حسن الإسكندراني باشا
في غضون سنة ١٧٩٠ وُلِد للإمام حسن رئيس قبيلة الشرويشيين بجهة أبخاسيا من أعمال بلاد الشراكسة الشمالية ولد أسماه «زكريا»، كان ثالث أنجاله وآخرهم. شبَّ الطفل وترعرع على ساحل البحر الأسود، ثمَّ صحَّ عزم أبيه على تأدية فريضة الحج، وعُقدت نيته على إرسال نجله إلى مصر ليتلقى علومه بالأزهر فينشأ إمامًا مثله. فغادر الأب بلاده مع ابنه الأصغر حوالي سنة ١٨٠٠، ولما يتجاوز زكريا بعدُ العاشرة من عمره، فركبا البحر ليلًا وأقلع بهما أحد المراكب الشراعية إلى الآستانة في طريقهما إلى مصر حيث انتوى الإمام ترك ابنه — في أثناء غيابه بالحجاز — عند أحد أصدقائه ومواطنيه المماليك الذين كانت تربطه بهم صلات وثيقة ومودة قديمة.
وبالفعل ارتحل الإمام حسن قاصدًا بيت الله الحرام، وسلَّم طفله في القاهرة إلى أحد السلحدارية الشراكسة من ذوي قرباه إلى حين عودته، غير أن المنية عاجلته وهو في طريقه من مكة إلى المدينة فأصبح زكريا يتيمًا في قُطر غريب وعند غير أهله وعشيرته.
إلا أن السلحدار أنزله في بيته منزلة أبنائه، فعاش زكريا في رعايته وتعلم عليه صناعة الأسلحة. وقد حدث بعد ردح من الزمان أن وجَّه محمد علي باشا والي مصر عنايته إلى تجهيز حملة عسكرية لإخماد ثورة الوهابيين في جزيرة العرب، فوصَّى السلحدار في منتصف عام ١٨١١ بصنع كمية من الأسلحة، ولما تمَّ إعدادها حمله السلحدار بصحبة زكريا إلى قصر الأزبكية حيث قابلها محمد علي باشا. وما كاد نظر الوالي يقع على هذا الشاب اليافع وسمعُه يصغي إلى قصته حتى أعجبته فيه جراءة أعماله وصدق طويته فشمله بعطفه واستخدمه في ديوانه، فنبذ زكريا اسمه القديم وآثر أن يخلع على نفسه اسم أبيه حسن.
كانت مصر في ذلك العهد قد هبَّت على بكرة أبيها تلبي نداء الوالي للانتظام في الجيش، فبادر حسن إلى الانخراط في صفوفه. غير أنه لما سافر في أوائل شهر سبتمبر سنة ١٨١١ في معيَّة محمد علي باشا إلى السويس وشاهد فيها نواة الأسطول المصري مبحرًا من ثغره لنقل الرجال والعتاد إلى جزيرة العرب أدرك حسن — وهو من أبناء السواحل — أن أمواج البحر تناديه، فوطَّن نفسه على الدخول في البحرية!
ولكن آماله لم يبدُ له تحققها إلا بعد ست سنوات!
ويقول في هذا الصدد الأميرال دوران فييل:
وتعريبه:
تحدث الوالي في أثناء تناول العشاء عن الأميرال دوبيريه وزير البحرية الفرنسية حديثًا طويلًا أجزل فيه الثناء عليه، ذاكرًا ما أبداه من مظاهر الرعاية فيما مضى من الزمان نحو الطلبة المصريين المبحرين على السفينة «أوريون»، وعلى الأخص بالنسبة إلى حسن بك ناظر بحريته.
وعلى إثر تخرج الطلبة المصريين من الكلية البحرية الفرنسية قاموا بثلاث رحلات علمية على سفن فرنسية، فتدربوا على قيادتها وزاروا أقطارًا وأمصارًا نائية دوَّن حسن الإسكندراني عنها «يوميات»، وصف فيها بلاد البرازيل ورأس هورن بأمريكا الجنوبية وبلاد النرويج والسويد في شمالي أوروبا، في حين تناولت ريشة محمود نامي بالرسم المناظر الرائعة التي استوقفت أنظارهم.
