الثقافة الوطنية
(١) اللغة العربية إلى أين؟١
في العقود الثلاثة الأخيرة، عصر الانفتاح على الغرب الأمريكي، غَزَت اللغةَ العربية مجموعةٌ من الألفاظ المُعرَّبة تخص الوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية. حملت معها قِيمَ الاستهلاك السريع، ومتعة الطعام البارد والحار «ياللا ابدأ المرح والمتعة»، «المتعة بقت متعتين»، ووُزِّعَت الإعلانات الملوَّنة على أوراق ناعمة داخل «الأهرام» أكبر صحيفة قومية يومية، ودخلت الملايين منها كل بيت، بالإضافة إلى كتابتها على واجهة المحلات واللافتات الكبيرة حتى أصبحت زاد كل يوم. يقرؤها الشباب الجديد ويندفع نحوها، ومعظمه عاطل عن العمل أو من طبقة متوسطة أو راقية، يَتشبَّه بالغير، ويعشق الجديد الذي ترمز له الولايات المتحدة الأمريكية. يعجز الفقراء عن الاقتراب منها لأسعارها، ويُعْجَب المُثقَّفون من فخامة الطباعة الملونة والأوراق الناعمة، ومؤلَّفاتهم على أوراق جرائد صفراء، وأسعارها المرتفعة تدخل في جيوب الناشرين؛ يَتَّفِقون على ألفٍ ويطبعون ألوفًا.
ولا فرق بين السياسة المباشرة: الحكم والمعارَضة حول السُّلطة السياسية، والثقافة الشعبية، وتحليل الخطاب في الحياة اليومية؛ فكلاهما كاشفان عن الأوضاع السياسية والاجتماعية، سوء كان في ظاهر الحُكم أو في باطن السُّلطة؛ فاللغة سلطة وثقافة، وقد تم تحليل ما يقرب من ثلاثين إعلانًا لمعرفة لغتها ومفاهيمها ودلالتها على الأحوال العامة في البلاد التي يختلف فيها السياسي والثقافي في الثقافة السياسية التي تكشف عنها اللغة التداولية في الحياة اليومية، وهي ليست مُجرَّد تأملات وملاحَظات عابرة، بل تقوم على تحليل دقيق للمضمون، ولا يُفهم من ذلك دعاية لهذا أو نقد لذلك، بل مجرد وصف للغة الإعلان كما هي الحال في الدراسات الإعلامية المعاصرة، والمفارَقة هي كيف يكون الاتجاه السياسي العام معارِضًا للولايات المتحدة الأمريكية، واللغة التداولية في الحياة اليومية لغة الوجبات الأمريكية السريعة، ممَّا يُوقِع في ازدواجية الشخصية بين القول والعمل، القول الأمريكي والعمل الوطني؟
إن دخول الألفاظ الأجنبية وتعريبها شيء طبيعي مثل دخول الألفاظ العربية إلى اللاتينية، ثم أصبحت فرنسية أو إيطالية أو إسبانية أو إنجليزية، ومنذ عصر النهضة في القرن الثامن عشر دخلت ألفاظ التنوير؛ مثل «الشرطة»، أي القانون، «الأندستريا»، أي الصناعة والعمران، أو «الأيديولوجيا»، و«البرلمان»، و«الليبرالية»؛ أي الألفاظ السياسية، ثم دخلت بعد ذلك ألفاظ التكنولوجيا الحديثة؛ مثل «الراديو»، «التليفزيون»، «التليفون»، «التليجراف»، «الكمبيوتر»، «الإنترنت»، والآن دخل كَمٌّ هائل من مصطلحات الوجبات السريعة وقِيَم الاستهلاك وعمَّت المحلات العامَّة والإعلانات بالألفاظ المُعرَّبة أو بالعامية الدارجة.
وظهرت ألفاظ مُعَرَّبة عن أنواع الأطعمة الأجنبية وطُرق الطهي التي لا يوجد مقابل لها عند العرب، وأشهرها لفظ «برجر» وهو اللحم المفروم. يعرف العرب الشواء، وهو اللحم الطبيعي للشاة كلها من دون فرمها، وتُضاف إليه ألفاظ أخرى مُعرَّبة؛ مثل «تشيز برجر»؛ أي اللحم المفروم بالجبن، «تشيكين برجر»؛ أي لحم الدجاج المفروم، «مشروم برجر»؛ أي اللحم المفروم بعش الغراب، وأحيانًا يتضاعف اللفظ ويصبح عِبارة ثلاثية اللفظ؛ مثل «دوبل تشيز برجر»، وأحيانًا لا يلتفت إلى الثقافات الشعبية. ففي الطعام لا يوجد حلال وحرام إلا الطعم والحاجة مثل «هامبورجر» و«الهام» هو شرائح الخنزير، وقد تم تعريب لفظ «البيرة» من قبل، وأحيانًا يصبح الأمر غير مفهوم ولكن له دلالة صوتية أنه غربي؛ مثل «البوس برجر»، وبالإضافة إلى اللحوم هناك أيضًا الحلوى؛ مثل «كيك المفن»، وقد يكون التعبير كله معربًا لا عربية فيه؛ مثل «سندوتش كانتوك»، «البيتزا تراديشونال» وما أسهل أن يقال: الفطائر التقليدية، «روست بيف»؛ أي اللحم البقري المُحمَّر، «مشروم آند سويس» وهما عش الغراب وسويسرا ولا رابط بينهما إلا طريقة الطهي. «فيمس ستار برجر» وهو اللحم المفروم الكبير على شكل النجمة، «روست بيف آند شيدر» وهو اللحم البقري المحمَّر مع الجبن، «تشيكين فيليه» وهو شرائح الدجاج، «ميجا مشروم»؛ أي عش الغراب الكبير، «ستار ناجتس» وهو غير معروف إلا نصفه الأول نجمة شيء ما، والمحشي هو «ستافت كراست»، والأجنحة المحمرة «فاير ونجز»، والبعض يتعلق بفواتح الشهية؛ مثل «صوص الباربكيو» وهي صلصة الطماطم الحراقة، «صوص الببر مايونيز» وهي صلصة الفلفل بالخل والبيض، «كاتشب» وتعني «امسك من فوق»، مثل «سفن آب» سبعة من فوق.
وقد يكون اللفظ الأجنبي غير مفهوم، مثل «وجبة الريزو» إلا أن جرس العبارة أفضل من «وجبة الفول» أو «وجبة الطعمية» أو «وجبة الكشري» فشتان بين الموروث والوافد، بين البلدي والمستورَد، بين المُحلِّي والعالمي، بين الشعبي والراقي، وسكر «الأيسنج»، والمعروف هو سكر التموين، وسكر القمع، وسكر البودرة.
