الصحيفة المرئية
أعتقد أن المصورين صحفيون بكل معنى الكلمة، وأنهم ليسوا قسم خدمات تنحصر مهمتُه في توفير صور للأخبار التي يتوصَّل إليها الآخرون؛ فهُمْ أناسٌ يفكِّرون بأنفسهم، ويتوصلون إلى الأخبار، وإلى طرق منطقية لسرد الأخبار، سواء أكانت أخبارَهم أم أخبارَ غيرهم من الناس، وأعتقد أنهم مهمون لنجاح الصحيفة. نحن نعيش في بيئة إعلامية شديدة التنافس، ويجب أن تكون لديك صحيفة متنوعة. (كارول، ٢٠٠٤)
لا يزال موضوع دور الصحافة المصورة والصحفي المصور يثير جدلًا شديدًا منذ سنوات. في أفضل الصحف المرئية، تُعتبَر الصور جزءًا مهمًّا من عملية سرد القصص اليومية، وعنصرًا أساسيًّا في المنافسة على مستهلكي الأخبار؛ ومع ذلك، تُعتبَر الصور في كثيرٍ من الصحف مجرد وسيلة لإيضاح الأخبار المكتوبة، وغالبًا ما يعجز الصحفيون الكتَّاب، وحتى الصحفيون المصورون، عن إدراك قوة التصوير الفوتوغرافي في نقل الأخبار.
تؤثر حروب السيادة داخل غرف الأخبار عادةً على طريقة بدأ العمل على الأخبار وصنعها. لم يَمْضِ وقتٌ طويل على عملي مديرًا للتصوير في صحف كوبلي في شيكاجو حتى أدركتُ أن محرِّر القسم هو الذي يبدأ فعليًّا كلَّ الأخبار في قسم التقارير الخاصة؛ فلم يكن قسمُ التصوير يعلم بالتفاصيل إلا بعد إعداد الأخبار جزئيًّا على الأقل. اجتمعتُ بمحرِّر القسم من أجل مناقشة إمكانية إشراك محرِّري الصور والمصورين في مرحلةٍ أكثر تبكيرًا في العملية. لم ينتج عن اجتماعنا أيُّ تغييرات؛ ولذا، في الأسبوع التالي، أعلنتُ في اجتماع كبار المحررين أن أحد محرري الصور سيحضر الاجتماعات الأسبوعية لقسم التقارير الخاصة. ذكرتُ كذلك أن محرر الصور سيُحْضِر معه قائمةً بأفكارٍ للقصص، نشأَتْ داخل قسم التصوير.
عندما انتهى اجتماع كبار المحررين، زار محرر قسم التقارير الخاصة مكتبي، ونشب جدالٌ محتدمٌ بيننا. في النهاية قلتُ للمحرر: «فكِّرْ في الأمر على هذا النحو، في كل أسبوع تُدِير قطارًا هو قسم تقاريرك الخاصة، وتترك المحطةَ بينما يركض المختصُّون بالصور على القضبان محاولين اللحاق بالقطار. لا أريد السيطرة على قطارك؛ وإنما أريد فقط أن أكون على متنه.» منذ هذه اللحظة، ابتكَرَ المصورون، بتشجيعٍ من المحرر، الكثيرَ من أفضل الأخبار التي صدرت عن قسم التقارير الخاصة، وعملوا مع المحرر والمصمِّمين في القسم فريقًا واحدًا. حصلوا معًا على كثيرٍ من التقدير، وأصبح محرر قسم التقارير الخاصة مناصِرًا قويًّا في غرفة الأخبار للتصوير.
في هذه الحالة ارتفعَت الجودة العامة لصور قسم التقارير الخاصة ارتفاعًا كبيرًا؛ بسبب زيادة إسهامات المصورين، وتخصيصهم مزيدًا من الوقت لإتمام المهام. ومع ذلك، شمل التغيير أكثر من مجرد التنفيذ الفني والسمات الجمالية نتيجةَ مشاركةِ قسم التصوير في جلسات التخطيط؛ فقد كانت القصص التي يبتكرها المصورون مختلفةً جوهريًّا عن تلك التي يكلِّفهم المحررون بها.
يمكنني تخمين أنك إذا نظرتَ إلى عدد الصحف التي نشرت أخبارًا عن فيلم «شفرة دافينشي» في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، فستجدها مذهلة؛ فقد ظهرت الأخبار في صدارة ثلاثة أقسام على مدار ثلاثة أيام؛ ثلاثة أقسام مختلفة تمامًا لفيلم واحد كريه ربما سيراه ٢٠ أو ٣٠ في المائة من السكان.
أعتقد أنه إذا حاولَتْ إحدى الصحف أو أي نوع آخَر من الإصدارات الإخبارية أن تَفِي بتقديم معلومات متخصصة، عن فيلم أو كتاب أو لعبة فيديو جديدة؛ فهناك مصادر عديدة لهذا النوع من المعلومات أفضل من الصحيفة. وفي المقابل، إذا كان ما تفعله هو محاولة حكي قصص أعم وأوسع نطاقًا — إذا كان معيار ما تؤدِّيه هو أن يهتم أكثر من ٢٠ في المائة من القراء بذلك — فستصبح خبيرَ معلومات مطلوبًا في مجتمعك. (ديفيز، ٢٠٠٦)
إلا أن صحف كوبلي في شيكاجو ومثيلاتها، صن بابليكيشنز (مجموعة من الصحف الأسبوعية في ضواحي شيكاجو تملكها كوبلي أيضًا) كانت «صحفًا غير نمطية بالفعل» (استرازانتي، ٢٠٠٤). بوجه عام، تظل الكلمات هي التي تتحكَّم في الصحف. «الصور التي تُنتَج محليًّا لتُنشَر في الصحيفة — اختيار ما يُنشَر منها وطريقة عرضه — تظل إلى حد بعيد خارجَ سيطرةِ محرري الصور والمصورين. اختيارات الصور حَرْفية للغاية، وتخضع الصور دومًا للكلمات، بدلًا من اعتبارها إحدى الطرق لعرض وجه مختلف للقصة» (استيبر، ٢٠٠٤). يقول البعض حتى إن الصحافة المصورة في الصحف ميتة.
