الفصل الأول
(ينكشِف السِّتار عن سراي مُلوكيَّة)
الجزء الأول
(ابن سليمان – الفضل بن خاقان – المعين بن
ساوي)
ابن سليمان
:
إنني يا ابنَ خاقان، بعد قَينَتي وردِ الجنان؛ حُسنِها
المنير، وقَدِّها النَّضير، وفصاحتِها الفائقة، ونباهتِها
الرائقة، وصوتِها الندي، قد وهَى جِلدي، وتوارَى ارتِياحي،
وتوالَتْ أتْراحي. فعليكَ أن تعوِّضَني عنها، بقَينةٍ
مثلِها أو أحسنَ منها؛ لأجعلَها أنيسةً ونَديمة، وأنتَعشَ
بألحانِها الرَّخِيمة، ولتكُن أيُّها المؤتمَن، ذات آدابٍ
ولسَن، ورَونق وبلَج، ومنطقٍ ودعَج، وهيَف وترَف، ودلٍّ
ووطَف، وفرق كالصَّباح، وخدٍّ كالتفاح، وجِيدٍ كذكاء،
ومظهر ذي رُواء، ولا تتوقفْ في الثَّمن يا ذا الوَقار، ولو
بلَغ عشرةَ آلافِ دينار.
ألذُّ الأماني في الزَّمان
المراتبُ
وقد نلتُ من مَولاي ما أنا
طالِبُ
فيا حبَّذا ذا المجدُ لولا
ذَهابه
ويا حبَّذا الإشراقُ لولا
الغَياهِبُ
ويا حبَّذا الإقبالُ لولا
انقِلابُه
ويا حبَّذا الرَّاحاتُ لولا
المَتاعِبُ
زمانٌ قُصاراه الزَّمانُ وأهلُه
على نَهجه واللهُ باقٍ مراقِبُ
لقد فزتُ يا وردَ الجِنان
براحَةٍ
بقُربك والإسعادُ زاهٍ وثَاقِبُ
وما كنتُ أدري قبل بَينِك ما
الأسَى
فغالَتْك مني السَّالبات
الثَّوالِبُ
وأمسيتِ في جوفِ التُّراب وطالما
سكنتِ فؤادًا كلَّمَته
النَّوائِبُ
الفضل
:
سمعًا وطاعةً أيها الجليل، فسأُحضرها بأقلَّ من قليل،
فائقةً عما ذَكرت، وما إليه أشَرت.
ابن سليمان
:
هيَّا أيُّها الفَضل.
الفضل
:
أمرك، يا طاهِرَ الأَصل (ويذهب).
الجزء الثاني
(ابن سليمان – المعين)
ابن سليمان
:
إنَّ الفضلَ يا ابنَ ساوِي، لكلِّ نُبل وحذاقة حاوِي،
وما له نظِيرٌ بالأمانَة، ولا شبيه بالصِّدق
والصِّيَانة.
المعين
:
أجلْ يا صاحبَ الشَّان، ما له بالفِراسة ثَان. وهو معدِن
الحذاقة، والصَّون والصَّداقة، والمعين ابنُ ساوي، مطبوعٌ
على المَساوِي.
ابن سليمان
:
مدحي لابنِ خاقان، يا مُعين، لا يلمِّحُ بأن يوجدَ بك ما
يَشين؛ بل أنت أمينٌ وهو أمِين، وكلٌّ منكما ركنُنا
المَتين، وعلى كلٍّ منكما الامتِثال والإِذعان، لما نَأمُر
به ونرغبُه في كلِّ آن.
المعين
:
نعم يا صاحبَ الجلال، على كلٍّ منا الامتثالُ والطاعَة
والإذعان، لجلالتِك مدى الزَّمان؛ ولكن أنا دائمًا
مَملُول، والفضل موجَّه ومَقبُول، ومكلَّفٌ بكل أمرٍ مهم.
وعبدكم، مع فهمي والحَزم، لا أرى شيئًا من الالتِفات، ولا
أُكلَّف لحاجةٍ من الحاجات.