وما حدث في المأكولات حدث أيضًا في المشروبات الشهيرة؛ مثل «البيبسي كولا» وهي كبيرة ولذيذة، و«الكوكاكولا» وقد أصبحت رمزًا للحضارة الأمريكية الحديثة، و«سفن آب» ومن دون معرفة لماذا هي «سبعة اللي فوق»، هل هي فقاعات الغاز المتصاعدة منها؟ ويتحول اللامعقول العشوائي في اللغات الأجنبية إلى العربية ويتحول إلى مفهوم بالعادة والتكرار، بل إن بعض الألفاظ المُعرَّبة هي مجرد كلمات عادية في اللغة الإنجليزية وليست مصطلحات؛ مثل «كول سلو كيبر»، أي «بارد وبطيء»؛ أي سلطة الكرنب.
ومعظم أسماء محلات هذه الوجبات السريعة أجنبية وأشهرها «ماكدونالد»، «بيتزا هت»، «كنتاكي»، «هارديز»، «جينو»، وصندوق الطعام هو «باكت»، وبطريقة توصيل الطلبات «هوم ديليفري»؛ أي التوصيل للمنازل، وأماكنها ميدان تريومف، بجوار مركب أمريكانا، في المدن الجديدة بيفرلي هيلز، وليس المدن الصناعية كمدينة العمال أو شبرا الخيمة، وما أسهل تعريب البعض منها؛ مثل «سولت آند بيبر» وهما الملح والفلفل، ولكن الجرس الغربي يؤثِّر في الأذن العربية أكثر من اللفظين العربيين، «داي آند نايت»؛ أي «الليل والنهار» ولهما رصيد في القرآن، واستعمل أحدهما من قبل في «كازينو الليل»، و«ويك إند»؛ أي عطلة نهاية الأسبوع، وقد يُمصَّر أحد الأسماء الأجنبية مثل «تكا النيل» كما مصرت من قبل بعض وكالات العربات مثل «محمد موتورز»، «منصور شيفورليه» جمعًا بين الموروث والوافد، بين المحلي والعالمي.
وكل هذه الألفاظ المُعرَّبة؛ أي المنقولة نقلًا صوتيًّا من الإنجليزية إلى العربية لها ألفاظ عربية مقابلة؛ مثل «ميل»؛ أي وجبة، و«سوبر»؛ أي كبير، «سمارت»؛ أي لطيف، «ميجا» كبير، «فاميلي»؛ أي عائلة، «منيو»؛ أي قائمة طعام، ومن ثم ظهرت تعبيرات؛ مثل «سوبر ميل»، «سمارت ميل»، «ميجا ميل»، «فاميلي ميل»، «سمارت منيو ميل»، «كرسبي ستريس ميل»، وقد يختلط المُعرَّب بالعربي؛ مثل «ميجا مطافي ميل»، وقد يصبح الأمر خليطًا غير مفهوم إلا أنه أجنبي، والناس تعشق الأجنبي في عصر الانفتاح مثل «زنجر سوبريم ميل»، أو «السينا بارتس»، لا يهم المعنى المفهوم بل المطلوب فقط اللفظ الأجنبي المنطوق.
وأحيانًا تستعمل ألفاظ مُعرَّبة بلا داعٍ بالرغم من وجود المقابل العربي المستقر؛ مثل «بيتي»؛ أي صغير و«بان»؛ أي خبز في «بيتي بان»، و«سبايسي»؛ أي حريف باللغة الفصحى و«حراق» باللغة المتداولة، و«تشيز»؛ أي جبن في «تشيز برجر»، «بيف»؛ أي لحم بقري، «بيري»؛ أي بالزبد في «خبز بيوري»، «سينمون ريزن» وتعني القرفة والزبيب، «تشيز لفرز» وتعني مُحبِّي الجبن، بالإضافة إلى إمكانية تعميم لفظ «لفرز» في مجتمع ما زال يُحرِّم الحب ويعشقه.
ومن السهل إيجاد ألفاظ عربية أصيلة للألفاظ الأجنبية المُعرَّبة المنقولة صوتيًّا؛ مثل «بيج تستي»؛ أي طعم لذيذ، «بيج كوكي»؛ أي مخبوزات جافة كبيرة.
وقد تعربت ألفاظ الطهي من قبل من الفرنسية والإيطالية وقت الاستعمار الفرنسي والإيطالي والبريطاني قبل الغزو الأمريكي؛ وذلك مثل «فيليه» في «دجاج فيليه»، وهو عرق اللحم الملفوف بالخيط، «بانيه» في «دجاج بانيه» وهو المقلي، «روست»؛ أي المحمر، و«فيلتو» في «دجاج فيلتو» وهو لحم رقيق من الصدر من الألفاظ الإيطالية، كما دخلت أنواع الأطعمة وتَعرَّبت من قبل؛ مثل «شيكولاته»، بل وأصبحت كلمات شائعة في الأغاني الشعبية، و«بسكويت» وتستعمل أحيانًا في الغزل، «كوكي» وهي المخبوزات الجافة الحلوة، «كيك» التي تحوَّلت إلى كعك، كما عُرِّبت أنواع الأطعمة، «ماركات» الجبن في «جبنة إمنتال»، أو «موتزاريللا» في «دجاج موتزاريللا»، وكذلك أنواع الأرز مثل «أرز بسمتي».
ويختلط التركي القديم مع الأمريكي الجديد، وكلاهما يقص تاريخ العرب الحديث كما تعكسه اللغة العربية؛ مثل «شيش طاووق»، وقد دخلت من قبل أنواع الأطعمة الشرقية، الهندية مثل «الكاري» في «دجاج بالكاري».
وقد نقلت بعض التعبيرات حرفيًّا؛ مثل «هوت دوج» وتعني الكلب الساخن، وهو ما لا يؤكل، من دون مراعاة للثقافة الشعبية ومنظومة قيمها، مع أنه من السهولة وضع ألفاظ عربية وتعبيرات عربية، وأصناف مأكولات عربية؛ مثل «كبدة إسكندراني» حتى ولو كانت عامية مثل «لهاليبو» فهي أفضل من «سبايسي» و«شيلي»، وأفضل منها بعض العبارات؛ مثل «عاوز تولعها»، «هاتقدر على الملهلب؟»
وإذا اختيرت أسماء عربية فإنها تكشف عن بِنْية الثقافية العربية، الثقافة الأبوية؛ مثل «وصاية» في «عرض خطير … من كومبو وصاية الكبير»، وحتى السلاطة «سلطة سيزار» أي القيصر إشارة إلى العظمة والسُّلطة في مجتمع ثار على سُلطة الإقطاع والباشوات والقياصرة الجدد؛ فأصبحت السُّلطة والسَّلطة قرينين.
ومعظمها صفات الكم؛ مثل كبير، عظيم، أو مرادفها المعرب؛ مثل «جامبو» في «سمان جامبو»، سوبر في «سوبر ستار»، «كومبو»، «ميجا»، «دوبل»، وقد تقترن الألفاظ كلها؛ مثل «كومبو حجم سوبر»، وفي أفعل التفضيل «أكبر» و«أعظم» وما يقابله مثل «إكسترا» في «إكسترا تشيزي»؛ أي جبن إضافي، وهي الصفات الغالبة على الثقافة العربية الحالية.
