نظرة عابرة في تاريخ الأسطول المصري من أقدم العصور حتى اليوم
عصر الفراعنة
وقد استطاع الفراعنة بفضل قوتهم البحرية أن ينشروا علم مصر ويبسطوا سلطان مصر على بلدان البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر في القارات الثلاث: الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
عصر البطالسة
وكان أسطول بطليموس الثاني يتكون من ثلاثمائة وست وثلاثين من السفن الحربية ومن ألفي سفينة نقل. أما رجاله فكانوا يتألفون من عنصرين: المجدفين والمحاربين. الأولون من طبقة المزارعين وعمال المعابد والمسجونين، والآخرون من طبقة ممتازة من المصريين ينضم عادة إليهم بعض المقدونيين والإغريق.
وكان الملك هو القائد الأعلى للقوة البحرية، وكانت سفن الأسطول تنقسم وحدات، على رأس كل وحدة قائد بحري يتلقى الأوامر من القائد الأعلى مباشرة.
العصر العربي
على أن البحرية المصرية لم يكن لها شأنٌ يُذكَر بعد هذه الموقعة حتى بداية خلافة أبي الفضل جعفر بن المعتصم، وأمير مصر يومئذٍ عنبسة بن إسحاق بن شمر؛ إذ نزل الروم دمياط في ٢٩ أغسطس سنة ٨٥٢ على رأس ثلاثمائة مركب، فسبوا ستمائة امرأة ونهبوا الدور وأحرقوا المخازن، ثمَّ خرجوا مستفزعين إلى البحر، فكان هذا الحادث مثار عناية المصريين بإنشاء أسطول يذودون به عن موانئهم ويصدُّون به إغارات الأعداء على شواطئهم.
ولما تولى أحمد بن طولون ملك مصر في سنة ٨٧٠ توفَّر على الأخذ بناصية الأسطول، فزاد في بناء السفن وتجهيزها بالآلات وإحاطتها بسياج وأسوار متينة، وكان مقر دار صناعة السفن بجزيرة الروضة التي كانت تُسمَّى وقتئذٍ «جزيرة الصناعة» أو «جزيرة مصر». ويبدو أن بناء السفن في مصر كان له شأن عظيم في ذلك العهد، فقد ألقت أوراق البردي شعاعًا من النور على تلك الصناعة الزاهرة ونوَّهت بمهارة المصريين من عمال وصناع وملاحين، كما سجلت تقدير الحكومة الإسلامية المركزية لذلك التفوق.
ولم يقتصر نشاط المصريين على إعداد الأسطول المصري، بل كان الوالي يرسل الملاحين المصريين للعمل في أسطول المغرب أو في أسطول المشرق، والمساهمة في المشروعات العامة للدولة الإسلامية.
ولما تُوفي ابن طولون في سنة ٨٨٤ خلَّف من المراكب الحربية ألفًا.
وما إن استوى على عرش مصر المعز لدين الله الفاطمي في سنة ٩٦٩ حتى استعاد الأسطول مجده وعزه بعد أن أصابه الضعف وذهبت شوكته في أواخر أيام الدولة الطولونية وطوال حكم الدولة الإخشيدية.
عصر المماليك
عنيَ بالبحرية من أمراء المماليك على وجه الخصوص اثنان، هما: الظاهر بيبرس البندقداري (١٢٦٠–١٢٧٧)، والناصر محمد بن قلاوون. وفي عهد هذا الأخير هاجم الأسطول المصري جزيرة أرواد في سنة ١٣٠٢، واستولى على ما فيها، وهدم أسوارها انتقامًا من الإغارات المتكررة التي شنَّها قرصان البحر على الثغور المصرية وسطوهم على السفن التجارية المصرية في عرض البحار.
عصر الأتراك
لما فتح السلطان سليم الأول ديار مصر في سنة ١٥١٧، ودخلت مصر في حوزة آل عثمان، احتفظت البلاد بقوتها البحرية، ووضع السلطان سليمان القانوني في منتصف القرن السادس عشر نظامًا خاصًّا لإدارة السواحل، وعيَّن رُبَّانا لكل ثغر من الثغور الثلاثة: دمياط والإسكندرية والسويس.
عصر محمد علي باشا وخلفائه
لما ولي محمد علي باشا ولاية مصر أخذ في بناء السفن في دارَي الصناعة ببولاق والسويس، ثمَّ أنشأ دارين أخريين لصناعة السفن، إحداهما بالخرطوم وثانيتهما بالإسكندرية، حتى بلغ ما أنشئ منها في عهده خمسًا وثلاثين سفينة تحمل ١٩٢٠ مدفعًا و١٦٨٠١ جندي، في حين بلغ عدد العمال المصريين المتخصصين بتلك الصناعة أربعة آلاف وستة وسبعين.
وقد استطاع محمد علي باشا بقوة دهائه ومضاء عزيمته أن يبلغ أسطوله — بعد كارثة نافارين — المرتبة الثالثة بين أساطيل الدول العظمى (بعد إنجلترا وفرنسا وقبل تركيا وروسيا).
