حول رسالة الطبيبة الشابة١
قرأت رسالة الطبيبة الشابة التي نشرها د. عبد العظيم رمضان في مقاله بجريدة الأهرام (١٣ / ٥ / ١٩٩٥)، وسُررت لأن طبيبة مصرية شابة لها مثل هذا القلم العلمي لتشريح إحدى المشاكل في بلادنا وهي «الختان»، وبالقدر الذي سُررت به فقد آلمني أن أدرك أن هذه العملية لا تزال منتشرة، وأن هناك نقصًا كبيرًا في التعريف بأضرارها، وتشجع الآخرين من الأطباء والطبيبات على نشر هذا الوعي والمعرفة دون خوف أو حرج.
وقد كتبت في هذا الموضوع الكثير منذ أن تخرجت في كلية الطب عام ١٩٥٥ (أي منذ أربعين عامًا)، وأصبح الأمر قابلًا للنقاش والتحليل في الندوات العلمية والاجتماعية. وقد سُررت لأن د. عبد العظيم رمضان نشر رسالة الطبيبة في مقاله، لكني دهشت حين ذكر أن هذه القضية (الختان) صادفته عام ١٩٨٠ في الرسائل السرية التي كان يرسلها المندوب السامي البريطاني في مصر إلى حكومته، وقد أرفقها بدراسة تاريخية عن أصل هذه العادة توصَّل فيها إلى أنها ليست إسلامية وإنما هي عادة فرعونية.
والحقيقة أن ختان الإناث ليس عادة فرعونية أو مصرية قديمة كما ورد في وثائق الأرشيف البريطاني، بل هي عملية أُجريت في جميع بلاد العالم بما فيها بريطانيا والبلاد الأوروبية والأمريكية وجميع القارات. إن وثائق التاريخ الحديث وعلم الإنسان (الأنثروبولوجي) قد أوضحت أن هذه العادة نشأت مع نشوء النظام العبودي شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ولا علاقة لها باللون أو الدين أو الجنس أو العرق. ولي كتابات عن هذا منشورة باللغة العربية منذ أكثر من ربع قرن. إن هذا النظام العبودي (أو ما يُسمى اليوم بالنظام الطبقي الأبوي) قد بدأ هذه العملية لأسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية، بعد أن انقسم المجتمع إلى أسياد وعبيد، واندرجت النساء في خانة العبيد مع الماشية والمقتنيات الأخرى. وقد اكتشف هذا المجتمع البدائي المتخلف أن ختان المرأة لا يسلبها عضوًا جسديًّا فقط، وإنما يسلبها أيضًا القوة النفسية اللازمة للدفاع عن كونها إنسانًا وليس عبدًا.
وقد حضرت عدة مؤتمرات دولية في هذا الشأن، وناقشت هؤلاء الكُتَّاب والكاتبات الذين أشاعوا أن الختان عادة أفريقية، ومنهم الكاتبة الأمريكية «أليس ووكر» التي نشرت كتابًا ضخمًا كما شاركت في فيلم طويل عن ختان الإناث صورت فيه العملية على أنها عادة أفريقية.
وقد اشتركت معها في ندوة حول الموضوع العام الماضي، وشرحت أن القارة الأفريقية أو اللون الأسود ليس مسئولًا عن هذه الجريمة، وإنما هي إحدى جرائم العبودية في التاريخ البشري، إلا أنها بقايا العنصرية التي تتصور أن مشاكل الدنيا (بما فيها الإيدز) أصلها أفريقي، أو على الأقل بدأت في أفريقيا ثم انتقلت بالعدوى فقط إلى الجنس الأبيض.
وقد آلمني أيضًا أن الطبيبة الشابة س. ت (بعد رسالتها الشجاعة) تعلن تأييدها لقرار وزير الصحة بالسماح بختان الإناث في المستشفيات العامة؛ وذلك للتقليل من الأضرار التي تنتج عن إجرائه خارجها، بشرط أن يسبق ذلك تدريب الأطباء على كيفية إجراء عملية الختان بالشكل الذي أباحه الإسلام.
- (١)
ليس هناك شكل لختان الإناث أباحه الإسلام. هذه العملية لا علاقة لها بالإسلام، بدليل أن أكثر البلاد الإسلامية والعربية لا تمارس هذه العادة، ومنها الكويت والعراق وسوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب وغيرها.
- (٢)
كان المفروض أن تبذل وزارة الصحة الجهود لتوعية الأطباء وجماهير الشعب بمضار الختان، وأن تصدر قرارًا يُحرم هذه العادة باعتبارها جريمة في حق الإنسان؛ فهل كون الختان يمارَس خارج وزارة الصحة مبرر معقول كي تمارسه هي نفسها؟ هل كون المخدرات تباع في السوق خارج وزارة الصحة مبرر معقول كي تصدر الوزارة قرارًا ببيعها داخل مؤسساتها؟! وهل تأمر الوزارة بقطع ألسنة الناس منعًا للشائعات التي تطلقها هذه الألسنة؟
- (٣)
بدلًا من تدريب الأطباء على إجراء هذه العملية لماذا لا يتدربون على مقاومتها؟ هذا يقتضي إعادة النظر في التعليم الطبي. وإنه لا بد أن تشتمل الدراسة على أعضاء المرأة مكتملة (بما فيها عضو البظر)؛ فقد درسنا التشريح من كتاب إنجليزي اسمه «كانينجهام»، هذا الكتاب يستأصل عضو المرأة من علم التشريح باعتباره بلا فائدة مثل الزائدة الدودية، وقد ورثنا هذا الاتجاه المتخلف في التعليم الطبي عن الإنجليز؛ مما يدل على أن هذه النظرة العدائية (الدونية) لعضو المرأة عامةً تشمل الإنجليز البيض قبل أن تشمل السود. إن الطب مثل العلوم الأخرى يعكس القيم الاجتماعية السائدة؛ ذلك أن الأطباء تاريخيًّا هم ورثة الكهنة في العصور السابقة.
إلا أني قد سُررت لنشر مثل هذه الرسالة الشجاعة في جريدة الأهرام، وكم نحن في حاجة إلى مزيد من هذه الرسائل لنشر الوعي والمعرفة بين جماهير النساء والرجال والشباب والأطفال في بلادنا.