ونظرًا إلى موسيقى اللغة العربية والتي بدأت في بعض المسرحيات التجارية وعباراتها النمطية بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧م «وشر البلية ما يضحك»؛ مثل «العملية في النملية»، «الفاس في الراس»، مجرد إيقاع صوتي، ظهرت بعض مثل هذه العبارات في إعلانات الوجبات السريعة؛ مثل «وجبة ذكية، سعر وكمية»، «عرض خطير … من كومبو وصاية الكبير»، «وفر أكتر مع كومبو الأكبر»، والغالب على ذلك العامية مثل «كل اللي تتمنوه … بسعر مش حتقاوموه»، «قِطع دجاج مقرمشة … بصلصة سبايسي محبشة»، وقد تختلط العربية بالألفاظ الأجنبية المُعرَّبة مثل «ميني فيليه … قول للكل عليه»، «حب استافت كراست مرتين … لأن المتعة بقت متعتين».
وتستعمل حضارة مصر القديمة كنوع من الدعاية للوجبات السريعة وكذلك حضارة أفريقيا التي ما زالت قطب جذب وسِحر للغربيين بغاباتها وحيواناتها، وهي أيضًا للتصحر وأمراض ضعف المناعة والفقر والتخلف والحروب الأهلية والنزاعات الحدودية، ففي إعلان باللغة الإنجليزية «مصر، حيث حكم الفراعنة، وازدهرت الحضارة أولًا» مع أنها لم تكن حضارة الوجبات السريعة، بل حضارة العلوم والفنون والصناعات.
وبعض الإعلانات كلها باللغة الإنجليزية وكأننا في أمريكا؛ فقد أصبحت اللغة الإنجليزية شائعة كلغة تداولية في الحياة اليومية، وأنشئت أقسام في الكليات الجامعية بالفرنسية والإنجليزية تدعمها فرنسا أو أمريكا بالأساتذة والمراجع. فهناك ليسانس حقوق بالفرنسي أو بالإنجليزي بجوار العربي، وهناك بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية بالإنجليزي أو بالعربي، وهناك بكالوريوس تجارة محلية أو خارجية بالإنجليزية (بالإنجلش)، والغريب أن المحلات التي تقوم بذلك محلات شعبية أصحابها أولاد البلد مثل «مؤمن»، وتُكتب بالحروف اللاتينية!
وعلى الوجه الآخر لورقة الإعلان الملساء الملونة، هناك مسابقة يانصيب عربيات للكبار؛ فقد أصبحت العربة الفارهة هدفًا ورمزًا «بي إم دبليو» والأغلب عربات لعب الأطفال كلها تدل على القوة السحرية «هيليكوبتر بالريموت» القادر على الوصول إلى كل مكان؛ فقد تم غزو العراق بالريموت من البوارج والصواريخ الموجهة، والألعاب حربية، مدمرة وطائرة، مثل الطائر الناري، التورنايدي، حتى الفار هو «الفار جيري»، والسمكة «السمكة ميمو» كل ذلك مع «كارت الخربوشتين»، ولا يهم ماذا يعني بل يدل فقط بصوته الأجنبي على الغرابة فيثير الخيال، وما دام أجنبيًّا فهو عظيم، وتستعمل أيضًا بعض اللازمات الشعرية الإيقاعية؛ مثل «لف لي البليدز الدوارة … مع كل وجبة أطفال جبارة.»
هذه هي اللغة العربية وهذا هو مصيرها، وهو مصير البلاد ذاته، واللغة أحد مقومات الوطن تبعية للخارج في السياسة والثقافة من دون مقاومة أو إبداع؛ لذلك أنشد شاعر النيل:
(٢) الجزيرة هذا الصباح
ليس الإعلام فقط ما يُدرَّس في الكتب، المصادر والمراجع، بل ما يحياه الناس خاصَّةً المشاهدين الذين يُوجَّه إليهم الإعلام، وما في الكتب — في الغالب — هي نظريات الاتصال وكلها غربية أوروبية أمريكية تُعمَّم لدى الدول غير الأوروبية، وأمريكا من خلال مؤلَّفات أساتذة الإعلام من دون مراعاة للبيئات المحلية وتغير المشاهدين من بيئة إلى أخرى. والإعلام — في النهاية — علم إنساني وليس فقط علمًا طبيعيًّا للصوت والضوء، يتوجه إلى المُشاهد للتأثير فيه وإيصال الرسالة إليه وليس وسائل الاتصال.
والموضوع الرئيس في الإعلام هو الخبر، وليس الترفيه أو التعليم أو الوعظ الديني أو المباريات الرياضية أو الإعلانات. الخبر هو الأساس والذي من أجله يجلس المشاهد أمام أجهزة التلفاز ليتلقى الخبر، وبعد ذلك يبحث عن البرامج الأخرى، خاصَّةً في هذه الأيام والأخبار تتسارع، والحوادث تتوالى، وأخبار قناة الجزيرة أصبحت أهم مصادر الخبر للمواطن العربي عامَّةً وللمُثقَّف خاصَّة، وربما أيضًا للسياسي وصاحب القرار.
وبعد أن تعوَّد الناس على سماع أخبار الجزيرة، والكرة الأرضية تهبط إلى المياه وتصعد بلفظ الجزيرة المميز في شكله وخطه، تغير الإخراج في أول هذا العام بموسيقى جديدة وأشكال إلكترونية غير مألوفة، وطغت تكنولوجيا الاتصال على مضمون الخبر. وتَحوَّلت الوسيلة إلى غاية في ذاتها تبهر العين والأذن قبل أن تُشبع الذهن، وتُنبِّه العقل، وزاد الجانب الحِرفي الذي وصلت الجزيرة إلى أقصى مداه من قبلُ؛ فتحول إلى افتعال باسم تجديد الأسلوب، وتجاوز المألوف، وزايدت على باقي القنوات الفضائية القديمة والجديدة مع أنها قد كسبتها من قبل وبَزَّتْها، ولم يَعُد أحد قادرًا على منافستها، وتطرفت في وسائل الإخراج والتقديم حتى ضاع مضمون الخبر، وأصبح الخبر هو الوسيلة، وطرق التقديم هي الغاية.
استمرت الموسيقى، صاخبة في البداية وخافتة طول الوقت في أثناء سماع الموجز ثم الصخب الموسيقي من جديد. شوشت الموسيقى على الخبر، وتحول الخبر إلى مادة للموسيقى التصويرية كالأفلام والتمثيليات الدرامية التلفزيونية، وتحولت المقدمة أو المقدم إلى ممثل يقوم ويقعد، ويسير ويلتف، يبتسم وتبتسم أكثر ممَّا يجب، يصعد الدرج ويهبط منه، ويدخل الحلقة ثم يخرج منها.
وينتهي الموجز أو الخبر بمجرد سماعه، ثم يتخلله الفاصل الموسيقي أو الإعلان عن برنامج قادم «بلا حدود» أو «الاتجاه المعاكس» أو «تجربة حياة» لأحد مشاهير الإعلامِيِّين، أو «سري للغاية» أو «صحفيون بلا حدود» وأصبحت الأخبار التي ينتظرها المشاهدون والتي كانت بحق مدرسة سياسية في إذاعة الخبر وتحليل الخبر ومناقشة الخبر، أصبحت أداة للإعلان عن باقي البرامج «المثيرة» التي لا تحتاج إلى مزيد من النجاح الإعلامي.
