الخطر الغامض: حقائق جديدة حول حقن منع الحمل١
أكثر من مليوني امرأة من بلاد العالم (الذي يطلَق عليه العالم الثالث) ومنها مصر، يتعرضن لخطر غامض تحقن به دماؤهن بواسطة الأطباء والممرضات في المستشفيات ووحدات تنظيم الأسرة، يُصنع العقار في شركة من الشركات المتعددة الجنسيات ومقرها أمريكا، اسم الشركة إيجو، والهرمون المصنع يُعرف علميًّا باسم «ديبو ميدروكسي بروجسترون أستيت»، واسمه التجاري في الصيدليات «ديبروفيرا»، يُحقن في عضل الذراع أو الفخذ بكمية ١٥٠ مليمترات، ويعاد الحقن كل ثلاثة شهور.
استطاعت شركة «إيجو» — بعد أن منعت السلطات الأمريكية إنتاجه داخل الولايات المتحدة — أن تنجح في تصنيعه في بلجيكا وكندا من خلال الاتفاقيات المشتركة بين شركات الأدوية المتعددة الجنسيات.
وقد تنبه لخطورته عدد من البلاد الصناعية المتقدمة في أوروبا، والتي تتمتع بإدارات وقوانين صحية تحمي أهلها من مثل هذه العقاقير الخطرة، لكن الملايين من نساء العالم الثالث (ومنهن نساء مصر) ما زلن يتعرضن اليوم لهذا الخطر.
ومنذ منتصف الستينيات ترفض إدارة الرقابة على الأغذية والأدوية في أمريكا التصريح لشركة «إيجو» باستخدام هذه الحقن كإحدى وسائل منع الحمل لدى النساء الأمريكيات. وفي ٢٦ أكتوبر ١٩٨٤ أصدرت هذه الإدارة قرارًا آخر يدعم قراراتها السابقة بعدم التصريح باستخدام هذه الحقن. وجاء في القرار أن التقارير الطبية الأخيرة قد أثبتت ضرر هذه الحقن واحتمال تسببها في أمراض سرطانية وأمراض القلب والأوردة وتشوهات خلقية للأجنة.
كيف يعمل هذا العقار؟
يتلخص مفعول حقن الديبروفيرا في أنها تمنع الحمل عن طريق التأثير في الغدة النخامية في قاع الرأس ومنعها من إفراز بعض الهرمونات التي تحث المبيض على إفراز البويضة، وهكذا يتوقف المبيض عن إفراز البويضة. كما يؤدي العقار أيضًا إلى تورُّم الغشاء المخاطي لعنق الرحم وإلى ضمور الغشاء الداخلي للرحم؛ وبالتالي لا يمكن للجنين أن يتكون إذا ما حدث الإخصاب. وبالرغم من ثبوت فعالية الحقن في منع الحمل لفترة زمنية لم تحدَّد بعد فإنها سببت للنساء عددًا من المضاعفات الصحية، منها (حسب التقارير الطبية الأمريكية): العقم الكامل، والنزيف، والاكتئاب، وارتفاع ضغط الدم، وتورم الجسم والأطراف، وآلام وأورام الثدي، والتهابات المفاصل، ونمو شعر الوجه، وزغللة العين والضعف العام المستمر.
وحسب تقارير المعامل الأمريكية بعد حقن الحيوانات بهذا العقار اتضح أنه يؤدي إلى أورام الثدي لدى الكلاب وإلى سرطان الغشاء الداخلي للرحم عند إناث القرود.
نساء البرازيل أول حيوانات التجارب في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. كانت نساء البرازيل هن أول نساء العالم الثالث اللاتي أُجريت عليهن الاختبارات لمعرفة تأثير العقار قبل التصريح باستخدامه في الولايات المتحدة.
وفي عام ١٩٦٥ بدأت شركة «إيجو» بحوثًا ميدانيةً لاختبار العقار على النساء في سبعين دولة من بلاد العالم الثالث. ولم تبدأ اختباراتها المعملية على حيوانات التجارب الأمريكية إلا في عام ١٩٦٨؛ أي بعد ثلاث سنوات من اختباراتها على نساء العالم الثالث. وقد تم اعتماد الحقن كوسيلة لمنع الحمل وتم توزيعها على بلاد العالم الثالث قبل أن تقوم الشركة بالاختبارات الضرورية في المعامل.
