الفصل الحادي عشر

جاك رنسيار وفن المشترك

«إن ثورة — أو ثورتين — ستتيح لنا أن نرى ضوء النهار قريبًا.»

سلفادور دالي

تقديم

لكل فيلسوف قصته الخاصة مع أسطورة قتل الأب منذ أفلاطون. بعضهم يهرب من الأب الروحي مفزوعًا؛ لأنه لا يقدر على تحمل إرثه الثقيل، وبعضهم يفضِّل البقاء في جبة أبيه خيرًا من الرحيل إلى درب لا يؤدي. وبعض آخر لا يريد أن يخرج من ذاكرته فارغ اليدين. يمكننا القول إن جاك رنسيار الذي تعرف على أبيه الروحي في شخص أب آخر هو ألتوسير ينتمي إلى الصنف الثالث. إن رنسيار يبحث عن «ماركس آخر»؛ لأنه اختار ألَّا يخرج يتيمًا تمامًا من ماركسيته الأولى …

جاك رنسيار فيلسوف فرنسي اشتغل في الخطِّ ما بعد ماركسي ناقدًا أستاذه ألتوسير لا من أجل استعادة لماركس بل من أجل الخروج منه بفكر عمَّالي مغاير. يتعلَّق الأمر بجملة من القرارات الجذرية للعثور عن ماركس آخر غير ماركس الكلاسيكي بطابعه الأيديولوجي والعلمي. فبدلًا عن مفهوم الطبقة يقترح رنسيار مفهوم «الفلانية» حيث يكون لأيٍّ كان الحق في تقاسم المحسوس. وبدلًا عن الفصل بين الأيديولوجي والعلمي يقترح رنسيار معنًى مغايرًا لدور المثقف من خلال مفهوم طريف هو «المعلم الجاهل.» وبدلًا عن يوطوبيا الثورة الماركسية التي تتنبأ بالشيوعية كخلاص وكفكرة عن المستقبل، يقترح رنسيار «أن لا مستقبل في انتظارنا» بل لدينا الكثير من العمل «ضدَّ كلِّ الأرواح المنهوكة باليأس من إمكانية إعادة توزيع المحسوس توزيعًا عادلًا. لم يعد العالم أُحجية لأحد لأن عصر السرديات الكبرى قد أفل وأفلت معه كل إمكانيات التنبؤ بتاريخ البشر. ما يراهن عليه رنسيار في هذه البرمجيات الجديدة للخطِّ المابعد ماركسي: هو اختراع شعب ما حيثما ينقصنا ذاك الشعب. الشعب هنا منظور إليه لا بوصفه ماهية عرقية أو قومية جاهزة بل بوصفه فلانيات حرة قادرة على أن تكون «أيًّا كان» في جماعة من المتساوين.» هذه الجماعة لا علاقة لها بأية هوية سابقة عليها. إنها فنٌّ للمشترك يلعب فيه الفنُّ دورًا أساسيًّا.

ويمكننا أن نقول إن فكرة الاشتراك في المحسوس لرنسيار، بوصفها أطروحة أساسية في الفكر السياسي والجمالي المعاصر بما تدخله على الخط ما بعد الماركسي من نفس جديد تمامًا، تقوم على ثلاث أطروحات كبرى:

  • (١)

    الخروج من براديغم الحداثة بأشكالها سواء تعلَّق الأمر بالحداثة أو بما بعد الحداثة أو بالحداثة المغايرة أو المضادة، وبالتالي الخروج من الماركسية التاريخية بما هي سردية حديثة في جوهرها تؤمن بمعنى للتاريخ وبذات تقوم بتغيير العالم وبمستقبل يكون فيه الخلاص.

  • (٢)

    اقتراح مفهوم «جماعة المتساوين» كشكل جديد من الذاتية الجماعية القائمة على المشاركة في المحسوس وإعادة توزيعه توزيعًا عادلًا.

  • (٣)

    الدفاع عن الفن بوصفه ضربًا من خرق الإجماع في اتجاه التخلص من المحسوس المعطى القائم على الهيمنة واختراع أشكال أخرى من العيش المشترك.

(١) لماذا الخروج من براديغم الحداثة؟

ينبغي أن نشير بادئ الأمر إلى أن مشروع رنسيار يتنزَّل ضمن أفق فلسفات المشترك التي حرَّرت الفلسفة من الصدام بين المركزية الثقافية الغربية والآخر المقصى والمهمَّش. أي من الصدام بين رواد الحداثة ودعاة فلسفة الاختلاف. إن فلسفة المشترك تقترح علينا نمطًا من الاشتراك في العيش معًا دون التصادم مع الآخر. وذاك أمر لن يصير ممكنًا إلا بضرب من إعادة توزيع للمحسوس توزيعًا عادلًا.

