هيكلًا لها فيها.
٢
عشق نرسيس ظله، وتنتلوس جائع أبدًا يقترب من فمه غصن مثقل بالثمار، حتى
إذا كاد يأكل أبعدت الريح الغصن عن فمه.