وفي أوائل عام ١٨٢٦ رُقِّيَ حسن الإسكندراني من ملازم إلى يوزباشا، وعُهِدت إليه قيادة إحدى القراويت السريعة من مصر إلى اليونان لإيصال المراسلات السرية العاجلة التي كان يبعث بها محمد علي باشا إلى ابنه إبراهيم باشا في المورة. وفي خلال صيف تلك السنة عاد حسن إلى الإسكندرية مع الأسطول المصري بقيادة قائده العام محرم بك لترميم بعض السفن وإصلاحها قبل الإبحار بها ثانية في حملات أخرى مع الوحدات الجديدة التي كان قد وصَّى بها الوالي في المصانع الأوروبية، ووصلت حديثًا من مرسيليا وجنوا وليفورن.
وقد عكف حسن الإسكندراني — مع زملائه عثمان نور الدين ومحمود نامي ومحمد شنن — على ترجمة المؤلفات الفرنسية عن أصول البحرية وفنونها.
ولم تفل كارثة نافارين جهد محمد علي باشا ولم تثبط من عزيمته، فأخذ يبني السفن ويصقل همم الرجال حتى تبوأ الأسطول المصري — بعد هزيمة نافارين — المرتبة الثالثة بين أساطيل الدول.
ولما كانت مهمة إنشاء السفن من أعز أماني محمد علي باشا، فقد وقع اختياره على حسن الإسكندراني لتولي إدارة دار صناعة السفن (ترسانة) في الإسكندرية. وقد كان حسن عند حُسن ظن الوالي به، فتولى الإشراف المباشر على تجهيز الأسطول الجديد الذي أُنزِلَ إلى البحر سريعًا وتكاثرت وحداته فيه حتى حسبت له الدول ألف حساب.
غير أنه ما لبث أن عاد الإسكندراني إلى ركوب البحر، فاشترك في ٨ ديسمبر سنة ١٨٣١ على ظهر الفرقاطة «شير جهاد» مع الأسطول المصري بقيادة قائده العام عثمان نور الدين باشا في دك حصن عكاء من البحر، وأسهم في خلال سنة ١٨٣٢ مع العمارة المصرية في حملاتها في جزر الأرخبيل اليوناني، إلى أن استدعاه محمد علي باشا في أوائل شهر أكتوبر وعهد إليه قيادة الفرقاطة رقم ٤ ولعلها المُسمَّاة «أبو قير».
وقد اقترن شهر سبتمبر سنة ١٨٣٣ بانقلاب جوهري في حياة حسن الإسكندراني؛ إذ استقرَّ رأي محمد علي باشا على تزويجه من إحدى فتيات قصره عُرِفت باسم «التفات بنت الغُز». وقد كان أبوها عبد الرازق عبد المحسن الغز من أسرة مماليك يرجع نسبهم إلى قانصوه الغوري، وقد لقي حتفه في مذبحة قلعة الجبل في أول مارس سنة ١٨١١، وعلى إثر وفاته استجارت زوجته وبنته — وكان عمرها يتراوح وقتئذٍ بين ست وسبع سنوات — بالوالي الذي فتح لهما أبواب قصره. ولم ينقضِ إلا القليل حتى انتقلت الأم إلى رحمة الله، فعهد محمد علي باشا بأمر تربية البنت إلى أوقماش قادن أفندي التي علمتها القراءة. ولما ناهزت «التفات» الخمس والعشرين من عمرها زوَّجها محمد علي باشا إلى حسن الإسكندراني وكان قد جاوز الأربعين بثلاث سنوات أو أربع. وقد تم عقد القران في قصر رأس التين، وزُفَّت العروس منه إلى دار التمرازية في مركبة من مركبات حرملك الوالي مما دلَّ على منزلة العروسين الخاصة عند محمد علي باشا.
ولم يُنجب حسن الإسكندراني إلا ولدًا واحدًا اسمه محمد عبد المحسن، غير أن هذا الأخير تزوج مرتين: الأولى بعقده على «عصمت بنت عبد الله» وقد رُزِقَ منها «علي محسن» الذي تُوفي حوالي سنة ١٨٧٢ وهو في الثامنة عشرة من عمره، والثانية بعقده على «جمال فير»، وقد رُزِق منها: محمد محسن باشا (الذي تزوج مديحة هانم يكن شقيقة عدلي يكن باشا)، وحسن محسن باشا (الذي تزوج الأميرة عزيزة حسن)، وأحمد إبراهيم محسن باشا (الذي تزوج سنية هانم فخري حفيدة محمود نامي زميل حسن الإسكندراني).
