الصحافة المصورة في الولايات المتحدة: تاريخ موجز
كانت الصورة هي الاستجابة النهائية لنَهَمٍ اجتماعيٍّ وثقافيٍّ لتمثيلٍ أكثرَ دقةً وواقعيةً للواقع، وهي حاجة تمتدُّ أصولُها إلى عصر النهضة. (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١٥)
على الرغم من أن التطورات التي حدثَتْ في تقنيات التصوير الفوتوغرافي مكَّنَتْ من ظهور التصوير الفوتوغرافي (والتقارير المصوَّرة، فيما بعدُ)، فقد سمحت البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية للقرن التاسع عشر للتصوير الفوتوغرافي بالتطوُّر والتوسُّع سريعًا؛ فقد دعمَتْ طبقةٌ متوسطةٌ متناميةٌ التصويرَ الفوتوغرافي بوصفه شكلًا فنيًّا جديدًا (روزينبلوم، ١٩٨٤)، وآمنَتْ بفكرة أن الصورة يمكنها توثيق الحياة «بموضوعية» (كارلباخ، ١٩٩٢). ومع ذلك كانت الصور الأقدم تعاني من ضرورة التعرُّض للضوء لوقتٍ طويل، وكانت تقتصر في معظم الأحيان على موضوعات المَشاهد الطبيعية، والعمارة، والصور الشخصية. «ومع ذلك، كانت ثمة قناعة بأن التقرير الصحفي هو أحد أبرز الإمكانات — والأهداف — المحتملة للتصوير الفوتوغرافي في البدايات الأولى لتاريخه. ومنذ أربعينيات القرن التاسع عشر، اختبر المصورون الأمريكيون التقنيات المتاحةَ من أجل تحقيق هذا الهدف، وأسَّسوا سوابقَ مهمةً لما أصبح واحدًا من أهم تطبيقات هذه الوسيلة» (ستاب، ١٩٨٨، ص٢).
أصبح التصوير واقعًا عمليًّا في عام ١٨٣٩ باستخدام عمليتين مختلفتين جذريًّا ومتنافستين؛ الداجيروتايب، التي اخترعها لويس جاك مانديه داجير في فرنسا، والكالوتايب التي اخترعها ويليام هنري فوكس تالبوت في إنجلترا. وعلى الرغم من أن عملية السالب/الموجب في الكالوتايب سمحَتْ فعليًّا بنَسْخ غير محدود من الصور الأصلية، فقد اتجه معظمُ الناس في البداية إلى الداجيروتايب (عملية موجبة) في الأساس؛ لأنها كانت تنتج صورًا بجودة أفضل.
على الرغم من معاناة عملية السالب/الموجب في البداية من أخطاء فنية، وكون الصورة اللينة الناتجة من انتشار الضوء الذي يمر عبر الصورة السالبة الورقية أكثر سطوعًا، كانت القدرة على نَسْخ الصورة الأصلية بسهولةٍ عاملًا حاسمًا في التقبُّل النهائي لهذه العملية على حساب عملية الداجيروتايب (نيوهول، ١٩٨٢).
حدث اختراعُ الطباعة الزلالية في خمسينيات القرن التاسع عشر، في الوقت نفسه تقريبًا الذي صُنِع فيه لوحُ السالب الرطب، وحسَّنَ — تمامًا مثل لوح السالب الرطب — إلى حدٍّ كبير من الجودة العامة للصورة، من خلال زيادة وضوحها وتقوية تبايُناتها اللونية. وبالإضافة إلى ذلك، استمرت الطباعة الزلالية أكثر بكثير من سابقاتها.
على الرغم من التحسينات التي طرأت على عمليات إعداد الصور السالبة وطباعتها، ظلَّتِ الصورُ، بوصفها وسائلَ إيضاحٍ للمطبوعات، بحاجةٍ إلى تحويلها إلى منحوتات، أو إدراجها على هيئة نُسَخ أصلية أو شرائح فانوس العرض. وظلَّ الوضعُ هكذا حتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر الذي أمكن فيه إدراج الصور الفوتوغرافية مباشَرةً في النص من خلال عملية الطباعة النصفية.
أثار اغتيالُ الرئيس أبراهام لينكولن عقب الحرب الأهلية الأمريكية مباشرةً، وما تبعه من إلقاء القبض على المتآمرين، اهتمامَ الدولة بأكملها، وخلَقَ فرصةً من نوعٍ آخَر للتحقيق الصحفي المصور؛ التسلسل الفوتوغرافي. المصوِّر ألكسندر جاردنر، الذي نشر «كتاب صور فوتوغرافية للحرب» الذي احتوى على صور التقطها في أثناء الحرب الأهلية، صوَّرَ أيضًا شَنْقَ أربعة من المتآمرين المدانين في اغتيال لينكولن. التقَطَ جاردنر سبعَ صور لعمليات الشنق، ربما شكَّلَتْ معًا أولَ توثيقٍ تسلسُلي لحدثٍ ما، على الرغم من أنه — كما تعلِّق ماريان فولتون — «لم يُنسَخ إلا ثلاثٌ فقط من الصور السبع التي التقَطَها جاردنر أثناء عمليات الشنق في الصحف الشعبية (استخدمَتْ مجلةُ هاربر الأسبوعية نُسَخًا منحوتة على الخشب من أجل توضيح خبرها عن الإعدامات بالصور)؛ ومن ثَمَّ فُقِد عنصرُ سرد التسلسُل الأصلي، والتأثير البصري التراكمي للصور الأصلية» (فولتون، ١٩٨٨، ص٢٨).
