الجزء الرابع

بدء العمل

تحوُّل

كانت شركة ديزرت ماونتن سبورتس (دي إم إس) شركة متوسطة الحجم لا تحقق مستوى الأداء المتوقع، وتبذل أقصى جهدها فيما يبدو لكي تصبح صغيرة الحجم. ولأن شركات بيع السلع الرياضية كانت تتجه إلى الاندماج — وهو أمر كان براين على دراية تامة به — فقد كان هناك بعض المتقدمين لشراء سلسلة المتاجر الموجودة في رينو. كانت العروض التي تلقاها مجلس إدارة الشركة منخفضة بطريقة تدعو إلى الحرج.

وعندما زاد إحباط ريك سيمبسون مرة بعد أخرى بسبب فشله في جلب عروض جيدة لشرائها، توصل إلى قرار نهائي وهو أن الشركة تحتاج إلى ترتيب أوراقها حتى تصبح جذابة. فقد قال في أكثر من مناسبة: «لنضع بعضًا من أحمر الشفاه لهذا الخنزير»، وكان ذلك يثير ضحكة من عملائه مشوبة بالألم.

ومع أن براين أجرى كثيرًا من البحث عن شركة دي إم إس أكثر من تلك التي أجراها قبل انضمامه إلى فريق عمل مطعم جين وجو، فمهما كان ما يتمتع به الرئيس التنفيذي الجديد من اجتهاد فلن يعده لمواجهة واقع الشركة. فهناك شيء ما تكتشفه عندما تصبح فردًا من الشركة يعطيك منظورًا جديدًا تمامًا.

وفي أول اجتماع لمجلس الإدارة، عرف براين أن عدد العاملين في المركز الرئيسي للشركة برينو أكبر مما كان يظن. وبدلًا من الخمسة والثلاثين موظفًا الذين كان يتوقعهم، كان هناك نحو خمسة وخمسين شخصًا يجلسون في المبنى الزجاجي الذي يطل على المدينة. قال براين للمجلس في ذلك اليوم: «لا أود أن أقفز مباشرة إلى أي استنتاجات، لكن يبدو لي أن الأمر فيه بعض المبالغة، حيث إن لدينا عددًا من الموظفين بالمقر الرئيسي للشركة يساوي ضعف عدد العاملين بالمتاجر.»

فأومأت كل الرءوس التي كانت ملتفة حول المائدة، وكأنهم ليسوا جزءًا من الخطأ غير المقصود الذي أدى إلى حدوث المشكلة في المقام الأول.

لكن الفحص الدقيق للأمور المالية أقنع براين أن تخفيض العمالة أو نقل الوظائف لن يحل مشكلات الشركة. وكان عليه أن يجد طريقة لزيادة الإيرادات قبل أن يستطيع إقناع المستثمرين المحتملين بالتحرك. وإن لم يحدث ذلك، فإن من سيقدم على شراء هذه الشركة الخاملة — أيًّا كان — سيلغي هذه الوظائف على أي حال.

وبعد سلسلة من الاجتماعات مع طاقم عمله الجديد ومع العديد من كبار الموظفين في الشركة أدرك براين سبب تزكية ريك له لهذه الوظيفة في المقام الأول، فضلًا عن قرب الشركة من ليك تاهو.

أولًا، كانت الشركة تعانى مشكلة في خدمة العملاء. وقد اكتشفت شركة أبحاث خارجية استأجرها مجلس الإدارة أن شركة ديزرت ماونتن تحتل المرتبة الثامنة بين إحدى عشرة شركة تعمل في مجال السلع الرياضية في الجزء الغربي من البلاد. وثانيًا، (وهو أمر يرتبط بالتأكيد بمسألة العملاء) كانت الشركة تعاني من مشكلة في الموظفين. فالكثير منهم كانوا يتركون العمل، وكان الباقون في الشركة يفتقرون إما إلى الحماس وإما إلى التدريب.

كانت هذه المعلومات خليقة بأن تسبب إحباطًا لمعظم الرؤساء التنفيذيين، لكنها بالنسبة إلى براين كانت بمنزلة موسيقى تطرب أذنيه.

استطلاع الأمور

بعد سلسلة من الاجتماعات مع مساعديه المباشرين وغيرهم من أعضاء طاقم العمل في المركز الرئيسي، استقل براين الطائرة وكله حماس — وهي أول رحلة له منذ أن تقاعد — ليذهب في زيارة إلى بعض المتاجر الكبيرة التابعة لشركته والمنتشرة في الغرب. ومع أنه كان يقدر قيمة أبحاث السوق، فقد أراد أن يذهب ويتحقق من أن ما قيل له كان دقيقًا وكاملًا.

كان براين متحمسًا جدًّا لمقابلة مديري المتاجر، الذين يلقبون بمديري العموم، حتى يتمكن من التفكير في تطبيق نظام مشابه للنظام الذي أسسه في المطعم. لكن ما وجده سيجعل ذلك أصعب كثيرًا مما كان يتخيل.

والغريب أن مستوى المديرين الستة الذين قابلهم قد فاق توقعاته. على الأقل من الناحية النظرية. فقد كانوا جميعًا من خريجي الجامعات، ومتخصصين في المجال ولديهم خبرات سابقة مثيرة للإعجاب. لكن ما أثار قلق براين هو مقدار حماسهم.

فعلى الرغم من أنهم حاولوا أن يظهروا في أحسن صورة أمام الرئيس التنفيذي الجديد، فقد كان معظمهم صرحاء إلى حد ما بشأن مستوى الإحباط والاحتراق النفسي الذي يعانون منه. ومما لا يثير الدهشة أن مرءوسيهم كانوا على نفس المستوى من انعدام الحماس، إن لم يفوقوهم في ذلك.

