الفصل الخامس
(ينكشف السِّتار عن ديوان الخَليفة هارون
الرشيد)
الجزء الأول
(الخليفة – جعفر – مسرور – الفضل – علي نور الدين
– أنس – نعيم – ابن سليمان – حجاب)
الجميع
(لحن)
:
عِش مليكَنا دَوما
مُنزَّهَ الأَفكار
فكلُّنا لكَ عونًا
لكلِّ ما تَختار
دم أميرنا وارقَى
للمَعالي واستَرقَى
من أساءَ كَم يلقَى
مُرهَفًا بتَّار
أبقاكَ ربي أبدًا
لكلِّ ما تَختار
الخليفة
:
ما هو جرمُك يا ابنَ خاقان، مع محمَّد ابن
سليمان؟
الملك لله مَن يظفَرْ بنيلِ مُنى
يردُدْه قهرًا ويضمَن بعدَه
الدرَكا
لو كانَ لي أو لغَيري قدرُ
أنمُلة
فوقَ التُّراب لكانَ الأمر
مشترَكا
الفضل
:
عبدُك أيها المنعم، مع الأمير غيرُ مجرِم. وما توقَّع
مِني يا ذا الهِبات، يُعد من الهفَوات.
الخليفة
:
أما علمتَ يا ذا الجَريرة، أن هفوةَ الكَبير بمقام
الكَبيرة، وأنَّ هفوة العقال، لا يُغضَى عنها ولا يمكن أن
تُقال؟! فاشرَح ما حصَل وكان، لنعفوَ عنك أو
تُدَان.
الفضل
:
إني أخجَل من التَّصريحِ، يا ساميَ الشان.
الخليفة
:
لا، قُل ولا تخجَل، ليُعلمَ عذرك ويُقبَل.
الفضل
:
حُفظتَ يا طوسَ الخلافة، وربَّ المَرحمة والعَفافة!
أعرضُ يا مولاي أنَّ هذا الأمير، أمرني أن أشتريَ له قينةً
تُنير، فذَهبت واشتريتُ له قَينة، ذات ألمعيةٍ وفِطنة،
وحسن وجمال، كالشَّمس والهِلال، فذَهبت واشتريتُ له قَينة
غرَّاء، تدعُ لبَّ من رآها هَباء، وجئتُ بها إلى البَيت،
لأزيِّنَها بحسن ما اقتَنيت، وبالقدَر المحتوم، رآها ولدِي
المَشئُوم، فأحبَّها وأحبَّتْه، وعشِقها وعشِقَته؛ فرأيتُ
أن أهبَه إيَّاها، وأشتري للأمير قينةً سِواها؛ خشيةً
يا ابنَ الأطهرين، من وُقوع رَيبةٍ تَشين، إذا قدَّمتها
لحضرةِ الأمير، ومنعتُها عن ولدي الخَتير. فلما بلغ ابنَ
سليمان ذلك، نصَب لنا أشراكَ المَهالك، وبدسائسِ المعين
ابن ساوي أحرق داري وسبَى عِيالي، وتعمَّد قَتلي وقتل
ولدِي الغالي، وأمر بسَجني وسَجن ولدي، وأحرَق بذلك
كَبِدي، وزيادةً على ذلك سجَن زوجتي وولَدي وخدَمي وأنس
الجليس، وسلب منَّا كلَّ غالٍ نفِيس، وسوَّل له ابن ساوي
قتلَنا جَميعًا، فكانَ له سميعًا مطيعًا. ولولا تشريفُ هذا
الوزير، لما نجَونا من التَّدمير، فأمرَنا بالتشريفِ بين
أيدِيكم؛ لنعرض ما ألمَّ بنا عليكم، وها جِئنا لائذِين
بحِمى وليِّ العدل، وربِّ الإحسان والفَضل.
الخليفة
:
هل صدقَ الفضلُ يا ابنَ سليمان؟
ابن سليمان
:
نعم، صدقَ في البَعض يا عليَّ الشَّان، وفي البَعض يا
مولاي زَل، واستعمل الختر والخَتْل.
الفضل
:
وكيفَ يا أيها الأمير صدقتُ في البعضِ وكذبتُ في البعض؟
أما حرقتَ داري وسبيت عِيالي، وتعمَّدت قتلي وقتلَ ولدِي
الغالي؟!
ابن سليمان
:
نعم، قد فعلتُ يا ابن خاقان لما رأيتُك غيرَ صادق،
وجدَعت بالخيانة العَلائق، فرأيتُ حرقَ دارِك وسلبتُ
نعمتَك وقتلَك؛ جزاءً لك وتربيةً لما يفعل مثلك.
الخليفة
:
أما حفظت — يا قبيحَ الفعل — من الجزاءِ غيرَ القتل؟!
وأي شريعةٍ بين الأنَام، تجازي على الهَفوةِ بالإعدام؟!