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ المصورون يتوصَّلون إلى أفكارٍ لتغطية الأخبار فوتوغرافيًّا، إلا أن أكبر الأثر كان للتقدُّم التكنولوجي في تطوير المفاهيم الحديثة في الصحافة المصورة.
لم يصبح ظهور «الصحافة المصورة» ممكنًا إلا عندما ارتقَت التكنولوجيا الفوتوغرافية (الأفلام ومعدات الكاميرات)؛ ونُظُم الاتصال (سُبل نقل الصور الفوتوغرافية من مكان التقاطها إلى مكان استخدامها)؛ وتقنيات النَّسْخ (سُبُل نشر الصور)، إلى مرحلة التزامُن التي جعلَتْ تصويرَ ما يحدث في ساحة المعركة ممكنًا وسهلًا؛ وأصبحت عملية نَسْخ الصور الفوتوغرافية سريعة ودقيقة، بكَمٍّ كبيرٍ وبسعر زهيد؛ وصارت الفترة الزمنية بين الحدث ونشر الصور المعبرة عنه أقلَّ ما يمكن. (ستاب، ١٩٨٨، ص٢)
مع ذلك، لم تتطوَّر الصحافة المصوَّرة نتيجةَ تزامُنِ تقنيات مختلفة فقط. «وُجِدت الصحافة المصورة، وستبقى، داخل سياقٍ يضمُّ الاقتصاد، والسياسة، والتكنولوجيا وتوجُّهات الجمهور، وأيديولوجيات النقاد، وأخيرًا المدرسين ومقدِّمي المعرفة والمعلومات» (جوسم، ١٩٨٨، ص٣٨).
في نهاية القرن استشعَرَ مُلَّاك الإصدارات الإخبارية ومحرروها رغبةَ الجمهور في الصحافة المصورة، وأدركوا أن الصور قد تشكِّل ميزة مهمة في المنافسة المتزايدة على القرَّاء؛ ونتيجة لهذا، بدأَت الإدارة تفكِّر في الطريقة التي يمكن بها استخدام الصور الفوتوغرافية بفاعليةٍ أكبر.
في البداية، سيطر قليلٌ من الخيال على طريقة دمج الصور في نصوص المقالات، لكن بعد عام ١٨٩٠ مباشَرةً، بدأت المجلات الدورية في إيلاء مزيدٍ من الاهتمام لتخطيط الصفحة. لم تكن الصور تُوزَّع عشوائيًّا داخل الخبر، ولكنْ بدأَت الصور على اختلاف أحجامها وأشكالها تُنسَّق بتأنٍّ، وتُوضَع أحيانًا بأنماط متداخلة، وتمتدُّ أحيانًا حتى إلى الصفحة المجاورة. كذلك، ظهرت الأخبار والمقالات المصورة التي لا تحتوي إلا على صور وتعليقات عليها. (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦١)
كذلك، أصبح مستهلكو الأخبار أكثر ثقافةً مع تغيُّر الخصائص السكانية إلى قرَّاء أكثر تعلُّمًا وتحضُّرًا. نشرت الجمعية الجغرافية الوطنية أول عدد من مجلة ناشونال جيوجرافيك في عام ١٩٨٨، واستهدفت الجمهورَ المهتم بالطبيعة والثقافات البعيدة التي تُصوَّر دومًا على أنها «بدائية» أو غريبة، وأصبحت ناشونال جيوجرافيك (وما زالت) قائدًا رياديًّا في استخدام الصور. ومن بين الابتكارات الأخرى، كانت أول مجلة في الولايات المتحدة «تبني مختبراتها الخاصة للصور بالأبيض والأسود والملونة (وبدأت تنشر صورها الفوتوغرافية الملونة في أوائل القرن العشرين)؛ وكانت أول مَن ينشر صورًا لحيوانات برية في الليل باستخدام الفلاش؛ وأول مَن ينشر صورًا تحت الماء لأسماكٍ بالألوان الطبيعية» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص١٨١).
إلا أن الطلب العام على الصور كان سلاحًا ذا حدَّيْن؛ فقد سعى المحررون ومالكو الإصدارات الإخبارية إلى إعطاء الجمهور ما يريده، بدلًا من ممارسة الحكم التحريري لتقرير ما هو مهم. كان المصورون الدائمون يقبلون بالمهمات الموكلة إليهم، وكان المصورون المستقلون يصنعون صورًا يعلمون أنها ستُباع. ومن هذه الناحية، كانت الصحف في أوائل القرن العشرين تشبه كثيرًا وسائلَ الإعلام الإخبارية الحالية التي تستخدم استبيانات القراء/الجمهور لتساعدها في تحديد المحتوى التحريري.
لأكثر من قرن، كانت القرارات بشأن المحتوى تُتَّخَذ اعتياديًّا مع وضع المعلنين في الاعتبار. تشرح الباحثة إيستل جوسم هذا فتقول إنه في أثناء العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، اندمجت المتاجر الكبرى مع الأصغر حجمًا أو استحوذَتْ عليها، ثم استخدمت ثروتها المتزايدة في شراء مساحات إعلانية في الصحف. وكان حجم القراء يحدِّد سعرَ المساحة الإعلانية؛ ولذلك اجتهدَت الصحف في منح قرَّائها ما أرادوه.
كما هي الحال في عصرنا الحالي، كانت الأخبار ذات الاهتمام العام تجذب عددًا أكبر من المصوِّرين، وكانت تُخصَّص لصورهم (المزيفة في بعض الأحيان) مساحةٌ واسعة في الصحف التي تميل إلى الموضوعات المثيرة؛ فكانت الكوارث والجرائم والعنف والغرائب هي الموضوعات التي يُفضَّل نشرها (مكشيسني، ٢٠٠٤).