وكان إيجاد موظفين أكفاء لهذه المتاجر من أكبر المشكلات التي اشتكى منها المديرون لبراين. وقد أوضح المدير المسئول عن فرع مدينة بويسي الأمر جيدًا. فقال: «من الصعب إيجاد شاب — أو حتى شخص متقاعد — كفء يقبل العمل مقابل عشرة دولارات في الساعة في هذه الأيام. فإما أنهم لا يحتاجون المال، أو أنهم يحتاجون أن يكسبوا المزيد منه لكي يعولوا أسرهم.» وسكت لحظة. ثم قال: «أو أنهم ليسوا على القدر الكافي من الذكاء لكي يعملوا على آلة تسجيل المدفوعات النقدية.»

وشرحت مديرة أخرى في فرع رينو مشكلتها. فقالت: «أقضي معظم وقتي في اختيار الموظفين الجدد وتعيينهم، ثم بمجرد أن أظن أن الأمر قد استقر، يترك العمل شخص آخر وأعود مرة أخرى للقيام بالمهام التقليدية. ومع هذا العمل، ومع كل التقارير الأسبوعية التي أكتبها، لا أجد وقتًا بالطبع للتفكير في المبيعات والتسويق. فأنا أحاول فقط تسيير العمل.»

عندما سأل براين المديرين لماذا يترك الموظفون العمل، تلقى إجابات غامضة وغير مقنعة. فألقت مديرة فرع رينو بالمسئولية على انخفاض الرواتب، لكن براين عرف بعد ذلك أن منافسي شركة ديزرت ماونتن لا يدفعون رواتب أعلى من ذلك، بل يدفعون أقل في بعض الأحيان. ثم زعم مدير فرع مدينة يوجين أن السبب هو عدم وجود فرصة كافية للتقدم المهني. بينما اشتكى آخر في فرع لاس فيجاس من أن النظام التعليمي لا يوفر شبابًا على درجة كافية من التأهيل.

لم يقتنع براين بأيٍّ من ذلك. صحيح أن بعض منافسي الشركة كانوا يواجهون مشكلات مشابهة في عدم استقرار العاملين، لكن البعض الآخر لم يواجه هذه المشكلة. وهؤلاء الذين لم يواجهوا هذه المشكلة كان أداؤهم المالي — كما توقع براين — أفضل ما يكون.

قضى براين أثناء رحلته ساعات مع مدير كل فرع، وكان يقضي المزيد من الوقت يتجول في طوابق المتاجر ويتحدث مع الموظفين. ثم أجرى بنفسه استطلاعًا للرأي لحفنة من العملاء أثناء خروجهم من كل متجر زاره. ونظرًا إلى أنه كان يريد أن يفرق بين المشكلات الخاصة بالشركة وحدها، وتلك التي تعاني منها بوجه عام معظم الشركات في هذا المجال، قام براين أيضًا بالمرور على الكثير من متاجر المنافسين، قدر الإمكان، وتحدث إلى عملائهم أيضًا.

وعندما عاد من رحلته المكوكية، بدأ براين وضع خطة لما سوف يقوم به لإنعاش تلك الشركة المتعثرة. ولم يكن غريبًا أن الجزء الأعظم من خطته كان يتركز حول ما قام به في المطعم، مما أثار قلقه بشدة.

الجبهة الداخلية

عندما عاد براين من المطار إلى المنزل، كانت ليزلي ساهرة تنتظره. ولم تستطع أن تخفي ابتسامة على وجهها.

وقبل أن يلقي التحية، انفجرت في وجهه قائلة: «لقد حصلت لين على فترة التدريب في تاهو! ستبقى معنا طوال الصيف!»

وفجأة تلاشت كل مخاوف براين بشأن العمل. ولم يكن فقط يشعر بالسعادة أن ابنته ستقضي معهما فترة الربيع، لكنه شعر بالراحة أيضًا لأن زوجته سيكون معها من يؤنسها إذا اضطُر إلى السفر.

وكان لما قالته ليزلي له بعد ذلك كبير الأثر في منحه الثقة التي كان يحتاجها. فقد سألته: «وهل تعرف لماذا قبِلت هذه الوظيفة؟»

كان يبدو على براين الحيرة. فقال: «حسنًا، أظن أن الأمر له علاقة بأننا نعيش هنا.»

هزت ليزلي رأسها نافية. وقالت: «ليس هذا بالتحديد. وآمل ألا أكون قد جرحت مشاعرك، لكن السبب الأصلي هو الأسلوب الذي اتبعته في المقارنة بين العروض التي تلقتها.»

ظلت الحيرة واضحة على وجه براين؛ لذلك لم تستمر زوجته في حديثها المبهم.

وقالت: «كانت تقيمها على أساس معاييرك الخاصة بالتقييم الذاتي ودور الفرد والعلاقات بين العاملين. بالطبع لم تكن تستخدم نفس الألفاظ، لكن هذا بالضبط ما شرحته لي.»

كان براين مندهشًا من أن ابنته تذكرت نظريته بعد شرح بسيط منه، لكنه حاول جاهدًا أن يخفي دهشته. وكان سعيدًا أيضًا بعض الشيء لأنها استخدمت النظرية لكي تتجنب العمل في وظيفة تجعلها تشعر بالتعاسة.

وبعد أن انتهيا من اختيار الغرفة التي ستمكث فيها ابنتهما، وما يحتاجان للقيام به استعدادًا لوصولها، تحول تركيز ليزلي إلى براين.

«حسنًا، أخبرني عن رحلتك.»

فأخبرها براين عن المديرين والموظفين والمتاجر والعملاء. لكنه كان مقتضبًا على غير عادته.

سألته ليزلي: «ماذا بك؟»

«لا أعرف. أنا فقط قلق قليلًا حيال أمر ما.»

«بخصوص العمل؟»

«نعم. الأمر متعلق بموضوع التعاسة في العمل ككل.»

«ما المشكلة؟»

«لا أعرف. أظن أنني قلق نوعًا ما من إقحام نظريتي الخاصة في مكان لا تنتمي إليه.»

فقطبت ليزلي حاجبيها. وقالت: «لا أفهمك.»