تقول آن فان فاجينر التي تعمل بمعهد بوينتر: «يواجِه الصحفيون المتخصصون في الصحافة المرئية … صعوبةً في أن يُعامَلوا بجدية داخلَ غرف الأخبار. ولا يزال تغيير إدراك العناصر البصرية على أنها زينة وليست معلومات موضوعًا محل صراع.» وتواصِل حديثها قائلةً: «ينبع هذا الصراع جزئيًّا من نقصٍ في فهم السبب الذي تُستخدَم العناصر البصرية من أجله، وكيف تتناسب مع رسالة الإصدار» (فان فاجينر، ٢٠٠٤). ومع ذلك، تدرك بعض الصحف أهميةَ العناصر البصرية. يقول المحرِّر السابق في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، جون كارول: «لقد رأيتُ بحثَ تعقُّب مسار العين من (معهد) بوينتر، وأنا أعلم أن أحدًا لن يقرأ هذه القصة إلا إذا كان هناك عنصر بصري يجذبهم، سواء أكان عنوانًا أم صورةً أم أيَّ شيء آخَر؛ لذلك، نحاول أن نجعل من صحيفتنا سميفونية تتناغم فيها الحِرَف كافة، والتصوير هو إحدى هذه الحِرَف، وهو حاسم» (كارول، ٢٠٠٤).
ممَّ تتكوَّن إذن الصحيفةُ المرئية؟ وكيف تصل صحيفة إلى مستوًى مرتفع من النقل المرئي للأخبار؟ وكيف يتأثر مستهلكو الأخبار حينما تصبح الصحفُ أكثر تعقيدًا من الناحية البصرية؟
تشترك الصحف التي تتَّسِم دومًا بقوتها من الناحية البصرية في خمسة عوامل؛ أولًا: يُعتبَر المصورون فيها صحفيين بكلِّ معنى الكلمة. يُمنَحون الاحترام الذي يمكِّنهم من ابتكار القصص والبحث فيها وسردها بصريًّا. «أعتقد أنه لكي ينجح التصوير الفوتوغرافي يجب أن تقبله الصحيفةُ بأكملها على أنه جزء أساسي منها. لا يجب أن تقول له فحسب «اذهبْ واعملْ عملًا جيدًا»، إنما يجب عليك أن تخبر بقية العاملين في غرفة الأخبار أن التصوير الفوتوغرافي مهم» (كارول، ٢٠٠٤). عندما يصبح المصورون شركاء في تطوير الخبر، سيتحسَّن الجانب المرئي من الخبر؛ ومع ذلك، بالرغم من مقارَبة جون كارول المستنيرة للصحافة التصويرية، ما زالت الكلمات تسيطر على معظم غرف الأخبار، مع قلة الفرص أمام المصورين لابتكار القصص. شهدت غرفةُ أخبار كارول في صحيفة لوس أنجلوس تايمز صراعًا حول هذا الموضوع؛ يقول محرِّر الصور في هذه الصحيفة، هال ويلز: «يوجد هنا بعض الناس الذين يقاوِمون تشاطُرَ السلطة والقيادة في الصحيفة مع محرِّري التصميم والصور، لكنهم بدءوا يفهمون الأمور بوضوح» (ويلز، ٢٠٠٤).
ينبع العامل الثاني في إعدادِ صحيفةٍ بصرية من العامل الأول. يتحمَّل المصورون مسئوليةَ الحصول على معلومات عن مجتمعاتهم، وابتكار قصص من هذه المجتمعات. كذلك، يكتشف المصورون أسلوبَ العمل في غرفهم الإخبارية، وكيف يمكنهم العمل بأقصى قدرٍ من الجودة حتى يجعلوا صحفَهم أقوى من الناحية البصرية.
لا أفهم هذا! أعني أنني، بصفتي مصورة، عندما كنتُ في الميدان، كنتُ أبتكر دومًا أشياءَ؛ لأنني أردتُ العمل على قصص تُهمني بصفتي مصورة، بدلًا من تسلُّم مهمةٍ من شخصٍ ما كلَّ يوم. لا أعرف السببَ يقينًا — ربما يتمثَّل في تلك الثقافة (تلقِّي المهام دون الحصول على فرصة المبادرة بها) التي ظلَّ هؤلاء الناس فيها سنواتٍ عديدة أكثر من اللازم — لكني أخبركم، أنه لا يوجد ما يكفي من المبادرة، وأنا أريد لهذا أن يتغيَّر بالفعل. (فيشر، ٢٠٠٤)
أردتُ إعدادَ هذه القصة عن أسرةٍ طُرِدت من مقطورتها (في الواقع، طُرِد جميع الموجودين في موقف المقطورات). غطَّت الصحيفة هذا الأمرَ لِمَامًا على أنه قصة إخبارية، ولم تكن تريد قضاءَ مزيدٍ من الوقت في العمل عليه، إلا أنني اقترحتُ على ميشيل هاميل (محرِّر الصور) إعدادَ قصة أكثر عمقًا، تقتصر على أسرة واحدة فقط. كانوا جزءًا من مجتمعنا، وأردتُ متابعتهم خلال انتقالهم. قال (هاميل): «رائع، فقط أخبرني عندما تريد الخروجَ إلى هناك، وسأتيح لك مكانًا في الجدول.» انتهى بي الحال إلى قضاء أكثر من شهر — ربما لمدة نصف وقت (عملي) — في موقف المقطورات.
من خلال التركيز على وضع هذه الأسرة، سردَت الصورُ قصةَ كلِّ الناس الذين كانوا هناك. انتهى الأمر بنشر القصة في الصفحة الأولى من الصحيفة، وفي صفحة مزدوجة في الداخل. لا أتذكَّر حتى إذا كنا نشرنا معها قصةً (مكتوبة) أم لا. ربما كتبتُ فقرةً للنشر، أو أن أحد المراسلين ذهب وكتب شيئًا ما. المؤكد أنه كان موقفًا سمحَتْ فيه الصحيفة لي بفعل شيءٍ لم تكن مهتمةً به في هذا الوقت، لكنهم سمحوا لي بالاستمرار في التقاط الصور وشاهدوا كيف تطوَّرَ الأمرُ. (استرازانتي، ٢٠٠٤)
علينا (نحن المصوِّرين ومحرِّري الصور) أن نصبح أذكى بشأن طريقة تأدية عملنا، وأعتقد أن هذا هو ما يجب أن تحدث فيه الثورة [البصرية]؛ لأننا حتى نتوقَّف عن طرح السؤال: «لماذا يكرهوننا [الكُتَّاب ومحرري الكلمات]؟» سنكون نحن الضحايا. نحن المصورين نلعب دورَ الضحايا؛ لذا، علينا فعليًّا تخطِّي ذلك، ونحتاج إلى تعلُّم طريقة الحديث بلغة أهل النصوص واتخاذ قرارات ذكية.
يدرك المصورون كلَّ هذا تمامًا، لكنهم لا يشتركون فيه أبدًا. أنا أعمِّم هنا إلى حدٍّ كبير، لكن، بحسب خبرتي، يندر للغاية أن يفهم المصورون بالكامل جانبَ العمل الكلي في الصحيفة، مثل قضية المواعيد النهائية. ولم أرَ المصورين قطُّ يمكثون حتى النهاية ليشاهدوا كيف تبدو أجزاء الصحيفة معًا.