ابن سليمان
:
لا تعتِب علينا يا معين؛ فأنتَ كالفَضل عندنا أَمين،
وعزيزٌ علينا، ومحبوبٌ لدَينا، وكلٌّ منكما مَرآنا
الوَسيم، وله عندنا مَقام عَظيم، فاذهبْ وانتظر الفضلَ بنَ خاقان ليرجع بالقَينة، وأْتِنا
معه يا ذا الفِطنة؛ لتفوزَ
بالإكرام، والقَبول والاحترام (يذهب).
المعين
:
على الرأسِ، أيُّها الفَخيم.
ابن سليمان
:
فسِر بكَلايَة العَظيم.
الجزء الثالث
(المعين)
المعين
:
أنا لا أهنَأ بعُمر مَديد، وألذ بطِيب عيشٍ رَغيد؛ ما لم
أغيِّرْ قلبَ الأمير، على ابن خاقان الختير، وأضيِّق عليه
المسَالك، وأرميَه في مَهاوِي المَهالك؛ وإلا فليسَ لي
فلاح، ولا أنفكُّ عن الأتراحِ، ما دام هو مقدَّم وأنا
مؤخَّر، وهو موقَّر وأنا محقَّر. وقول الأمير: «لا تعتب
علينا يا معين؛ فأنت كالفضل عندنا أمين.» فهو تحصِيل
حاصِل، وتطويلٌ بلا طائل، وقد سمعتُ مثلَه الكثير، وما
أراه إلا زَخرفةً وتَنكِيرًا، فإلامَ وأنا في الهَوان،
والمُقدَّم ابنُ خاقان، والمخاطَب في كلِّ حال، والمعين في
زوايا الإهمَال؟! وهو أبو الدَّواهي، وحذقُه غيرُ متناهي،
فإذا تركتُه في القَبول ثاوِي، فلا أكونُ المعين بن ساوي؛
ولكن بالتأنِّي ينجَح المُتمنِّي، ولا بدَّ ما تسمَح
الفُرَص، وأوالي له النُّوَب والغُصص … وأنا ما لي وهذا
الانتِظار، الذي كلُّه أتعابٌ وأكدَار؟! فها أنا ذاهب
لأدبِّر دَسائس، ترتاعُ من شرِّها الجِن والأبالِس، وأرمِي
ابنَ خاقان في أعظم الخُسران (يذهب).
الجزء الرابع
(نعيم – جواري)
الجواري
(لحن)
:
مولانا أعطَانا
فضلًا وإِحسَانا
قدرًا نمَا فسَما
وفاقَ كيوانا
الفضلُ حامِينا
والأنسُ راعِينا
من حلَّ نادينا
يُطيل شكرانا
الجزء الخامس
(نعيم – جوارٍ – الفضل – أنس الجليس)
الفضل
:
قد وَجدنا نعيم، غرض أميرِنا الفَخيم.
نعيم
:
الحمدُ لله أيَّها الأنيق، على التَّيسير والتَّوفيق.
وما اسمُها أيها الرَّئيس؟
الفضل
:
اسمُها أنسُ الجليس. ولها مَعرفةٌ وآداب، تُعجز أُولي
الألباب، ولا شكَّ أنَّ الأمير يستَحسِن خِدمتي، ويرفَع
بسَببها رُتبَتي.
نعيم
:
لا شكَّ، يرفَعُ رُتبتك، ويعظِّمُ مدى الزمان
منزلتَك.
الجزء السادس
(الحاضرون – عطارد)
عطارد
:
على البابِ يا مولايَ قاصِد.
الفضل
:
أَحضِره إلى هُنا يا عطارد (يذهب).
الجزء السابع
(الحاضرون، قاصد)
قاصد
:
حيَّا الله الوزيرَ المُهاب!
الفضل
:
وأنتَ — حُيِّيتَ — يا نسلَ الأنجاب.
قاصد
:
قد أرسلني يا مَعدِن الإِيناس، إلى بين يدَيك سيِّدي
النخَّاس. ويقول لكَ أيها الهمام، بعد التَّحية والسَّلام:
«ألا تقدم القَينةَ للأمير، إلا بعد مدَّة أيُّها الخطير؛
لأنها أيها الأفخَر، منهوكَة من السَّفَر.» فأَبقِها يا ذا
الصَّبَاحة؛ لتحصُل على الرَّاحة، وترجع للنَّضَارة،
والوَضاءة والإِنارة. وقدِّمْها بعد يا ذا السَّجِية، إلى
أعتابِ الأمير العَليَّة.