«أتعرفين المثل الذي يقول: «إن كانت المطرقة الأداة الوحيدة لديك، فسترى كل الأشياء مسامير.»»

فأومأت برأسها.

«ربما لا تصلح هذه النظرية لكل الناس. وربما أنني أرى الكثير من المسامير.»

فكرت ليزلي في الأمر. ثم قالت: «لا أعتقد ذلك. هذا مستحيل.»

«يبدو أنكِ متأكدة.»

«أنا متأكدة. دعك من هذا يا براين. لماذا لا تنطبق نظريتك على متجر السلع الرياضية؟ أو أي نوع آخر من الشركات؟ وكيف يكون هناك أشخاص لا يمكن تطبيق هذه الأشياء عليهم؟ لا يعنيني إذا كنتَ ملكة إنجلترا أو نجمًا من نجوم موسيقى الروك؛ إذا لم تستطع تقييم عملك، وإذا لم تعتقد أن عملك يؤثر في حياة أي شخص، وإذا كنتَ تشعر ألا أحد يهتم بك بشكل شخصي، فستصبح تعيسًا في العمل.»

نظر براين بشك إلى ليزلي. وقال: «أنت تقولين ذلك فقط لكي تدعميني، أليس كذلك؟»

«حسنًا، حتى لو لم أكن أومن بهذا، فقد أقوله فقط لكي أدعمك.» ثم ابتسمت. وأضافت: «لكن في هذه الحالة لا. فأنا مقتنعة به. ويجب أن تكون أنت أيضًا كذلك.»

كانت ليزلي ترى أن زوجها يستمع إليها. فقالت: «فلنذهب إلى النوم الآن. فسوف نستيقظ مبكرًا لكي نتزلج على الجليد باستخدام معدات التزلج الآلية.»

مرور سريع

في وقت متأخر من عصر يوم السبت، لم يطق براين الانتظار لكي يذهب إلى المطعم. وكان هذا في حد ذاته أمرًا مدهشًا بالنسبة إليه.

وقال لليزلي في طريق العودة إلى المنزل من نزهة التزلج: «لا أصدق أنني متشوق إلى هذا الحد لرؤية كل من في مطعم جين وجو. من كان يظن ذلك؟»

فرفعت ليزلي يدها. وقالت: «أنا. فذلك لا يدهشني بالمرة.»

«أتعنين أنك كنت تتصورين أنني قد أفعل ذلك. دعك من هذا.»

«لا، أنا ما زلت مذهولة من أنك قد قبلت وظيفة في مطعم. أما ما لم يدهشني فهو مدى حبك للناس هناك.»

«حقًّا؟»

«حقًّا. فهذا ما يجعلني أحبك.»

«حسنًا، أتمنى أن تظلي على حبك لي عندما أعود إلى المنزل متأخرًا الليلة.»

وعندما وصل براين إلى مطعم جين وجو، كان الجميع هناك يعدون المكان لاستقبال الزبائن. ومع أن أسبوعًا واحدًا فقط قد مر منذ أن ترك المطعم، فقد استقبله الموظفون بالترحاب كأنه لم يأتِ منذ شهور.

وبقدر ما كان براين مستمتعًا بالحديث غير المتكلف مع طاقم العمل، فقد كان يتوق لسماع أخبار العمل. ومن ثم جلس مع جو في البداية.

«إذن كيف حال كل شيء هنا؟ أنت لا تريد أن تترك العمل معي، أليس كذلك؟»

«أتعتقد أنني سأكون مرتديًا هذا القميص إذا كنت أريد ترك العمل؟»

ثم ضحكا.

«تسير الأمور على ما يرام. انتابتني بعض لحظات الفتور، لكنني أداوم على موضوع التقييم الذاتي، وبدأت أتعود على حقيقة أن زبائني الحقيقيين هم هؤلاء الحمقى الذين يعملون هنا.» ومع أن جو كان يستخدم نفس الكلمات التي كان يستخدمها من قبل، فإن براين كان متأكدًا أن جو يستخدمها الآن بود.

عندما سُئل تحديدًا عن كيف كان يهتم بمرءوسيه كبشر، بدا على وجه جو بعض الإحباط. وقال: «لأكون صادقًا، إن الأمر أصعب مما توقعت.»

استعد براين ليسمع عذرًا واهيًا، لكنه كان مسرورًا عندما فاجأه جو بشرح الأمر.

فقال: «إنهم مهتمون بأمر بعضهم بعضًا مما يصعب عليَّ أن أدخل بينهم. فجولين وباتي وميجو يوجهون النصائح للناس ويهتمون بهم، ولا أظن أنهم يحتاجون لأي نصيحة أو اهتمام مني.»

أكد براين لجو أنهم بحاجة لنصحه واهتمامه، وشجعه على الاستمرار في المحاولة. شعر براين بالراحة، وبالدهشة دون شك، عندما علم أن مرءوسيه السابقين يأخذون على عاتقهم خلق نوع من الثقافة تستطيع الاستمرار حتى لو صعُب على جو اللحاق بهم ومجاراتهم.

تحدَّث براين إلى أعضاء فريق العمل لمعرفة كيف حال تقييماتهم، بالإضافة إلى معرفة ما استجد في حياة كل منهم. ومع ذلك فقد قرر أن يقضي معظم وقته مع ميجو.

سأله براين بوضوح. وقال: «كيف حال جو معكم؟»

فتردد ميجو وكأنه يطلب منه أن يشي برئيسه.

فأوضح براين قائلًا: «لا تقلق من إخباري يا ميجو. هذا من أجل مساعدته ومساعدتك. فأنت لا تقترف أي خطأ عندما تتحدث معي بهذا الشأن.»

قال ميجو بعد أن زال عنه التوتر بعض الشيء: «إنه مختلف نوعًا ما عما كان عليه من قبل. فهو يعمل بجد أكبر ويحث الجميع على الحفاظ على موضوع التقييم الذاتي، ويحاول أن يكون أكثر لطفًا واندماجًا مع من حوله.»