ينبغي أن يفهموا القيود التي يعملون تحتها، ويفهموا الضغط السياسي داخل غرفة الأخبار، وكل الأشياء التي تؤثِّر في عملهم وحياتهم بوصفهم أناسًا مبدعين. ولكنهم لا يتدخلون. علينا أن نتغيَّر. (استيبر، ٢٠٠٤)
ما أردتُ أن أقوله في الأساس في قصة جزيرة تروبرياند: «يعيش هنا جماعة من الناس، وهذه هي طريقة حياتهم»، لا أن أُظْهِرهم على أنهم جماعة غريبة شاذة من الناس. يوجد بعض الناس في مجلة ناشونال جيوجرافيك يقدِّرون هذا، وسيُنشَر الأمر على هذا النحو، لكن كان من الممكن أن يسير الأمر بسهولة أكبر وأسرع جدًّا لو كنت لجأت إلى [الصورة باستخدام] الفلاش القديم عند غروب الشمس لالتقاط صورةٍ لأناسٍ غريبي الشكل ويبدون مختلفين عنَّا في مظهرهم. الواقع أنهم [بعض المحررين في ناشونال جيوجرافيك] أخبروني بأنه من الأصعب على القراء فَهْم قصةٍ كهذه، مقارَنةً بقصةٍ يتدلى فيها رجلٌ من حبلٍ في كهف. (إسيك، ١٩٩١)
يتفق صحفيو غرف الأخبار على أن الصفحات تتطلَّب مداخل بصرية قوية، ويعرف الكُتَّاب أن فرص وصول قصصهم إلى الصفحة الأمامية تتحدَّد عادةً بوجود صورة فوتوغرافية أو غيابها. بعض القصص تجبر المحررين تقريبًا على السماح للصور بسرد القصة.
في الوقت نفسه تُعامَل العناصر البصرية على نحوٍ مختلف عن الكلمات؛ فعادةً ما تُقوَّم على أساس قدرتها على توضيح القصص المكتوبة، لا سردِ قصةٍ بأسلوب مختلف أو توصيلِ محتوًى مثيرٍ للاهتمام. تقدِّم صور أبو غريب، التي التقطَتْها مصادر غير الصحفيين المصورين، نِدًّا رائعًا للقصص التي تتحكَّم فيها الكلمةُ. تقول ماري آن جولون، محرِّرة الصور في مجلة تايم، عن الجدل الدائر حول إنْ كان ينبغي نشر صور أبو غريب و/أو طريقة فعل هذا: «لم تكن الصور هي التي تثير الغضب، وإنما الذي يظهر فيها. بالطبع هذا يثير الغضب، وكذلك الحرب.» تستنتج جولون من هذا: «أن مصدر القوة الأساسي للصور هو أنها تقدِّم دليلًا على اتهامات سوء المعاملة» (تاربيرت، ٢٠٠٤).
تقول باربي زيلايزر، الأستاذة بكلية أنينبيرج للاتصالات في جامعة بنسلفانيا: «يتردَّد صدى صور «أبو غريب» ثقافيًّا لأنها تستحضر ذكريات جماعية سوداوية. ولاحظتُ وجود تشابُه كبير بين بعض من هذه الصور والصور التاريخية للإعدام دون محاكمة؛ فصورُ مهاجمة الكلاب للسجناء «مأخوذة مباشَرةً كليًّا من الصور الأيقونية النازية … تقوِّض هذه الصورُ بالتأكيد شعورَنا بالطريقة التي نحب أن نفكر بها في أنفسنا في وقت الحرب»» (تاربيرت، ٢٠٠٤). تستطيع العناصر البصرية بفاعلية توصيل محتوًى قوي.
يقدِّم الكُتَّاب ومحرِّرو الكلمات معظمَ أفكار القصص، ويتقبَّل كبارُ المحررين الأكثر استنارةً القصصَ التي تغيِّر التوجهات و/أو التي تتَّسِع بسبب النقل التصويري للأخبار. وفي أثناء عملي مديرًا للتصوير في صحيفة إليونيفرسو في الإكوادور، أصبحتُ طرفًا في نقاشٍ حول استخدام صورةٍ أراد محرِّرُ القسم دفْنَها داخل الصحيفة؛ فقد أُوكِلت إلى الصحفي المُعَيَّن، خوسيه سانشيز، مهمة مرافقةِ كاتبٍ كان يراسل من مدينة محلية صغيرة في منطقة جبلية عانَتْ من فيضانٍ لعدة أيام. تقرَّر عرضُ القصة عن معاناة هذه البلدة في الصفحة الرابعة، مع وجود مساحةٍ لصورة على مساحة عمودين أو ثلاثة تُنشَر بالأبيض والأسود.
عندما عاد سانشيز إلى الجريدة في اليوم التالي، استعرضتُ الصورَ الموجودة معه، وسألتُه أكثر عن القصة؛ أخبرني أن رحلة هاتين السيدتين عبر تضاريس خطيرة بسبب الانهيارات الصخرية والمنحدرات الحادة، تقوم بها ذهابًا وإيابًا النساءُ من القرى البعيدة في أثناء الفصل المطير. ذهبتُ إلى محررة القسم، وطلبتُ منها تأجيلَ نشر القصة، وإعدادَ تقريرٍ أكثر اتساعًا بدلًا من ذلك، نذكر فيه تفاصيلَ المخاطر التي تتعرَّض لها هؤلاء النساء. رفضَت المحررةُ طلبي بشكلٍ قاطعٍ، وطلبتْ نشرَ صورة واحدة على مساحةِ عمودين بالأبيض والأسود. رفضتُ إعطاءها لها، وبدلًا من ذلك، صعَّدْتُ الأمرَ إلى مدير التحرير.
بعد نقاشٍ دار بيننا نحن الثلاثة، طلب مدير التحرير رؤيةَ الصور. نظر إلى الصورة الأولى، وقال: «حسنًا، لنُعِد إرسالَ الكاتب مرةً أخرى إلى البلدة للحصول على المزيد من المعلومات. سنؤجِّل نشر القصة.» في النهاية، شكَّلَت القصة مع الصور مجموعةً متكاملةً نُشِرت في الصفحة الأولى، حكتْ قصةً لها مغزًى عن الحياة اليومية لمجموعةٍ لا توفيها التقاريرُ حقَّها. في هذه الحالة، أدرك مديرُ التحرير أن القصة تحمل أكثر ممَّا ظهر للوهلة الأولى. لم يكن مهمًّا من وجهة نظره أن مصورًا صحفيًّا كان مسئولًا عن العثور على المزيد من التعقيدات في القصة؛ فقد كان أكثر اهتمامًا بإصدار صحيفة جيدة.