لكن كارلباخ يشير إلى أن كثيرًا من هذه الصحف كانت لديها نزعة ليبرالية، وبسبب هذه النزعة، كانت تسعى أيضًا وراء الأخبار التي تحتوي على معانٍ خفية، والكشف عمَّا تقترفه النخبة من استغلال وفساد.
في ٣١ مايو عام ١٨٨٩، اجتاحَتْ مياه الفيضان مدينة جونزتاون في ولاية بنسلفانيا، وهي أحد المراكز الكبرى لصنع الصلب، لا تبعد كثيرًا عن مدينة بيتسبرج. غرق أكثر من ٢٢٠٠ شخصٍ، كثيرٌ منهم من زوجات عمَّال الصلب المهاجرين وأطفالهم. استحوَذَ الخبرُ على اهتمام الصحافة المحلية، ولا يرجع هذا فقط إلى الخسارة الفادحة في الأرواح البشرية؛ فقد حدث هذا الفيضان عندما انهار السد الترابي الذي كان يشكِّل محميةً خاصةً لصيد أسماك السلمون المرقط، فأرسَلَ جدارًا ضخمًا من المياه والطمي والحُطام في الشوارع الضيقة لمدينة جونزتاون، على مسافة أربعة عشر ميلًا نحو المصبِّ. كانت البحيرة مملوكةً ومستخدمةً حصريًّا من قِبَل نادي ساوث فورك لصيد الأسماك والقنص، وهو نخبة من رجال الصناعة والمصارف والمحامين في بيتسبرج، ومن بينهم أندرو كارنيجي وهنري كلاي فريك. على الرغم من التحذير المسبق بضعف السد، لم يفعل مديرو النادي أيَّ شيء، وحدَّدَتْ أمطار الربيع الغزيرة التي هطلَتْ هذا العام مصيرَ مدينة جونزتاون. ورأت الصحافة الشعبية دليلًا على النذالة والإهمال الجنائي من جانب المترفين الذين يترأَّسُون الإمبراطوريات الصناعية النامية في أمريكا. (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٤٧)
موَّلَ مالِكو الصحف الليبرالية أيضًا، مثل جوزيف بوليتزر، العديدَ من المساعي لخدمة الصالح العام، إلا أن الضمير الاجتماعي أيضًا كان له مردود عملي جيد. «تمثَّلَت استراتيجية بوليتزر في التسويق في التلاعب بالمشاعر باستخدام الحملات العامة، المثيرة بحد ذاتها بسهولة؛ فاستطاع بوليتزر بسرعةٍ تحقيقَ أعلى انتشار لصحيفته في الدولة» (جوسم، ١٩٨٨، ص٤٧).
أدرك ناشر صحيفة نيويورك جورنال، ويليام راندولف هارست، قوةَ صور الحرب في المنافسة على القراء، وبعدما علم من الفنان فريدريك ريمنجتون، الذي كان مبعوثًا في مهمة في كوبا للصحيفة، أن «كل شيء هادئ … لن تحدث حربٌ. وأنا أرغب في العودة»، يُقال إن هارست ردَّ قائلًا: «أرجوك أن تبقى. عليك تجهيز الصور، وأنا سأجهِّز الحرب.»
بالمثل كانت مجلة كولييرز الأسبوعية من أوليات المطبوعات التي أدركَتْ قدرةَ صور الحرب على جلب القراء؛ فبإرسال جيمي هير — الإنجليزي المولد، الذي ربما كان أشهر مصوِّر للحرب الإسبانية-الأمريكية، وهو بالتأكيد أحد روَّاد التصوير الحربي — إلى كوبا، تمكَّنَتْ مجلة كولييرز من «زيادة كلٍّ من الانتشار والإعلانات، الأمر الذي حفَّزَ بدوره مجلاتٍ أخرى على استخدام الصور بكثرة» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٣).
انتهَتْ سريعًا سياسةُ الامتناع عن التدخُّل العسكرية تجاه الصحف في أثناء فترة الحرب؛ إذ أدركَت الحكوماتُ والقادة العسكريون التأثيرَ السلبي الذي قد يكون لإعداد التقارير (خاصةً المصوَّرة) على دعم المدنيين. وفي أوائل القرن العشرين، أصبحت الكلمات والصور تُنقَّى على يد رقباء من الجيش. وبالإضافة إلى ذلك، كوَّنَ الجيش مجموعتَه الخاصة من المصوِّرين الذين يحصلون على حق الوصول إلى الأشخاص والأماكن والأحداث التي يُحظَر على المصوِّرين المدنيين الوصول إليها.