كان براين سعيدًا لسماع ذلك. فقال: «وماذا عن معاملته لك؟ هل يهتم بقضاء وقت معك ليخبرك بتفاصيل العمل؟»

في البداية أومأ ميجو برأسه، مع أن براين كان يرى أنه متردد. ثم قال: «أجل، إنه يحاول أن يقدم لي النصيحة من وقت إلى آخر.»

لم يكن براين قد شرح بعد ما يخطط له لميجو، لكنه قرر أن هذا وقت مناسب لذلك. فقال: «إذن هل ستكون مستعدًّا لإدارة هذا المكان خلال بضعة أشهر؟»

كست ملامح ميجو أمارات دهشة خفيفة. وسأل: «أنا؟»

«نعم، أنت.»

فهز ميجو كتفيه. وقال: «لا أعرف.» وسكت هنيهة. ثم قال: «هل تعتقد ذلك؟»

فأومأ براين برأسه دون تردد قائلًا: «بالتأكيد.»

وفي وقت متأخر من هذه الليلة، عندما قل الزحام وهدأت الحركة في المطعم، خرج ميجو مع براين في جولة بالسيارة. فذهبا إلى مطعم ماونتن إكسبريس، وهو المكان الذي ذهب إليه براين وليزلي بعد أول ليلة لبراين في مطعم جين وجو.

وقبل الدخول طلب براين من ميجو ملاحظة كل شيء — قدر المستطاع — عن الطريقة التي يُدار بها المطعم، من حيث المميزات والعيوب.

وخلال التسعين دقيقة التالية راقبا المكان وتناولا فطيرتين واحتسيا القهوة وتحدثا. ثم دوَّنا ملاحظات عن كل شيء: ترتيب المطعم، والطريقة التي يُقدم بها الطعام، وقائمة الطعام، والمعاملات ببطاقات الائتمان، وبالطبع أيضًا الخدمة.

قال ميجو إن معظم ما رآه في المطعم رائع، لكنه أوضح أن هناك بعض النقاط التي تتطلب التعديل. وجد براين ملاحظاته مثيرة للاهتمام وتنم عن ذكاء شديد، ولكن ما كان يريد أن يراه بالفعل هو أن يعرف ما إذا كان ميجو مهتمًّا بما يحدث ويتمتع بنوع من النظرة الشمولية بحيث يرى أبعد من التفاصيل فيما يتعلق بالعمل. وعلى الصعيدين كان واضحًا لبراين أن ميجو على الطريق الصحيح.

ثم سأل براين سؤالًا لم يتوقعه ميجو، إلا أنه كان من الضروري أن يضعه في الاعتبار: «ما رأيك في توجيه مديرك؟»

لم يبدُ أن ميجو فهم مقصده. فسأله: «أتقصد جو؟»

أومأ براين برأسه وفسر ما يقصده. فقال: «لا أقصد أن توجهه كموظف. ولكن أقصد أن توجِّه تصرفاته. فسوف يكون عليك أن ترشده قليلًا، وتبقي تركيزه على الأمور الصحيحة. وهذا يعني أنك قد تضطر إلى معارضته في بعض الأوقات.» لم يكن براين ينتظر ردًّا من ميجو، فاستطرد قائلًا: «لا بد أن تعرف أن جو سيتركك تفعل كل ما تعتقد أنه ضروري، ما دمت واثقًا من نفسك، وما دام هو مقتنعًا أنه في مصلحة المطعم. فيجب ألا تخشاه لمجرد أنه مالك المكان.»

وبعد بضع دقائق أخرى من المناقشة، غادر براين وميجو مطعم ماونتن إكسبريس وعادا إلى مطعم جين وجو، الذي كان قد أُغلق بالفعل. فدخلا وجلسا في قاعة الطعام الخالية.

فسأل براين: «حسنًا، ما رأيك؟»

«في ماذا؟»

«في إدارة هذا المكان.»

نظر ميجو حوله لبضع ثوان. وقال: «أعتقد أنني أستطيع القيام بذلك.»

كانت الابتسامة على وجه ميجو كافية ليعرف براين أنه يعني ما يقول. وسوف يتذكر كلاهما هذه الليلة على أنها لحظة حاسمة بالنسبة إلى المطعم، وبالنسبة إلى ميجو بصفة شخصية. أما براين فقد خففت هذه الليلة بعضًا من الشعور بالذنب الذي كان يشعر به لاضطراره لأن يحول مزيدًا من تركيزه إلى شركة ديزرت ماونتن.

التقرير

في صباح يوم الثلاثاء، دعا براين لعقد اجتماع خاص لمساعديه المباشرين ليعطيهم تقييمه لما حصل عليه من معلومات خلال رحلته. وفي الساعة العاشرة كان الفريق التنفيذي بأكمله مجتمعًا في حجرة الاجتماعات الرئيسية في الشركة: المديرة المالية، واثنان من المديرين الإقليميين الثلاثة المسئولين عن المتاجر، ورؤساء أقسام خدمة العملاء والتسويق والموارد البشرية.

ومع أن هذه هي المرة الثالثة التي يلتقي فيها مع هذه المجموعة — وفرصته الأولى لكي يترأس اجتماعًا فعليًّا — قرر براين أن يتخذ خطوة جريئة.

«إنني أومن بأن الانطباعات الأولى هي أفضلها في بعض الأحيان. ولهذا فبعد أن أمضيت معظم الوقت خلال الأسبوع الماضي في الميدان، وبعد أن أجريت عددًا كبيرًا من الحوارات المستفيضة مع معظمكم، رأيتُ أن عليَّ إخباركم برؤيتي للأمور في أسرع وقت ممكن، قبل أن أتأقلم على الوضع هنا وأفقد رؤيتي الواضحة للأمور.»

لم يبدُ على أعضاء الفريق التنفيذي الاهتمام الذي كان يطمح إليه براين.