وبعد تسعة أشهر من زواجه أقلع حسن الإسكندراني في ٢٨ يونيو سنة ١٨٣٤ على رأس قوة بحرية إلى يافا، حيث عهد إليه في حراسة الغولت «التمساح» الذي كان يقلُّ محمد علي باشا في رحلته. وبعد بضعة أشهر أخرى أبحر حسن بوحدات أسطوله لتفقد شواطئ سوريا، وكان بمعيته الأمير محمد سعيد باشا ابن محمد علي.
وفي غضون سنة ١٨٣٥ تولى حسن الإسكندراني قيادة الفرقاطة رقم ٣، ولعلها المُسمَّاة «الإسكندرية»، والفرقاطتين «مفتاح جهاد» و«البحيرة»، والقرويتين «طنطا» و«جناح بحري»، والغولت «التمساح»، والإبريق «بادئ جهاد» التي عُهِد إليها بمهمة نقل الذخائر والمؤن من الإسكندرية إلى طرسوس.
وقد استطاع حسن الإسكندراني بما أتاه الله من مقدرة وما عمُر به قلبه من إيمان صادق أن يتقرَّب إلى محمد علي باشا وينال ثقته وتقديره، حتى عينه الوالي في ٢٧ سبتمبر سنة ١٨٣٥ نائبًا لقائد الأسطول، وولاه في أواخر شهر مايو سنة ١٨٣٧ نظارة البحرية المصرية، وأنعم عليه برتبة الباشوية. ولما تُوفي السلطان محمود الثاني وخلفه على عرش آل عثمان ابنه السلطان عبد المجيد في سنة ١٨٣٩، وعُيَّن خسرو باشا صدرًا أعظم، أقلع الأسطول العثماني إلى الشواطئ المصرية وانضم إلى الأسطول المصري، فوقف حسن الإسكندراني في ١٤ يوليو سنة ١٨٣٩ على ظهر الغليون رقم ٥، ولعله المُسَمَّى «مصر»، على رأس قوة بحرية أمام ثغر الإسكندرية وتلقى من القائد العثماني أحمد باشا فوزي استسلام وحداته التي كانت تُألَّف من تسعة غلايين وإحدى عشرة فرقاطة وخمسة قراويت تحمل ١٦٫١٠٧ من الملاحين وآلايين من الجند يبلغ عددهم خمسة آلاف.
وقصة هذا التسليم تتلخص في أن الأسطول التركي أقلع من بوغاز الدردنيل بقيادة القبودان أحمد فوزي باشا لمنازلة العمارة المصرية عقب انتصار إبراهيم باشا في وقعة نزيب في ٢٤ يونيو سنة ١٨٣٩، وتغلغل الجيش المصري في آسيا الصغرى واحتلاله بيره جك — على ضفة نهر الفرات اليسرى — ثمَّ عينتاب ومرعش وأورفه.
غير أن السلطان محمود الثاني تُوفي في أول يوليو سنة ١٨٣٩ وخلفه على عرشه المحفوف بالصعاب نجله عبد المجيد وهو في السابعة عشرة من عمره، فآثر — بناءً على مشورة صدره الأعظم خسرو باشا — الجنوح إلى السلم، وأرسل إلى مصر رسولًا يُدعى عاكف أفندي لمهادنة محمد علي باشا مع تكليفه إعادة الأسطول العثماني إلى قواعده بالآستانة.
ولما كان بين القائد البحري أحمد فوزي باشا والصدر الأعظم خسرو باشا من قديم العداء مثل ما كان بين هذا الأخير وبين محمد علي باشا الذي نافسه في ولاية مصر وأقصاه عنها بعد أن تولاها في سنة ١٨٠٣، فقد ساورت الشكوك نفس القبودان العثماني وعظمت وساوسه ورأى في استدعائه إلى الآستانة استدراجًا لعزل محتوم أو قتل محتمل.