العامل الرابع الذي يؤثِّر في إعداد تقارير بصرية قوية هو التعليم، ويشمل هذا تدريبَ الصحفيين على اكتشاف القصص ذات القابلية البصرية وتطويرها، وحتى تعليم المصورين ذوي الخبرة استخدامَ حرفتهم في صنع قصص بصرية أفضل، والعمل مع المحرِّرين حتى يصبحوا أكثر خبرةً في تفكيرهم البصري. يقول جو إلبيرت، مدير تحرير الصور المساعد السابق في صحيفة واشنطن بوست: «دوري هنا، في الحقيقة، هو محرِّر الصور، وهو ما أحبُّه، لكنني أيضًا أُدرِّس التصوير. في الحقيقة، إذا أردنا الحديثَ عمَّا يحدث فعليًّا، فهذا هو عملي؛ كلَّ يوم أحرِّر الأفلامَ وأُدرِّس، وأرى ما يستطيع الناس فعله، وأتحداهم ليفعلوه على نحوٍ أفضل» (إلبيرت، ٢٠٠٤). وتضيف محررة الصور جيل فيشر: «طوالَ العملية (العمل على أحد المشروعات) يوجد تواصُل مستمر بيني وبين المصوِّرين؛ فأستعرض كلَّ صورة وأعطيهم تقويمًا أسبوعيًّا، وربما يكون نصفَ شهريٍّ أو حتى شهريًّا، بناءً على ظروفهم إذا كانوا سيسافرون لثلاثة أسابيع أم لأربعة» (فيشر، ٢٠٠٤).
لم نُجْرِ إلا مشروعًا واحدًا في ألباكركي عندما كان بات ديفيسون المصور. أذكر أنني جلستُ في مكتب رئيس التحرير مع مدير التحرير، والمحرر المحلي، والكاتب والمصور ومديري التحرير المساعدين في قسم الرسومات. كانت هذه قصةً عن المرحلة التي يتغيَّر فيها صوتُ الأطفال، فقد كانت هذه قصةً في الأساس عن مرحلة البلوغ.
كان المحرِّر مصمِّمًا أنها لا بد أن تُنشَر في صورة مسلسلة على بضعة أيام؛ تبدأ متصدِّرةً الصحيفة في اليوم الأول، ثم ينخفض مكانها في الصفحة فيما بعدُ، وتُنشَر في مساحةٍ لا تتعدَّى الثلاثين بوصة لمدة أربعة أيام أو خمسة. كنتُ أعرف أن القابلية البصرية لتنفيذها بهذه الطريقة ستكون في أدنى حدٍّ، وأن فُرَص انجذاب القارئ لأي شيءٍ مثل هذا ستكون محدودةً للغاية؛ لذلك عارضتُ بشدةٍ نشْرَها على هذا النحو.
اقترحتُ أسلوبًا نكتب فيه (نصًّا) من ٤ إلى ٦ بوصات عن كل طفل؛ ونتحدَّث عن عشرة أطفال أو اثني عشر طفلًا، وننشرها في قسم التقارير الخاصة، وننشر نحو ثلاثة كلَّ يوم؛ حتى يستطيع القارئ رؤيةَ العدد كله. احتدم النقاش كثيرًا، وأخيرًا قلتُ لهم: «انظروا، إذا أردتم نشْرَ القصة على هذا النحو، فلا أريد المشاركة فيها على الإطلاق؛ بإمكانكم المضي وحدكم في الأمر.» وشرعتُ في الخروج من الغرفة، وقال الجميع: «مهلًا، مهلًا، انتظر لحظة.» لذا عدتُ إلى الداخل، وتحدَّثْتُ بقدرٍ أكبر عن الأمر، وشرحتُ الطريقةَ التي يمكن بها إنجاح الأمر في الصفحة، وتحدَّثْتُ بقدرٍ أكبر عن لماذا ينبغي أن ننجزها على هذا النحو بدلًا من الأسلوب المعتاد. فازت القصة في هذه السنة بالمركز الأول في مسابقة «صور العام»، واستجاب الكثير من القراء، لكن الأمر يرجع في النهاية إلى استعداد المحررين للتوقُّف وإعادة النظر في الأمر. (ديفيز، ٢٠٠٦)
يرجع نجاح هذا المشروع أيضًا، على الأقل جزئيًّا، إلى استعداد ديفيز لتعليم محرري الكلمات سببَ أنَّ الأسلوب الأقل اعتيادًا والأكثر بصريةً هو الذي سيحقِّق نجاحًا أكبر.
العامل الخامس في إنشاء صحيفة بصرية قوية هو التنسيق والتخطيط بين القسمين المرئيين داخل غرفة الأخبار، وهما قسما التصوير والتصميم. تُظهِر القصص الإخبارية الكبيرة عادةً أفضلَ صور التعاوُن داخل غرفة الأخبار. يُلْقِي نائبُ مدير التصميم في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، مايكل وايتلي، مُتذكرًا اشتراكه في تغطية جنازة رونالد ريجان؛ الضوءَ على العديد من النقاط التي تؤدِّي إلى السرد المرئي الممتاز. يقول إن عمله بدأ قبل التقاط أيِّ صور، حينما كتب مذكرات إلى مدير التحرير ومحاسب المساحة، عارِضًا أفكاره عن عدد الصفحات المطلوبة لمجمل العمل؛ فهو يعتقد أن من المهم أن يعمل قسما التصميم والتصوير معًا من البداية من أجل ضمان تخصيصِ مساحةٍ كافية للصور الفوتوغرافية؛ حتى تحقِّق تأثيرًا كاملًا. وفيما يتعلَّق بجنازة ريجان، يقول وايتلي: «كانت هذه الجنازة شيئًا سيتذكَّره الناس بسبب الصور أكثر من الكلمات … «فالصورة الفوتوغرافية» هي لحظة متوقِّفة تستطيع مشاهدتَها ودراستَها، وتستطيع رؤيةَ كل التفاصيل الصغيرة» (وايتلي، ٢٠٠٤).
حصل وايتلي على المساحة التي طلبها؛ صفحتين متقابلتين خاليتين تمامًا من الإعلانات، في اليوم الذي أُخِذ فيه جثمان ريجان ليُسجَّى من أجل إلقاء نظرة الوداع عليه، وصفحتين متقابلتين أخريَيْن من أجل يوم شعائر الجنازة. ومع ذلك، يقول إنه كان ثمة كثيرٌ من المناقشات بين الشد والجذب على الموضوع؛ لأنه كان من شأنه أن يكلِّف الصحيفة فوق ميزانيتها، وكانت الصحيفة بصدد تطبيق سياسةِ تقشُّفٍ فرضَتْها عليها شركة تريبيون المالكة التي يقع مقرُّها في شيكاجو. «في النهاية توقَّفَ الأمر على قول مدير التحرير دين (باكويه) إننا لا بد أن نفعل الصوابَ مع هذه الصور، وهكذا أُعطِينا المساحة» (وايتلي، ٢٠٠٤).