«من فضلكم، أريدكم أن تعترضوا وأن توجهوا إليَّ الأسئلة. فإن ملاحظاتي واستنتاجاتي مبنية أساسًا على محادثات أجريتها مع ستة من مديري المتاجر وبضع عشرات من الموظفين، وعدد يقارب ذلك من العملاء. لست متأكدًا أن كل ما سأقوله صحيح.» ثم سكت قليلًا. وقال: «لكنني أعتقد أنه أقرب إلى الصواب.»

في هذه اللحظة، حضر المدير الإقليمي الثالث، ولم يبدُ مكترثًا لحضوره متأخرًا. وبدلًا من أن يطرق الموضوع مباشرة قرر براين أن يرحب به — فقال: «صباح الخير يا روب» — ليجعله يعرف أنه قد لاحظ دخوله. ثم دخل في الموضوع.

«حسنًا، سأبدأ بذكر بعض الأمور التي أدهشتني. أولًا، كل المديرين في المتاجر التي زرتها كانوا أعلى …»، ثم سكت بحثًا عن الكلمة الصحيحة وأضاف: «تأهيلًا» مما كنت أتوقع. فلديهم خبرة. ودراية بالمنتجات التي يبيعونها. ووضعهم المادي جيد.»

فأومأ بعض أعضاء الفريق التنفيذي برءوسهم، ولكن بدت على معظمهم الدهشة من هذا التقييم. وفي النهاية تحدَّث أحد المديرين الإقليميين، وهو رجل قصير القامة قوي البنية يدعى لُو، فقال: «أعتقد أنك لم تزر أيًّا من المتاجر التي تتبعني.»

ضحك كل من في القاعة ضحكة خافتة. وابتسم براين بلطف واستطرد.

«الأمر الآخر الذي أدهشني هو جودة منافسينا. أو بالأحرى، تدني مستوى جودتهم. فبالنظر إلى حصة السوق التي ينتزعونها من بين أيدينا، وإلى أدائهم المالي الذي يتفوقون فيه علينا، كنت أتوقع أن تكون متاجرهم أكبر حجمًا وأكثر أناقة من متاجرنا، وأن تكون معروضاتهم أكثر. لكن لم يكن هذا هو الحال بالمرة.»

بدا أن كل من في القاعة من رجال ونساء لم يكونوا متأكدين إذا كان عليهم الشعور بالفخر أم بالخزي.

«أما ما لم يدهشني، في ضوء التقارير التي اطلعت عليها والحوارات التي أجريتها معكم جميعًا فكان …»، ومرة أخرى سكت لكي يختار الكلمة بعناية: «سلوك الموظفين في كثير من متاجرنا. فقد بدوا — كما أخبرني بعض منكم — سلبيين وقليلي الوعي بصورة عامة.»

فقال لُو: «ربما تكون قد زرت فعلًا متاجري.» ولكن هذه المرة ضحك الجميع ضحكة قوية، حتى براين.

«لذلك، كان الاستنتاج الذي توصلت إليه أن شركة ديزرت ماونتن تعاني مشكلة في الإدارة.»

أومأت كل الرءوس حول المائدة في موافقة على هذا التوصيف العام. لكنهم لن يظلوا فترة طويلة يومئون برءوسهم.

«هذا يعني أنه يجب علينا أن نعد لبعض التدريب.» انتظر براين ردود الأفعال.

وبعد فترة من الصمت الثقيل رفعت المديرة المالية يدها، وهي سيدة حسنة المظهر في أواخر الأربعينيات، وبدأت في الحديث على الفور. فقالت: «لا أدري إن كنتَ تعرف أننا أجرينا فعلًا الكثير والكثير من البرامج التدريبية لمديري الفروع في العام الماضي. وقد قلت بنفسك إن المديرين هناك على دراية بعملهم. وقد قضيتُ معهم يومين بالكامل أشرح لهم عملية تحديد الأسعار وحساب التكاليف، وهم يؤدون عملهم على أكمل وجه.»

لم يرغب براين في ثنيهم عن المعارضة عن طريق الاعتراض على ما قيل بسرعة. فسكت متمنيًا أن يكون لدى شخص آخر ما يقوله.

رفعت المديرة المسئولة عن الموارد البشرية يدها وانتظرت براين حتى يسمح لها بالكلام. فقال لها: «تفضلي يا سوزان.»

«منذ ستة أشهر قمنا بعمل برنامج تدريبي شامل، جزء منه في غرف الدراسة وجزء منه عن طريق الإنترنت. وتناولنا موضوعات مثل تقارير تقييم الأداء ووسائل التواصل الفعالة ومهارات إجراء المقابلات الشخصية. وقد مر كل مدير منهم بكل ذلك، ولا أعتقد أنهم سيتحسنون كثيرًا بالمزيد من التدريب.»

وترددت قبل أن تستطرد قائلة: «أظن أننا نعاني مشكلة في التوظيف. فهناك نقص في الأشخاص المناسبين. واختيار الموظفين كابوس مزعج.»

انتظر براين حتى انتهت من كلامها ثم فكر للحظة فيما سيقوله. ثم قال: «سوزان، أنا مضطر إلى أن أخالفك الرأي. فلا أعتقد أننا نعاني عجزًا في الأشخاص المناسبين.»

فعارضته بلطف قائلة: «لكنك قلت منذ لحظات إن كفاءة موظفينا منخفضة.»

فأوضح قائلًا: «لا. لقد قلت إن سلوكهم غير ملائم. إن موظفينا ممتازون. وهم لا يختلفون عمن يعملون لدى منافسينا.»

بدت الحيرة على معظم أعضاء الفريق التنفيذي، وشعر براين أنهم يتساءلون جميعًا إذا كان يفهم ما يقول.

«إنهم يحتاجون فقط إلى الإدارة السليمة. وهذا بسبب أن رؤساءهم أيضًا يحتاجون إلى الإدارة السليمة.»