كانت المهام تُوزَّع بحرصٍ شديد؛ فقد كانت الموضوعات التي يُحتمَل وجود إشكالية فيها لا تُغطَّى ببساطةٍ، وتمكَّنَ الجيش، من خلال تقييد الوصول وتوفير تغطيته الخاصة المضبوطة بعناية، من إدارة التمثيل المرئي للحرب وتوجيهه في النهاية. ومن أجل تلبية احتياجات كلٍّ من الصحافة والقوات المسلحة إلى الصور، أنشأ الجيش حتى مدرسته الخاصة في سان أنطونيو من أجل تدريب مصوِّري الصور الثابتة والمتحركة. (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٨٢)
ابدأ جمع صور الحرب. ابدأ الآن في جمع هذه الصور الرائعة للتاريخ المعاصر؛ القصة التي سترويها الكاميرا عن كنائس مهدَّمة، وجنود في خنادق، وقرًى منهوبة، ولاجئين هاربين، وجيوش أثناء الزحف، راسمةً بصدقٍ، أسبوعًا بعد أسبوع، تطوُّرَ الحرب. ستعلو قيمةُ هذه الصور في السنوات القادمة وتفوق أيَّ تذكارٍ آخَر للصراع. (جوسم، ١٩٨٨، ص٦٣)
خلقَتْ وعودٌ مثل هذا جوًّا دفَعَ الصحفيين (ولا سيما المصوِّرون)، أو حتى حثَّهم على الغش؛ فنظرًا لافتقارهم إلى القدرة على الوصول إلى الصفوف الأمامية، صنعوا صورًا ارتبطَتْ أحيانًا بالأحداث الواقعية ولم ترتبط بها أحيانًا أخرى. وعلى الرغم من ذلك، كان مستهلكو الأخبار يَثِقون بوجهٍ عام بالصور، باعتبار أنها دليلٌ على الحدث، وأنها أمَدَّت الجمهورَ المتحمِّس بتقرير بصري.
كان مئات من الجنود العاديين يلتقطون الصور أيضًا على الجبهة، على نحوٍ غير قانوني، لكن على الرغم من أن مئات الآلاف من هذه الصور التي تكون مجهولةَ المصدر عادةً، توجد في الأرشيفات العالمية، فإن القليل منها للغاية، إنْ وُجِد، ظهر فيما نُشِر في وقت الحرب. إلا أن هذه الصور التي أُخِذت من الأرشيفات ونُسِخت في كتب تتحدَّث عن الحرب بعد سنوات عديدة، هي التي تعطينا صورةً عن قُرْبٍ للحياة اليومية في الخنادق. (جوسم، ١٩٨٨، ص٦٤)
أدار الزعماء الحكوميون والقادة العسكريون المعلوماتِ خلال الحرب العالمية الأولى بصرامةٍ أكبرَ ممَّا كان في أي صراع آخر تقريبًا؛ فقد حدث أكثر من تسعة ملايين حالة وفاة، إلا أن الصحفيين المدنيين لفَّقوا قصصًا وصورًا بسبب مَنْعهم من الوصول إلى الجبهة. كان هذا حدثًا مؤثرًا في تاريخ التصوير الحربي؛ إذ مهَّدَ الطريقَ أمام صراعٍ مستمرٍّ بين الحكومات ووسائل الإعلام الإخبارية من أجل تحديد القيود المفروضة على الصحفيين المدنيين في وقت الحرب.
كانت السياسة أحد المجالات الأخرى التي كان التصوير الصحفي يختبر حدودَ الوصول فيها في أوائل القرن العشرين؛ فقد أعلن المرشح الديمقراطي لرئاسة الجمهورية في عام ١٩٠٤، القاضي ألتون بروكس باركر، أنه لن يسمح بالتقاطِ صورةٍ له دون اتخاذه وضعية التصوير؛ فقد كان يخشى (مثل كثيرٍ من المرشحين في عصرنا الحالي) من التقاط صورةٍ له في وضعية محرجة. من سوء حظِّ باركر أن منافسه كان ثيودور روزفلت الذي يحب الكاميرا، وأدرك قدرتها على تشكيل صورة إيجابية (كارلباخ، ١٩٩٧).
حينما كانت الأقليات والأفراد ذوو المكانة الاجتماعية-الاقتصادية الأدنى يُمنَعون عادةً من سرد قصصهم في وسائل الإعلام الرئيسية، كانت هذه المجموعات دومًا هي موضوعات المصوِّرين. في عام ١٨٤٥ صوَّرَ أوكتافيوس هيل وروبرت آدمسون صيادين اسكتلنديين بأسلوبٍ مباشِر بقصد جمع المال لتحسين ظروف عمل موضوعاتهما. كان توزيع هذه الصور محدودًا نظرًا لأن اختراع عملية الطباعة النصفية لم يحدث إلا بعد عدة عقود. وعلى الرغم من ذلك، أطلقَتْ صورُ هيل وآدمسون تقدُّمًا نحو ما سيُعرَف فيما بعدُ باسم الأسلوب الوثائقي؛ صُوِّرت الموضوعاتُ بطريقة مباشِرة، إلا أن الصور التُقِطت بطريقةٍ ما، كما لو أنها بغرض توصيل فكرة اجتماعية، بل أخلاقية أيضًا.
في الوقت نفسه تقريبًا الذي كان طومسون يصوِّر فيه مُعْسري لندن، كان سكان أمريكا الأصليون يصوِّرهم مصوِّرون أمثال جاك هيلرز، وويليام هنري جاكسون، وتيموثي أوسوليفان. شكَّلَ النهج المباشر المُستخدَم في تصوير موضوعاتهم سابقةً في الأسلوب الفوتوغرافي للمصورين الوثائقيين الأمريكيين اللاحقين.
استمرَّتْ مهنةُ جاكوب ريس، بصفته صحفيًّا في صحيفة نيويورك هيرالد، ٤٠ سنة، وعبَرَ فترةَ شرح الأعمال باستخدام تفسيرات الفنانين للصور، إلى عصر عملية الطباعة النصفية، وضمَّ أشهرُ أعماله «كيف يعيش النصف الآخَر: دراسات بين سكان نيويورك» (١٨٩٠) أمثلةً من نُسَخ مصنوعة من منحوتات، ونُسَخ أخرى باستخدام عملية الطباعة النصفية؛ فقد كرَّسَ حياته المهنية لتوثيق حياةِ مُعْسِري نيويورك؛ إذ كانت هذه المجموعة — التي كان معظمها من المهاجرين حديثًا من أوروبا — تعيش في ظروف بائسة، مع أملٍ ضئيل في الحصول على مساعدة من المدينة أو غيرها من الهيئات. استخدَمَ ريس الكلماتِ والصورَ بغرض إحداث تغيير اجتماعي، ويُشار إلى عمله بوصفه أحد العوامل المهمة ضمن جهود تحسين الظروف المعيشية لأشد سكان نيويورك بؤسًا.