وبينما كان يقلِّب كفًّا على كفٍّ ويتساءل عن مصيره، إذا وكيله عثمان باشا يُزيِّن له أن يلتجئ إلى محمد علي باشا — خصم خسرو باشا اللدود — ويقدِّم له العمارة التركية هدية خالصة، فينال على يديه حسن الجزاء ويفلت من غياهب السجن أو من براثن الاغتيال.
لاقت هذه النصيحة قبولًا حسنًا لدى فوزي باشا، فرسا بسفنه في جزيرة رودس، ومنها أرسل إلى محمد علي باشا يخبره بعزمه، ثمَّ واصل سيره إلى الإسكندرية وسلَّم وحداته إلى والي مصر في منتصف شهر يوليو سنة ١٨٣٩.
بقيت القطع البحرية العثمانية في حوزة محمد علي باشا منضمَّة إلى أسطوله حتى تدخلت الدول الأوروبية في الأمر، فاتفقت إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا على إبرام معاهدة لندرة في ١٥ يوليو سنة ١٨٤٠، وقد تضمَّن ملحقها إلزام محمد علي باشا «أن يسلِّم الأسطول العثماني ببحارته ومهماته الكاملة إلى المندوب العثماني المكلف باستلامه، ويحضر رؤساء الأساطيل المتحالفة هذا التسليم»، وإنه «ليس لمحمد علي باشا في أي حال من الأحوال أن يحتسب على الباب العالي ما أنفقه على الأسطول العثماني من المصاريف طول مدة إقامته في الموانئ المصرية، ولا أن يخصم هذه المصاريف من الخراج الواجب عليه دفعه.» إلا أن محمد علي باشا رفض قبول مثل هذه المعاهدة الجائرة وملحقها؛ إذ إنه لم يدعَ إلى الاشتراك في وضع نصوصهما، وأعلن تمسكه بالبلاد التي فتحتها جيوشه وأقرته عليها معاهدة كوتاهية في ٥ مايو سنة ١٨٣٣، فصمَّم على عدم نزوله عن أي شبر من هذه الأراضي، وأبلغ رفضه إلى الصدر الأعظم الذي بادر إلى استصدار فرمان بخلع محمد علي باشا من الولاية على مصر. وسرعان ما غادر ممثلو الدول الأجنبية الأراضي المصرية وأصبحت مصر بمفردها في حالة حرب ضد تركيا وحلفائها، بعد أن سحبت فرنسا تأييدها السابق لمصر وانسحبت من الميدان على إثر سقوط وزارة المسيو تيير المؤيدة لمحمد علي باشا في ٢٩ أكتوبر سنة ١٨٤٠ وقيام وزارة المسيو سولت التي تولى فيها المسيو جيزو وزارة الخارجية.
وفي الحادي عشر من يناير سنة ١٨٤١ رفع ياور باشا علمه على السفينة العثمانية «المحمودية» وحيَّتها باقي قطع الأسطول التركي الراسية في ميناء الإسكندرية.
وفي يوم ١٧ يناير وصلت إلى الثغر السكندري السفينة العثمانية «طائر بحري» قادمة من الآستانة وعليها بعض ضباط البحرية العثمانية لتسلُّم وحدات أسطولهم. وبعد ظهر الثالث والعشرين من يناير أبحر الأسطول العثماني مع ضباطه قافلًا إلى الآستانة ما عدا أحمد باشا فوزي القبودان السابق وعثمان باشا وشريف أغا من كبار ضباطه، إذ تخلَّفوا في مصر وآثروا البقاء بالقرب من محمد علي باشا؛ لأن حكومة الآستانة اتهمتهم بالخيانة العظمى لتسليمهم الأسطول العثماني إلى والي مصر. وقد رتَّب محمد علي باشا لفوزي باشا مرتَّبًا ضخمًا قدَّروه بخمسمائة ألف فرنك سنويًّا، كما أقطعه ألفي فدان من الأراضي الزراعية.
وفي شهر أبريل سنة ١٨٤٨ تولى ولاية مصر إبراهيم باشا ابن محمد علي — في حياة أبيه — ولكن المنية عاجلته في العاشر من نوفمبر سنة ١٨٤٨، فتولى الحكم عباس باشا الأول — ابن طوسون بن محمد علي — وكان محمد علي باشا لا يزال على قيد الحياة، وإنما كان يعاني مرضًا عضالًا قضى عليه في الثاني من شهر أغسطس سنة ١٨٤٩.