وفي عام ١٩٧٣ وبعد أن أصيبت حيوانات التجارب بسرطان الثدي أو الرحم، أصدرت إدارة الرقابة على الأغذية والأدوية في أمريكا قرارًا جديدًا يمنع استخدام العقار داخل الولايات المتحدة. كما أمرت جميع الشركات باستبعاد مادة «الميدروكس بروجسترون» من جميع العقاقير التي يستخدمها الأطباء البيطريون في علاج الكلاب.
وهكذا تمت حماية الكلاب الأمريكية من خطر هذا العقار منذ عام ١٩٧٣؛ أي منذ اثني عشر عامًا، على حين أن النساء المصريات وملايين النساء في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ما زلن يتعرضن لهذا الخطر كل يوم.
نجحت شركة «إيجو» في توزيع هذه الحقن الخطيرة في حوالي ثمانين دولة، منها مصر والبحرين وبنجلاديش وبورما والكاميرون وقبرص والسلفادور وإثيوبيا وغانا وهونج كونج وإندونيسيا والعراق وجمايكا وكينيا والكويت ولبنان وليبيا والمكسيك والمغرب وعمان ونيكاراجوا وباكستان والفلبين وقطر والسعودية وجنوب أفريقيا والسودان وسوريا وتايلاند والإمارات العربية المتحدة وأوغندا وزائير وزامبيا وزيمبابوي، وغيرها من بلاد أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
تصل هذه الحقنة إلى أيٍّ من هذه البلاد بعد موافقة الحكومة، والتي يمثلها عادةً وزير الصحة. بعض بلاد العالم الثالث محرومة تمامًا من أي جهاز علمي للرقابة على الأدوية أو دراسة التقارير الخاصة بأي دواء أو عقار مستورد. وبعض البلاد بها إدارات للرقابة على الأغذية والأدوية، ولكنها بغير ضمير، قد يتقاضى بعضهم عمولات كبيرة لتسهيل الحصول على التصريح. وما إن يصدر التصريح من وزير الصحة حتى تُشحن إلى البلد كميات هائلة من هذه الحقن، يُدفع ثمنها نقدًا بالعملة الصعبة، أو يُدرج ضمن القروض أو المساعدات الأمريكية ذات الفوائد المدفوعة عاجلًا أو آجلًا.
وتنتهز شركة إيجو فرصة غياب الرقابة على الأدوية في معظم بلاد العالم الثالث فتشحن عقارها دون الحاجة إلى تصاريح معينة، اللهم إلا استمارات الشحن والجمرك. وقد تنبهت المكسيك أخيرًا لخطورة العقار ولم تَعُد تشتري شيئًا منه للاستخدام الحكومي، لكن الشركة «إيجو» رغم ذلك لا تزال ترسل عقارها مباشرةً إلى الصيدليات كقطاع خاص في المكسيك يتمتع بحرية الاستيراد والتصدير.
حركة النساء ومقاومة العقار
في معظم بلاد العالم الثالث يُحرم الأغلبية الساحقة من الأطباء من الوعي بخطورة مثل هذه الأدوية. وأين لهم بهذا الوعي وأغلب التقارير الضرورية لا تصل إليهم، بل لا تصل إلى وزراء الصحة أنفسهم أو المسئولين عن إصدار التصاريح، وإن وصلت هذه التقارير فإن مشاغل مثل هؤلاء الوزراء بأمور السياسة أو الحروب أو المذابح أو الكوارث أو الأوبئة أو الأزمات الاقتصادية الحادة العاجلة؛ كل هذه المشاغل تؤدي بمثل هذه التقارير إلى الاختفاء داخل درج مغلق في أحد سراديب وزارة الصحة.
وإذا غاب الوعي عن الأطباء أو الوزير فهل تحصل عليه النساء، واللائي أغلبهن أُمِّيات لا يقرأن، ويتعرضن كل يوم عن طريق التليفزيون وأجهزة الإعلام لحملة مكثفة تدفع بهن إلى وحدات تنظيم الأسرة ينشدن منع الحمل؟!
لكن المرأة هي الضحية الأولى، إذا لم تكن الضحية هي أول من يقاوم فمن يقاوم إذن؟ وقد بدأتْ في بعض بلاد العالم الثالث حركات نسائية تنشد الوعي والتنظيم لمقاومة ذلك الموت البطيء الذي يُعبَّأ لهن بأيادٍ أجنبية ثم يُحقن في أجسادهن بأيادٍ محلية.
