جيكور شابت
ما نفضتُ الندى عن ذرى العُشْب فيها،
ما لثمتُ الضبابَ الذي يحتويها،
جئتُها والضُّحى يزرع الشمس في كلِّ حقل وسطحِ،
مثل أعواد قَمْحِ.
فرَّ قلبي إليها كطَيرٍ إلى عُشِّه في الغروبِ.
هل تُراهُ استعاد الذي مرَّ من عُمْره، كل جُرْح
وابتسام؟
أبعد انطفاءِ اللهيبِ
يستطيع الرماد اتِّقادًا؟ ومن أين؟ من أيِّ جَمْرةْ؟
يا صباي الذي كان للكون عطرًا وزهوًا وتيها …
كان يومي كعام، تعدُّ المسرَّةْ
فيه نبضًا لقلبي تفجَّر منها على كلِّ زهرةْ.
كانت الأرض تلقى صباها لأوَّل مرةْ …
كان قابيلُها بذرة مستسرَّةْ …
كان للأرض قلبٌ، أحسُّ به في الدروب،
في البساتينِ، في كل نهرٍ يُروِّي بنيها.
آه جيكور، جيكور …
ما للضُّحى كالأصيلِ
يسحب النور مثل الجناح الكليل؟
ما لأكواخكِ المقفرات الكئيبةْ
يحبس الظل فيها نحيبَه؟
أين أين الصبايا يوسوسْنَ بين النخيل
عن هوًى كالتماع النجوم الغريبةْ،
أو يجررن أذيالهن التي لوَّنتهنَّ أقمار صَيْف،
أو شموسٌ خريفيَّة، عند شطٍّ ظليلِ،
والشِّفاهُ ابتساماتُ حبٍّ وخوف؟
عجائزُ أو في القبور …
عجائزُ يغزلن حول الصلاء
ويروينَ، عبر الكرى والفتور،
أقاصيصَ عن جنَّةٍ في بيوتٍ خواء،
لأحفادهنَّ اليتامى.
وجيكور شابتْ وولى صباها،
وأمسى هواها
رمادًا، إذا ما
تأوهن هزَّته ريح …
أثارته حتى ارتمى في صداها
هباءً وذرًّا تضيق الصدور
به عن مداها.
أين جيكور؟
جيكور ديوان شعري،
موعد بين ألواح نعشي وقبري.
كركرات المياه التي كسَّر الشمسَ منها ارتجافُ،
والأنينُ الذي منه كنا نخافُ،
صاعدًا مثل مد تنز القبور
عنه والشمسُ تمتصُّ من كلِّ نهر،
ودرابك في الأرض تنقرهنَّ البذور
وهي تنشقُّ في كلِّ فجر
ذكرياتٌ … كما يترك الصوت من ميَّتٍ
في خيالٍ رنينه،
مثل ناي تشظَّى وأبقى أنينه.
إيه جيكور، عندي سؤالٌ، أما تسمعينَه؟
هل تُرى أنت في ذكرياتي دفينةْ،
أم تُرى أنتِ قبر لها؟ فابعثيها
وابعثيني.
وهيهات! ما للصِّبى من رجوعِ.
إن ماضيَّ قبري وإني قَبْرُ ماضيَّ:
موتٌ يمدُّ الحياةَ الحزينةْ؟
أم حياةٌ تمد الرَّدى بالدموع؟
•••
ما نفضتُ الندى عن ذرى العشب فيها.
جيكور، ٢ / ٤ / ١٩٦٢