وفي عهد عباس ساءت حالة البحرية المصرية وأخذت في الاضمحلال بعد أن كانت قوية زاهرة، ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما عام وهو إهمال الوالي شتى أعمال العمران، وثانيهما خاص وهو كراهيته لعمه سعيد باشا الذي نشأ في البحرية وكان قائدًا عامًّا للأسطول المصري في عهد محمد علي. فحقد عباس على البحرية لحقده على سعيد فأهمل شأنها، وتعطلت أعمال دار صناعة السفن ووقف إصلاح الوحدات البحرية، فسرى إليها العطب وتناولها التلف.
غير أنه لما نشبت في ٣ يوليو سنة ١٨٥٣ الحرب بين تركيا وروسيا — بحجة حماية هذه الأخيرة الكنيسة والإكليروس اليوناني في الأراضي المقدسة — طلب السلطان عبد المجيد إلى عباس الأول أن يمدَّه بالجند والأساطيل وفاقًا للفرمانات الشاهانية، فلبَّى عباس نداءه وفتح أبواب دار الصناعة البحرية المعطلة، وجهَّز على وجه السرعة أسطولًا عهد بقيادته إلى حسن الإسكندراني باشا سادس أمراء البحار.
وبموجب إرادة سنية صادرة في أول يوليو سنة ١٨٥٣ (٢٤ رمضان سنة ١٢٦٩ﻫ) تألَّف هذا الأسطول من اثنتي عشرة قطعة — عدا النقالات — بها ٦٤٢ مدفعًا و٦٨٥٠ جنديًّا بحريًّا وموزعة على الوجه الآتي:
الغليون «مفتاح جهاد» وبه مائة مدفع و١٠٤٠ جنديًّا بقيادة القائمقام طاهر بك.
الغليون «جهاد آباد» وبه مائة مدفع و١٠٤٠ جنديًّا بقيادة القائمقام خليل بك.
الغليون «الفيوم» وبه مائة مدفع و١٠٤٠ جنديًّا بقيادة القائمقام محمود بك.
الفرقاطة «رشيد» وبها ستون مدفعًا و٦٣١ جنديًّا بقيادة البكباشا مرجان قبودان.
الفرقاطة «شير جهاد» وبها ستون مدفعًا و٦٣١ جنديًّا بقيادة البكباشا خورشيد قبودان.
الفرقاطة «دمياط» وبها ستون مدفعًا و٦٣١ جنديًّا بقيادة البكباشا أحمد شاهين قبودان.
الفرقاطة «البحيرة» وبها ستون مدفعًا و٦٣١ جنديًّا بقيادة البكباشا حجازي أحمد قبودان.
الفرقاطة «النيل» وبها ثلاثون مدفعًا و٣٧١ جنديًّا بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان.
القرويت «جناح بحري» وبه ٢٤ مدفعًا و٢١٣ جنديًّا بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان.
القرويت «جهاد بيكر» وبه ٢٤ مدفعًا و٢١٣ جنديًّا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن أرناءود قبودان.
الغولت «الصاعقة» وبها ١٢ مدفعًا و١٧٩ جنديًّا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان.
الوابور «بروانه بحري» وبه ١٢ مدفعًا و١٧٩ جنديًّا بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان.
أما الجيش، فقد بلغ مجموع رجاله ١٩٫٧٢٢ مقاتلًا مزودين باثنين وسبعين مدفعًا، وعُهد بقيادتهم إلى سليم باشا فتحي أحد القواد الذين حاربوا تحت لواء إبراهيم باشا في حروب سوريا والأناضول.
وعلى ذلك بلغ مجموع القوات البحرية والبرية ٢٦٫٥٧٢ جنديًّا و٧١٤ مدفعًا.