أما إبراهيم باشا فقد أنشأ ٥٢٠ حراقة تحمل كل منها مدفعين لحماية المضايق وصون الملاحة.
وفي عهد عباس باشا الأول وسعيد باشا اشترك الأسطول المصري في حرب القرم ضد روسيا، فوقف إلى جانب الحلفاء في المعارك التي دارت رحاها في البحر الأسود إلى أن انتهت الحرب بهزيمة روسيا في سنة ١٨٥٦.
وفي عهد الخديو إسماعيل ضمَّ الأسطول المصري إحدى وعشرين قطعة، منها: «المحروسة» و«مصر» و«الغربية» و«محمد علي» و«شير جهاد» و«لطيف» و«الصاعقة» و«الخرطوم» و«دنقلة». وقد خاضت الوحدات المصرية وقتئذٍ حربين اثنتين، إحداهما في جزيرة كريت سنة ١٨٦٦ والثانية في روسيا سنة ١٨٧٧، كما ساهمت في نقل الجنود المصريين إلى السودان وإلى الجبل الأسود وإلى بلاد الصرب لإخماد الفتن فيها.
وما إن رزحت مصر تحت نير الاحتلال البريطاني في سنة ١٨٨٢ حتى اندثرت البحرية المصرية وأصبحت أثرًا بعد عين.
واليوم بعد سُبات دام حوالي ثلاثة أرباع القرن ينهض الأسطول المصري نهضة مباركة، فهذه بحريتنا قد ساهمت في الحرب الأخيرة (١٩٣٩–١٩٤٥) مساهمة فعلية، ففقدت ٢٢٪ من حمولة سفنها، وأُصيب نحو ٥٠٪ من مجموعها إصابات شديدة جعل القائد العام لأساطيل الدول المتحالفة في البحر الأبيض المتوسط يرسل كتابًا إلى الحكومة المصرية ينوِّه بما قدمت البحرية المصرية إلى الحلفاء من معونة كان لها أثرها في إحراز النصر.
نحن فاروق الأول ملك مصر
بعد الاطِّلاع على الأمر العالي الصادر في ١٠ ديسمبر سنة ١٨٧٨ بتوزيع مصالح الحكومة بين الوزارات، وعلى الأوامر العالية والمراسيم المعدلة له، وعلى المادتين ٤٤ و٤٦ من الدستور؛
ونظرًا إلى أن استكمال وسائل الدفاع عن البلاد يقتضي إعادة تنظيم البحرية المصرية لتقوم بمهمتها إلى جانب القوات البحرية الأخرى؛
وبعد الاطِّلاع على ما ارتأته الجمعية العمومية لمجلس الدولة؛
وبناءً على ما عرضه علينا وزير الدفاع الوطني وموافقة رأي مجلس الوزراء؛
- مادة ١: يُطلق على القوة البحرية المصرية اسم السلاح البحري الملكي.
- مادة ٢: يكون السلاح المذكور قائمًا بذاته ويلحق بوزارة الدفاع الوطني.
- مادة ٣: يتألف السلاح البحري الملكي من وحدات بحرية حربية، ويتولى قيادته قائد عام يكون له من السلطة والاختصاص ما للمديرين العامين للمصالح.
- مادة ٤: على وزير الدفاع الوطني تنفيذ هذا المرسوم، ويُعمَل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية
وفي خلال شهر مايو المقبل يُنتظر أن يوافق البرلمان على أول ميزانية للسلاح البحري الملكي المصري، فيبادر هذا السلاح إلى استيراد بعض القطع البحرية من الخارج تنضم إلى الطوَّافة وإلى العشرين قاربًا مصفَّحًا السابق شراؤها من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي سيتكون من مجموعها نواة الأسطول الجديد.
وقد رُوعيَ في تنظيم السلاح البحري أن يكون على أحدث الأنظمة البحرية العالمية، وأُلحِقَت به مدرسة الأسلحة البحرية للتدريب على أعمال المدفعية البحرية وإلقاء الطوربيدات وبث الألغام والتقاطها، كما أُلحِقَت به أيضًا مدرسة الإشارة البحرية ومدرسة الهندسة البحرية ومدرسة فن البحر لإعداد النوتية. هذا فضلًا عن الكلية البحرية الملكية التي تستعد لاستقبال الخمسين طالبًا الذين يتم إعدادهم الآن بالكلية الحربية بالقاهرة، حتى إذا ما انتهوا من التمرينات الحربية البرية سافروا إلى الإسكندرية للالتحاق بالكلية البحرية الحديثة.
وهكذا سيُبعَث الأسطول المصري من جديد ويرفرف علم السلاح البحري خفَّاقًا في مشارق البحار ومغاربها، وتستعيد البلاد مجدها البحري التليد في ظل سيد البحار الأعظم «فاروق الأول».