علينا هنا أن نتوقف قليلًا عند نقاش فلسفي بين رنسيار ونيغري حول مفهوم المشترك بما هو أفق جديد ما بعد طوباوي وما بعد ماركسي للتذاوت السياسي ولشكل العيش الممكن في عالم الالمبراطورية المتوحِّشة. إن ما يحرج هنا هو السؤال التالي: هل يتعلق الأمر بمشترك الجموع المابعد حديثة أم بركح الشعوب التي علينا اختراعها؟ ويذهب نيغري إلى الدفاع عن مقولة الجموع أو الجمهور بما هي جملة الفرديات أو الاسم الآخر لشكل الكينونة المحايثة. في حين يدافع رنسيار عن مقولة الشعب بما هو نتاج لمقولة السيادة القائمة على شكل من المفارقة أو التعالي وهي مقولة كلاسيكية منذ هوبز وروسو وهيجل. والفرق إذن بين الجموع والشعوب هو أن الجموع «تقتضي أن تتكلم الذوات باسمها الخاص. لا يتعلق الأمر بأفراد متملِّكين بل بفرديات غير قابلة للتمثيل.»١ أمَّا رنسيار فيعرف مقولة الشعب قائلًا: «إن الشعب هو بالنسبة لي اسم لذات سياسية» … ويضيف ضدَّ الجموع لنيغري: «داخل فكر الجموع ثمة فوبيا السلب، فوبيا سياسية تقدِّم نفسها بوصفها سياسة مضادة.»٢
رنسيار يقر بأن لا جدوى من براديغم الحداثة سواء تلك التي اعتقد العقل الغربي طيلة قرنين من الزمن أنها الطريق نحو التقدم بالعقل البشري نحو الأفضل أو حتى ما بعد الحداثة التي لوَّح رواد فلسفة الاختلاف بها. إن مشروع الاشتراك المحسوس لجاك رنسيار يهدف إذن في جوهره إلى تحرير الفن وميدان الإحساس بعامة من براديغم الحداثة. وذلك لأن هذا البراديغم، وفق قول رنسيار نفسه «قد انتهى بأن أغرق العالم داخل ضرب من الدراما المرضية التي تخلط بين رائع كانط وعقدة أوديب لفرويد وتحريم التمثيل بالمحرقة اليهودية والمشهد البدائي بأفول الآلهة عن سماء المحدثين» … لقد أصيب مفهوم الحداثة وفق تشخيص كاتب الاشتراك المحسوس بضرب من الهشاشة الفلسفية حيث صار يجمع على نحو اعتباطي بين أسماء مختلفة وغير متجانسة في تصوُّراتها من قبيل هولدرلين وسيزان ومالارمي وبودلير والرومانسية … لا جدوى من براديغم الحداثة التي اختصم في شأنها ثلة من كبار المفكِّرين المعاصرين ما بين داعية إلى ضرورة استئنافها (هابرماس) وملوِّح بضرورة تجاوزها وتفكيكها (فلاسفة الاختلاف أي دولوز، ليوتار ودريدا). وهو ما يتطلب ضرورة تحرير الفلسفة المعاصرة من الدراما الفقيرة القائمة على فكر النهاية والعودة معًا. أي نهاية التاريخ وموت الإله وموت الإنسان وتدمير الميتافيزيقا وخروج الفن من الاستطيقا التي نادى بها أقطاب الفكر الغربي منذ هيغل ونيتشه إلى هيدغر ودريدا وليوتار. وقد صاحبت فلسفة النهاية ثم المنظِّرين لمفهوم الكارثة بعد المحرقة اليهودية، وفلسفات العودة إلى اليونان منذ إعجاب هيغل بالمعجزة اليونانية مرورًا بتبشير استطيقي لنيتشه بعودة ديونيزوس وصولًا إلى هيدغر في عودة تأويلية إلى سؤال الكينونة المنسي في طيات اللغة اليونانية ثم غادامار في تأويلية كونية لا تنفك في عودًا على بدء إلى سحر التراث والتقليد والذاكرة.
ما تقترحه علينا فلسفة الاشتراك في المحسوس هو ضرورة تحرير عقولنا من كل خطابات الحداد والبكائيات ما بعد الحديثة التي سربها إلى الفلسفة مفكرو الكارثة اليهودية الذين تقوم الفلسفة لديهم على ما يسميه رنسيار بالآخر المطلق. وهو يقصد ها هنا تحديدًا ليوتار.٣ (وهو ما يشهد عليه حملة النقد الشرس التي شنها رنسيار على ليوتار بخاصة في كتاب مصير الصور).٤
آن الأوان كي نحرِّر المحسوس من إيديولوجيا الصدام مع الآخر التي لم تغنم منها الإنسانية الحالية غير صدامات فظيعة بين هويات مسعورة وهمجيات طافرة خارجة عن طورها. وهو ما يقصده رنسيار حينما يقول بضرورة تحرير المحسوس من براديغم الحداثة الذي يبدو «ضعيف الجدوى» ويقترح علينا ترتيبًا جديدًا للمسألة الجمالية لا يمرُّ ضرورة عبر راية الحداثة الاستطيقية. وهو ما يسميه رنسيار بالأنظمة الخاصة بالفن. وتتوزع هذه الأنظمة على ثلاثة مواضع هي التالية:
  • (١)
    نظام إتيقي للصور: وهو نظام لا يعرف الفن بوصفه فنًّا بل انطلاقًا من مسألة الصورة. والصورة ينظر إليها تحديدًا على أنها نمط من الكينونة … وهو أمر يدفع بنا إلى المفارقة التالية: ما هو أصل الصور ومدى صدقها في علاقتها بالحقيقة؟ وما الجدوى منها وما وجوه استعمالاتها ونتائجها؟ وتشتدُّ أزمة الصور حينما يتعلق الأمر بمسألة تصوير وتمثيل الإلهي وهو ما جعل ديانات التوحيد تمنع الصورة عن ميدان المقدَّس. ذاك أمر نجد صداه لدى أفلاطون والذي اعترض في الكتاب العاشر من الجمهورية على ما يسمِّيه الأشباح أي تصوير المحسوس من طرف فنِّ الرسم وحكم على كل الفنون التي تحاكي المحسوس بعدم شرعيتها في خطاب تشرع له الفلسفة تحت راية اللوغوس. وأكثر من ذلك سوف تشتدُّ أزمة الصور أكثر لدى أفلاطون حينما يظهر الشعراء على ركح مدينة الفلاسفة أي حيثما يمتد أثر الصور إلى ميدان تربية الأطفال. ها هنا يجد أفلاطون نفسه أمام السؤال التالي: هل نربي الأطفال على الموسيقى بلا نصٍّ أم على قصص الشعراء وعلى رأسهم هوميروس؟ وقد كان على أفلاطون أن يصفِّي حساباته مع هوميروس الذي تربَّى طفلًا على حكاياته وكبُر فيلسوفا لليونان على إيقاع آلهة نسجتها الإلياذة والأوديسا التي ترعرع على إيقاعها شعب كامل من الآلهة على حدِّ عبارة جميلة لنيتشه. وفي كرة فلسفية واحدة يحرق أفلاطون كل أشعاره التي نظمها طفلًا ويحكم في ذات الوقت ﺑ «ألَّا يقبل الشعراء التراجيديين» وعلى رأسهم هوميروس في مدينة الفلسفة. لقد كان على الفيلسوف حينئذٍ أن يختار ما بين القصيدة والمدينة فانتصر للمدينة وللفضيلة وللحقيقة بالرغم من تقدير ومحبة لا تزال في قلبه لهوميروس، لكن، وبعبارات خالدة لأفلاطون «لا ينبغي أن نكنَّ لبشر من المحبة أكثر مما نكنُّه للحقيقة.»

    ليس الشاعر إذن مربيًا ناجحًا لأن الصور ليس يمكنها أن تنتج غير الايتوس في حين تحتاج المدينة إلى لوغوس. وبالتالي إن هذا النظام الإتيقي للصور ليس بوسعه إلَّا أن يوزِّع الايتوس أي أن يخترع المحسوس على شكل قصص هي في ذات الوقت نمط لوجود الأفراد والمجموعات. لكن لم تصلح مدينة بلا شعراء؟ إنها لا تصلح إلا «لهدهدة الرضَّع» على حدِّ عبارة مثيرة لرنسيار.

  • (٢)
    النظام الشاعري أو التمثيلي للفنون: ويتعلَّق الأمر في هذا النظام بولادة الزوج المفهومي الأرسطي القائم على التناسب بين الشعر والمحاكاة. إنه إجراء فلسفي كبير ذاك الذي أتاه أرسطو بتأهيله للمحاكاة وبتمجيده للفعل التراجيدي. وفي سياق هذا النظام الشاعري للفنون تدخل أيضًا الفنون الجميلة بوصفها فنونًا قائمة على التمثُّل حيث تصير الفنون أساليب فعل ونظر وحكم معًا.٥
  • (٣)
    نظام استطيقي للفنون: وهنا لا يتعلق الأمر بالمعنى التقليدي للاستطيقا أي لم تعد الاستطيقا علمًا بالمحسوس ولا جماليات لتربية الذوق إنما «يتعلق الأمر بنمط مخصوص من الوجود الذي من٦ شأن الفن، ونمط وجود موضوعاته» … إن الحديث عن نمط استطيقي للفنون يعني تحديدًا هنا إمكانية التعرف على نمط من الوجود المحسوس الخاص بمنتوجات الفن. غير أن المحسوس قد صار ضمن هذا النظام الاستطيقي محسوسًا غريبًا عن ذاته من ذلك فكرة العبقرية نفسها التي نادى بها كانط والتي تجهل لديه بأصل الإبداع أصلًا. ومن أنماط المحسوس الجمالي الذي صار غريبًا عن نفسه هو مفهوم «الحالة الاستطيقية» لدى شيلَّر التي تظهر لديه بوصفها لحظة ولادة إنسانية فريدة من نوعها قادرة على المصالحة بين الطبيعة والحرية والجميل والسياسة وحيث يصير الجمال إلى نمط من التربية الجمالية للبشر. وفي هذا السياق يشدد رنسيار على أهمية هذه اللحظة في أنماط الوجود الخاصة بتوزيع المحسوس الجمالي السياسي معًا. لذلك يعتبر فيلسوف سياسات المحسوس بأن «الحالة الاستطيقية لشيلَّر هي أول بيان لا يمكننا تجاوزه لهذا النظام الاستطيقي للفنون» معتبرًا هذا النظام هو «الاسم الحقيقي لما تدلُّ عليه التسمية الغامضة للحداثة.»٧