كان لويس هاين مصورًا كبيرًا آخَر إصلاحيَّ الفكر ظهَرَ في مطلع القرن. وُلِد هاين في أسرة من الطبقة العاملة، وجذبت انتباهَه معاناةُ العمال، خاصةً المنضَمِّين الجدد للقوى العاملة القادمين من شرق أوروبا وجنوبها. صوَّرَ هاين المهاجرين حين وصولهم جزيرة إيليس من عام ١٩٠٤ إلى عام ١٩٠٩، مكوِّنًا بذلك مجموعة أعمال رائعة تُلقِي الضوء على مستقبلهم المبهم.
دعَمَ المناخُ الهادئ الذي نتج عن الحقبة التقدمية مشروعاتٍ أخرى استُخدِمت فيها الصورُ الفوتوغرافية في توثيق الظروف الاجتماعية، لكن قلة من المصورين كانوا مُلتزِمين مثل ريس وهاين بإحداث تغيير اجتماعي؛ فقد عمل الكثيرون لصالح الصحف الدورية المتوسِّعة التي زاد استخدامها للصور بحلول عام ١٨٨٦، لدرجةٍ جعلت فرانسيس بنجامين جونستون تصف نفسها بأنها «تتكسَّب من الصور الإيضاحية الفوتوغرافية وكتابة المقالات الوصفية للمجلات والصحف اليومية والأسبوعية المصورة.» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٣٦١)
إلا أنه بحلول عام ١٩١٥ كان الناس في الولايات المتحدة أكثر انشغالًا بالحرب في أوروبا من مناقشة المسائل الاجتماعية المحلية. تضاءلت أهمية التوثيق الفوتوغرافي حتى أحيَتْه مرةً أخرى التوجيهاتُ السياسية الصادرة من إدارة الأمن الزراعي بعد ٢٠ سنة تقريبًا.
تستنتج جوسم أن الفترة بين عامَيْ ١٨٨٠ و١٩٢٠ كانت فترة من السذاجة العامة بشأن التصوير الفوتوغرافي، فتقول إن الناس كانوا منبهرين بالقدرة على نسخ الصور على الصفحات أكثر من اهتمامهم بما تعبِّر عنه هذه الصور فعليًّا، خاصةً عندما تكون مصحوبةً بكلمات؛ فقد ساد اعتقاد بأن الصور تقدِّم دليلًا على وضعٍ أو حدثٍ. «لقد كانت فترةً عامرةً بالمنتجات الصحفية، وتلاعَبَ بها الناشرون المتنافسون الذي لم يُظهِروا اهتمامًا كبيرًا بالجوانب الأخلاقية. كانت صورُ الصحافة المصورة تُعتبَر حقيقة بصرية، لكنها كانت في الواقع دومًا دعايةً حسيةً خالصة في أغلب الأوقات» (جوسم، ١٩٨٨، ص٣٨).
أدَّت التطورات التكنولوجية العديدة في عشرينيات القرن العشرين إلى أسلوب جديد في التصوير الفوتوغرافي، وأنتجَت المرحلةَ التطوُّرية التالية للمجلات المصورة. أصبحت كاميرا لايكا بقياس ٣٥ ملِّيمترًا الألمانية الصُّنْع متاحةً عام ١٩٢٥ (وظهرت عدسة روليفليكس المزدوجة عام ١٩٣٠). أدَّى حجمُ الكاميرا ودقةُ العدسات وسرعةُ التقاط الصور إلى إحداث ثورة في التصوير الفوتوغرافي، جعلَتْه أكثرَ عفويةً ودقةً؛ فلم تَعُدْ توجد حاجة لأنْ تكون الصورُ شديدةَ الحدة، وأصبحَتْ للمصورين حريةُ التقاطِ «لحظات» أو مشاهد من الحياة.
سهَّلَتْ هذه التطوراتُ التكنولوجية تطوُّرَ المجلات المصورة في عقدَي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، خاصةً في ألمانيا ثم الولايات المتحدة. ازدهرت المجلات المصورة في هذه الفترة أيضًا بسبب «النمو المستمر لجمهور عريض حقًّا، تركَّزَ في الطبقة المتوسطة الحضرية، لكنه زاد اتساعًا بسبب وجود طبقة دنيا متعلمة» (أوسمان وفيليبس، ١٩٨٨، ص٧٦). كما جذب الوضعُ المضطرب في أوروبا وآسيا اهتمامَ العالم على نحو متزايد. «قال أحد الكُتَّاب متأثِّرًا: «انفتحَتْ أبوابُ الجحيم كلها في فترة الثلاثينيات، ولم يَعُدِ التصويرُ الفوتوغرافي كما كان منذ ذلك الوقت»» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٠٧).
كان لوصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين آثارٌ تجاوَزَتْ خلقَ جمهورٍ عالمي للتقارير الفوتوغرافية؛ فقد ترَكَ كثيرٌ من المصورين ومحرِّري الصور الذين جعلوا المجلات المصورة الألمانية في صدارة الثورة الفوتوغرافية ألمانيا، بحثًا عن بيئةٍ أكثر استقرارًا في الولايات المتحدة. وأخذوا معهم الموهبةَ والأفكارَ التي كان من شأنها أن تجعل مجلاتٍ مصوَّرةً، مثل مجلة لايف ومجلة لوك، جزءًا أساسيًّا في الحياة الأمريكية.