يقول وايتلي إنه عيَّنَ نفسه لتصميم الصفحات؛ لأنه يشعر برضاء شخصي عندما يصمِّم الصفحات المصوَّرة. ينبع جزء من هذه المتعة من نهج التعامُل الجماعي مع التحرير والتصميم. في اليوم الذي سُجِّي فيه جثمان ريجان من أجل إلقاء النظرة الأخيرة عليه، اجتمعت مجموعة صغيرة من قسمَي التصوير والتصميم مع نائب مدير التحرير في غرفة اجتماعاتٍ من أجل الاختيار النهائي للصور. كان محرِّرو الصور قد استخلصوا بالفعل مجموعةَ الصور المعروضة على طاولة غرفة الاجتماعات من مئات الصور التي وصلَتْهم على مدار اليوم، وكانت وظيفتهم هي الحكم على الجودة العامة للصور الفردية، واستبعاد غير الصالحة للنشر. أما مجموعة المصممين ومحرِّري الصور والكلمات التي اجتمعَتْ في غرفة الاجتماعات، فكانت لها معايير أخرى. «ناقَشْنا أي الصور يمكن أن تتناسب فعليًّا معًا؛ أيها ستسرد أكمل قصة، وناقشنا أي الصور نراها مكرَّرةً حتى يمكننا القول: «إما هذه الصورة وإما هذه وإما تلك، لكننا لا نستطيع استخدام الثلاثة.» فقد كانت عملية تحرير جماعية جدًّا» (وايتلي، ٢٠٠٤).
ولأن مجموعة صور ريجان كانت حدثًا إخباريًّا، عمل المحررون تحتَ ضغطِ مواعيد نهائية لاختيار مجموعة الصور النهائية، وكلما استغرق تحريرُ الصور وقتًا أطول، قلَّ الوقت الذي يقضيه وايتلي في تصميم الصفحات. ومع ذلك يقول وايتلي إنَّ أخْذَ الوقت الكافي لاختيار الصور «الصحيحة» هو الأسلوب الصحيح. وحتى يستغل وايتلي الوقتَ القليل المتاح له بأقصى كفاءة ممكنة، بدأ التفكير أثناء عملية التحرير في طريقةٍ يمكن بها وضْعُ الصور المتنوعة الموجودة على الطاولة معًا على نحوٍ متناسب. يقول إنه بينما كانت جميعها في الحجم نفسه على الطاولة، كان يفكِّر أيها يمكن استخدامها في الصدارة، وأيها يمكن عرضها بحجم أصغر. «أحاول أن أقرِّر أي الصور تحتاج إلى العرض بحجمٍ كبيرٍ، وأيها لا تحتاج إلى ذلك؛ لأننا لا يمكن أن نختار الصور التي تتطلَّب حجمًا كبيرًا فقط، فلا يمكن أن تكون كل الصور لدينا بحجم خمسة أعمدة أو ستة» (وايتلي، ٢٠٠٤). ومن القضايا الأخرى التي فكَّرَ فيها أحجامُ الوجوه داخل الصور؛ فيقول إنه إذا كانت الوجوهُ بالحجم نفسه في كل الصور مبدئيًّا، فإن القارئ سيفقد اهتمامه.
في أثناء عملية التحرير النهائية، ناقَشَ المحررون أيضًا ما إذا كانت الصور الفردية بحاجةٍ إلى قصٍّ أم لا، وناقشوا طريقةَ حدوث هذا. يقول وايتلي إنه على الرغم من أنه قد يبدو واضحًا أن صورة معينة بحاجة إلى القص، يكون عادةً من الصعب الاتفاق على مقدار القص المطلوب، خاصةً في ظل عمل المحررين مع مطبوعات صغيرة الحجم أثناء التحرير. مع ذلك يقول: «إنك بمجرد أن تضعها على الصفحة تظهر بعض العيوب عند الحواف، وتستطيع فعليًّا زيادة بؤرة التركيز بقص الأطراف، أو يمكنك من خلال القص زيادةُ تأثير المناطق المهمة في الصورة» (وايتلي، ٢٠٠٤).
نظرًا لتعذُّر الوصول إلى قرارٍ في مسائل مثل القص خلال عملية تحرير مجموعة صور ريجان في غرفة الاجتماعات، كانت الأطراف المهتمة تأتي بانتظامٍ لتتأكد من الأمر أثناء تخطيط وايتلي الصفحتين. يقول وايتلي إن العملية بأكملها يجب أن تقوم على أساس المناقشة؛ «فلا فائدةَ من مجرد أن أمضي وأفعل ما أعتقد أنه صواب؛ لأننا لا بد أن نشعر جميعًا بالرضا عنه؛ على سبيل المثال: إذا أردنا فعليًّا زيادةَ حجمِ إحدى الصور، فلا بد أن يكون هذا لأنها صورة تستحق ذلك من وجهة نظر الناس الذين يقرءون الصحيفة، وليس فقط من أجل إرضاء غرورنا» (وايتلي، ٢٠٠٤).
على الرغم من أن وايتلي يشعر بالرضا عن حجم الصورة الرئيسية، فإنه يعترف بأن استخدام صورة بهذا الحجم يجعل الأمور أكثر تعقيدًا؛ فيقول إنه بمجرد شَغْلِ نصف المساحة بصورة واحدة فقط، يصبح عددُ الصور الأخرى التي يمكن استخدامها محدودًا بقدرٍ أكبر؛ ولهذا السبب يجب عليه التفكير بعنايةٍ كبيرةٍ في أي الصور تعمل معًا على سرد قصة متعددة المستويات، دون أن تكرِّر إحداها الأخرى. وبمجرد اختيار الصور المتبقية للصفحتين، ينتقل إلى تحديدِ حجمِ كلٍّ منها، ثم يبدأ «في وضع أجزاء الأحجية معًا».
جزءٌ من عملي الانتباهُ إلى ما في صالح قرائنا، فيما يتعلَّق بالقصص والرسومات والتصوير، وهذه (جنازة ريجان) إحدى الحالات التي تعرف فيها أن التصوير سيكون أهم جزء فيها. إن الأمر يتعلَّق بما يستجيب الناس له بقدرٍ أكبر، وإذا أخفقْتَ في ذلك، فإنهم سيكرهونك بسبب ذلك.