استغرق الأمر لحظة حتى يدرك الأعضاء أنه يقصدهم هم.

فتحدث المدير الإقليمي الثالث، وكان رجلًا في مثل عمر براين. فقال: «معذرة يا براين. لا أريد أن أبدو مدافعًا، لكنك قلت إنك تريد منا أن نعترض إذا رأينا أنك مخطئ في أمر ما.»

فأومأ براين برأسه. وقال: «قطعًا. تفضل يا فرانك.»

«حسنًا، يبدو أنك تتوصل إلى استنتاجات قاطعة نوعًا ما بعد فترة قصيرة نسبيًّا في الشركة. هل أنت متيقن تمامًا — بعد تسعة أيام من العمل — من أننا نسيء إدارة موظفينا؟»

هز براين رأسه نافيًا. وقال: «لا، لست متيقنًا يا فرانك. لكن استنتاجاتي ليست مبنية فقط على ملاحظاتي خلال الأسبوعين الماضيين. بل على حقيقة أن الغالبية العظمى من الشركات تعاني حقًّا سوء الإدارة. ولا أحتاج أن أقضي ستة أشهر في نفخ كرات القدم في فيجاس أو في بيع الأحذية في يوجين لأتأكد من أننا أيضًا نعاني نفس المشكلة. إن المديرين في متاجرنا يشعرون بنفس القدر من اليأس والتعاسة الذي يشعر به الموظفون.»

استغرق الأمر لحظة كي يستوعب كل من في القاعة الخطبة القوية والمؤثرة التي يلقيها الرئيس التنفيذي الجديد.

سأل روب: «إذن ماذا تريدنا أن نفعل؟»

«أريدكم أن تخضعوا لفترة من التدريب الإداري.»

لم يندهش براين بالمرة عندما رأى الحيرة في أعين أعضاء فريقه التنفيذي.

ثم تحدَّث المسئول عن قسم التسويق لأول مرة، وهو رجل ضخم الجثة يدعى سبينسر. فقال: «في هذا الربع من العام، لا أعلم إن كان لدينا أي وقت لتلقي أي تدريب. فلدينا معارض تجارية الأسبوع القادم وسنقوم بجولة شراء في آسيا للاستعداد للشهر القادم.»

فانضمت كيلي المديرة المالية للحوار. وقالت: «ولن نجد وقتًا كافيًا لإغلاق دفاتر الحسابات في الوقت المحدد. هذا الوقت من العام صاخب جدًّا يا براين.»

ثم سألت سوزان: «متى تريد أن تنتهي من هذا الأمر؟»

فنظر براين إلى ساعته. وقال لها: «ما رأيكم قبل موعد الغداء؟»

اقتراح المسار الجديد

خلال العشرين دقيقة التالية، عرض براين نظريته عن التعاسة في العمل. فبدأ هذه المرة بموضوع تباعد العلاقات بين العاملين، ثم تحدَّث عن موضوع إحساس الفرد بتضاؤل دوره، ثم في النهاية عن غياب التقييم الذاتي. وعندما انتهى من كلامه، كان عليه الإجابة عن الكثير من الأسئلة والتغلب على الكثير من المعارضة.

فقال سبينسر في البداية وبنبرة فيها قليل من التهكم: «دعني أفهم ذلك فهمًا جيدًا. أنت تقول إن علينا أن نتعرف إلى مديري الفروع بشكل أكثر كبشر، ونخبرهم أنهم يلعبون دورًا في حياة شخص ما، ثم نأخذ بأيديهم حتى يتوصلوا إلى طريقة يقيسون بها مقدار نجاحهم؟»

فضحك براين. وقال: «حسنًا، أنت تجعل الأمر يبدو طفوليًّا أكثر مما كنت أتصور، ولكن نعم، هذا — نوعًا ما — كل ما في الأمر.»

بُهت كل من في القاعة. فقد عبر براين بالألفاظ عما كانوا يفكرون فيه بالضبط.

«إذن أنتم جميعًا تتساءلون الآن من أين جاء بي مجلس الإدارة، وما المدة التي ستستغرقونها لكي تجدوا وظيفة جديدة.»

ضجت القاعة بالضحك أكثر مما كان براين يتوقع، وعزا براين ذلك إلى صحة ما قال. وعلى الرغم من أن بها دعابة فإنها كانت نوعًا ما مقلقة. ومن هنا قرر براين الاستمرار في الضغط.

«ماذا كنتم تظنون أنني سأفعل؟ أن آتي إلى هنا وأخبركم كيف تقومون بتسويق البضائع الرياضية؟ أو أن أقدم لكم سياسة لتحديد الأسعار لتتمكنوا من النهوض بالمبيعات دون تقليل الأرباح التي نجنيها؟»

كان هذا السؤال تقريريًّا، ولكن على أي حال فقد أجاب روب عنه. فقال: «نعم لقد كنت آمل في شيء من ذلك.»

ضحك بعض الموجودين.

لكن براين ابتسم فقط وهز رأسه معلنًا استنكاره. وقال: «إذن فأنتم تقولون إن المشكلة في شركة ديزرت ماونتن هي أن الموجودين في هذه الحجرة لا يعرفون بدرجة كافية السوق الذي يعملون فيه. هل هذه هي المشكلة؟ هل تحتاجون إلى شخص أكثر منكم ذكاءً ليخبركم بكيفية إدارة هذا المشروع؟ لأنه لو كان الأمر هكذا، فنحن في ورطة كبيرة بالفعل.»

تبادل أعضاء الإدارة التنفيذية النظرات فيما بينهم. فقد كان براين يعرف ما يفعل.