لم تكن الصحف ومصوِّرو الصحف في عَقْدَي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين يحظَوْن بالتقدير نفسه الذي حظي به نظراؤهم في المجلات، وأعطت صحف التابلويد على وجه الخصوص سمعةً سيئةً للتصوير الصحفي (ولا يزال هذا هو الاعتقاد الشائع). تشتهر صورُ صحف التابلويد بأسلوب عرضها المثير وهوسها بالجنس والعنف، «(لكن) المشكلة الحقيقية كانت في الصور التي كانت تزيح الكلمات خارج الصفحة، وتحيلها إلى دور ثانوي في هيئة تعليق أو شرح موجز. الأسوأ من ذلك، أن بعض ناشري التابلويد، رغبةً منهم في زيادة النشر والأرباح، شجَّعوا على استخدام صورٍ مُتلاعَب بها بدرجةٍ كبيرة ومُعاد تركيبها» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص١٥٢).
حدثَتْ ثورةٌ كبيرة في طريقة توزيع الصور في عام ١٩٣٥ حينما بَثَّتْ وكالةُ أسوشييتد برس أولَ صورة لها. مكَّنَتْ وكالة أسوشييتد برس — التي أسَّسَتْها عام ١٨٤٨ خمسُ صحف من شمال شرق الولايات المتحدة، بهدف نقل مجريات الحرب مع المكسيك عبر التليغراف — الصحفَ الأعضاء فيها من إرسال الصور واستقبالها عبر أسلاك التليفون. عزَّزَ إدخالُ هذه الخدمة أهميةَ وكالة أسوشييتد برس، وساعَدَ في توفير مصادر جديدة للصور الفوتوغرافية لجمهورٍ يطالب بصخبٍ بالحصول على المزيد من المعلومات عن العالَم من حوله.
كان من المصادر الأخرى للصور الإخبارية الوكالاتُ التي تطوَّرَتْ في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين من مفهوم الاتحاد الذي ظهر في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، فقد كانت الوكالات الفوتوغرافية في القرن العشرين تفعل أكثر من مجرد جمع الصور من المصورين المستقلين وتوزيعها. «أصبحت الوكالات تهتم بالتوصُّل إلى أفكارٍ تَصْلُح لموضوعات إخبارية، وتنفيذ مهامَّ، وجمع رسومٍ، بالإضافة إلى احتفاظها بملفات صور يستطيع المحرِّرون اختيارَ الصور التوضيحية المناسبة منها» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٥).
وُضِعت التطورات التي حدثَتْ في الصحافة المصورة في عقدَي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين كافةً موضع الاستخدام عندما أصبحَت الحرب العالمية حتميةً، وتزايَدَ انتشارُ مجلات مصورة مثل لايف ولوك كثيرًا مع متابعة القرَّاء للدمار والأعمال البطولية والمأساوية للحرب العالمية الثانية من خلال صور المجلات. سمحت الكاميرات بقياس ٣٥ ملِّيمترًا بظهورِ عفويةٍ وشعورٍ بالقُرْب لم يكونا موجودَيْن في التصوير الفوتوغرافي الحربي من قبلُ.
على الرغم من هذه العقبات وغيرها ممَّا واجَهَ التقاريرَ المصوَّرة في فترة الحرب، تبع مصوِّرون — أمثال دبليو يوجين سميث، وروبرت كابا، وجوي روزينتال — الجنودَ في المعركة، وسجَّلوا حياتهم اليومية ومشاعرهم تحت خط النار وهم يُعرِّضون حياتهم للخطر، وقد قدَّمَتْ أعمالُهم نموذجًا لمصوِّري الحرب الذين غطوا حروبًا فيما بعدُ.
ربما لا توجد صورةٌ للحرب العالمية الثانية رسَّخت في الأذهان أكثرَ من صورة جوي روزينتال لمشاة البحرية الأمريكية (المارينز) وهم يرفعون العلم الأمريكي على جبل سوريباتشي. بينما كان روزينتال يعمل مصورًا لدى وكالة أسوشييتد برس، كان، بتعبيرات العصر الحالي، مدمجًا في المارينز. توضِّح جملةُ «العلم الأمريكي يُرفَع على جبل سوريباتشي، في أيو جيما» أن قوة الصور الفوتوغرافية تتعدَّى المعنى الحرفي الثنائي الأبعاد، لترمز إلى شيء أكبر وأشمل. وعلى الرغم من أن الصورة ظلَّتْ مثيرةً للجدل لعقود عديدة؛ لأن العَلَم الأصلي الذي كان أصغر استُبدِل به علمٌ آخَر أكبر منه ظهَرَ في الصورة، وكانت ثمة شكوكٌ بأن روزينتال طلَبَ تغييرَ الأعلام؛ «آمَنَ الناس بالروح التي بثَّتْها، وسعدوا بشعورها بالانتصار على المِحَن؛ فقد كان لها تأثيرٌ مباشِرٌ وطاغٍ على الأمة» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٦١).