    يقترح علينا جاك رنسيار استبدال براديغم الحداثة بما يسمِّيه الأنظمة الخاصة بالفنون أو بالاستطيقا الأولى. ها هنا تصير الممارسات الفنية أنماطًا من الفعل الجماعي التي تعيد التوزيع العام لأنماط الوجود ولأشكال المرئي بعامة. وهنا يتوجب علينا أن نكف عن الفصل العقيم بين ما هو جمالي وما هو سياسي وما هو فنٌّ وما هو ليس بفنٍّ. إن المحسوس الذي نتشارك في اختراعه وفي توزيعه ليس هو المحسوس المعطى بل هو إمكانيات التخييل اللامتناهية للممكن الذي بحوزة البشر. ها هنا تشابكات وتقاطعات وطوبوغرافيا للمحسوس غير مسبوقة. وهنا تسقط كل الثنائيات الكلاسيكية (محسوس ومعقول، ذات وموضوع) وتسقط معها الشعارات الكبرى للحداثة من قبيل: استقلالية الفن (كانط، أدرنو) ويوطوبيا التقدُّم (فلسفة التنوير) وفكرة نهاية التاريخ (فوكو ياما) وكل أدب الحداد والكارثة (بنيامين) وكل فلسفات الآخر المرضية (ليوتار).

(٢) ما معنى المشاركة في المحسوس؟

يقول رنسيار: «إنني أسمي مشاركة في المحسوس نسق البديهيات المحسوسة التي تبين لنا في الآن نفسه وجودًا مشتركًا ما ونقاط التقاطع التي تعين المواقع والأسهم المناسبة.»٨ يكشف لنا الاشتراك في المحسوس إذن من هو مرئي في الفضاء المشترك ومن بوسعه المشاركة في الشأن العمومي. يفترض إذن هذا الاشتراك في المحسوس أن هناك ضربًا من الاستطيقا المتجذرة في النسيج الحميم للسياسة. ومع ذلك لا يتعلَّق الأمر بتحويل السياسة إلى استطيقا ولا بتجميل الواجهة من أجل إنفاذ سياسة ينعدم فيها التوزيع العادل للمحسوس. إن الاشتراك في المحسوس يقود بذلك إلى البحث عن التمفصلات التي تخترق الفضاءات المشتركة بين السياسي والاستطيقي.

إننا إزاء سياسات للمحسوس بدلًا عن تجميل لواجهة وتلميع للمؤامرات التي تحاك على أرضيته. هناك إذن توزيعات وتقاطعات للأزمنة والأمكنة، للمرئي واللامرئي، للكلمة وللضجيج الذي من شأنه أن يعين مكان السياسة ورهاناتها معًا. وذاك هو معنى الاستطيقا. أما عن السياسة فتتعلق بما نراه وبما نقوله وبمن يملك مهارة ما نراه والطريقة الكفيلة بقوله. وفي هذا السياق تولد الممارسات الفنية لا بوصفها نتاجًا للعبقرية أو بوصفها موهبة طبيعية أو شكلًا من الرفاه الميتافيزيقي، إنما بوصفها أنماط فعل في علاقة بالتوزيع العام لأنماط الوجود ولأشكال المرئي واللامرئي معًا.

وهنا يتجلى حقل الأدب بوصفه أحد الأشكال النموذجية لتوزيع المحسوس. فنحن حينما نكتب إنما نكتب لأي كان فنعيد توزيع المحسوس بالقضاء على السلم الاجتماعي المعطى والجاهز ونعطي الحق للجميع في الانتماء إلى فضاء يتسع لكل الناس. يعتبر رنسيار أن فنَّ الكتابة يخلق إذن اشتراكًا في المحسوس بخلقه لشكل آخر من المساواة بين كل القراء الممكنين. وذلك يعني تحديدًا أن الأدب لا يعترف بأية طبقية ولا أفضلية بين البشر … فكل صفحة نكتبها هي قابلة لأن تُقرأ من طرف أي كان مهما كان لونه وانتماؤه وطبقته الاجتماعية. ذاك هو معنى الاشتراك في المحسوس الذي بوسع الممارسات الفنية أن تخترعه بما هي أنماط فعل وأنماط من الخلق لأشكال أخرى من الذاتية السياسية. إن فنَّ الأدب يصير بذلك لدى رنسيار فنًّا خلاقًا دومًا لجماعة من القراء الممكنين بمجرد السيلان الاعتباطي للحروف على صدر صفحة بيضاء لا تملك أي فضل خاص بها. والفن بهذا المعنى إنما يحقق ما يلي:
  • أولًا: خلق فضاء خيالي مغاير للأمكنة التي تستولي عليها المنظومة السياسية الرسمية بأجهزة الهيمنة والتدجين المعروفة والمعطاة.
  • ثانيًا: هو يخترع الحرية من نوع آخر بعيدة المدى فيما أبعد مما تنص عليه الأجهزة الحقوقية والقانونية.
  • وهو ثالثًا: يفتح الأفق أمام ضرب من المساواة والعدالة الرمزية بين الناس بإعادة توزيع المحسوس توزيعًا عادلًا عبر الفن الذي يهدم كل الفوارق الظالمة بين البشر.
  • وهو رابعًا: وأخيرًا يخترع مشتركًا من نوع خاص: ليس هو بمشترك الحدود الجيوسياسية لشعب ما ولا هو بالمشترك الهووي لجماعة تنتمي إلى هوية ثقافية وتتقاسم ذاكرة واحدة. إن الأمر يتعلق بمشترك أصدقاء الفن بوصفهم مواطنين كونيين في عالم يحتضن الجميع.

إن مهمة الجماليات داخل فلسفة الاشتراك في المحسوس هي وفق أطروحة رنسيار إعادة المعنى إلى الحياة المشتركة التي صارت تشكو من الفراغ والاختلال ونقاط العطالة. إن الفن يخلق المشترك في معنى محدد بوصفه عملية تذويت سياسي تفتحنا على عوالم فريدة من الجماعة. وهو مشترك يفتحنا على حقول جديدة من أنماط الاشتراك في الكينونة معًا في العالم بوصفنا ذواتًا عائمة طافرة صائرة … تصنع نفسها على نحو ابداعي حيوي سياسي معًا.

ذاك هو المعنى الجديد للذاتية السياسية التي تتكون لدينا ضمن هذا الاشتراك في المحسوس. ذاتية سياسية جمالية لا تنفك عبر الفعل الفني عن تعكير صفو المحسوس المعطى من أجل إعادة توزيعه من جديد. يتعلق الأمر بجموع أو جماهير أو شعوب تتدفق من رحم الكينونة بوصفها سيلانًا دائمًا للإبداع ولاختراع أجساد مغايرة للأجساد الخاضعة للهيمنة.