«حسنًا، لن يستطيع أي شخص أن يقوم بذلك نيابة عنكم. وأنا أرى أننا لا نعاني نقصًا في القدرات العقلية أو المعرفة الخاصة بالمجال في هذه القاعة، ومع ذلك، فإننا ما زلنا نتقدم بصعوبة. أظن أن هذا يتركنا أمام خيارين. إما أن نعترف بالفشل ونستسلم ونبدأ في البحث عن وظائف جديدة. أو أن نستمع إلى كلام هذا الرئيس التنفيذي الجديد المجنون الذي يريد منا أن نمنح مزيدًا من الاهتمام لحياة مرءوسينا العملية. الخيار لكم.»

ثم استند براين إلى الحائط وتركهم ليستوعبوا الموقف جيدًا. ومرت عشر ثوان بطيئة مشحونة بالقلق حتى تحدثت كيلي.

قالت كيلي وهي تنظر إلى اللوح الذي كتب عليه براين نظريته: «حسنًا، عليَّ أن أعترف أن هذا الأمر يبدو منطقيًّا إلى حد ما.»

ثم سكتت على أمل أن يتدخل أحدهم. لكن لم يتكلم أحد، فاستطردت قائلة: «إننا جميعًا نعلم أن من يعملون في المتاجر التابعة لنا يشعرون بالتعاسة. على الأقل من لم يترك منهم العمل بعد. حتى المديرون الذين يأتون هنا ويجيدون إلقاء الأحاديث المقنعة، يراودني إحساس أنهم عندما يعودون إلى المدن التي أتوا منها يشعرون بالإحباط»، ثم استدركت قائلة: «أو ربما يجب أن أقول يشعرون «بالتعاسة» تمامًا مثل مرءوسيهم.»

فأومأ روب برأسه. وقال: «أعرف أن مديري الفروع التابعين لي يعانون من الاحتراق النفسي. لكنني سعيد لأن نظراءهم في الشركات المنافسة تعساء أيضًا.»

«حسنًا، يجب أن أقول إن طاقم العمل الخاص بي ليس على هذا القدر من السوء.»

كان سبينسر هو من قال هذا، لكن تعليقه لم يكن مقنعًا تمامًا.

فاندهشت سوزان. وقالت: «هل تعتقد ذلك؟»

فهز سبينسر رأسه. وقال: «أنا لا أحصل منهم على هذا الانطباع.»

فاستطردت رئيسة قسم الموارد البشرية. وقالت: «حسنًا، وفقًا لما لدي من بيانات، وما سمعته ممن يعملون معك، فإن مستوى المجموعة التي تتبعك يقل عن المستوى المتوسط قليلًا من حيث معدل دوران القوى العاملة والرضا الوظيفي.»

«حقًّا؟»

أومأت برأسها في خجل وهي تنظر إلى سبينسر الذي بدا عليه الموافقة على تقديرها.

أدرك براين أن أعضاء الفريق يتصارحون بعضهم مع بعض، بسبب الإحباط من ناحية، وبسبب أنهم بدءوا يدركون مميزات النظرية من ناحية أخرى. على الأقل كان براين يقنع نفسه بذلك حتى يستطيع الاستمرار.

«عليكم أيها الرفاق أن تثقوا بي. وسوف ننجح في ذلك. فقد قمت به من قبل.»

فضَّل براين ألا يخبرهم أن المرة الوحيدة التي اختبر فيها بالفعل النظرية الكاملة كانت في مطعم إيطالي متواضع يبعد قليلًا عن الطريق الرئيسي في مدينة ليك تاهو.

«لا أعرف إذا كان هذا وحده سيساعد في تحسين الوضع المالي لنا أم لا. لكن سيكون له أثر ملموس بطريقة أو بأخرى.»

ثم سكت مدركًا أن بعضًا من أعضاء الإدارة التنفيذية لا يزالون في الجانب المعارض. ثم قال: «وبالطبع سنتخذ قرارات حاسمة فيما يتعلق بالمنتجات والتوزيع الجغرافي والتسعير، لكنني لا أعتقد في الواقع أن فرصتنا الكبرى تكمن في ذلك. لا أعتقد ذلك بالفعل.»

شعر براين أنه أوشك على كسب موافقتهم، مع أن الأمور كانت تسير ببطء، ومن ثم قرر أن ينهي المناقشة.

«والآن يأتي الجزء الذي أتحول فيه إلى التعنت في تطبيق القواعد.» ثم ابتسم. وقال: «بعد أن تأخذوا بعضًا من الوقت للتفكير، أريد من كل منكم أن يبلغني إذا كان موافقًا أم لا. لأنني لن أسمح أن يطبق هذا الأمر بطريقة جزئية. فلن ننجح لو لم نكن جميعًا معًا في نفس القارب. ولن آخذ الأمر على محمل شخصي إذا قرر أحدكم أن ذلك لا يناسبه.»

لم يكن براين مقتنعًا بنبرته في الكلام، ولم يكن راضيًا برد فعل مستمعيه؛ لذلك استحثهم قائلًا: «دعوني أقل لكم شيئًا واحدًا آخر. إذا قمتم بذلك فلن تعود حياتكم المهنية كسابق عهدها. ستعودون إلى منازلكم في نهاية اليوم ولديكم إحساس قوي بالرضا لم تشعروا به من قبل. أنا أضمن لكم ذلك.»

وهنا استدار ليمسح اللوح الذي كتب عليه النظرية وكأنه أستاذ في الجامعة بعد أن انتهى من إلقاء محاضرته. وقال: «سأكون في مكتبي بقية اليوم إذا أراد أحدكم أن يأتي ليتحدث عن هذا الموضوع؛ لأنه بمجرد أن أعرف من يوافقني الرأي، سأبدأ في تنفيذ العملية.»

وصُدم براين مما حدث بعد ذلك.

وانتهزوا الفرصة …

عندما بدأت المجموعة تتفرق ببطء، تحدَّث سبينسر مرة أخرى. وقال: «انتظروا لحظة.» فتوقف الجميع. فقال: «لماذا ننتظر حتى وقت لاحق؟ هيا نقم بذلك الآن.»