أصرَّ روزينتال، الذي تُوفِّي عام ٢٠٠٦، على أن الموقف لم يشهد أيَّ تلاعب، وعلى أنه سجَّلَ لحظةً حقيقية. نشرت مجلة لايف — التي رفضت في البداية استخدامَ الصورة خوفًا من كونها ملفَّقة — الصورةَ بعد ثلاثة أسابيع، وكان تبرير المجلة أنه أيًّا ما كانت الظروف التي التُقِطت فيها، فإنها أصبحت في نظر الأمة وفي نظر المارينز رمزًا للبطولة. وحصل العلم الأمريكي على قيمة رمزية لأن الناس آمنوا بأنه حقيقي، وكانت الأولوية للإيمان. وفي عام ١٩٤٥، مُنِح روزينتال جائزة بوليتزر على هذه الصورة (فولتون، ١٩٨٨، ص١٦١).
كان ديفيد دوجلاس دانكن مصوِّرًا آخر عمل في مجلة لايف، وغطى الحرب في كوريا في مطلع خمسينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من أنه اتَّبَعَ نهجَ مصوري الحرب العالمية الثانية نفسه، بتبنِّي وجهة نظر الجندي العادي، فقد وسَّعَتْ صورُه الحدودَ الجمالية من خلال ملء الإطارات بوجوه موضوعاته. عكس توتُّرُ ملامح الوجه توتُّرَ مشاعر المارينز. «يظهر على هؤلاء الرجال، الذي دُفِعوا إلى أقصى حدودِ تحمُّلهم، الإرهاقُ الشديد وكلُّ المشاعر» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٦٨).
أصبح التصوير الصحفي أكثر احترافيةً نتيجةَ تأسيس الجمعية الوطنية لمصوري الصحافة عام ١٩٤٦، لكنه كان يسقط دومًا فريسةً للفعاليات الإخبارية الموجهة، والتقارير الخاصة المصطنعة، والاستخدام المفرط لصور وكالات الأنباء. وربما تكون رغبةُ مستهلكي الأخبار المستَعِرَة في كل أنواع الصور قلَّلَتْ من الأثر الشامل لعمل الصحف اليومي وجودته.
ومن ثَمَّ كان لا بدَّ — بل من الضروري — أن يصبح أكثرَ شخصية مؤثرة في التصوير الإخباري في العقود التالية، رجلٌ ازدرى هذا الوسط مُنشِئًا ما يمكن تسميته مناهَضة الصحافة المصورة. قال روبرت فرانك، السويسري المولد، عن عمله إنه أراد تقديم صور تجعل «جميع التفسيرات غير ضرورية». بعبارة أخرى، إلغاء ضرورة النص.
وبينما كان فرانك يعمل على تقويض فكرة الحدث، وحتى الشخص، بوصفهما بؤرة تركيز الخبر، استمرت الصحافة المصورة في توسيع حدودها. وفي فترة الركود التي تلَت الحربَ (في كوريا)، وجَّهَ المصورون نظرهم تجاه الشركات والضواحي. (راسل، ١٩٩٥، ص ١٢٧)
فرض انتشارُ التلفاز تحدياتٍ كبيرةً أمام التصوير الفوتوغرافي في ستينيات القرن العشرين؛ فقد حوَّلَ المعلنون أموالَ التسويق من مجلات مثل لايف ولوك إلى التلفاز، واتَّجَهَتْ جموعُ الجماهير إلى التلفاز من أجل الحصول على الأخبار اليومية عن واحدةٍ من القصص الكبرى في فترة ستينيات القرن العشرين؛ الحرب في فيتنام. في الوقت نفسه، قدَّمَتْ مجموعةٌ من الصحفيين المصورين الملتزمين للقرَّاء صورًا مؤثِّرة وعاطفية من الحرب كان لها «تأثير مستمر». لم تختف الصورُ من الشاشة، ولكن شاهدها مرارًا وتكرارًا جمهورٌ زادَتْ معارضتُه للحرب.
إن التأثير المستمر لهذه الصور — مثل صورة هوين كونج (نيك) أوت لفتاة فيتنامية بعد هجوم بالنابالم، وصورة لاري بوروز لوفاة أحد أعضاء طاقم طائرة مروحية — يشهد للمصورين ولِقُوَّة هذا الوسيط الإعلامي. لم يمر هذا الأمر دون أن تلاحظه الحكومة أو المؤسسة العسكرية.
في حقبة فيتنام، أصبح التصوير الحربي، في المعتاد، وسيلة لانتقاد الحرب. كان لا بد أن تكون لهذا الأمر عواقبُ؛ فليس من المفترض أن تجعل وسائل الإعلام الرئيسية الناسَ يشعرون بالاشمئزاز من الصراعات التي يُحشَدون من أجلها، ولا سيما نشر دعاية ضد شنِّ الحرب.
منذ ذلك الحين، وجدَت الرقابة — النوع الأشمل؛ الرقابة الذاتية، بالإضافة إلى الرقابة المفروضة من المؤسسة العسكرية — عددًا كبيرًا ومؤثرًا من المدافعين. (سونتاج، ٢٠٠٣، ص٦٥)
القصة الكبرى الأخرى في ستينيات القرن العشرين، وهي حركة الحقوق المدنية، تمتدُّ جذورُها إلى أربعينيات القرن العشرين، لكن نادرًا ما كانت وسائل الإعلام الرئيسية تغطِّيها (على الرغم من أنها ظهرت في صحافة السود) في السنوات الأولى للاحتجاجات. سبَّبَتْ هذه القضية انقساماتٍ سياسيةً واجتماعية لدرجةٍ جعلَتْ كثيرين يرغبون في زوالها، لكن الحركة التي طالبَتْ بالعدالة الاجتماعية واصلَت التقدُّمَ، ولم يَعُدْ من الممكن تجاهُلها.
