حوارات لا تُسمع
قالت العصفورة لقفلِ
الباب:
كلما بسطتُ جناحيَّ ذكرُتك،
أنت المشقوق الرأس
من كثر الأوجاع!
إليك حبة قمحٍ،
ناضجة من أرض البستان؛
هناك حيث الأقفال بلا صدأ،
ولا أحزان.
أجاب القفل
العصفورة:
كلما رفرفتِ؛
هبَّ الهواء في فراغ قلبي.
ليتني حر بلا سطوة مفتاح،
أو ذكرى لصٍّ أرعن،
يبتر أحشائي وذراعي الأيمن.
طيري يا حرة،
وقمحك سنبلة في الوجدان.
•••
قالت النجمة للبحر:
ليتني سفينة،
تتقلب بدلالٍ على صدرك،
تنشد المواويل في وجدك،
لكني لستُ سوى
مقبرة في عمق السماء.
وكل ضوءٍ أُهديه
هو من زيف الحياة!
قال البحر للنجمة:
ليتني العاشق،
أغوص في عينيك،
أتأرجح بين جنتيك،
ومن هباء الكون
أَهَبُ الفجرَ الخلود!
قالت الوردة للعشب:
أحبكَ، امتلأت بك، ضمني إليك،
وخذني إلى أعماقك الخصبة.
•••
قال العشب للوردة:
يا لرقتكِ! قد هُيِّمت بك،
ارفعيني إلى ثغرك،
وانشريني في ثنايا عطرك.
قالت الوردة
للسماء:
ليت في عليائك تنمو جذوري،
ليت قلبي حين يزرق، ويذبل؛
تسقيه شجونك!
•••
قالت السكة للقطار:
أما تعبتَ؟
تأتي وتروح كعاشقٍ يائس،
وضلوعي هنا تئن من أجلك كل حين؟
قال القطار للسكة:
ألا ترين
أني لا أغادر مخدعك إلا لأعود إليه؟
وكما رسمتِ يومًا ولادتي،
أتركك ترسمين أبديتي!
•••
قال المركب للمرفأ:
رحيلٌ بعد رحيل،
أشواقٌ لا وصل لها بل أشواقٌ لا أفق لها.
فقط حين تُكسر خاصرتي،
وينوح من ملح البحر مجدافي،
وتقسو الريح على أشرعتي؛
أعود إلى أحضانك مسلوبًا،
من شغب عاصفةٍ،
منزوعًا من أمواج الحب.
في الوطن،
ليت المنفى هنا؛
فأعود غريبًا مكتملًا،
باللازمن، بالبعد والعشق!