وفي ٤ يوليو سنة ١٨٥٣ (٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩ﻫ) أصدر عباس باشا الأول من قصر بنها إرادتين باللغة التركية إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية، هذا تعريب الأولى:
وهذا تعريب الثانية:
وفي التاريخ نفسه أصدر الوالي إفادة باللغة التركية إلى أمير الآلاي مصطفى بك المقيم بالآستانة هذا تعريبها:
وفي أواخر شهر يوليو سنة ١٨٥٣ قدِم عباس باشا خصِّيصًا للإسكندرية لعرض قطع الأسطول ووحدات الجيش قبل إبحارها، وخطب في رجالهما مشجِّعًا ومودِّعًا. وأقلعت الحملة على ظهر السفن الحربية ونقالات أخرى، وألقت مرساها في مياه الآستانة يوم الأحد ٢٠ أغسطس سنة ١٨٥٣ — أي بعد رحلة استغرقت ٢٨ يومًا — لاضطرار المراكب إلى الرسو في عدة مرافئ في طريقها للامترار ماء والتزويد زادًا.
وقد عسكر الجنود المصريون ردحًا من الزمان على ضفاف البوسفور، وزارهم السلطان عبد المجيد في مضاربهم في بيكوس تجاه طرابية، وعرض فلولهم وأنعم على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصَّعة بالماس، وأمر لكل ضابط براتب شهر.
وإليك بيان هذه القوة البحرية:
السفينة «نظامية»: عليها ٦٠٠ بحار وبها ٦٠ مدفعًا.
السفينة «دمياط»: عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٦ مدفعًا.
السفينة «نافيك»: عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٢ مدفعًا.
السفينة «نظيم»: عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٢ مدفعًا.
السفينة «قائد»: عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٠ مدفعًا.
السفينة «فارسلي إيلات»: عليها ٤٠٠ بحار وبها ٣٨ مدفعًا.
السفينة «عون الله»: عليها ٤٠٠ بحار وبها ٣٦ مدفعًا.
السفينة «جل سفيت»: عليها ٢٠٠ بحار وبها ٢٤ مدفعًا.
السفينة «نجبى فشير»: عليها ٢٠٠ بحار وبها ٢٤ مدفعًا.
السفينة «فيضى مربوط»: عليها ٢٤٠ بحار وبها ٢٢ مدفعًا.
السفينة «طايف»: عليها ٣٠٠ بحار وبها ١٦ مدفعًا.
السفينة «براونه بحري»: عليها ١٧٩ بحار وبها ١٢ مدفعًا.
السفينة «أركلى»: عليها ١٥٠ بحار وبها ١٢ مدفعًا.
وأمَّا باقي الوحدات المصرية فقد انفصلت منها في بدء الأمر الفرقاطتان «رشيد» و«شير جهاد» والقرويتان «جناح بحري» و«جهاد بيكر» والغولت «الصاعقة»، وقامت بحراسة جزر الأرخبيل بالاشتراك مع العمارة التركية، غير أنها أُرسلت بعد ذلك إلى البحر الأسود حيث تولَّت نقل الجيوش من وارنه إلى شبه جزيرة القرم.
وفي يوم ٧ مايو سنة ١٨٥٤ (٩ شعبان سنة ١٢٧٠ﻫ) أقلع الأسطول العثماني تحت قيادة أمير البحار التركي أحمد باشا قيصرلي والأسطول المصري تحت إمرة أمير البحار المصري حسن الإسكندراني باشا من الآستانة إلى البحر الأسود، وانضمت وحداتهما إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا، ونازلت السفن الروسية في المعارك التي دارت رحاها هنالك.
وتشاء الأقدار أن يحارب حسن إسكندراني أخاه الإسكندر الذي كان قد بقيَ في القوقاز وجُنِّدَ في الجيش الروسي وأن يجتمع به خلسةً ويعانقه بعد فراق جاوز نصف القرن.
وفي ليلة ١٤ يونيو سنة ١٨٥٤ أُغتيل عباس الأول في قصره ببنها وخلفه محمد سعيد باشا — ابن محمد علي باشا — وعلى إثر صدور الفرمان الشاهاني بتوليته سافر سعيد باشا إلى الآستانة لتقديم واجب الولاء للسلطان، فحضر إليه فيها محمد شنن القائد الثاني للأسطول المصري وقدم له باسم رجال البحر المصريين فروض التهانئ بارتقائه الأريكة المصرية. وما إن عاد سعيد باشا إلى مصر حتى واصل حرب القرم، وأرسل ابتداءً من ١٩ أكتوبر سنة ١٨٥٤ بقيادة أحمد باشا المنكلي النجدات إلى الجيش المصري المرابط فيها حتى بلغ مجموع القوات البحرية والبرية المرسلة هناك في عهدَي عباس وسعيد ٥٠٫٦٥٧ مقاتلًا و٧٦٨ مدفعًا.