توجد في الولايات المتحدة صحف قائمة على أساس عِرْقي وعنصري، كلٌّ منها يعبر عن جمهور معين؛ فقد آثَرَ مونيتا سليت الابن — الذي تخرَّجَ في إحدى كليات جامعة كنتاكي التي يؤمُّها السودُ في ولاية كنتاكي، وحصل على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة نيويورك — العملَ مع جهاتِ نشرٍ خاصة بالسُّود … في عام ١٩٦٩، مُنح جائزة بوليتزر عن صورته لكوريتَّا كينج وابنتها برنيس في جنازة مارتن لوثر كينج عام ١٩٦٨، وكانت هذه أول مرة تُقدَّم فيها جائزة بوليتزر في مجال تصوير التقارير الخاصة.
تقرر أن تكون التغطية مقيَّدة، وعُيِّنَ سليت مصورًا «مشتركًا» … في البداية، كان كلُّ المصورين من البيض، لكن لأنَّ أندرو يونج وكوريتَّا كينج توسَّطَا وأصرَّا على إدراج المصورين السُّود في التغطية الصحفية المشتركة، تمكَّنَ سليت من التواجُد داخل الكنيسة أثناء مراسم الجنازة. قرَّرَت السيدة كينج أنه إما أن يوجد مصوِّر من السود، وإما لا يوجد مصوِّرون على الإطلاق. (شابنيك، ١٩٩٤، ص١٠٤ و١٠٥)
لا يمكن تجاهُل أهمية الصحفيين المصوِّرين من النساء والأقليات؛ فكما قال دبليو يوجين سميث، «لا شيء موضوعي فيما يتعلَّق بالصحافة». لا بد من وجود مجموعة متنوعة من الصحفيين (المصوِّرين) من أجل توصيل وجهات النظر التي عادةً ما تغفل عنها صحافةُ التيار السائد. قدَّمَ استقلالُ الصحفيين المصوِّرين وتنوُّعُهم في أثناء حركة الحقوق المدنية، ومرةً أخرى في أثناء حرب فيتنام، إلى الجمهور وجهاتِ نظرٍ تتعارض مع تلك التي تدعمها مؤسساتُ السلطة، ولعبَا دورًا في التغيُّر الاجتماعي والسياسي في ستينيات القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، ألهمَت التقاريرُ المصوَّرة من هذه الأحداث الجيلَ التالي من «المصوِّرين المهتمِّين» أمثال يوجين ريتشاردز، وإيلي ريد، وماري إلين مارك.
قادَتْ صحيفة يو إس إيه توداي، التي أُسِّست عام ١٩٨٢، التحوُّلَ في صناعة الصحف إلى الصور الملونة. استخدمَتْ هذه الصحيفةُ التي كانت تنشرها شركةُ جانيت وتُوزَّع في جميع أنحاء الدولة، الصفحةَ الأمامية في عرض أخبار متنوِّعة مصحوبة بعناصر بصرية ملوَّنة وبالخط الأسود الداكن. كان ردُّ فعل ناشري الصحف في جميع أنحاء الدولة هو إعادة تصميم صحفهم (ويقول البعض «الإفراط في تصميمها»)، وإدخال التصوير الفوتوغرافي الملوَّن. وفي كثيرٍ من الصحف أُجبِر المصوِّرون والمحرِّرون على التفكير في دمج محتوى زائد.
إن الصحفيين المصوِّرين … أكثر من مجرد متفرجين في مشهد تاريخي؛ فتواجُدُهم مهمٌّ، وكونهم شهودَ عيانٍ هو أمرٌ حيوي، لكن جوهر الأمر هو تقديم الدليل، وتقديمُ الدليل هو تعريف الآخرين بالأحداث، وتأكيدها، وتقديم شهادة بشأنها. فتوزيعُ الصور ونشرُها يُظهِران الخفيَّ والمجهولَ والمنسيَّ. (فولتون، ١٩٨٨، ص١٠٧)
عرَّض الصحفيون المصورون على مر التاريخ أنفسَهم للخطر، وتحمَّلوا ظروفًا أقل من المعتاد، وعملوا لساعات طويلة للغاية من أجل التفوُّق في مهنتهم، وكذلك من أجل إعطاء صوت للذين لم يكن من الممكن سماع أصواتهم (أو رؤيتهم) لولا ذلك؛ وهذه هي القوة الحقيقية للصحافة المصورة.
هوامش
ربما يُعتبَر المثال الأبرز والأهم تاريخيًّا لهذه الظاهرة هو المجموعة الكبيرة من صور الداجيروتايب — نحو ستين لوحًا معروفًا حتى الآن — المُلتقَطة في المكسيك خلال حرب المكسيك على يد مصوِّرٍ مجهولٍ حتى الآن، قضى بعضَ الوقت مع القوات الأمريكية» (ستاب، ١٩٨٨، ص٨).
ربما يرتبط انتشار الكاميرات الرقمية الصغيرة وكاميرات الهواتف المحمولة في عصرنا الحالي بانتشار الكاميرات المحمولة باليد التي بِيعَتْ لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر. في كلتا الحالتين أصبح من الأسهل على عامة الناس توثيق حياتهم اليومية بالصور.
بعد عقدين، أرسلَتْ مجلةُ كولييرز هير إلى أوروبا من أجل تغطية القتال في فرنسا، لكنْ بحلول هذا الوقت، كانت السلطاتُ العسكرية قيَّدَتْ عملَ المصورين المدنيين لدرجةِ أن هير «اشتكى قائلًا: «إن التقاط صورةٍ دون إذنٍ رسمي مكتوبٍ يعني التعرُّضَ للاعتقال»» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٣).