والسؤال هو: هل «الأخبار» فن أم سياسة؟ هل المقصود منها إظهار إبداع وسائل الاتصال الحديثة بكل ما لديها من قدرة على الإبهار بالوسائل السمعية والصوتية، أم دعوة المُشاهِدين إلى التفكير والتبصير بالحقائق بعد أن أصبح الإعلام الرسمي متحدثًا رسميًّا باسم نُظُم الحكم؛ فضاعت مصداقيتها، وانتظر الناس الإعلام الحر والخبر الصادق والتغطية الجريئة والمشاهد الحية من قناة الجزيرة؟ وبمجرد سماع الخبر، ومدته أصبحت أقصر من الماضي، يُعاد الموجز أكثر من مرة لمن لم يشاهد البرنامج الخبري من أوله.
وبعد أن كان المشاهد، خاصَّةً المهتم بالشأن العام، والمختص بالفكر السياسي والعمل الحزبي يعطي — على الأقل — نصف ساعة من وقته ثلاث مرات يوميًّا للبرامج الإخبارية «الجزيرة هذا الصباح» في الصباح، و«وسط اليوم» ظهرًا، و«حصاد اليوم» مساءً دخلت أخبار الرياضة وأخبار المال والاقتصاد وأسعار العملات، وأسهم البنوك، وأوضاع البورصات العالمية، بل أخبار الطقس؛ فيتشتت فكر المشاهد المختص بالأوضاع السياسية. وشعر بأن البرنامج الخبري مجرد وسيلة للإعلان عمَّا هو أهم، بل كثر تدخل الإعلان عن البنوك والشركات، ومن أسهم في ماذا تدعيمًا بالمال، بنك أبي ظبي الوطني أو شركة قطر للبترول، بل أتى ما هو أعظم وهو الإعلانات التجارية عن العربات وأدوات التجميل ومكيفات الهواء وكل البضائع الاستهلاكية. فبعد أن كان المشاهد يتعلم من الأخبار، ويزداد وعيه سياسيًّا وتاريخيًّا أصبح ضحية رأس المال والشركات والبنوك ورجال الأعمال، ونظرًا إلى نجاح الجزيرة في الخبر، استعمل هذا النجاح للترويج إلى الإعلان التجاري كما هي الحال في القنوات الأمريكية. أصبح الخبر محملًا بثقل كبير أكثر مما يتحمل. فتحول المشاهد الجاد عنه إلى «العربية» أو إلى «بي. بي. سي العالم» بأقل قدر ممكن من الإخراج في البداية، الموسيقى الإيقاعية، والأرقام في عدد تنازلي ترمز للثواني التي لا تتجاوز العشرين، ثم يأتي الخبر الجاد، والتحليل العلمي، والنقاش السياسي.
ويبدأ أثر الإخراج الأمريكي في الاهتمام بشكل مقدمات البرامج أكثر ممَّا يجب. صحيح أن الوجه الجميل، الابتسامة الحلوة، وأناقة المظهر، بل روعة الحجاب الذي يكشف عن نضارة الوجه، كل ذلك يجعل المشاهد سعيدًا بالجانب الجمالي في إذاعة الخبر. هذا بالإضافة إلى طلاقة اللسان وسلامة النحو، والأسئلة الجادَّة، والوعي السياسي، ثم يضيع كل ذلك بنوع من الأثر الأمريكي من مدرسة لاري كين وهو شاب «الخفِّية» الزائدة، والاستظراف غير الضروري، والمناداة بالاسم الأول على الطريقة الأمريكية لسرعة الأُلفة. فأصبحت مقدمة الخبر أحيانًا أهم من الخبر، تسترعي الانتباه بالعين والصوت والذكاء أكثر من الخبر نفسه، وكم من مُشاهد قد تمنى أن تكون إحداهن رفيقة حياته. فنافست مقدمات البرنامج الإخباري نجوم الفن وملكات الجمال، وضاع الخبر وسط هذا الحشد الهائل من وسائل الإخراج والاتصال الحديثة.
ما تمتاز به الجزيرة هو الخبر والرأي اللذان يحدثان الوعي السياسي، وقد حدث ذلك بالفعل، وأسهمت أخبار الجزيرة في حركة الشارع السياسي العربي، وبالوعي بحركات المعارضة التي تصمت عنها وسائل الإعلام الرسمية، وأسهمت في توحيد الوعي العربي ومعرفته العميقة بقضايا الأمة الرئيسة من احتلال وتخلف، وفقر وقهر، ثم أوشك أن يضيع هذا المكسب كله لصالح وسائل الاتصال وطرق الإخراج الحديثة والمُبالغ فيها. فضاع الهدف، وانحرفت الغاية. خسرت الجزيرة الرهان، وأضاعت الجدية والوقار. تَأَمْرَكَت في الإخراج، والشبهات حولها تحتاج إلى من يبددها.
هل قصدت ذلك الجزيرة بعد أن زادت الضغوط عليها للتقليل من حجم أثرها على المُشاهد العربي؟ هل أرادت الجزيرة بالفعل إعطاء الأولوية لتكنولوجيا الاتصال على مضمون الخبر بطريقة لا مباشرة متذرعة بوسائل الاتصال الحديثة، وضرورة التحديث المستمر؟ إنها بذلك تخسر مستمعيها من المُثقَّفين والسياسيين، ورواد النهضة العربية الثانية، والطليعة العربية التي تَتشكَّل الآن ويُضرب بها المَثَل، وكما جسَّدها مراسلو الجزيرة الذين اسْتُشْهِد بعضهم، وزُجَّ بالآخَر منهم في السجون، وما زالوا يتعرضون لمخاطر المهنة وشرف الكلمة وصدق العرض والتغطية الإعلامية. كانت الجزيرة في طليعة القنوات الإخبارية، مدرسة بأكملها يتعلم منها الإعلام الرسمي، ووريثة بي بي سي العربية. والخشية أن تبدأ بتغليب وسائل الاتصال الحديثة على الخبر والرأي والتحليل الواعي ومواكبة حركة الشارع العربي.
ولِمَ كل هذا العناء في تنميق الشكل وتحسين الإخراج بالصوت والصورة والابتسامة والجمال ومضمون الخبر هو الدم والقتل والتدمير والصراخ وتجريف الأراضي وهدم المنازل، وبكاء الأطفال، وعويل النساء، واستشهاد الرجال في العراق وفلسطين، وأفغانستان والشيشان؟ وهل تحتاج مآسي العرب، ومشاكلهم اليومية وأزماتهم في المياه والكهرباء والمواصلات إلى كل هذا التجميل للخبر الموشح بالسواد؟ وهل يحتاج الفقر في النيجر، والمرض في أفريقيا، والحروب الأهلية، ومأساة دارفور، واغتيالات لبنان، وتهديد سوريا وإيران إلى كل هذا التحسين الجمالي في وسائل الاتصال؟ أين الإبداع العربي والمدارس الإخبارية التي لا تُغلِّب المضمون على الشكل، ولا الشكل على المضمون؟ أين الخبر العربي الذي يحمل الهم العربي في الشكل والمضمون؟ متى يتحرر الفكر السياسي من خنق وسائل الاتصال والتي قد تصبح يومًا موانع الاتصال؟ وهل تحتاج العروس إلى ثوب الزفاف؟ والصديق هو من صَدقك القول لا من صدَّقك.