نحن لا نهتمُّ بالصفحة الأمامية فقط، ولكننا نهتمُّ بالصفحات الداخلية أيضًا، وأعتقد أن صفحاتنا الداخلية هي التي نعرض فيها فعلًا ما نستطيع فعله، ومثالُ هذا صفحتا ريجان المفتوحتان هاتان. إن الأمر يتعلَّق بسرد قصةٍ كاملةٍ؛ فنحن نكافح من أجل إدراج قدرٍ كافٍ من الصحافة المصورة، بصفتها جزءًا مهمًّا من السرد القصصي؛ لأن الناس تستجيب لها؛ فهم يشاهدون الصور، ويختلف الأمر كثيرًا عندما يخبرك شخصٌ ما بشيء مشافَهةً عما تراه عيانًا. (وايتلي، ٢٠٠٤)
لم تحصل صحيفة لوس أنجلوس تايمز إلا مؤخرًا على استحسانِ صورها وتصميمها واستخدامها للصور. كيف تصبح إذن الصحفُ الإخبارية صحفًا بصريةً؟ يُعتبَر تعيينُ مؤيد شديد للعناصر المرئية أحدَ سُبُلِ تحقيق هذا. يصف تيم راسموسن — مدير التصوير السابق في صحيفة ساوث فلوريدا صن سنتينل، ومدير تحرير الصور المساعد الحالي في صحيفة ذي دنفر بوست — تجربتَه عند تعيينه ليرأس قسمَ التصوير في صحيفة ذي فريلانس ستار في مدينة فريدريكسبورج في ولاية فيرجينيا، قائلًا: «عندما وصلتُ، كانت سوزان كار وبيل بليفينس هما المصوِّرَيْن، ولم أجد شيئًا في القسم من الناحية التصويرية إلا موهبة سوزان وحماس بيل بليفينس لتحقيق شيء للقسم» (راسموسن، ٢٠٠٦). وحينما غادر راسموسن، كان يعمل بالقسم ستةُ مصورين مُعيَّنِين بدوام كامل، ومحرِّرٌ للصور، ومحرِّرُ التكليف بمهام التصوير، وفنيَّا تصويرٍ اثنان، ومحرِّرٌ للعناصر البصرية، وحصلَتْ صحيفةُ ذي فريلانس ستار على جائزة مسابقة «صور العام الدولية» «لأفضل استخدامٍ للتصوير» في صحيفةٍ كانت تطبع أقل من ١٠٠ ألف نسخة، بالإضافة إلى حصولها على العديد من جوائز تحرير الصور في مسابقة «صور العام الدولية». يقول ببساطة إن قسم التصوير استمرَّ في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وفي المقابل، استمرَّ الناشر في إعطائهم مناصبَ جديدة.
يقول راسموسن إنه على الرغم من أن إحداث تغيير في صحيفة ذي فريلانس ستار كان أسهل، مقارَنةً بصحيفةٍ أكبر حجمًا، كانت ثمة صراعاتٌ مستمرةٌ، مع ذلك، حول المهام والمساحة والتحرير. يعترف راسموسن قائلًا: «لستُ متأكدًا من أنهم أرادوا تعييني في البداية، لكني أعتقد أن إد جونز (رئيس تحرير الصحيفة) أراد التغيير، وأراد أن يحقِّق المصورون وقسمُ التصوير النجاحَ. وأعتقد أنه لم تكن لديه فكرةٌ عمَّا سأفعله أو عن أني سأُدخِل أشياءَ لم يسمعوا بها من قبلُ قطُّ، مثل تحرير الصور» (راسموسن، ٢٠٠٦).
من الصعاب التي واجَهَها راسموسن القواعدُ التي وضعها الناشرُ ومنعَتْ من تكبير الصور أكثر من أربعة أعمدة، ومن نشْر القصص على أكثر من صفحتين. يقول راسموسن إن الصحيفة «كسرَتْ هذه القاعدة كلَّ يوم». من خلال طَرْحِه الأفكارَ، ومداهنته وجداله، وتكوينه حلفاءَ مثل مساعد مدير التحرير، جيم مان يُثْنِي راسموسن على مان لكسره القواعدَ على الرغم من علمه بأنه ربما يقع في مشكلةٍ ما. ويقول إن الناشر ساعَدَه في بناء قسم التصوير الفوتوغرافي على الرغم من أن هذا القسم عادةً ما كان يدعم أشياءَ تتعارَضُ مع فكرته عمَّا يجب أن تكون عليه الصحف.
في خلال خمس سنوات من انضمام راسموسن لصحيفة ذي فريلانس ستار، أصبحَت الصحيفة ومسئولو الصور فيها مشهورين على مستوى الدولة بالتصوير واستخدام الصور. استطاع راسموسن تجميع طاقم عمل موهوب، بالإضافة إلى إدخاله العديدَ من اللمسات الإبداعية على الصحيفة، مثل سلسلةٍ من المشروعات الفوتوغرافية التي تُنشَر كلَّ ثلاثة أشهر بمشاركة كل طاقم العمل. يقول إنه استُدعِي عقِبَ أحد هذه المشروعات لينضمَّ إلى اجتماعٍ شمل رئيس التحرير والناشر؛ أخبراه فيه بأن كل الصور ستُسلَّم في المستقبل إلى قسم الإعلان من أجل إمكانية استخدامه لها، وبأن المصوِّرين سيكونون مطالَبين بصُنْعِ صور إعلانية، إضافةً إلى عملهم التحريري. في هذه الليلة، بدأ راسموسن البحثَ عن وظيفةٍ أخرى، وفي مقابلته التي تلَتْ ذلك والتي أجراها مع صحيفة صن سنتينل، يقول راسموسن إنه قال لرئيس تحرير الصحيفة، إيرل ماشر: «إذا كنتَ تريد مني أن أكون صوتك في قسم التصوير فلا تُعيِّنِّي؛ لأنني سأكون مؤيدًا لهم منذ اليوم الذي أبدأ فيه العمل. قال (ماشر): «أنا أريد بالضبط ما تريده»» (راسموسن، ٢٠٠٦).
كان لدى واشنطن بوست ٣٠ مرشحًا في عام ١٩٨٧ للوظيفة التي أعمل بها حاليًّا، وظلوا يقلِّلون العددَ، حتى وصلنا في النهاية إلى خمسة مرشَّحين، وأدخلوا كلًّا منَّا [وكان إلبرت في هذا الوقت مدير التصوير في صحيفة ميامي هيرالد]. كان لديَّ دومًا توجُّهٌ في التعامُل، كما كان شعري أشعث على نحوٍ غريب، وكنتُ أبدو مثل دون جونسون وأنا أشمِّر كُمَّيَّ؛ فلم أكن النوعَ المثالي لشخصٍ يُجرِي مقابلةً من أجل العمل في واشنطن بوست.