يتعلَّق الأمر إذن باستدعاء لمفهوم المساواة من ميدان الفكر السياسي إلى ميدان التفكر بالممارسات الفنية. لكن ما معنى المساواة حينما نكون إزاء حقل الفنون؟ ها هنا يحيلنا جاك رنسيار إلى ما يسميه في كتابه المعنون على تخوم السياسي «جماعة المتساوين» بوصفها جماعة «تمر ضرورة عبر شكل من الفلانية.» وذلك يعني أننا لم نعد إزاء المحسوس المعطى إنما نحن إزاء ضرورة تكسير بديهياته من أجل المشاركة في اختراع ضروب مغايرة من الإحساس ومن الشعور ومن الوجود الحسي. إن جماعة المتساوين تشمل ما يسميه رنسيار «أولئك الذين لا نصيب لهم» وأولئك الذين لا مسكن لهم وأولئك الذين لا أوراق ولا جوازات سفر لهم … مقولات اجتماعية وأشكال أخرى من الذوات التي لا يمكن إحالتها على جماعة اجتماعية. إن ظهور هذه الأشكال الجديدة من الفلانيات هو ما دفع برنسيار إلى تجديد مقولة الطبقة الماركسية التي عولت على البروليتاري بوصفه عاملًا فقط في حين أن المجتمعات الحالية تتسع إلى أكثر من هذا النمط الاجتماعي من البشر. إن مفهوم «الفلان» جاءت كي تعوض مقولة البروليتاري بتوسيعها وتجذيرها في عمق التحول الاجتماعي المعاصر.

(٣) الفلانية الجمالية

«ينبغي أن نعمم القدرة على أن يكون المرء أيًّا كان»٩ ذاك هو شعار جماليات الاشتراك في المحسوس بوصفه «ما يفصل المحسوس بما هو عالم مشترك نرغب فيه عن الإحساس بما هو نسق لجملة من الاستجابات لمثيرات معينة.» إن هذه القدرة على أن يكون المرء «أيًّا كان» — في اعتبار رنسيار — هي المعنى الأصلي للبروليتاري في المعنى الماركسي الأول. وقد وقع توسيعها. هنا تأتي المساواة الجمالية أفقًا بديلا عن التقسيم غير العادل للمجتمع إلى فئات اجتماعية متفاوتة. إن المشاركة في المحسوس هي تحديدًا انتصار للفلانية؛ أي لقدرة أي كان على أن يشترك مع الجميع في الحقل الوسيع للمرئي واللامرئي. هنا يستعيد أي كان بوصفه اقتدارًا كونيًّا للجميع قدرته على النظر وعلى تشكيل مغاير للمشترك.
غير أن هذه المساواة الجمالية التي يبثها الفن في المحسوس ليست هدفًا في حدِّ ذاته. ذلك أن الجماليات المشتركة لا تعد بأي شكل من اليوطوبيا. إن أشد ما يهمنا هنا هو البحث عما يسمح لنا في كل لحظة وفي كل حدث وفي كل قول وفي كل فنٍّ بتجسيد لقوة المساواة. والطريف في كل ذلك هو جوهر هذه المساواة بما هي ليست غير قوة القدرة على أن يكون المرء أيًّا كان، وهو شرط من دونه لا نستطيع البتة الولوج إلى فلسفة المشترك. تلك هي الدلالة الأساسية للاشتراك في المحسوس أي خلق أنماط مختلفة من الكوننة الهادفة إلى «إنماء ودعم ومضاعفة وتكاثر القدرة على أن يكون كل منا أيًّا كان.»١٠

تقوم إذن فلسفة الاشتراك في المحسوس على الدفاع على أي كان بوصفه اقتدارًا على المساواة وعلى التوزيع العادل للمحسوس ضد كل الفوارق الظالمة بين البشر. غير أنه كفيل بنا أن نشدد مرة أخرى أن المشترك هنا يتجاوز في كرة واحدة مفهوم الطبقة الماركسي ومفهوم جماعة التواصل لهابرماس. وهو بذلك يتجاوز أفق يوطوبيا الثورة الماركسية وأطروحة فضاء عمومي كوني قائم على إتيقا النقاش لرواد فلسفة التواصل.

إن الأمر إذن يتعلق بمفهوم مخصوص لجماعة من المتساوين بوصفه مفهومًا استكشافيًّا حرًّا ما بعد طوباوي وما بعد سياسي معًا. وهو أمر يجعلنا ندافع عن ضرب من المجانية والاعتباطية وحتى الابتذالية ضد كل أشكال الشرف الاجتماعي والتراتبية وأنساق التوزيع المغلقة للمحسوس. ضد كل ألقاب الشرف والنبل الزائفة، يقوم الاشتراك في المحسوس على قدرة أي كان في اختراع المحسوس: أن أيًّا كان بوسعه أن يشترك في الممارسة الفنية، وأن الفن بوسعه أن يوجد في أي مكان وبأي طريقة اتفق وبوسعه أن يكون متاحًا للجميع. إن أي شيء يمكننا أن نحوله إلى فنٍّ … غليون أو أحذية قديمة أو بسمة عابرة … أو حتى سيارات مفخخة … إن الاشتراك في المحسوس هو الطريقة التي يستولي فيها «أولئك الذين لا فضل لهم» الذين لا يملكون أي نبل اجتماعي على مساحة المرئي من أجل خرق كل إجماع زائف. لكن كيف بوسع الاشتراك في المحسوس أن يقوم على خرق الإجماع؟

يتعلَّق الأمر باقتراح نمط فلسفي مثير للاشتراك في العيش معًا في العالم يجد في مفاهيم عدم التفاهم وعدم الاتفاق وخرق الإجماع عبارات نموذجية عليه. وهنا ينبغي أن نشير إلى أننا إزاء ولادة نموذج فلسفي سياسي ما بعد طوباوي مخالف رأسًا للعقلانية التواصلية لهابرماس. إن مبدأ الحوار السياسي أو ما يسميه رواد فلسفة التواصل إتيقا النقاش إنما يقوم في سياق جماليات المشترك تحديدًا على «عدم الاتفاق حول الوضعيات والذوات» … إن الاشتراك في المحسوس يدفعنا إلى «أن نخترع الركح الذي يصير فيه ما نقوله مقولًا وما نراه مرئيًّا … وحيث نصير نحن أنفسنا كائنات مرئية.» كيف بوسعنا أن نتعدد؟ كيف بوسعنا أن نخترع جسدًا مغايرًا لذاك الذي تأقلم مع الخضوع؟ ذاك أمر بوسع الممارسات الفنية بوصفها أنماط فعل وأنماط كينونة وأنماط إعادة توزيع للمحسوس أن تحققه. وذاك هو معنى خرق الإجماع أي تغيير أنساق التمثل المكتسبة وكسر أجهزة المحسوس الجاهزة والقطع مع نظام الإدراك المهيمن.