الفضل
:
ارجِع إلى النخَّاس في الحَال، وقل له: «سَنفعل ما قال.»
وبلِّغه منَّا له السَّلام، وسنُوالي له الإِكرام.
الجزء الثامن
(الحاضرون، ما عدا قاصِد)
نعيم
:
وما نفعَل بولَدِك أيها الرَّئيس، إذا قامَتْ عندنا أنسُ
الجليس؟
الفضل
:
نحجُبها عنه مدَّةَ الإقامة؛ كي لا يراها ونقعَ في
النَّدَامة.
أنس الجليس
:
لمَ يا مولاي تقَع في الندامة، إذا رآني ولدُك صاحبُ
الفخامة؟
الفضل
:
اعلمي يا أنسَ الجَليس، أنَّ لي ولد ربيص؛ اسمُه علي نور
الدين، وهو أفسَقُ من الشَّياطين، لا يترُك من النِّسَاء
الدون، ولو كانَتْ عجوز حَيزَبون، فقَصدِي حجبُك عنه،
خشيةً عليك منه.
أنس الجليس
:
لا تخف أيها الأفضل، فما كلُّ الطُّيور تُؤكَل، وأنا لا
أبدِّلُ الأَمير، بغلامٍ جاهل صَغير.
الفضل
:
هكذا أرغبُ أن تكُوني يا أنسَ الجليس.
أنس الجليس
:
أنت كن في راحةٍ من جِهَتي أيها الأَنيس، وأنا لو رآني
ولدُك في اليوم ألفَ مرة، لا أعامِلُه بغير الجَفوة
والنُّفرَة.
نعيم
:
الآن قد أمِنَّا، وذهبَ الوَسواس عنَّا.
الفضل
:
أكرِمي، يا نعيمُ، أنسَ الجليس، وابذُلي لدَيها كُلَّ
غالٍ نَفيس، إلى أن تأخُذَ الراحة، وترجِع للبَهجة
والصَّباحة، ويزهُو رونقُ حسنِها الأوحد، وتُنقَل شمسُها
إلى برج الأسَد.
نعيم
:
سمعًا أيُّها الأمير، فلا يحصُل منا أدنى
تَقصِير.
الفضل
:
وها أنا ذاهبٌ الآن لخِدمَة الأميرِ المُصان. وإذا
سَألني عما اقتَرحَه عليَّ، أقول بعدما أُتيحَ لديَّ: ما
إنَّها قَينة تُعجِب للأمير وتُطرب، وأسوِّفه بمواعيد
منزهة عن التَّدنيس، إلى أن يحصُلَ ارتياحُ أنسِ الجليس.
ونقدِّمها له كغَزالة وهالة.
نعيم
:
سر يا مولاي ميمونَ المساعِي، مقبولًا عندَ الرَّعيَّةِ
والرَّاعي (يذهب).
الجزء التاسع
(الحاضرون، ما عدا الفضل)
وحيث إنَّ سيدَنا المنير، قد ذهب موفَّقًا لخِدمة الأَمير. فعلينا أن نحتَجِب في المقاصِير، إلى أن يُنَشِّقَنا بالعُود أطيبَ عبير.
الجواري
(لحن)
:
أمرك ذات المحيَّا
قد صفَا الوقتُ فهيَّا
نحتسِي رُوحَ الحُميَّا
بهناءٍ وسرور
نلنا بالفَضل مُنانا
وبه نارُ عُلانا
هيَّا قد تمَّ صَفانا
نجتَلي وجهَ الحُبور
(يذهبون.)