(٣) ابن خلدون بين الاستشراق والعرقية٣
يحتفل العالم كله هذا العام بالمئوية السادسة لوفاة العلَّامة ابن خلدون مؤسس علم العمران؛ أي علم الاجتماع أو علم التاريخ الاجتماعي (١٤٠٦–٢٠٠٦م)، وعقدت عشرات المؤتمرات الدولية عنه في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة، وفي الوطن العربي في الجزائر وتونس والمغرب ومصر على الطريق في ديسمبر القادم.
وقد أقامت وزارة الثقافة بالجزائر الشقيق من خلال المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ بالاشتراك مع وزارة التعليم العالي، والإشراف العلمي لمدرسة الدراسات العليا للعالم الإسلامي، مركز التاريخ الاجتماعي للإسلام في البحر الأبيض المتوسط التابع لوزارة التعليم الوطني والتعليم العالي والبحث العلمي بفرنسا؛ ملتقًى دوليًّا في ١٧–١٩ من يونيو بعنوان «إشكال ابن خلدون، استقبال، امتلاك، توظيف»، وافتتحه رئيس الجمهورية واختتمته وزيرة الثقافة مع إعلان تأسيس «مركز الدراسات الخلدونية». الأرض هبة من الرئيس، والبناء بتمويل من الشركة الوطنية للبترول «سوتراك» وحضره عديد من الأساتذة والمُثقَّفين والإعلاميين، كثروا يوم الافتتاح وتناقصوا تدريجيًّا في الجلسات العلمية، ثم زادوا في حفل الاختتام.
وقد ذاع ابن خلدون عندنا في أثناء المد القومي الاشتراكي في الخمسينيات والستينيات، وما أوصى به بعض المستشرقين؛ مثل جارودي ورودنسون من أننا نستطيع أن نبني نهضتنا المعاصرة ليس بالضرورة طبقًا للنموذج الغربي والأيديولوجيات الغربية، بل من خلال عقلانية ابن رشد، ومادية ابن خلدون. فعند ابن رشد العقل أساس النقل، والنظر واجب بالشرع، ونظريات الفلاسفة اجتهادات ممكنة، والفقه نسق أخلاقي، والكلام الأشعري سوء استخدام للعقل والنقل معًا. أما ابن خلدون فقد نقد أخطاء المؤرخين الذين يعتمدون في مصادرهم التاريخية على روايات ضعيفة مملوءة بالأخطاء والخيالات الشعبية من دون نقدها وتمحيصها، ومن دون تطبيق شروط التواتر عليها كما يفعل علماء الحديث، واتَّجه إلى الملاحَظة والمشاهَدة والتجربة كمصدر مباشر للتاريخ الماضي والحاضر، فالغرب ليس وحده واضعًا لأسس المنهج التجريبي قديمًا عند أرسطو أو حديثًا عند بيكون ومل، بل وضعه المسلمون في مناهج علم أصول الفقه في التحليل وفي العلوم الطبيعية.
واشترك في الملتقى الدولي علماء من أكثر من ثلاثة عشر بلدًا، أربع عربية: الجزائر ومصر والمغرب وتونس، وثلاث إسلامية: ماليزيا وسنغافورة وإيران، وست غربية: فرنسا وإيطاليا وأمريكا وهولندا وبولندا وألمانيا، وقُدِّم حوالي سبعة وعشرين بحثًا: سبعة من الجزائر، وستة من فرنسا، وثلاثة من مصر، واثنان من كل من إيطاليا وأمريكا والمغرب، وبحث واحد من كل من ماليزيا وسنغافورة وإيران وألمانيا وهولندا وبولندا. وغابت كثير من الجامعات العربية خاصَّةً أقسام الفلسفة بها والتي أجرت عشرات الرسائل الجامعية على ابن خلدون بين التقريظ والنقد؛ لذلك غلب على الملتقى الاستشراق والحديث باللغة الفرنسية بما في ذلك الباحثون العرب باستثناء الباحثين المصريين الذين أصروا على الحديث بالعربية وهي اللغة الوطنية التي دافعت عنها الجزائر بعد الاستقلال في حركة التعريب في التعليم والثقافة، وغاب الاتجاه العروبي الإسلامي من الملتقى، وحضر بعض ممثليه ولكن على استحياء، والوئام الوطني ليس فقط بنزع السلاح بين المتقاتلين، بل أيضًا بنزع السلاح العقلي في الثقافة الوطنية الجزائرية بين تياراتها المختلفة: الفرانكفونية، والأمازيغية، والعروبية، والإسلامية.
حضر الاستشراق بوضوح، النص وطبعاته وترجماته المختلفة، وانتشاره في المشرق وفي المغرب العربي، وتلقِّي أوروبا له، ومقارنات بينه وبين هوبز وماركس وأوجست كونت، وكيفية تلقي الاستعمار له، وعرض المفاهيم التقليدية عن العصبية والحتمية الجغرافية، ونظرية المعرفة وموضوعات أخرى مكررة تعرضت لها الرسائل الجامعية من قبل.
وقد حاولت دراسات أخرى الخروج من الاستشراق التقليدي؛ مثل ابن خلدون مفكرًا تقليديًّا للإسلام العلماني، ووضع ابن خلدون وسط رُؤًى متعددة، ولكنها ظلت محدودة داخل الاستشراق التقليدي، وأقصى ما وصلت إليه هو سبق ابن خلدون فلاسفة الاجتماع الأوروبيين في كثير من النظريات الاجتماعية ممَّا يثلج قلوب العرب والمسلمين، وقد حاول بعض الباحثين العرب والمسلمين تقييم خطاب ابن خلدون الحضاري وبيان مدى عصريته، ومع ذلك ظَلَّت في إطار التحليل العلمي الخالص، ومن ثم غابت الدراسات الوطنية النقدية ونقل مقدمة ابن خلدون إلى مستوى الأزمة الراهنة، وضم سبعة قرون تالية له لوضع فلسفة شاملة للتاريخ ليس فقط لأسباب الانهيار، بل أيضًا لوضع شروط النهضة؛ فابن خلدون ليس تراثًا مُغايرًا للباحث، بل هو جزء من حضارته ومسئول عنه، فالباحث هو الذات والموضوع في آنٍ واحد.