أوَكان شيخُك به الشَّيطان، حتى تلقيتَه بالقبول
والإِذعان! وهل أنتَ حاكمٌ مستقل، حتى تعمَّدت القتل،
بدونِ مخابرة، وتفكُّر في الآخرة، ما هذا العِناد،
والظُّلم والفسَاد؟! ما هذه القَبائح يا جعفر؟
جعفر
:
والأقبحُ يا مولاي جرمُ هذا الأحقَر، الذي زوَّر عليَّ
هذا الكِتاب، ولا ارتاع من بأسَكم ولا هَاب.
الخليفة
:
ما ذا الزيغُ يا معين؟
المعين
:
عفوًا يا أميرَ المُؤمنين! فحسَدي لابن خاقان، وخفَّةُ
عقلِ ابن سليمان قد سوَّلا لي ما فَعلت، وقد ندِمت ورَجعت.
وها أنا يا مولاي واقفٌ ببابك ولائذٌ بأعتابِك، وهذا قدَر
الله حكمَ عليَّ به وقضاه.
الخليفة
:
وأنت — يا ابنَ سليمان هل تحوِّل جرمَك على
القدَر؟
ابن سليمان
:
نعم يا رافعَ الضرر، إن كنتُ أخطأتُ فما أخطأَ القدَر،
إنَّ القضاء إذا أتى يُعمي البصَر، ومن خلائقِ الخليفةِ
وشمائله اللطيفةِ العفوُ عن المُذنبين، والصَّفحُ عن
المُسيئين. العفو عمَّن أجرم وأسَاء وأحسن منه يا مولاي
للخُلفاء، وقد قيلَ أيها الجَليل:
إذا أرادَ اللهُ أمرًا بامرئٍ
وكان ذا عَقل وسَمعٍ وبصَر
أصمَّ أذنيه وأعمَى قلبَه
وسلَّ منه عقلَه سَلَّ الشَّعَر
حتى إذا أنفذَ فيه أمرَه
رُدَّ إليه العقلُ حالًا فاعتَبر
لا تقُل فيما جرَى: كيفَ جرَى
كلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدَر
الخليفة
:
إن العفوَ عنكما مُحال، ولا بدَّ من العُقوبة في
الحَال.
ابن سليمان
:
أما عرَضنا أنَّه قدَر؟!
الخليفة
:
والجزاءُ لكُما قدَر … خُذ — يا جعفر — منه خِتمَ
الإمارة، وخُذ من المعين ختمَ الوزارة. خُذ يا فضل؛ أنتَ
أمير البَصرة.
الفضل
:
حُفظتَ، يا مزيلَ كلِّ همٍّ وحَسرة.
الخليفة
:
قد حكمتُ عليكُما بالسِّجن المؤبَّد … خُذهما يا مسرورُ
إلى السجن.
مسرور
:
أمرك يا معدن الأَمن واليُمن (يأخذهما).
الجزء الثاني
(الحاضرون، ما عدا ابن سليمان، والمعين)
الخليفة
:
العاقل يا فضلُ مَن يعتبِر بغَيره، ولا يؤذِي بضرَره؛
ليرضَى عنه مولاه، ويوده من ولَّاه.
الفضل
:
نعم، أيُّها الأكرَم، لا يسلَم من العِثار، ولا يأمَن من
الدمار، من يؤذِي بضرره، ولا يفتكِر بغيره.
الخليفة
:
أعطِ يا جعفر للفَضل مائةَ بدرة؛ ليرجع بالسَّراء إلى
البصرة، ويعمُر داره، ويجدِّد دثاره … اذهبْ بالسلامة يا
فضل.
الفضل
:
أمرك، يا ربَّ العدل.
تبرَّعتَ لي بالجُود حتى
نَعشْتَني
وأعطَيتَني ما لا يُعَدُّ
ويُحسَب
وأنبتَّ ريشًا في الجَناحين
بعدَما
تساقطَ مني الرِّيشُ أو كاد
يذهَب
فأنتَ النَّدَى وابن الندى وأخو
النَّدَى
حليفُ النَّدى ما للنَّدَى عنك
مهرَب
(الجميع لحن)
أنتَ مولانا الكريم
سُدتَ بالمُلك العَظيم
بكَ الجودُ تحلَّى
والسعدُ حقًّا تجلَّى
والأنسُ فينا تبدَّى
والهمُّ عنا تخلَّى
أمان
فالعدلُ ظهَر
والظُّلم استَتر
والخيرُ اشتَهر
والغمُّ عنا تولَّى
أمان
والمجدُ انتشَر
والجودُ ظهَر
بادٍ كالقمَر
في طالعِ السعد يُجلَى
يا سيِّدي يا غَنائي
أنت عالي المَقام
مليكَنا يا همام
دمْ بكُلِّ احترام
يا مُسعدِي يا رجائي
سُدتَ بالانتِصار
وحويتَ الفَخار
على جميعِ الأنَام
وافتْ لك بُشرى بكلِّ الخير
في عزِّكم تدُوم الدهر
والسَّعدُ لديكم زها كالبَدر
والأنسُ بجودكم طويلُ العمر
دُمْ بحفظٍ غانمًا وكمالٍ دائمًا
ربِّ يبقيك إلينا سالمًا
فابقَ يا نَسلَ الكِرام
في نعيمٍ لا يرام
بالغًا كل المَرام
في صفَا حُسن الختام
تم الفصل الخامس.