أما حسن باشا الإسكندراني فقد أبحر في سنة ١٨٥٤ عائدًا على رأس أسطوله إلى الآستانة لإصلاح بعض السفن، فهبَّت على سفنه في عرض البحر الأسود عواصف هوجاء وتكاثر عليها الضباب فحال دون اجتيازها بوغاز البوسفور بسلام. وقد اشتدَّت العاصفة عند مدخل البوغاز على مقربة من شاطئ «الروم إيلي» في يوم ٣١ أكتوبر سنة ١٨٥٤ مما أدى إلى اصطدام الغليون «مفتاح جهاد» الذي كان يتولى الإسكندراني قيادته بالفرقاطة «البحيرة» التي كان يقودها محمد شنن بك، فغرق في أقل من ساعة ١٩٢٠ مقاتلًا كانوا على ظهريهما ولم ينجُ سوى ١٣٠ جنديًّا، وكان في عِداد الغرقى حسن الإسكندراني ومحمد شنن قائدا الأسطول المصري.
فُجِع السكان القاطنون بالقرب من البحر الأسود بفاجعة تُروِّع القلوب، وهي غرق بارجتين على مسافة غير بعيدة من الآستانة. ففي ليلة ٣٠ أكتوبر سنة ١٨٥٤ عصفت بشواطئ هذا البحر عاصفة من أروع ما يذكره الناس، ولا بدَّ أن تكون قد وقعت حوادث أخرى مروعة غرق فيها كثير من السفن، ولكن ليس بينها ما هو أفظع من حادثة البارجتين المصريتين العائدتين من القرم. ففي الساعة الثامنة مساءً حمل الإعصار الفرقاطة «البحيرة» على بعد ميلين فقط من مصب البوسفور إلى منطقة الأمواج الخطرة التي ترتطم بصخور «قره برنو»، وما هي إلا ساعة من الزمان حتى تحطمت السفينة ولم ينجُ من بحارتها البالغ عددها أربعمائة سوى ١٣٠ أمكنهم أن يبلغوا الشاطئ أحياء.
أما البارجة الأخرى، وهي ذات ثلاث طبقات واسمها «مفتاح جهاد»، وكان على ظهرها الأميرال المصري، وهو على ما يُقال أمهر قائد بحري عند المصريين، فقد شاركت زميلتها في نهايتها المحزنة إذ دفعتها العاصفة إلى حيث المياه قليلة خطرة، وذلك في منتصف المسافة بين الآستانة ووارنه. ومن المؤلم أن نذكر أنه غرق ٧٩٥ بحَّارًا — من بينهم الأميرال — من بحارتها البالغ عددها تسعمائة. ولم يبقَ أي أثر من هذه البارجة المنحوسة يبين المكان الذي غرقت فيه. وقد أُنزل الذين نجوا من بحارة البارجتين في الآستانة حيث كانوا موضع كثير من الالتفات والعناية.
وقد انتهت حرب القرم بفوز تركيا وحلفائها — فرنسا وإنجلترا ومملكة بيمونت (إيطاليا) ومصر — على الروس، وأُبرم الصلح في مؤتمر باريس في ٣٠ مارس سنة ١٨٥٦، وقد سلمت فيه روسيا بمطالب الفائزين.
المراجع الأجنبية: Vice-Amiral Durand-Viel: “Les Campagnes navales de Mohammed Aly et d’Ibrahim”. Aimé Bingtrinier: “Soliman Pacha”. Georges Douin: “Les premières frégates de Moahmed Aly”. Georges Douin: “Navarin”. L. Thouvenel: “Trois années de la Question d’Orient, la Guerre de Crimée”. Jules Ladmir: “La guerre en Orient et dans la Baltique” (1853–1856). Durfor: “Les Turcs et les Russes”. Nasmith: “History of the War in Russia and Turkey”. Slade: “Turkey and the Crimean War”. Thomas Buzzard: “With the Turkish Army in the Crimea and Asia Minor”.