لم تكن هناك مراجَعات شاملة لأحكام ابن خلدون الشهيرة على العرب والعجم والبربر طبقًا لعنوانه الشهير «كتاب العِبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» فالمهم استخلاص العِبر وليس فقط الرصد التاريخي كما يفعل الاستشراق، من البداية إلى النهاية؛ أي على مدى أربعة عشر قرنًا وليس فقط سبعة قرون، وهو تاريخ عرقي للعرب والعجم والبربر وليس تاريخًا إسلاميًّا للأمم الإسلامية التي انضوت تحت لواء الثقافة الإسلامية، وهو تاريخ سياسي للدول والممالك. وهو جزء من التاريخ الإسلامي في نهاية المرحلة الأولى للحضارة الإسلامية، مرحلة الإبداع من القرن الأول حتى القرن السابع الهجري (تُوفِّي ابن خلدون عام ٨٠٨ﻫ) وليس في نهاية العصر الوسيط الأوروبي في القرن الرابع عشر الميلادي، وبالتالي تكون المئوية السادسة لديه عام ١٤٠٨ﻫ والذي انقضى منذ عشرين عامًا إذ إننا الآن في عام ١٤٢٧ هجرية.
كنا في حاجة إلى مراجعة أحكام ابن خلدون على العرب، وبيان كيف أنها أحكام جائرة؛ مثل لا يحل العرب بأرض إلا حل بها الخراب، مع أن آثار العرب باقية في الأندلس والمغرب والمشرق العربي. لا يفلح العرب إلا بصيغة ولاية أو نبوة، وكأن العرب لا يحركهم إلا الأنبياء والأولياء والأشكال الدينية من دون العلماء والقادة والأبطال، لا يقدر العرب إلا على البسائط، لأنهم بدو وهم الآن قادة الطائرات ويمتلكون ناصية العلم والتكنولوجيا، كما بان ذلك منذ دولة محمد علي، والتصنيع في العهد الناصري، وآلة الحرب في حرب أكتوبر ١٩٧٣م، فكيف يكون العرب أبعد الأمم عن الصنائع؟
كنا في حاجة إلى تصحيح بعض أحكام ابن خلدون العلمية الخالصة على الدول والبشر؛ فالدول تقوم على القهر وليس أمام الشعوب إلا الطاعة، والملك انفراد بالمجد، وماذا عن العقد والبيعة والاختيار للإمام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة من الناس؟ والفِلاحة صفة المُتَّضِعِين من الناس، والفلاحون هم أكثر من نصف سكان الوطن العربي، وهم الذين قاموا بالثورات على مدى التاريخ في الصين وألمانيا وفيتنام وكوبا، وكيف تكون دعامة الدولة الجند والمال؛ أي الجيش ورجال الأعمال وكانت الدولة الإسلامية قديمًا دولة الفكرة والقضية والرسالة لنشر التوحيد؟ وهل قيم البداوة من كرم وشجاعة ومروءة هو وصف لواقع أم من صنع الخيال؟ والقرآن يصف الأعراب بأنهم أشد كفرًا ونفاقًا، ومنهم الذين تَخلَّفُوا عن القتال كما يحدث الآن في فلسطين، وهل قِيَم الحضر باستمرار قيم سلبية؛ الترف والبذخ والمجون والملذات أم أيضًا العلم والفن والصناعة؟ وهل هذا التقابل وارد أم أن الحضارة قد دخلت في البداوة، والبداوة قد دخلت في الحضارة بوسائل الاتصال الحديثة؟ وهل العصبية روح البداوة تتفكك في الحضارة أم تتبدل أشكالها بظهور أشكال جديدة من الترابط الاجتماعي؛ مثل المهنة والطبقة والشلة والدفعة وجماعات الضغط والمصالح؟ وهل الدورة التاريخية أربعة أجيال أم أكثر؟ فقد بقيت الدولة العباسية خمسة قرون، والحضارة الإسلامية في الفترة الأولى سبعة قرون، والحضارة الأوروبية الحديثة خمسة قرون، وهل الحتمية الجغرافية هي التي تُحدِّد مصائر الشعوب، أم أن الإرادة الإنسانية قادرة على تجاوزها؟
كان يمكن تطوير بعض أحكام ابن خلدون الصائبة؛ مثل أن الظلم نذير بخراب العمران، وأن العدل أساس الملك، وأن الإنسان مفطور بطبعه على التعاون، وليس العزلة والانكماش، ومن ثم يوضع ابن خلدون في مساره التاريخي بين الماضي والحاضر، ليس فقط سبعة قرون وراءه، بل أيضًا سبعة قرون أمامه. كان يمكن لهموم العالم أن تجتمع مع هموم المواطن؛ فيصبح ابن خلدون موضوعًا ليس فقط للدراسات الاستشراقية العرقية، بل أيضًا للدراسات الوطنية الإسلامية.
(٤) الإعلام والعنف٤
أصبح الإعلام، خاصَّةً الإعلام المرئي، أهم عامل إخباري وثقافي وفَنِّي وتربوي في حياة الأفراد والشعوب. يملأ أقواتهم، ويغرس فيهم قِيمَه، ويؤثر في سلوكياتهم، أكثر من الأسرة أو المدرسة أو الجامعة. أصبح الإعلام بديلًا عن العلم، منافسًا له، وربما مزحزحًا إياه، بل إن الأغاني ذاتها أصبحت أشبه بالإعلانات فيما يسمى «الفيديو كليب» بما فيها من رقص وتَثَنٍّ وإثارة للغرائز، كما أن الإعلانات أصبحت مجرد أغانٍ راقصة حتى لمبيدات الحشرات الزاحفة والطائرة، وتتخلل الإعلانات معظم المسلسلات التليفزيونية التي يشاهدها الملايين على القنوات الفضائية، وليس فقط على القنوات المحلية؛ بعد أن أصبحت الأطباق الهوائية فوق أسطح جميع المنازل بالعشرات، بل إنه في بعض المسلسلات والأفلام، الإعلانات هي الأصل، تأخذ أكثر من نصف الوقت، والمسلسل هو الفرع، يأخذ أقل من نصف الوقت.
مثال ذلك إعلان «ميلودي تتحدَّى الملل.» الذي يُعرض في قناة «ميلودي» وبالرغم من أهمية ما تذيعه القناة من أفلام قديمة وتراث سينمائي أوشك أن يندثر، فإن هذا الإعلان يدمر ما تصنع، ويقضي على ما تهدف إليه. يحتوي على ثلاثة مناظر. عنصر واحد ثابت فيها وعنصر آخر متغير. العنصر الثابت رجل مفتول العضلات، منفوخ الصدر مثل رواد الفضاء، يضع نظارة على عينيه قبل بداية عمله. يسير الهوينى وكأنه يتسرب إلى الميدان، ويتسلل إليه. لا يواجه بل يخادع. يأتي من وراء الضحية ويغتالها، وليس هذا سلوك القوي. فالقوة شجاعة، والشجاعة شهامة، وهو ما لا يتوفر في هذا العملاق والطرازان ورامبو، وهو نموذج للأفراد في الاعتماد على القوة، وللدول في الاعتماد على الغزو والعدوان. فالقوة هي الحل، وهي السبيل لتحدي الملل، القوة العمياء التي لا ترحم كبيرًا أو صغيرًا.