إن الاشتراك في المحسوس يقوم إذن على بث إمكانيات أخرى من الكينونة في العالم عبر قدرة الفن على اختراع التعدد وذلك عبر تخييل للواقع وضخه بإمكانيات لامتناهية من فنِّ الممكن. ضد سياسات الاجماع التي تؤدي إلى تشيئة المحسوس وتأبيد وضعيات ما هو معطى وماهو رسمي وما هو جاهز، تقترح علينا فلسفة الاشتراك في المحسوس ضربًا من الاستطيقا الأولى هادفة إلى خلق أشكال فنية ممكنة، لخرق الإجماع حول محسوس غير موزع بشكل عادل بين البشر. إعادة توزيع المحسوس أي إعادة ترتيب أنماط الوجود معًا، بتفعيله، وبفتحه على أشكال أخرى من الذاتية السياسية وتنشيط قدرات مغايرة لامرئية … ذاك هو معنى الاشتراك في المحسوس. إن النموذج التواصلي الذي تنادي به سياسات الإجماع قد أدى بحسب رنسيار إلى عودة الجماعوية بأشكالها الهووية والأصولية المختلفة الأطياف.
ليس هناك أي مستقبل في انتظارنا.١١ بهذه الأطروحة يوقع جاك رنسيار نهاية اليوطوبيا. لكن ذلك لا يعني أن الفن قد تخلى عن الرغبة في تغيير العالم، بل يعني فقط أن الأشكال الكبرى لتغيير العالم قد أفلت. المطلوب من الجماليات هو البحث عن أشكال مغايرة من الذاتية السياسية. يتعلق الأمر بهزم العلاقات البديهية والمعطاة في الأحداث اليومية، والفتك بالعلاقات المعطاة التي تربط بين الكلمات والوقائع أي بين ما يُرى وما يقال بهدف خلق أشكال من الممارسة الفنية للمشترك.
ها هنا لا يهدئ الفن من روع الجمهور. ولا يصلح الفن من أجل الإمتاع ولا المؤانسة ولا من أجل تحرير البشر أو إضفاء المعنى على وجودهم مثلما تقر بذلك كل الجماليات الكلاسيكية من كانط إلى أدرنو إنما من أجل خلق أشكال من الذاتية السياسية الجماعية القائمة على تصور جديد للجمهور من خلال مفهوم «الأي كان.» وربما ما ينقصنا حسب رنسيار إنما هو تحديدًا الجمهور. ماذا يعني هذا الكلام؟ يبدو إذن أن الساحة السياسية لا تمنحنا أشكالًا قوية من الذاتية السياسية الجماعية وذاك هو ما جعل الفنانين يحتجُّون على سياسات المحسوس ويخترعون إمكانيات مغايرة من المشترك. إن الفن يرسم لنا مناظر أخرى وإمكانيات أخرى من النظر إلى المحسوس بوسعها أن تفكك أشكال الاتفاق. وذاك هو ما تنص عليه سياسات الفن ما بعد الطوباوية. وهي سياسات تشرع لذاتية جماعية تتجاوز الثنائيات الجمالية الكلاسيكية التي تفصل بين الذاتي والكوني وبين ما هو سياسي وما هو جمالي. وفي الحقيقة تعيدنا هذه الذاتية الجمالية السياسية الجماعية إلى مفهوم الكونية الجمالية الذي اشتغل عليه كانط منذ الفقرة الثامنة من كتاب نقد ملكة الحكم. وإنه بفضل قراءة حنا آرندت السياسية لهذا الكتاب أصبح ممكنًا فتح ميدان الجماليات على حقل السياسة. إن ميدان الجمالي هو ميدان التدرب الرمزي على أشكال أخرى من المشترك مغايرة لأشكال المعطى. ها هنا لا تشتق سياسة المحسوس نفسها من مجموع الأحكام الفردية ولا من التعبير الموضوعي على جماعوية جوهرية. جماعة المشترك التي تخترعها الجماليات لا هي بالهووية الثقافية ولاهي بالجماعة الليبيرالية بل هي جماعة أصدقاء الفن التي تدافع عن قدرة أي كان في الاشتراك في المحسوس. مشترك الفن لا ينتمي إلى فكرة الكل التي تجسدها الدولة ولا إلى فكرة الجماعة التي تعبر عنها هوية ما ولا إلى فكرة الطبقة التي تجمع بين أفراد ينتمون إلى فئة اجتماعية واقتصادية معينة.

غير أن ما يفصل الاشتراك في المحسوس عن الذوق الجمالي الكانطي هو أن المشترك الجمالي لم يعد يقتضي مجرد حكم جمالي بل صار إلى شكل من الفعل الجماعي. وبالتالي أن المشاركة في المحسوس لم تعد تكتفي بمجرد التفرج عليه كما الحال في جماليات المتفرج على العالم الكانطية. فالمتفرج على الفن قد غير هو نفسه من موقعه بأن تحرر من الفرجة إلى إعادة تشكيل للمحسوس باختراع مناظر جديدة وأشكال نظر تهزم جسد الهيمنة. لم نعد بذلك إزاء جماعة تواصلية من المتذوقين الكونيين بل صرنا إزاء إمكانية جماعة تخترع المشترك وتوزعه وتجعله مرئيًّا لأي كان، بل وتخترع الأي كان بوصفه اقتدارًا على المساواة حيثما اتفق.

ليس هناك مستقبل في انتظارنا وينبغي بالأحرى الحذر من السقوط في أشكال من المستقبل قد مضت بعدُ … لكن رنسيار يطمئننا بأن «لا شيء يدعو إلى التشاؤم … لا يزال لدينا الكثير من العمل في انتظارنا بالنسبة لمن لا يريد أن يموت غبيًّا … وتبًّا للمتعبين.»١٢
إننا إزاء سياسات جديدة للمحسوس يتقاطع فيها الجمالي والسياسي، الفني والإتيقي، المرئي واللامرئي على نحو غير مسبوق. وتتضمن سياسات المحسوس هذه سياسات مختلفة للفن بوصفه نمطًا من اختراع المشترك ومن تحريره ومن توزيعه على أي كان معًا. هناك سياسة خاصة بالشعراء وأخرى خاصة بالأدباء وثالثة تخص فنون الصور. وإنه بحسب هذه السياسات الفلسفية الجديدة للفن يغير المتفرج والقارئ والسامع والجمهور شكلًا من الذاتية السياسية من مواقعه. وذاك هو معنى ما يسميه جاك رنسيار بالمتفرج المتحرر (٢٠٠٨م).
سياسة الأدب: ما المقصود بهذا المفهوم؟ يقول رنسيار في كتاب سياسة الأدب بتاريخ ٢٠٠٧م: «إن عبارة سياسة الأدب تعني أن الأدب يمارس السياسة بوصفه أدبًا … وتفترض أنه ثمة رابطة جوهرية بين السياسة بما هي شكل خاص من الممارسة الجماعية والأدب بماهو ممارسة خاصة بفن الكتابة.» لا شيء يفصل بين السياسة والأدب ولا شيء يفصل الكتابة النظرية عن الممارسة العملية. ذاك أمر صار بديهيًّا في العقل الفلسفي الحديث منذ ماركس تحديدًا، ومنذ كلمته المشهورة «أن النظرية إذا اعتنقتها الجماهير تحولت إلى قوة ثورية.»