اختلفتُ في الرأي مع [مدير التحرير] لين داوني أثناء المقابلة؛ فقد أردتُ فقط أن أرى إلى أيِّ مدًى يمكنه تحمُّلي؛ لأنه لا داعيَ للتصرُّف على نحوٍ مخالِف لطبيعتي؛ فبعدما أحصل على الوظيفة، ماذا سأفعل حينها؟ كان بن [برادلي، الناشر] يراقب المقابلة كلها، ويستمتع بها كثيرًا. طلبوا مني الحضورَ من أجل إجراء مقابلة أخرى؛ لأنني، على ما أعتقد، أصبتُ اثنين من مديري التحرير المساعدين — اللذين تركا العمل هنا — بالقلق، وأَحَبَّ بن هذا؛ فقد أراد حماسًا وتوجُّهًا ولم يكن هذا مشكلةً. ثمة أمرٌ واحدٌ مؤكَّد، وهو أنك ستجد دومًا حماسًا وتوجُّهًا في الصور في صحيفة واشنطن بوست.
دعوني أحكي لكم قصةً لتوضيح الأمور أكثر. حين أتيتُ لأول مرة إلى هنا (لأحضر اجتماع الأخبار اليومي)، كانت هناك طاولة اجتماعات ضخمة حتى يجلس إليها كل المحررين مع بن ولين. لم يكن هناك كرسي لقسم الفنون والتصوير؛ فذهبتُ مبكرًا بعضَ الشيء وجلستُ على مقعد بن. جاء بن (متأخرًا)، ورآني جالسًا على مقعده، ولم يكن هناك مكانٌ ليجلس فيه إلا في الصف الخلفي مع الباقين. كان ثمة مقعدٌ مخصَّص لكل شخص، لكنْ لم يكن لي مقعدٌ؛ لذا جلستُ على مقعد بن. عندما جاء، كانت ثمة ابتسامةٌ على وجهه، وقال كل الحاضرين في أذهانهم: «يا إلهي، ما الذي سيحدث الآن؟» لم يحدث شيء، فقد جلس في مقعدٍ في الخلف. جئتُ إلى الاجتماع في اليوم التالي، وكان ثمة مقعدٌ مخصَّص لقسم التصوير، ومقعدٌ لقسم الفنون، يشبهان كلَّ قطع الأثاث الأخرى تمامًا. (إلبرت، ٢٠٠٤)
أعطى إلبرت انطباعًا أن قسمي الفنون والتصوير في صحيفة واشنطن بوست لا يصحُّ الاستخفاف بهما.
على الرغم من أن فريقَي التصوير والتصميم بدآ إجراءَ تغييرات مهمة قبل ذلك بسنوات، فإن صحيفة التايمز لم تكن قبل ١١ سبتمبر شهيرةً بأنها «صحيفةُ كُتَّاب» فحسب، ولكنها اشتُهِرت أيضًا بكونها صحيفةً غير بصرية. في مقابلةٍ أُجرِيت في عام ١٩٩١، قالت كارولين لي، مدير التحرير المساعد: «الأمر المهم الذي تجب معرفته عن هذه الصحيفة أن الكُتَّاب هم الذين يتولَّون زمامَ الأمور هنا؛ هذه حقيقةٌ معروفةٌ. إذا لم يرتَحْ كاتبٌ معين في العمل مع أحد المصورين، فالكاتبُ يجعل الأمورَ تسير بطريقته، ويتبعه المصوِّر» (لي، ١٩٩١). إلا أنه بعد عشر سنوات يقول مايك سميث، نائب محرِّر العناصر البصرية، إن الكُتَّاب الذين لم يجاملوا المصورين أو محرري الصور قطُّ، «سيستوقفوننا ويقولون: «مَن الذي التقَطَ الصورةَ الموجودة على الغلاف الأمامي اليومَ؟ أو الصور تبدو جيدة»» (سميث، ٢٠٠٤). ما الذي تغيَّرَ؟
بدأ هاول رينز، رئيس تحرير الصحيفة، يومَه الخامس في العمل في صحيفة التايمز في ١١ سبتمبر عام ٢٠٠١. كان قد التقى العديدَ من المصورين ومحرري الصور قبل هذا اليوم، واستمع إليهم وهم يخبرونه بأن للتايمز تاريخًا لم تُحْسِن فيه استخدامَ العناصر البصرية. يعتقد سميث أن رينز رأى أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصةً لفعل شيءٍ مختلف باستخدام التصوير الفوتوغرافي، «شيءٍ يمكنه وضع بصمته عليه». ويضيف سميث قائلًا: «ساعَدَ [تعيين رينز وأحداث الحادي عشر من سبتمبر] في دفعنا إلى الاستخدام الذكي المستمر للصور؛ فقد كانت لدينا هذه القصة الضخمة؛ إذ حدثَتْ أكبر قصة في حياتنا المهنية أمام أعيننا. وتصرَّفَ فريق العمل بذكاءٍ في كل المستويات» (سميث، ٢٠٠٤).
في ذلك اليوم، كان أول شيء حاولتُ فعله هو التأكد من أن كل الأطراف حاضرون، وربما لا يبدو هذا عملًا شاقًّا، لكنْ في ظل غلْق الجسور والأنفاق، وتضييق الأمنِ الخناقَ في كل مكان … حاولنا [حينئذٍ] نشْرَ الجميع، وأَعْدَدْنا نظامًا للتعامُل مع الفيلم الذي يصوره مصوِّر مستقل. في هذه المرحلة كنا ما زلنا نحاول معرفةَ ما حدث بالضبط، وكنا نحاول معرفةَ ما نوع الصور التي علينا التقاطها، وما الشكل الذي يجب أن تكون عليه الصفحة الأمامية.
كانت الساعات الأولى تعمُّها الفوضى، وكان الجميع في الموقع يلتقطون الصورَ، ويحاولون البقاءَ على قيد الحياة، ويحافظون على وسائل الاتصال مفتوحةً. كان التلفاز مفتوحًا في غرفة الأخبار، وكنا نعقد اجتماعًا كلَّ ساعتين مع كبار المحرِّرين في الصحيفة، وكنا نجتمع بمصمِّم الصفحات من أجل معرفة عدد القصص التي سنحصل عليها، وحجمها، وعدد الصفحات التي سنحتاج إليها … قرَّرْنا الحصولَ على مجموعةٍ من الصور عن الهجمات نفسها، ومجموعةٍ من الصور عن المصابين. ظننا في هذا الوقت أن عدد المصابين سيكون بالآلاف، لكننا علمنا بعد ذلك أن الجميع تقريبًا لقوا حتفهم. كنَّا نحاول تقسيمَ التغطية على هذه المحاور، والتأكُّد من وجود مراسلين لنا في جميع هذه الأماكن، وبدا أن الوقت يمر، وقبل أن نلحظ، أصبحَت الساعةُ الرابعةَ أو الخامسة، ولم يتوقَّف أيُّ شخصٍ.