المنظر الأول لزوجين مُسنين. يقضيان أوقات الفراغ في ممارسة الرياضة، لعبة دفع كرة صغيرة في حفرة. لا تتطلب جهدًا ولا تحتاج إلى جري ولا نط ولا عنف. يلعبان في هدوء بعد مرحلة طويلة من سنين العمر. لا يشعران بالمَلل؛ فالعِشرة حية في الذاكرة، والرفقة في الطبيعة على عُشب أخضر مع ممارسة لرياضة هادئة، تحافظ على الصحة، وتبعث الأمل في النفوس. الزوج يمسك بالمضرب ويحركه بنعومة وفي هدوء ملائكي، ويكرر حركة اليد عدة مرات ليُحسن التصويب بدفع الكرة الصغيرة في الحفرة الأصغر، والزوجة تنتظر على مقربة منه. تقف على عكازين تقوى بهما على غوائل الزمن، وتنظر إلى زوجها في حنان وتشجيع على حُسن الأداء وتبتسم له. فهُما في انتظار كُرَته؛ كي تقع في الحفرة التي تحت أقدامها؛ كي يكسب الجولة ولا يشعر بالخسران. الوصال بين الزوجين قائم، وذكريات السنين عِطْر يملأ المكان.
وفجأة يتسلل الرجل القوي من بُعد. يلبس نظارته، ويشحذ قواه، ويُجنِّد طاقاته. يأتي خلف الزوج العجوز ويحمله بيديه كالعصفور، ويدور به ويلف عدة مرات بسرعة، ثم الزوج يطير في الهواء في طاحونة دائرية، ثم يقذف به الرجل القوي على الأرض. فيقع جثة هامدة منبطحًا على الأرض ومُسوًّى بها، ثم يقف من جديد في رعب ويسترد عافيته وهيئته كإنسان، ويهرول مذعورًا بعيدًا عن هذا الوحش، وتجري وراءه ببطء زوجته ذعرًا. فأي مَلل يتحداه هذا الوحش؟ وأي قسوة يمثلها ضد هذين العصفورين؟ وإذا كانت «ميلودي» تتحدى بهذه القسوة؛ فهي بديل مرعب. يرى أن «الإرهاب» هو الحل، و«الرعب» هو البديل.
والمنظر الثاني، شاب يغني لأصدقائه، ويعزف على الجيتار أو العود، ولا يوجد ما يوحي بالملل عند مستمعيه من أصدقائه، ويجتهد المغني العازف، ويبذل جهده قدر طاقته في الغناء، ثم يتسلل الوحش من ورائه ويأتي بقادوم يضرب به رأسه، ويقضي الوحش على الفنان. فهل هذه هي الوسيلة للقضاء على الملل؟ ولا يوجد ما يوحي بملل المستمعين. والفن الحديث كله بهذا المعنى، يوحي بالملل، ولكنه عند النقاد عبقرية أصيلة لم يشهد مثلها تاريخ الفن من قبل. أسكت الوحش المغني من دون أن يأتي بغناء بديل. قضى على الفن من دون أن يأتي بفن مغاير. قتل الحياة من دون أن يبعثها من جديد.
والمنظر الثالث حوار بين ضيف وإعلامي تليفزيوني من خلال الكاميرا، وكما هو العادة يثرثر الضيف كما هي الحال في كثير من حوارات النخبة. كلام في كلام. لا يفهم منه الناس شيئًا؛ لذلك سئموا من البرامج الثقافية، ومَلُّوا أحاديث المثقَّفِين، ثم يأتي الوحش من خلف الضيف. يجره من قدميه. فيُوقِعُه على الأرض سحلًا، وكما يتم في بعض النُّظم السياسية مع المُعارِضِين الذين يُسْحَلون في الشوارع، والضيف يستغيث بالإعلامي. والإعلامي لا يتحرك لإنقاذ ضيفه؛ خشية أن يصيبه ما أصاب الضيف. فهل يُقضى على الملل من الإعلاميين بسحل ضيوفه ومتحدثيه؟ وهل الإعلام البديل هو القوة والبطش والاغتيال؟
خطورة إعلان «ميلودي يتحدى الملل» أنه يجعل القوة هي الحل، والبطش هو البديل، والغدر هو الطريق، ولا بديل عن المَلل بعد القضاء على المُمِلِّين من المُسِنِّين والفنانين والمُثقَّفِين، إلا القضاء عليهم، والحكم عليهم بالموت، من دون تحليل ظاهرة الملل، ومعرفة أسبابها، وإيجاد الطرق للتخلص منها. رياضة المُسِنِّين ليست مَللًا بل ملء فراغ، وأُنْسٌ بالرفقة، والغناء النمطي كما هي الحال في الغناء الشبابي الآن يملأ فراغ الطبقة الدنيا، ويعزيها عن الفقر بأغانٍ راقصة، وإيقاعات حادَّة، وتصفيق بالأيادي، وكأن الغاية من الغناء ليس جمال الكلمات كما هي الحال في الشعر، ولا جمال اللحن كما هي الحال في الموسيقى الشرقية القديمة، بل القصد التفريح عن القلب، والتفريج عن النفس، والتطهر من عذاب اليوم وآلام الزمن. يؤدي دورًا علاجيًّا كما هي الحال في «الزَّار» والرقص الصاخب، والموسيقى العالية عن طريق معدات تكبير الصوت الحديثة. وإعلام الدولة كلام في كلام. لا يقضى عليه «بموت المؤلف» بل بإيجاد إعلام مستقل بديل يُعنى بمشاكل الناس، ويحاكم المسئولين في الدولة، ويكشف الفساد الإداري والمالي والسياسي.
خطورة هذا النوع من الإعلام هو أنه يحاول إصلاح الخطأ بخطأ آخر، خطأ الملل بخطأ القوة، خطأ السطحية بخطأ العنف، ومجموع الخطأين لا يكوِّن صوابًا. إن وظيفة الإعلام الأولى هو الحوار، مقابلة الرأي بالرأي الآخر، وبلورة الوعي الشعبي بقضايا المجتمع، وليس مقابلة الرأي حتى لو كان خاطئًا بالعنف حتى لو كان مصيبًا، ثم يشتكي المجتمع بعد ذلك من العنف والإرهاب، والإعلام؛ يزرعهما من خلال بعض الإعلانات، ويشتكي من الانحلال والانحراف، والإعلام يحث عليهما من خلال «الفيديو كليب»، والمنافسة في التقصع والخلاعة، ويشتكي من التطرف وهو الذي يبعثه ويثيره ويدفع إليه بالتطرف الإعلامي في البرامج الدينية والسياسية.
يا ليت قناة ميلودي تتحدى الملل بشيء آخر غير القوة والعنف والضرب فوق الرأس، والسَّحْل على الأرض، والقذف في الهواء. فما فائدة استبدال الخوف بالملل، والرعب بالعياء؟ واسم ميلودي يفيد اللحن والعذوبة، وليس الضرب بالعِصِي، والسحل بالحبل، والقذف باليد إلى الهواء.