ومن هنا علينا أن نشير إلى أن الرابط الحقيقي بين السياسة والأدب هو فكرة الممارسة الجماعية المشتركة بينهما. وهنا يتغير مفهوم السياسة نفسه تغيرًا جوهريًّا. ها هنا ليست السياسة نفوذًا ولا قوانين ولا تنظيمًا للسلطة ولأجهزة التحكم بالبشر، إنما السياسة هي «تشكيل نمط خاص من الجماعة.» ثمة سياسة حيثما ثمة أنماط من تشكيل لمشترك ما. وبعبارات دقيقة أن السياسة هي «تصميم لحقل تجربة خاصة وفريدة حيث تعين بعض الموضوعات بوصفها مشتركة.» إن الأدب إذن يخترع عالمًا مشتركًا. إنه فعل سياسي يمنحنا تقاطعات غير مسبوقة بين المرئي واللامرئي بين الكلام والضجيج بين صرخة الألم والكلمة الحرة. إن الكتابة هي نوع من التدخل في الاشتراك في المحسوس، يعرف العالم الذي نسكنه والطريقة التي يُرى وفقها هذا العالم ويُقال بكل القدرات الثاوية داخل ذاك النوع من المقول. لذلك ينبغي علينا أن نميز في السياسة بين الكلمة والصرخة وذاك هو دور الأدب تحديدًا …

يقول المترجم العربي لكتاب سياسة الأدب ما يلي: «إن سياسة الأدب، كما يراها رنسيار، هي فوق سياسية: بمعنى أنها، من جهة تقوم بتأويل الأدلة المكتوبة على أي جسم وفق منطق «ديمقراطي» يستنتج وجود مساواة مبدئية بين أي شخص كان وأي شيء كان، ومن جهة أخرى فإنها تحرر الأجسام من أي دلالة نريد تحميلها إياها، بما فيها السياسة، فهي ليست «سياسة الكُتَّاب.»١٣ ويرمي رنسيار في عمله إلى إظهار أن الأدب ليس وسيلة يقترح الكُتَّاب من خلالها مواقف سياسية والتزامات سياسية فحسب، بل إن للأدب شكلًا من أشكال السياسة خاصًّا به. ويفترض ذلك أن السياسة لا تعني ببساطة ممارسة السلطة أو الصراع عليها، بل التشكيل المحسوس لعالم مشترك وللذوات التي تسكنه ولقدراتهم.»١٤
في كتابه المعنون لحم الكلمات (١٩٩٨م) يقول رنسيار: «في البدء كان الكَلِمُ … لكن ليس البدء هو الأمر الصعب … بل إن النهاية أصعب … ذلك أن الكثير من الأشياء بوسعها أن تُقال كُلما كان الكَلِمُ …»١٥ لكن الكلمات لا تشبه ما تقوله ولا تحاكيه … ليس ثمة أية جملة مطابقة لأي موضوع من موضوعات العالم. إن رسالة الأدب ليس في وصف العالم أو محاكاته أو التأقلم معه أو خلق فضاءات للتواصل إنما «رسالة الأدب هي أن يخترع شعبًا سوف يأتي.» إن الكلمات بمقدار ما تُسمي الأشياء وبمقدار ما تأمر وتغضب وتنادي وتغري وتصرخ هي تصنع الجماعة وتخترع المشترك. ومن أجل شرح مفهوم المساواة الأدبية يعود رنسيار إلى دولوز قائلًا: «ويمكننا ترجمة هذه الكلمات بمصطلحات فلسفية نستعيرها من دولوز فنقول: ليست المساواة الروائية المساواة المولالية molaire للكائنات الديمقراطية، بل هي المساواة الجُزيئية moléculaire للأحداث الصغرى micro-événement وللفرديات التي لم تعد أفرادًا individu بل مجرد اختلافات في الشدة يُشفي إيقاعُها الخالص من حُمى المجتمع.»١٦
ليس ثمة شكل واحد لديمقراطية الأدب لدى رنسيار. ثمة ثلاثة أنظمة تعبير هي أشكال في المساواة الأدبية يبسطها دولوز كما يلي: ثمة أولًا «مساواة الموضوعات وجاهزية كل كلمة أو كل عبارة لتشكيل نسيج أي حياة كانت … وهناك أيضًا ديمقراطية الأشياء البكماء التي تنطق أحسن من أي أمير من أمراء المأساة ومن أي خطيب من الشعب أيضًا. وأخيرًا هناك الديمقراطية الجُزيئية لحالات لا مبرر لها، والتي تدحض في الوقت نفسه صخب خطباء المنتديات والثرثرة التفسيرية لحل رموز الأدلة المكتوبة عن الأشياء. إنها «ديمقراطيات» ثلاث … وثلاثة أساليب يمثل فيها الأدب نظامه في التعبير بطريقة في تشكيل معنى مشترك، وثلاثة أوجه في عمل الأدب على تشكيل مشهد المرئي وطرق حل رموزه وتشخيص ما يفعله فيه الأفراد والجماعات وما يمكنهم أن يفعلوا فيه …»١٧

(٤) المتفرج المتحرر والمعلم الجاهل

في كتاب «المتفرج المتحرر» يقترح علينا رنسيار تصورًا جديدًا للمتفرج الذي يكف لديه عن أن يكون مجرد متفرج … ويختبر فكرة المتفرج الجمالية انطلاقًا من فنِّ المسرح الذي يعرفه على نحو مثير بكونه «المكان الذي يُدعى فيه الجاهلون إلى مشاهدة الناس المتألمين.»١٨
لكن وضعية المتفرج ليست أبدًا بالوضعية المريحة لذلك «نحن بحاجة إلى مسرح آخر … مسرح بلا متفرجين» … إننا نحتاج إلى ما يسميه رنسيار ﺑ «المشاركين النشطين» … ويجد رنسيار في المسرح «شكلًا جماعيًّا نموذجيًّا» لاختراع المحسوس وللاشتراك في الوجود المرئي والرمزي والبيولوجي … يكف المتفرج عن أن يكون مجرد متفرج من أجل أن يصير صاحب فعل جماعي … وذلك يعني أن تحرر المتفرج يبدأ متى وضعنا التقابل بين النظري والعملي والركح والفرجة موضع ريبة بوصفها ثنائيات تنتمي إلى منطق الهيمنة والنفوذ والإخضاع … ها هنا يقع قلب الأدوار والأمكنة حيث يصير النظر فعلا يعضد الوضعيات ويبدل توزيع المحسوس على الذوات … وهنا يشدِّد رنسيار على أهمية المسرح بوصفه شكلًا جماعيًّا نموذجيًّا … في معنى قدرته على المساواة بين القدرات الفلانية التي تجعل من كل الناس متساوين … إن الأمر يتعلق تحديدًا بتحرير المتفرج من وضعية المتفرج للدفع بالجميع إلى التقاطع على تخوم المشترك الحسي الذي يجمع الجميع بوصفهم «أيًّا كان» مجرد فلانيين دونما ألقاب شرف ولا طبقات ولا تمييزات هووية أو عرقية أو مادية … وهو توزيع عادل للمحسوس ضد لذات الجماليين الذين يتذوقون تناغم الأشكال وظلال المناظر الطبيعية (على طريقة كانط نموذجًا)، وضد فلاسفة الغاب الذين يسيرون في طرق الريف التي لا تؤدي من أجل اختراع فرضيات ميتافيزيقية (هيدغر)، وضد الكهنة الذين يجهدون أنفسهم لتبليغ عقيدتهم إلى كل الصحابة الذين يلتقونهم صدفة (دعاة فلسفة التواصل) يقترح رنسيار «إعادة تأهيل حقيقة النظرية الماركسية من أجل تسليح حركة ثورية جديدة»١٩
لقد صار كل شيء قابلًا للمسرحة في مجتمع المشهد والفرجة وعصر الركح بامتياز … لذلك يبدو مفهوم المتفرج المتحرر مفهومًا أساسيًّا ضمن فلسفة تراهن على شكل مغاير من الذاتية السياسية التي لم تعد مجرد متفرجة سلبية بل مشاركة نشيطة وفعلية في سياسات المحسوس وتقاسمه واختراعه وإعادة توزيعه … لذلك يسعى صاحب هذه الفلسفة إلى البحث عن نموذج ديمقراطي للمسرح يتدرب داخله المتفرج على اختراع ديمقراطية المشترك … ويعتمد رنسيار في ذلك على تجربة بيداغوجي اسمه جوزيف جاكوتوت الذي خصص له كتابه بعنوان المعلم الجاهل. ويعطي رنسيار لمفارقة «المعلم الجاهل» التفسير التالي «أن الجاهل بوسعه أن يعلم جاهلًا آخر ما لا يعرفه هو بنفسه … وذلك انطلاقًا من المساواة في الذكاء ومن التقابل بين التحرر الفكري وتعليم الشعب» … ويسعى رنسيار إلى تطبيق هذه المفارقة على ميدان الفن … وبخاصة على ميدان فنِّ المسرح … لكن الأمر يقتضي حينئذٍ أن يواجه الفيلسوف أمية محرجة عليه الحسم فيها ما بين تصور براشت وتصور أرتو لعلاقة المتفرج بالركح … فإذا كان براشت يفترض وجود مسافة بين المتفرج والركح يتدرب فيها على الوعي والتمرد على واقع الهيمنة، فإن أرتو يقول على عكس براشت بطمس كل مسافة بين المتفرج والمسرح …