الجزء العاشر
(علي نور الدين)
علي
:
برزَت ذاتُ الجمالِ الأَنورِ
فتبدَّى من سَناها المُشترِي
لحظُها والخدُّ والخَالُ إذا
برزَت تُخجِل ضوءَ القمرِ
قيصرٌ كِسرى النَّجاشي جرَّدوا
لحِمَى النُّعمانِ سيفَ المُنذر
الجزء الحادي عشر
(علي نور الدين – أنس الجليس)
أنس الجليس
:
أأنت علي نور الدِّين؟
علي
:
نعم، وأسيرُكِ كلَّ حِين، وأنتِ أنسُ الجليس؟
أنس الجليس
:
نعم، أيُّها الأَنيس، أنا التي حِين رأتْ جمالَكَ قد
شغَفها حبُّك، ورجَّحَت وصالَك على وصال ابن سُليمان،
المنفرد بالرِّفعة والشَّان.
علي
:
ما أعذبَ هذه الأقوال! هيَّا إذن للوِصَال.
أنس الجليس
:
لا، يا ذا الجمَال، لا يُمكِن بغير الحَلال.
علي
:
وكيف ما ذكرتِ يكون، وأنتِ للأمير ذي الشُّئون؟
أنس الجليس
:
قد يكون أيُّها الوَسيم، إذا ساعدَتْنا أمُّك نعيم؛
فدبِّر أنتَ ما عليك، وأنا ذاهبةٌ لأُرسلَها إليك (تذهب).
الجزء الثاني عشر
(علي نور الدين)
علي
:
وكيف أدبِّر ما عليَّ، أو أُرضي والديَّ، أن يسمَحا لي
بأنس الجليس، وهي لابن سليمان البَئيس؟! ما لي غيرُ
استعمالِ الحِيَل؛ لأبلغ من أبي وأمي الأمَل، وهي: تارةً
أشتكي الغَرام، وطورًا أخرجُ عن دائرة الاحتِشَام، مُظهرًا
لديهما الجُنون، وطورًا أترجَّعُ من الشُّجون، فعسَاهما
يرحَماني، ويبلِّغَاني الأمَاني … لا ريبَ! بهذه الأعمال،
أبلغ المقاصِد والآمال، وأُطفي بوصالِ أنس الجليس، من
فؤادي جمراتِ الوَطيس.
الجزء الثالث عشر
(علي نور الدين – نعيم)
نعيم
:
ويكَ يا نور الدين! ما هذا الزيغ المشين؟! وكيف طلبتَ من
أنس الجليس الوِصال، وأبوكَ قد اشتراها للأمير ذي
الجَلال؟! أما هِبتَ يا ذا الجُنون، أن تذوقَ كأسَ
المَنون؟
علي
:
المَنونُ يا والدتي نَعيم، أهونُ عندي من عذابي الألِيم.
والغرامُ الذي اعتَرَاني، أبانَ رُشدي ولاعَ جَناني، حينما
أبصرتُ أنس الجليس.
نعيم
:
ما هذا الضلالُ البَخيس؟
علي
:
ما هذا — يا أماه — ضلال؛ بل غرامٌ واشتغال، ولوعةٌ
وهَوَى، هدَّ مني القُوى، وصيَّرني دون العِباد، حليفَ
الولَه والسُّهاد.
نظرةُ العينِ أصلُ كلِّ البلايا
طالما قادَتِ الفَتى للمَنايا
والهوَى للهَوانِ يَقضي ويَبري
بمُدَى فَتكِه قلوبَ البَرايا
حُسنُ أنس الجَليس أشجَى فُؤادي
مذْ تبدَّت وأذابَ حَشَايا
عقربَتْ صدغَها بشَامةِ خَدٍّ
قد أرتْني منه الزَّوايا خبَايا
بقيَ القلبُ فيه عَاني سُكر
قد غَدا في الفؤاد منه بقَايا
نعيم
:
أَوَّاه، وا عزيِزاه!
الجزء الرابع عشر
(علي نور الدين – نعيم – الفضل)
الفضل
:
ما هذا الهلَعُ يا نَعيم؟
نعيم
:
انظر يا مولايَ الفَخيم، ولدَك علي نور الدين.
الفضل
:
وما أصابَه من الكَرب المُهين؟
نعيم
:
قد أصابَته سهامُ الغَرام، كلَمَت أحشاءَه وجعلَتْه
مُستَهام.