في الهند تكونت حركة نسائية جديدة تقاوم وترفع وعي النساء. وتقول المحامية الهندية «جيارتري سنج»: أدخلَت الحكومة هذه الحقن إلى الهند عن طريق بعض الجمعيات النسائية، وسوف توزع في القرى؛ لأن نساء الريف غير واعيات بخطورتها، ومن السهل خداعهن على أنها فيتامينات للتقوية وليست حقنًا لها مضاعفات. وقد رفعت المحاميات الهنديات دعوى ضد الحكومة الهندية لأنها تخفي تقارير الدراسات التي أُجريت على هذه الحقن، وتسعى هؤلاء النساء للحصول على حكم قضائي يمنع استخدام هذا العقار في الهند قبل أن تطَّلع النساء الهنديات على جميع التقارير الطبية الخاصة.
وفي نيوزيلاندا بدأت النساء حركة ضد العقار. أكثر من عشرة آلاف امرأة أفريقية في جنوب أفريقيا يستخدمن العقار عن طريق الوحدات الحكومية لتنظيم الأسرة. ويقول الدكتور الأفريقي نثاتلو موتلانو: تُحقن الفتيات الأفريقيات الصغار بهذا العقار دون أية موافقة منهن.
وفي بنجلاديش وضع البنك الدولي ضغوطًا على الحكومة في بنجلاديش لتعقيم النساء بالحقن للحصول على انخفاض سريع في معدل المواليد دون مراعاة لصحة النساء.
وفي جامايكا حسب الدراسة التي قامت بها «ويلمابيلي» عام ١٩٦٣، فإن ١٨٪ من النساء المحقونات بعقار الديبروفيرا كان عمرهن أقل من ١٩ سنة. وفي عام ١٩٧٥ ارتفعت نسبة هؤلاء البنات الأقل من ١٩ سنة إلى ٢٧٪ من النساء المحقونات. أما ٥٦٪ من النساء فكان عمرهن أقل من ٢٤ سنة.
وفي تايلاند في أحد مخيمات اللاجئين على حدود كمبوديا (مخيم كاو-١ دونج) كانت كل امرأة تُحقن بالديبروفيرا تُمنح دجاجة لإطعام أسرتها الفقيرة، وفي الفلبين تُحقن بهذا العقار ما بين ١٠ آلاف و١٥ ألف امرأة.
وتتسابق الهيئات الدولية لتنظيم الأسرة والوالدية في أمريكا وإنجلترا بتقديم كميات هائلة من هذه الحقن كمساعدات لجمعيات تنظيم الأسرة الخاصة التي تتسابق بدورها لحقن النساء الفلبينيات بها.
بل إن بعض منظمات الأمم المتحدة الخاصة ببرامج السكان وتنظيم الأسرة في نيويورك تشجع أجهزة تنظيم الأسرة الحكومية على استخدام هذا العقار.
دور المساعدات الأمريكية والشركات
في معظم بلاد العالم تقوم الهيئات الدولية للصحة أو تنظيم الأسرة أو التنمية أو غيرها بتوزيع عقار الديبروفيرا، وعلى رأس هذه الهيئات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المعروفة باسم «وكالة المعونة الأمريكية».
إن هذه الهيئة — والتي تعمل تحت مظلة الحكومة الأمريكية — قد نشأت وفقًا لخطة مارشال للمساهمة فيما يُسمى بالتنمية العالمية، أو من أجل المصالح الأمريكية في الخارج، وتشتري عقار الديبروفيرا وتوزعه في الخارج. وحسب سياسة الهيئة فإنها من المفروض ألا تشجع تداول عقار يمنعه القانون الأمريكي داخل أمريكا، ومع ذلك فإن هذه الهيئة تمول برامج تنظيم الأسرة التي توزع هذا العقار، ومنها منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للوالدية. وكانت وكالة المعونة الأمريكية على علم بمشكلة الديبروفيرا منذ منتصف الستينيات حين اختُبر العقار في أكثر من ٦٠ دولة، وكانت تمارس ضغوطًا متعددة من أجل السماح لهذا العقار بالتداول في بلاد العالم الثالث بحجة أنه ضروري لبرامج تنظيم الأسرة هناك. وبالرغم من منعه في الولايات المتحدة فإن هذه الهيئة شَكلت لجنة متخصصة في عام ١٩٧٨ وخرجت اللجنة بتوصية غريبة؛ ذلك أنه برغم منع هذا العقار داخل الولايات المتحدة فإن وكالة المعونة الأمريكية يجب أن تعمل على استخدامه خارج الولايات المتحدة!