(٥) المشروع النهضوي العربي الجديد٥
من أنشط مراكز الأبحاث في الوطن العربي «مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت الذي أُسس منذ ما يقارب الثلاثين عامًا، وريادته في البحث والنظام والدقة العلمية والجدية يشهد بها جميع الباحثين الذين يتعاونون مع المركز وجميع المُثقَّفين الذين اطَّلَعوا على مطبوعاته ومجلته الصامدة «المستقبل العربي»، وهو الذي وراء تأسيس «المؤتمر القومي العربي»، و«المؤتمر القومي الإسلامي»، وهو الذي يدعم عديدًا من الجمعيات العلمية العربية، وقد نال الجوائز وشهادات التقدير كأفضل مركز بحثي عربي. علاقاته مع الجامعات العربية، وتدعيمه لها بالأساتذة الزائرين وبمطبوعاته يشهد لها الجميع، وهو بعض ما تبقى لنا من العصر الجميل، من روح الخمسينيات والستينيات؛ حيث كانت القومية العربية في أوجها، والعرب في عزة نصرهم، والقومية العربية بؤرة لحركات التحرر في العالم، وقطبًا في حركة عدم الانحياز.
وعُقدت في فاس في المغرب ندوة مهمة عن المشروع النهضوي العربي الجديد منذ أربع سنوات، وقدمت فيها أوراق رصينة وجادَّة من جمهرة المُثقَّفين العرب، ثم عُقدت هذا الشهر في القاهرة ندوة مُصغَّرة لتحرير الصيغة النهائية للمشروع بأوراق جديدة من دون الرجوع إلى أوراق فاس، بداية من الصفر كعادة العرب. فجاءت في معظمها أوراقًا عامَّةً مكرَّرة مُتسرِّعة ومتداخلة، والبعض منها مُجرَّد فقرات مُفككَّة يغلب عليها أسلوب الماينبغيات، التعبير عمَّا ينبغي أن يكون، وليس تقرير ما هو كائن، كما يسود الأسلوب القطعي الذي تبدأ كثير من فقراته بحرف التوكيد والنصب «إن» وهو الأسلوب السائد في «الميثاق» الذي أصدرته الثورة المصرية عام ١٩٦١م.
ويتجه المشروع نحو الماضي أكثر ممَّا يتجه نحو المستقبل وذلك بالمراجعة المستمرة لتجارب عصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرين والحكم عليها بالفشل في معظمها. فالرجوع إلى الماضي لا يميز فقط الحركة السلفية بل كل التيارات الفكرية والقوى السياسية الأربع التي تتحكم في الشارع العربي، الإسلامية والقومية والليبرالية والماركسية. فالإسلامي يحن إلى الماضي، عصر الخلافة الراشدة، والقومي يحن إلى الماضي، الخمسينيات والستينيات حين بلغت القومية ذروتها، والليبرالي يحن إلى الماضي، ثورة ١٩١٩م في مصر، والتعددية السياسية والأحزاب والبرلمان والدستور وحرية الصحافة، والماركسي يحن إلى الماضي، الثورة الاشتراكية الكبرى في ١٩١٧م، وعصر الاستقطاب والتحرر الوطني لشعوب العالم الثالث.
غلب على الصياغة الأخيرة المدخل الأيديولوجي النظري، والنمط المثالي، ووضع المبادئ العامَّة للفكر القومي كما تمت صياغته منذ قرن تقريبًا، منذ ساطع الحصري حتى ميشيل عفلق وسعدون حمادي، وهو ما سماه أحد المشاركين مشروعًا «خارج التاريخ». يستنبط الواقع من الفكر ولا يستقرئ الفكر من الواقع. يتضمن رؤية مثالية للأمة من دون أن ترى واقعها.
والطليعة الفاعلة هي التي ستحقق هذا المشروع النهضوي العربي الجديد، ولا ضير من استعمال العنف إذا ما كان ردًّا على عنف، سواء من الخارج في حالة العدوان أو في الداخل في حالة القهر والقمع، ومقاومة الاحتلال أمر مشروع طبقًا للمواثيق الدولية. أما استعمال العنف مع الداخل حتى لو كان عنفًا مضادًّا فإن البديل عنه هو الحوار. فلا خصومة في الوطن، والمواطن لا يسفك دم المواطن أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، وقد استطاع ابن عباس وهو يحاور الخوارج أن يُرجع معه ثلاثة آلاف إلى معسكر علي، والأفضل جبهة إنقاذ وطني أو جبهة وطنية متحدة تجتمع على الحد الأدنى من برنامج للعمل الوطني مع أكبر قدر ممكن من التعددية النظرية.
ويستبعد المشروع النهضوي العربي الجديد الليبرالية كتيار سياسي والليبراليين كقوة سياسية لخصومة تقليدية بين القوميين والليبراليين، وخلافهما حول التخطيط والاقتصاد ودور الدولة، وحول الوحدة العربية، وحول الموقف من الغرب، والحقيقة أن الليبرالية تيار وطني، بل إن الصراع الدائر الآن، وحركة الشارع في لبنان ومصر من أجل الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية وحرية تكوين الأحزاب والصحف، وقد انضوت التيارات الرئيسة الأخرى، الإسلامية والقومية والماركسية تحت الشعارات الوطنية، والليبرالية الوطنية لها رصيدها منذ فجر النهضة العربية عند الطهطاوي وأحمد لطفي السيد وطه حسين والعقاد وخالد محمد خالد، وجمعت الإسلاميين مثل الأفغاني ومحمد عبده، والعلمانيين مثل شبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا، ولها من يمثلها في تجربة مصر الحديثة منذ ثورة ١٩١٩م، ولها روادها الحاليون؛ مثل سعيد النجار ومحمد عصفور، وحزب الوفد الجديد بطريقة أو بأخرى.
ولا يأخذ المشروع النهضوي العربي الجديد دول الجوار مثل إيران وتركيا باعتبارها الامتداد الطبيعي للقومية العربية بدلًا من المفهوم القومي القديم. فالإسلام كالعروبة رابط بين شعوب المنطقة خاصَّةً في المغرب العربي، من مصر غربًا. لا فرق بين الوطن والعروبة والإسلام، ولا يتأسى بتجارب جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا، أو أقصى الشرق مثل الصين.
وضع المشروع النهضوي العربي الحقائق كمسلمات أيديولوجية، ولم يبين مدى المسافة بين هذا المثال والواقع العربي الحالي، ولم يبين آليات تقريب المسافة بين المثال والواقع باستثناء نصائح عامَّة مثل إرادة النهوض.
إن التفكير السلبي الناقد خير من التفكير الإيجابي الواضع، ونقد الواقع مقدمة لنقد الفكر، والقضاء على موانع المشروع سابق على تحقيق عناصره. فالأرض تُسوَّى وتُمهَّد أولًا قبل البذر فيها، والسؤال الأهم: كيف يستطيع العرب أن يقفزوا قفزة نوعية في التفكير والممارسة؟ فربما لا تكون الأزمة في البكائيات على الماضي ولا التمنيات للمستقبل، بل في كيفية الانتقال من الماضي إلى المستقبل، عن تحليل مكونات الحاضر للسيطرة عليها وإعادة العرب إلى حركة التاريخ.