الفضل
:
وكيف ما ذكرتِ كان؟
نعيم
:
اعلم يا معدِن الإحسَان، أنَّه أبصر جمالَ أنس الجليس،
فانطلَق به طرفُ الغرام الحَبيس، وصار كما تَراه، فاقدًا
رشدَه ونُهاه، وقد أَنَّبْتُه أيها الوزير، ورغَّبته
بسِواها كثير، بعدما أفهمْتُه أيها المصان، أنها للأمير
ابنِ سليمان؛ فما انفك منتهِك، وفى غَيِّه منهمك. وهذه يا
مولاي حالتُه، التي سوَّلَتْها ضلالتُه.
الفضل
:
ما هذا الضَّلالُ يا علي؟
علي
:
لا تجر معها عليَّ فأنا غير ملوم، وفؤادي غير مَشئوم؛
لأنَّ القضاءَ لا يُرَد، وسلطان الغرام لا يُصَد؛ فكم حطَّ
أرفَع، وقهرَ سَمَيذع، وأذلَّ وأهَان، مِن ملِك وسُلطان.
وناهيكَ يا حسن السلوك، بقَولِ بعضِ الملوك:
وأنا، يا والدي الهُمام، لولا العِشقُ والغَرام، لما
رأيتَني ذا جَسارة، ولا سمِعْت مني كهذه العبارة؛ فأشفِق
عليَّ يا أبي، وأنِلني بفَضلك أرَبي، وهَبني أنس الجليس،
التي جذَبَتْني بمَغناطيس. وإذا لم تَهبْني إيَّاها، أموتُ
قتيلَ هواها، فاشترِ حياةَ ولدك أيها الرَّئيس، بزواج
مالكتِها أنس الجَليس، وإلا يا ذا المقام، على حيَاتي
السَّلام.
عجبًا لسُلطان يجُور بحُكمِه
ويجُور سلطانُ الغَرام عليه
الناسُ مِلك يَدي وحُكمِي نافِذٌ
وأنا وكُلُّ الناس مِلكُ يدَيه
يا شِقوتي أذكيتِ نارَ فُؤادي
وأثَرْتِ في الأحشاء قدحَ زِناد
هل أخلفَتْ أنسُ الجليس وعودَها
وأنا لطَلعتِها على مِيعاد
أتصدُّني عن حُسن قامتِها بما
تُبدي من الألحاظ شوكِ قَتاد
يا ويحَ قلبي إنْ قضَى نحبًا ولم
يَقضِ المُنى من عطفِها الميَّاد
نعيم
:
أواه! وا كَرباه عليك، يا ولَدي وقطعةَ كبدي!
الفضل
:
ما هذا المُشكِل يا نعيم؟
نعيم
:
أنا أدبِّرُه أيها الفَخيم.
الفضل
:
وكيف تدبِّرينَه؟
نعيم
:
تدبيرُه يا ربَّ العرينة أن نُرسِل القُصَّادَ إلى سائر
البلاد، يسألُون سكَّانَ الأكنَاف، وقطَّانَ الأَمصار
والأَطراف، على قَينة حَسناء، تعجب للأمير ذِي العلاء،
وتكون حاصلة كما وصف، على أنواع الظَّرْف والترَف،
فيَشترونها يا ذا المنَن، وأنا من فَضلِك أدفع الثمَن.
وأنس الجليس يا ساميَ الشَّان، نهبها لوَلَدك الوَلهان،
وهذا، يا مولاي، حَلُّ المُشكل، والرأيُ الموفق أيها
المفضَّل.
الفضل
:
هذا — يا نعيم — رأيٌ حسَن، يخلِّصنا من غوائِل
المِحَن.
نعيم
:
إذن يا صاحبَ الأيادي، اروِ ظمأَ ولدِك الصَّادي، وهَبْه
أنسَ الجليس الآن، ليُطلَق من قُيودِ الأشجَان.
الفضل
:
قد وهَبْتُه إيَّاها يا نَعيم.
علي
:
حُفظتَ يا مولاي الفَخيم! قد بزغَت شموسُ سُعودي، وعطرُ
الأكوان عرَّف عُودي. فها أنا داخلٌ وبعدَ برهة، أُخرِجُها
معي للنُّزهة؛ وذلك بعدَ الجِلوة والخَلوة والنَّشوة
والصَّحوة … عن إذنِكم الآن.