منطق الخبراء في العالم الثالث
ومعظم الخبراء من أطباء وأساتذة في علم السكان العاملين في مجالات تنظيم الأسرة في بلاد العالم الثالث يتمتعون بعضوية لجان متعددة في تلك الهيئات الدولية والأمريكية، ويتقاضون رواتب ومكافآت قد تصل أحيانًا إلى ثلاثين ضعف ما يتقاضاه أمثالهم في الحكومات المحلية. وإن منطقهم في تبرير استخدام هذا العقار يرتكز على فكرة غريبة يُعبِّر عنها أحدهم وهو فريد ساي، وقد شغل عام ١٩٧٨ منصب السكرتير العام المساعد لهيئة تنظيم الوالدية العالمية.
يقول: ظروف كل بلد هي التي تحدد منع العقار أو إباحته حسب مقارنة فوائده بأضراره، وفي بلاد العالم الثالث تزيد نسبة وفيات الأمهات بسبب الولادة مائة ضعف وأكثر على نسبة وفيات الأمهات في الولايات المتحدة، وهذا الفرق يقتضي بالتالي التفرقة في الوسائل المستخدمة في كل بلد …
ويوافق على هذا الرأي الدكتور ألان روزينفيلد، مدير إدارة السكان وصحة الأسرة في جامعة كولومبيا في نيويورك، والذي كان أيضًا رئيسًا للجنة التي شكلتها وكالة المعونة الأمريكية لإعداد التقارير عن حقنة الديبروفيرا، وقد كتب يقول: «إن المتخصصين في صحة الأسرة لا يساورهم أي شك — وعلى أساس ميثاق الشرف وآداب المهنة — أن بلاد العالم الثالث يلزمها مقاييس طبية مختلفة تمامًا عن المقاييس في العالم الأول.»
وقد تكون هذه الفكرة مفيدة لبلاد العالم إذا استُخدمت من أجل تمويل مشروعات التنمية الحقيقية ومقاومة الفقر أو سوء التغذية، أو توفير الخدمات الصحية الضرورية، وخاصةً للنساء الفلاحات، وغير ذلك من الأحوال التي تقتضي مقاييس خاصة فعلًا، لكن هؤلاء الذين يروجون لازدواجية المقاييس لا يستخدمونها إلا لترويج توزيع الأدوية الضارة بين شعوب العالم الثالث، والتي هي ممنوعة تمامًا في العالم الأول.
وقد ثبت أن مخاطر عقار الديبروفيرا على صحة المرأة في العالم الثالث أكثر من غيرها؛ بسبب نقص التغذية وإصابتها بفقر الدم. وفي دراسة في تايلاند وُجد أن عقار الديبروفيرا في لبن الأم يُضعف مناعة طفلها الذي يرضع لبنها ويجعله عرضة للإصابة بالإسهال الذي يقتل أكثر من خمسة ملايين طفل سنويًّا في تايلاند.
ويمكن لوكالة المعونة الأمريكية أو غيرها أن تخفض من معدل وفيات الأمهات بسبب الولادة لو أنها أعطت المزيد من الأموال لإنشاء وحدات رعاية الأمومة والطفولة بدلًا من إنفاقها على عقار الديبروفيرا.
وتسعى شركات الأدوية الأمريكية اليوم إلى استصدار قانون جديد يتبناه السناتور أورين هاتش، والذي يشرع لشركات الأدوية المتعددة الجنسية أن تنتج وتصدر العقارات الممنوعة في الولايات المتحدة إذا ما وافقت حكومات العالم الثالث على استخدامها.
إن شركات الأدوية الرأسمالية التي لا يهمها إلا تراكم الربح على حساب أرواح النساء والرجال في العالم الثالث تمارس الضغوط ليخرج هذا القانون الجديد إلى النور، والذي سيكون نوعًا من الحرب البيولوجية الجديدة التي يضرب بها الاستعمار الجديد عصفورين بحجر واحد: مكسبًا ماليًّا في بلاد العالم الأول، وخسارةً في بلاد العالم الثالث.
رشوة الوزراء وكبار المسئولين في العالم الثالث
تعتمد الشركات المتعددة الجنسيات لترويج بضائعها الضارة أو الفاسدة في بلاد العالم الثالث على غياب أجهزة الرقابة ذات الكفاءة، وعلى غياب الضمير الإنساني لدى بعض الموظفين في الحكومات والوزارات. وتعتمد كل شركة ميزانية لرشوة هؤلاء الموظفين تطلق عليها اسم عمولة مستحقة أو هدية شرعية.