ومن أجل الحسم في منزلة المتفرج بالنسبة إلى الركح ينطلق رنسيار من الفرضية التالية: «إن ثمة شرًّا ما في أن يكون المرء متفرجًا» وذلك لسببين:

  • أولًا: أن نشاهد هو نقيض أن نعرف … وذلك من أجل أن المتفرج يجد نفسه دومًا إزاء شيء ما يظهر على الركح فيستولي عليه ذاك المشهد بوصفه ظهورًا مع جهل المتفرج بعمليات إنتاجه وبالواقع الذي يخبئه أو يحجبه عنا …
  • ثانيًا: أن تكون متفرجًا معناه ألا تكون فاعلًا … لأننا نفصل دومًا بين النظر والعمل … إن ما يريده رنسيار في حقيقة الأمر هو التالي: أنه ثمة قرابة ما بين صورة «المعلم الجاهل» وصورة الركح إزاء المتفرج … والسؤال هو: ماذا سيعلم المسرح المتفرج؟ ماذا سيغنم المتفرج من الركح؟ … يجيبنا رنسيار ﺑ «أن التوسط المسرحي وفق براديغم برشت يجعل المتفرجين على وعي بالوضعية الاجتماعية ممَّا يجعلهم يرغبون في تغييرها … أما وفق منطق أرتو فإن التوسط المسرحي يحررهم من وضعية المتفرجين … وفي كل الحالات فإن المسرح ينزع إلى اندثاره الخاص» … إن الأمر يتعلق بانعتاق المتفرج من وضعية المتفرج وتحرير الركح من وضعية الركح العمودية … ثمة ضرب من التوسط المسرحي الذي يحمل نفس منطق العلاقة البيداغوجية بين المعلم والتلميذ … حيث تكون مهمة المعلم هي القضاء على المسافة التي تفصل بين علمه وجهل تلميذه … وتكون الغاية من الدروس التي يقدمها هي الاختزال التدريجي للهوة التي تفصل بينهما … لكن المحرج في هذه الوضعية هو أن القضاء على المسافة لا يتم إلا بإعادة خلقها باستمرار … إذ كلما انتصب الركح ركحًا ارتسمت المسافة بين المسرح والمتفرج … وهنا حري بنا أن نتوقف أكثر عند هذه الصورة المثيرة «للمعلم الجاهل»٢٠ … لأنه من أجل استبدال الجهل بالمعرفة فإنه ينبغي على هذا المعلم أن يخطو خطوة إلى الأمام وأن يرسم بينه وبين تلميذه جهلًا إضافيًّا … ذلك أن الجاهل ها هنا ليس من يجهل ما يعرفه معلمه لكنه هو من لا يعرف ما يجهله ولا يعرف كيف يعرف ما يجهله … أما المعلم فهو ليس فحسب من يملك سلطة العلم المجهول من طرف الجاهل بل هو بخاصة من يعرف يجعل منه موضوعًا للمعرفة وفي أية لحظة ووفق أية استراتيجية … ففي التصور الديمقراطي ليس ثمة أي جاهل … بل إن الديمقراطية تجعل من الجهل نفسه درجة دنيا من المعرفة …

إن ما نغنمه من هذا التحليل للعلاقة البيداغوجية بين المعلم والتلميذ في حالة العلاقة بين الركح والمتفرج هو تحديدًا الرسالة الفلسفية التالية: لقد ولَّى الزمان الذي يعتقد فيه المسرحيون أنهم معلمون للشعوب … فالمتفرج قد تحرر من سلطة الركح والركح نفسه قد طرد الآلهة وتحرر من غطرسة الكلام والنص والكاتب … لكن متى تبدأ عملية تحرر المتفرج من وضعية المتفرج؟ متى يصير المتفرج مشاركًا فعليًّا في رسم المحسوس وتقاسمه وسياسته؟ إجابة رنسيار هي التالية: تبدأ عملية تحرر المتفرج في اللحظة التي نضع فيها التناقض التقليدي بين النظر والعمل والمشاهدة والفعل موضع سؤال … وحينما نفهم أن البديهيات التي تنسج العلاقات بين القول والنظر والفعل تنتمي هي نفسها إلى نفس بنية الهيمنة والإخضاع … لذلك فإن المتفرج لا يتحرر إلا متى أدرك أن النظر هو أيضًا فعل بوسعه أن يغير التوزيع المعطى للوضعيات والأدوار … فالمتفرج هو أيضًا يفعل مثلما يفعل المتعلم فهو يلاحظ وينتقي ويقارن ويؤَوِّل وهو ينظم مسرحيته الخاصة انطلاقًا من عناصر المسرحية التي هو بصدد مشاهدتها … هكذا إذن بوسع المسرح أن يستبق على جماعة استشرافية تخييلية … جماعة متحررة من الذين يكتبون على النصوص ويخترقونها ويشرخونها ويحييون بها بوصفها كينونة مشتركة …

ثمة إذن قرابة حميمة بين الفن والديمقراطية … ليس الساسة الرسميون هم من يحققون الديمقراطية الفعلية والمشترك الفعلي القائم على مساواة الجميع واشتراك أي كان في المحسوس … لا تكمن الديمقراطية في صياغة القوانين والتشريعات الحقوقية إنما تكمن في تغيير العقليات … أي بوسع الفنون زرع الفكر الديمقراطي والحس الديمقراطي ضمن المشاعر والسلوكات وميدان الفعل البشري بعامة. ذلك أن كلَّ فنٍّ إنما يقترح علينا سياسات خاصة للمرئي واللامرئي للمحسوس والمقول والمفكر فيه والمسكوت عنه معًا. وهي سياسات هدفها حسب رنسيار إنجاز شروخ وقطيعات داخل النسيج المحسوس للإدراكات وداخل ديناميات الأهواء.٢١

يتعلق الأمر إذن تحديدًا بتخييل الواقع بوصفه المعنى العميق للجماليات بوصفه سياسات للمحسوس لكن ما معنى «تخييل الواقع»؟ بوسعنا أن نجمع عناصر الإجابة عن هذا السؤال في المعاني التالية:

  • أولًا: أن نتخيل لا يعني أن نخترع عالمًا خياليًّا في مقابل العالم الواقعي. إنما التخييل هو ما يصنع خرق الاجماع أي تغيير أنماط التجلي الحسي وأشكال القول عبر تغيير للأطر والمقاييس والإيقاعات وبصنع علاقات مغايرة بين الواقع والخيال والظاهر والحقيقة والفردي والجماعي …
  • ثانيًا: أن الفن يغير عناوين الواقع بتغيير نمط إدراك الوقائع الحسية وطريقتنا في جعلها تنتسب إلى ذوات محددة … إن الأمر يتعلق بنوع من التأثيث للعالم بوقائع وأحداث ممكنة …
  • ثالثًا: بوسع الفنون اختراع أنماط من تخييل الواقع باختراعها مشاهد جديدة للمرئي غير مسبوقة، وأشكال جديدة من اختراق المحسوس المعطى «بإعادة توزيع الأمكنة والأزمنة وللضجيج والمقول والمكتوب والمقروء.»٢٢
  • رابعًا: إن الرهان الأخير من فنِّ المشترك القادر على تخييل الواقع وخرق سياسات الإجماع الجاهزة حوله، هو تحديدًا «اختراع العالم الحسي للفلانيين» وتحويل الجميع إلى نمط جديد من الذاتية السياسية الجمالية معًا هو نمط الفلانية الأعدل توزعًا بين الناس … وهذه الفلانية هي شرط إمكان الديمقراطية التي يراهن عليها فيلسوف الاشتراك في المحسوس …

    كتب رنسيار في كتاب «تبًّا للمتعبين»: «إنني لا أعين أبدًا ما يمكن فعله ولا كيف يمكن فعله. إنني أحاول فحسب أن أرسم خريطة ما هو قابل للتفكير (المفكر فيه) من أجل رفع المُحالات والممنوعات التي تُقيم أحيانًا في عمق الأفكار التي تريد أن تكون انقلابية.» كف الفيلسوف عن أن يكون وصيًّا على تاريخ الشعوب … بل صار دوره أكثر تواضعًا. تحرير الفكر مما يمنعه عن التفكير من داخل خريطته نفسها.

خاتمة: الفنِّ والديمقراطية

في كتابه كراهية الديمقراطية (٢٠٠٥م)٢٣ يقف رنسيار عند جملة من المفارقات التي تعيشها الديمقراطية. من جهة لا تزال بعض الحكومات تصدر الديمقراطية بقوة الدبابات. ومن جهة أخرى لا ينفك «المثقفون عن الكشف داخل كل مظاهر الحياة العمومية والخاصة، عن العلامات المشئومة، للفردانية الديمقراطية وتوحش النزعات المساواتية الهدامة للقيم الاجتماعية، التي تنحت كليانية جديدة وتُؤدي بالإنسانية إلى الانتحار» …

ليست الديمقراطية هي الحكم باسم الشعب ولا هي شكل المجتمع الذي يتحكم في سلطة البضاعة. إنما هي تحديدًا وفق عبارات رنسيار «الفعل الذي ينتزع باستمرار من الحكومات الأوليغارشية احتكارها للحياة العمومية، ومن الغني ثراءه ومن الأغنياء الاقتدار الكامل على الحيوات.»

ويدافع رنسيار عن الديمقراطية بوصفها «الاقتدار الذي ينبغي اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن يناضل ضد احتكار هذه السلط تحت قانون واحد للهيمنة … إن إعادة إدراك فرادة الديمقراطية هو أيضًا الوعي بعزلتها.»

هل أن الديمقراطية هي الأمل في الشيوعية أو في ديمقراطية الجموع؟

يتصور رنسيار أنه ثمة ضرب من الشعب المترحل الذي تكون كردة فعل ضد النظام الرأسمالي … يتعلق الأمر بنوع من الذكاء الاجتماعي أو بقدرة جماعية على إنتاج الأفكار والمشاعر وحركات جديدة للأجسام القادرة على تفجير حدود الإمبراطورية.

لأي شيء يصلح الفن في كل هذا الركح؟ رنسيار يضعنا أمام إجابات متعددة: البعض يقول إن الفن عليه أن يُسجل ذاكرة كوارث هذا العصر. وثمة من يقول إن الفن يصلح للتواصل بين البشر. وثمة من يذهب إلى أن الفن بوسعه أن يخترع علاقات اجتماعية مغايرة بين الناس. لكن رنسيار يتصور أن مهمة الفن ليست جعل المعاصرين مسئولين عن الماضي أو جعلهم قادرين على اختراع علاقات أفضل بين الأمم. بل إن مهمة الفن هي التدرب على هذه المسئولية وعلى ذاك الاختراع. فالفن لا يختزل في العلاقات الاجتماعية بل هو ينحت أشكالًا فعلية من المشترك. وذلك يعني أنه بوسعه اختراع جماعات من الموضوعات والصور والأصوات والوجوه والأقوال التي تنسج العلاقات بين الماضي والحاضر، وبين أمكنة بعيدة وفضاءات للعرض … إن هذه الجماعات لا تجمع بقدر ما تفصل ولا تُقرب إلا بقدر ما تفصل ولا تقرب إلا بقدر ما تخلق من المسافات.

غير أن الفصل وخلق المسافات إنما هو أيضًا وضع الكلمات والصور والأشياء ضمن جماعات من أفعال التفكير والخلق والكلام والسماع التي تتقارب وتتكامل … في الفن لا يتعلق الأمر بخلق مشاعر مغايرة لدى المتفرجين إنما يتعلق بتهيئتهم ودفعهم إلى الدخول في مسار مستمر من خلق الجماعات المحسوسة. لكن هذا لا يعني أن الجميع فنانون. إنما يعني فحسب «أن الفن يحيا من الفن الذي يغيره ومن الفن الذي يهيئ ظهوره معًا.»

١  Negri, “Pour une définition ontologique de la multitude,” in Multitude, 9, Mai-Juin, 2002, pp. 1–65.
٢  Ibid., pp. 95–100.
٣  Jacques Rancière, Le destin des images, Paris, éditions–la Fabrique, 2003, pp. 123 sq.
٤  Ibid.
٥  J. Rancière, Le partage du sensible, esthétique et politique, Paris, La fabrique-éditions, 2000, pp. 27 sq.
٦  Ibid., p. 31.
٧  Ibid., p. 33.
٨  Ibid., p. 12.
٩  J. Rancière, Et tant pis pour les gens fatigués. Entretiens, Paris, éditions Amsterdam, 2009, pp. 490 sq.
١٠  Ibid., p. 496.
١١  Ibid., pp. 459 sq.
١٢  Ibid., p. 41.
١٣  جاك رنسيار، سياسة الأدب، ترجمة د. رضوان ظاظا، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ٢٠١٠م، ص١٠.
١٤  نفسه.
١٥  Jacques Rancière, La chair des mots, Politiques de l’écriture, Paris, Galilée, 1998, p. 9.
١٦  جاك رنسيار، سياسة الأدب، مصدر مذكور، ص٤٧.
١٧  نفسه.
١٨  J. Rancière, Le spectateur émancipé, Paris, Lafabrique-éditions, 2008, p. 9.
١٩  Ibid., p. 24.
٢٠  J. Rancière, Le maitre ignorant; Paris, 10–18, 2004.
٢١  Ibid., p. 72.
٢٢  Ibid.
٢٣  J. Rancière, La Haine de la démocratie, Paris, La fabrique, 2005.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