نعيم
:
ادخُل موفقًا مُصَان (يذهب).
الجزء الخامس عشر
(الفضل – نعيم)
الفضل
:
أنظَرتِ — يا نعيمُ — غَيَّ الصبا، كيف يحمِل لُبَّ
صاحبه هَبا؟! فما صدَّق أنه حصَل على أنس الجليس، حتى طَال
من الفرَح ليَتملَّى بجَمالها الأنيس.
نعيم
:
عذرُه واضحٌ أيها الهُمام؛ لأنه عاشقٌ وغلام. والحمدُ
لله الكريم الوهَّاب، على زواجِه في حياتِك أيُّها
المُهاب.
الفضل
:
ادخُلي إذن وهيِّئي له الجِلوة؛ ليكمُلَ له الحظُّ
والصَّفا.
نعيم
:
أمرك يا ذا الصِّلة، وها أنا داخِلة (تذهب).
الجزء السادس عشر
(الفضل)
الفضل
:
يجبُ قبل ما نُرسل القصَّاد، أن نُعلمَ النخَّاس
بالمُراد، ونكلِّفَه شراءَ قَينةٍ غرَّاء، تفُوق أنس
الجليس في البَهاء، ونقدِّمها للأمير الأرفَع، قبل ما
يشعَرُ بما توقَّع.
الجزء السابع عشر
(الفضل – المعين)
المعين
:
اعلم يا ابنَ خاقان، أن الأميرَ المصان بلغه شِراك له
قينةً جَميلة، فيأمرُك أن تُحضِرها؛ لتفوزَ بالمنح
الجزيلة.
الفضل
:
حاضر يا ذا العُلا، وقِف لنذهبَ سَوا (يذهب).
الجزء الثامن عشر
(المعين)
المعين
:
ماذا أفعلُ لأغيِّر ابنَ سليمان، وأبغِّضَه في الفضل ابن
خاقان؟ الآن يحصُل على الصِّلات، وأنا أكابِدُ الحرمان
والحسَرات، وكلما أنصِب له المكائدَ يسلَم منها ويَسمو إلى
الفَرائد، وأنا دائمًا في تأخِير، وهو مقدَّمٌ عند الأمير،
ولا بدَّ ما أبذل الجَهد، وأتجاوَز في كَيده الحَدَّ،
فإمَّا أن أهلكه وأنال المُنى، أو أهلك وأستريحَ من
العَنا.
الجزء التاسع عشر
(المعين، الفضل)
الفضل
:
قد تعذَّر أخذُها الآن يا معين، فاذهَب أنتَ، وأنا
أُحضِرُها بعد حِين.
المعين
:
وما أقولُ للأميرِ الهمام؟
الفضل
:
قل له إنَّها في الحَمَّام. وبعد خُروجها أُحضِرها إليه،
وأقبِّل احترامًا يدَيه.
المعين
:
مناسبٌ أيها الوزير، وحذارِ من التَّأخير (يذهب).
الجزء العشرون
(الفضل)
الفضل
:
قد حال الحالُ وانقلَب، وأُتِيحَ لابن ساوي السَّبَب، أن
يُطفِئ ناري، ويخرِّب دِياري؛ لأنَّ ولدي التَّعيس، قد
ملَك أنس الجليس، وظننتُ أن أعدِلَه عنها، فحصَل الامتناع
منه ومنها. ولا أدري كيف الخَلاصُ، من غَوائل القصاص؟ هل
أسلَم من الإعدام أو يذيقَني الأميرُ الحِمام؟! فلا كنتَ
يا ولدِي الذميم، ولا كانتْ أمُّك نعيم! فلولاكما ما هِبتُ
العَذاب، ولا عانيتُ هذه الكروبَ والأوصَاب. ما لي غير
الهرب؛ لأسلَم من غوائل العطَب، وأتركَ ولدي الذميم،
للخُسر والعذاب الأليم؛ لأنه هو السَّبَب في المصائب
والحرَب، نعم نعم، يا ابن خاقان الهرَب، أجدَرُ بك الآن
وأسلَمُ على الدوام، من العذاب والإعدَام.