ومن تقرير نُشر في مجلة مالتيناشونال مونيتور عدد مارس ١٩٨٥ ص٢٧ عن حجم الأموال التي دفعتها شركة «إيجو» للمسئولين والموظفين والكبار في بعض بلاد العالم الثالث :«دفعت الشركة أكثر من أربعة ملايين دولار (بالتحديد حسب التقرير ٤٢٤٥٩٤٩ دولارًا) لموظفين في ٢٩ دولة فيما بين عامَي ١٩٧١ و١٩٧٦، بالإضافة إلى مبلغ نصف مليون دولار تقريبًا (بالتحديد ٤٧٤ ألف دولار) دُفع لموظفين غير حكوميين يعملون في مجال الصحة.»
مؤتمرات الأمم المتحدة لتنظيم الأسرة والسكان
بالرغم من العلاقة الوثيقة بين الشركات الأمريكية والأوروبية المتعددة الجنسيات وبرامج تنظيم الأسرة في بلاد العالم الثالث، إلا أن مؤتمرات الأمم المتحدة — على كثرتها — لا تتناول هذا الموضوع بالدراسة، وعادةً تُعقد هذه المؤتمرات في الفنادق الفاخرة من الدرجة الأولى، ويصاحبها ولائم وحفلات، وقراءة مملة لدراسات متكررة تستغرق في الفروع والجزئيات والشكليات.
ومنذ عشر سنوات خرج مؤتمر السكان في بوخارست برومانيا بأن «الفقر» هو مصدر المشاكل في بلاد العالم الثالث وليس تعداد السكان، وأن «التنمية الحقيقية الشاملة» هي العلاج وليس توزيع وسائل منع الحمل.
وأن نجاح مشروعات التنمية يرتكز على الاستقلال الاقتصادي لبلاد العالم الثالث وليس على القروض والمساعدات.
إلا أن هذه الفكرة دُفنت في الأدراج، وارتكزت معظم برامج تنظيم الأسرة على توزيع وسائل منع الحمل.
ولم يحدث في معظم مؤتمرات الأمم المتحدة لتنظيم الأسرة والسكان أن نوقشت أسباب الفقر في بلاد العالم الثالث رغم ثرائها بالموارد. وقد تتعرض بعض الدراسات لمشكلات الحرب والتسليح، لكن أحدًا لا يدرس كيف أن الاستغلال ونماذج الاستهلاك أو الرفاهية في بلاد العالم الأول تؤدي إلى إفقار العالم الثالث.
ويجلس الخبراء من أمريكا وأوروبا على منصات هذه المؤتمرات بصفتهم مصدر المساعدات لسكان العالم الثالث وليسوا مصدر المشاكل والمتاعب.
إن متوسط استهلاك الفرد في بلاد العالم الأول يزيد عشرين ضعفًا على الفرد في بلاد العالم الثالث.
وفي مؤتمر الأمم المتحدة للسكان في المكسيك عام ١٩٨٤ أحاطت النساء المكسيكيات قاعة المؤتمر في مظاهرات صاخبة، وأصدرن بيانًا قائلات: إن أية زيادة طفيفة في سكان العالم الأول سوف تؤدي إلى استهلاك لموارد العالم المادية أكبر من أي انفجارات سكانية في العالم الثالث.
إن الدراسات السكانية ودراسات التنمية في العالم الثالث تخضع في معظمها لهيئات أمريكية مثل المجلس السكاني، والذي تموله الحكومة الأمريكية، والنتيجة النهائية هي إنتاج عقارات لمنع الحمل ضارة في أغلبها أو غير خاضعة لاختبارات كافية لضمان سلامتها.
ويشمل ذلك عقارات مثل الديبروفيرا والنوبلانت وغيرهما.
وحين يُفرض على نساء العالم الثالث اختيار وسيلة لمنع الحمل لا تقل ضررًا عن الوسائل الأخرى المتاحة فإن حرية الاختيار تصبح مجرد وهم زائف. ثم كيف للمرأة أن تختار وهي لا تعرف شيئًا عن فوائد ومضار تلك الموارد التي تدخل جسمها؟!
إن القوانين الرأسمالية التي تتبنى قوانين الاقتصاد الحر تترك للشركات المتعددة الجنسية حرية إنتاج ما تشاء من العقاقير، بالإضافة إلى حرية إخفاء ما تشاء من المعلومات عن هذه العقاقير.
النساء أول الضحايا؛ لأنهن الأدنى، والأضعف، والأجهل.
فماذا فعلت الجمعيات النسائية في بلادنا لمقاومة هذا الخطر؟!