لا أعتقد أننا حصلنا على صور كثيرة حتى وقت مبكر في فترة ما بعد الظهيرة، لكن في اجتماع الرابعة والنصف في غرفة الأخبار، كان لدينا كمٌّ هائل من الصور لنستعرضها؛ فكانت الأشياء تَرِد إلينا بسرعةٍ كبيرةٍ، حتى إنه لم يكن ممكنًا لشخص واحد أن يفحص كلَّ شيء؛ فقد كان هذا أكبر من قدرته. جمعنا، على الأقل مرتين في هذا اليوم، مجموعةً من المحررين — محرر الشئون المحلية، ومحرر الشئون الخارجية، ومحرر الصور الإخبارية الرئيسي — وفحصنا كلَّ (صور) فريق العمل. نسيتُ عددَ الصور التي نشرناها في هذا اليوم الأول، لكنْ أريد القول إن العدد اقترب من ٨٠ أو ٩٠ … كان عددًا هائلًا من الصور، وكنا ننشرها في صفحة تلو الأخرى.
عاد هاويل (رينز) إلى قسم التصوير في هذا اليوم، وفحص الصور الموجودة لدينا. كان مشترِكًا في الأمر بالكامل منذ البداية؛ لأنه كان مهتمًّا بالصفحة الأمامية. وأذكر أنني في منتصف فترة ما بعد الظهيرة تقريبًا تحدثتُ إلى (نائب محرِّر الصور) مارجريت (أوكونور)، وربما مع (المحرِّر الرئيسي للتكليف بمهام التصوير) جيم (ويلسون) بشأن ما يجب وضعه في الصفحة الأمامية. كنا نعلم أننا يجب أن نضع شيئًا عن البرجين، شيئًا مؤثرًا، صورة يظهر فيها مثلًا الانفجار الناتج عن اصطدام الطائرتين بالمبنى، لكننا أردنا أن نضع شيئًا عن رد فعل الناس تجاهه، يُظهر حقيقة إصابة الناس، وهكذا كانت لدينا هذه الصورة الرائعة التي استخدمناها، وكانت صورةً صغيرةً للغاية للطائرة الثانية وهي تحلِّق في الهواء. فكَّرْنا أيضًا في أننا بحاجةٍ إلى إدراجِ شيءٍ من واشنطن؛ لأن هذا لم يكن حادثًا وقَعَ في نيويورك فقط؛ فكانت هذه هي الصور الأربع التي استقررنا عليها: صورة اصطدام الطائرة بالمبنى وانفجار المبنى، وصورة السيدة المصابة في الشارع إصابةً دمويةً، وصورة الطائرة التي تحلِّق في الأفق في سبيلها إلى الاصطدام بالمبنى، والصورة التي جاءت من واشنطن.
هذا مثال لفلسفتنا الخاصة بصفحتنا الأولى، فنحن نريد أن تعكس الصفحة الأولى ما حدث في هذا اليوم في العالم، وفي الدولة، وفي المجتمع المحلي؛ لذا يتبع مزيجُ القصص عادةً هذا النهج؛ نضع الأخبار الأكثر أهمية في الأعلى، والأقل أهمية في الأسفل. بالطبع، كنا نعلم في هذا اليوم أنه ليس لدينا إلا قصة واحدة؛ لذلك طبَّقْنا هذا على الصور أيضًا. عند استرجاع الأمر، لا أعتقد أنني كنتُ سأفعل أيَّ شيءٍ على نحوٍ مختلفٍ؛ فقد تعامَلْنا مع الأمر جيدًا إلى حدٍّ ما …
بحلول الساعة الثامنة أو التاسعة في هذه الليلة، كنا قد انتهينا تقريبًا من الطبعة الأولى، وكان بإمكاننا أن نبدأ في التفكير: «يا إلهي ماذا نفعل الآن؟ كيف سيكون الحال في الغد؟» ثم أدركنا أننا سنعمل على هذا النحو لفترة طويلة. (سميث، ٢٠٠٤)
تُظهِر الدراسات التي أُجرِيت على الصحف أن العين تذهب أولًا إلى الصور الفوتوغرافية، ثم إلى العنوان، وأخيرًا إلى القصة المكتوبة (موسز، ٢٠٠٠). إلا أن الصور الفوتوغرافية لها تأثير أكبر من مجرد جذب الانتباه من أجل القصة المكتوبة؛ فعندما يُخطَّط لها وتُنفَّذ وتُستخدَم على نحو جيد، تصبح لدى الصور القدرةُ على سرد قصص غنية ومؤثِّرة ومليئة بالمعلومات في حد ذاتها. لا يستفيد إلا عدد قليل من الصحف من خصائص السرد الخاصة التي يستطيع التصوير الفوتوغرافي والتصميم تقديمها؛ فهي لا تستغل كل إمكانياتها. ولا يدرك المحررون، عادةً، أن التقرير المرئي الجيد لا يكون على حساب التقرير النَّصِّي الجيد بالضرورة؛ فهما مرتبطان أحدهما بالآخَر ارتباطًا وثيقًا، وإنْ كانا متنافيَيْن. ولا يمكن إعدادُ تقريرٍ بصري جيد إلا عندما يوجد تواصُل بين جميع الأقسام في غرفة الأخبار. وفي الوقت نفسه، يستجيب القراء للسرد المرئي للقصِّ على نحوٍ مختلف من ردِّ فعلهم تجاه الكلمات، وأفضلُ الصحف هي التي تسمح للكلمات والصور بسَرْد القصص على مستويات متعددة بطرقها الخاصة.
هوامش
مع ذلك، يتضح لبعض الكُتَّاب أن وجود مصور «يُقحِم نفسه» في القصة يكون مفيدًا. يتحدَّث الكاتب في صحيفة شيكاجو تريبيون، ريكس هوبكه، عن مشروعٍ عمِلَ فيه مع كاتبَيْن آخَرَيْن ومصوِّر، هو تيرانس جيمس، فيقول: «في كثير من الأحيان، لا يصور تيرانس أيَّ شيء؛ لأن جزءًا كبيرًا من عملنا كان يتمثَّل في جعْل الناس يثقون بنا ويطمئنون لوجودنا حولهم. كان يأتي، ويصوِّر بعضَ الأشياء أحيانًا بناءً على مستوى اطمئنان الناس، وفي أحيان أخرى لا يفعل هذا. كثيرٌ من القصص التي نغطِّيها يحدث في مجتمعات أمريكية من أصل أفريقي، وتيرانس أسود اللون، ونحن ثلاثة [كُتَّاب] بشرتنا بيضاء، فنظهر بين الناس. أجريتُ الكثير من المقابلات، ولم يكن الشخص الذي أُجري معه المقابلة ينظر حتى إليِّ، لكنه كان ينظر طوال الوقت إلى تيرانس، ويتحدث إليَّ تقريبًا من خلال تيرانس؛ فقد كان وجود تيرانس إضافةً كبيرةً للتجربة بأكملها؛ فلم يكن يخجل على الإطلاق من أن يطرح أسئلةً، وكان يطرح أسئلة جيدة للغاية» (هوبكه، ٢٠٠٤).