بنفسِك فُزْ إذا ما خِفتَ
ضَيْمًا
وخلِّ الدَّار تنعَى من بَناها
فإنك واجدٌ أرضًا بأرضٍ
ونفسك لم تجد نفسًا سِواها
(يذهب.)
الجزء الحادي والعشرون
(علي – أنس الجليس)
علي
:
إن أمرَنا يا أنس الجليس مُشكِل، والحال الذي وقَعنا فيه
مُعضِل، ولا ندري كيف الخَلاص، من غَوائل القصاص؟
أنس الجليس
:
لا تقنَطْ يا سيِّدي من السَّلامة.
علي
:
أنَّى نرَاها أو نخلص من المَلامة، ما دامَ الأمير
الأفخَر، قد بلغه الخبر؟! إن والدي المُهاب، قد اشتراكِ له
بلا استِرَاب.
الجزء الثاني والعشرون
(الحاضرون – منذر)
منذر
:
انجُ — يا سيدي — بنفسِك، قبل أن تحُلَّ في
رَمسِك.
علي
:
ما الخبرُ يا منذر؟
منذر
:
قد جاء إلى الأمير المُخبر، وقال له: «إن الفضلَ بن
خاقان، قد فضَّل ولدَه على الأمير ذي الإحسَان، وأعطاه
القينةَ التي اشتراها، وتملَّى بجَمال محيَّاها.» فغضِب
الأميرُ الوَحيد، غضبًا ما عليه من مَزيد، وأمرَ وزيرَه
المعين وبعضَ الجنود، أن يقودَك مع أبيكَ في القيود، بعدما
يحرقُون داركم، ويعجِّلون بعدها دمارَكم، فأسرع يا سيِّدي
بالفِرار، حَذرًا من البَوار.
علي
:
ما نصنَعُ يا أنسَ الجليس؟
أنس الجليس
:
نفوزُ بالأرواح أيُّها الأنيس.
علي
:
وكيف نفوزُ بالأرواح، وجُند الأمير في سائِر
النَّواح؟
أنس الجليس
:
نختَفي إلى أن يجِنَّ الظلام، ونركب الدِّجلةَ ونذهَب
إلى دار السلام، وبعد وصولِنا بأمَان، يُفرِجها العظيمُ
المنَّان.
علي
:
هذا هو الرأيُ السَّديد، والتَّدبيرُ الحَميد؛ فبادِري
الآن، والحافظُ الرَّحمن (يذهبان).
الجزء الثالث والعشرون
(المعين – قائد عسكر)
المعين
:
عليكم أولًا أن تقبِضُوا على ابنِ خاقان، وعلى ولده
الفاسق الخَوَّان. وتخرجون النِّساء من بعدها حاسِرات،
وتحرقون الدارَ وما حوَتْه من الخَيرات.
قائد
:
أمرك يا ذا الجَلال.
المعين
:
هيَّا بلا إِمهَال.
الجزء الرابع والعشرون
(المعين)
المعين
:
ها قد بلغتُ مرادي، واشتَفى بالفَضل فُؤادي، وسأقتُله مع
ولدِه الفاسق الخوَّان، وأعيشُ بعدَها في نعمةٍ
وتَهان.
الجزء الخامس والعشرون
(المعين – قائد – العسكر – نعيم – الجواري)
قائد
:
ما وجدنا يا مولاي غيرَ النِّساء.
المعين
:
قد فرَّ الفضل، يا ربةَ الخَناء.
نعيم
:
الخناءُ من فعالك، يا ابنَ ساوي.
المعين
:
اسكُتي يا كثيرةَ المساوي … اسحَبُوهنَّ إلى السِّجن
والعَذاب، وأنا أبحثُ عن الفضل الخلَّاب وعلى ولدِه
المَشئُوم، وأسقيهما كئوسَ السُّموم، وبعدما يهلكان أسعِّر
النَّار، وأحرِق — كما أمرَ الأميرُ — الدارَ.
نعيم
:
ستُجازَى، يا ظلومُ، بأعظمِ جَزاء، وينتقِم منك ربُّ
الأرضِ والسماء.
تم الفصل الأول.