كان السكون الذي ساد الغرفة ونبرة صوت سبينسر يثيران الرجفة في القلوب. فاستطرد سبينسر قائلًا: «عجبًا! لم أكن أقصد أن تخرج نبرتي على هذا النحو.»

فضحك الجميع ضحكة خففت حدة التوتر.

«ولكن إذا كانت تلك فكرة جيدة — وأنا ما زلت غير متأكد من أنها كذلك — إذن يجب أن نقرر الآن. هذا بالتأكيد سيمنحني فكرة أفضل عما إذا كنت سأستمر هنا أم لا.»

فردَّ لُو قائلًا: «سأتعلم وأنا هنا أكثر مما سأتعلم إذا جلست وحدي في المكتب.»

ألقى براين نظرة عامة على القاعة كلها فرأى أن الباقين موافقون على هذا الرأي. فقال: «أرى ألا بأس في ذلك.» فعاد الفريق التنفيذي مرة أخرى إلى المائدة.

شعر براين بمشاعر مختلطة حيال ما يحدث. فمن ناحية سوف تمنحه الساعة التالية فرصة لكسب فريق العمل إلى صفه أفضل من عقد سلسلة من اللقاءات الثنائية مع كل منهم على حدة. ومن ناحية أخرى إذا لم ينجح في ذلك، فستنهار الشركة من الداخل.

فقال وهو يأخذ نفسًا عميقًا: «حسنًا، من يريد أن يبدأ؟»

تجربة

لم ينبس أيٌّ منهم ببنت شفة. وفي النهاية رفع سبينسر يده. وقال: «أود أن أتطوع …»، وسكت قبل أن يكمل جملته، فيقول: «وأقترح أن يبدأ روب.»

فضحك الجميع، وكان براين سعيدًا بهذه الروح المرحة التي ملأت المكان.

ثم أوضح سبينسر قائلًا: «أعتقد حقًّا أننا يجب أن نبدأ بأحد المديرين الإقليميين. لذلك أفضِّل أن أكون أنا التالي بعد روب.»

فأومأت كل الرءوس التي التفَّت حول المائدة. ومن ثم بدأ براين.

«حسنًا يا روب. أنا مديرك ومهمتي أن تشعر أنني أعرفك بشكل شخصي، وأن تعرف كيف تؤثر وظيفتك في حياة شخص ما، وأن تكون لديك وسيلة فعالة لتقييم أدائك. فمن أين نبدأ؟»

«أراهن على مسألة إحساس الفرد بتضاؤل دوره بخمسمائة دولار يا أليكس (في إشارة هنا إلى برنامج «جيوباردي» الذي يقدمه أليكس تريبيك).»

فضحك زملاء روب ضحكة خافتة على مهرج الفريق. لكن براين كان يأمل أن يكون الرجل متفتح العقل بقدر ما هو مرح.

«لماذا تريد أن تبدأ بهذا الموضوع؟»

«لست متأكدًا. يبدو موضوع تباعد العلاقات بين العاملين سخيفًا للغاية. ولا أستطيع أن أتخيل أننا نعاني نقصًا في وسائل تقييم الأداء هنا. ألم ترَ تقارير متابعة الأداء التي تعدها كيلي؟»

فضحكوا جميعًا.

أراد براين أن يعترض على تقييم روب لموضوع تباعد العلاقات بين العاملين على أنه أمر سخيف، لكنه قرر أن يساير التيار.

«حسنًا إذن، سنبدأ بموضوع إحساس الفرد بتضاؤل دوره. أجب عن هذا السؤال: هل تُحدث فارقًا حقيقيًّا في حياة أي شخص؟ أنا لا أتكلم عن عائلتك أو أصدقائك خارج العمل، ولكن هنا في ديزرت ماونتن.»

بمجرد أن فكر روب في إلقاء نكتة أخرى، أوقفه براين قائلًا: «وحاول أن تكون جادًّا حيال ذلك، حتى لو كان يبدو سخيفًا.»

أمعن روب في التفكير لبضع ثوان. وفي النهاية رد قائلًا: «في الواقع، لا أعتقد ذلك. أستطيع أن أكون لطيفًا مع زملائي في العمل. وأستطيع مساعدة مديري الفروع التابعين لي في تحقيق أهدافهم حتى يتمكنوا من الحصول على مكافآتهم ربع السنوية. لكنني لا أعرف مدى أهمية أيٍّ من ذلك.» وسكت لحظة. ثم قال: «أعتقد أن هذه ليست الإجابة التي تبحث عنها.»

فابتسم براين. وقال: «لا، ليس بالضبط. لكنني سأقبلها لأنها صريحة.»

ثم استمر قائلًا: «دعنا نتخذ أحد مديري الفروع التابعين لك مثالًا. من أصغر أو أحدث مدير فرع عندك؟»

فكر روب في الأمر. ثم قال: «ربما يكون مدير فرع مدينة بيند في ولاية أوريجون. ويدعى بيتون.»

«حسنًا أخبرنا عن بيتون.»

فقطب روب جبينه محاولًا أن يتذكر ما يعرفه عن هذا الرجل. ثم قال: «لقد بدأ العمل منذ بضعة أشهر. وعمره حوالي ثلاثين عامًا، وخدم في الجيش لمدة ثماني سنوات. وقد ترك اثنان من مرءوسيه العمل في نفس الأسبوع الذي تسلم فيه العمل، وأرباحه وإيراداته منخفضة.»

«هل يشعر بالإحباط؟»

«أظن ذلك. لكن هذا لا يبدو في حديثه. فهو يحاول دائمًا أن يكون إيجابيًّا معي. لكنني أظن أنه يتعرض لضغط شديد.»

«هل لديه عائلة؟»

ففكر روب. وقال: «نعم، إنه متزوج، وأعتقد أن لديه ابنتين أو ثلاث بنات وابنًا واحدًا.»

وبالفعل كانت تتغير التعبيرات المرسومة على وجوه من في القاعة وهم يفكرون في أزمة بيتون. استأنف براين حديثه.

وقال: «هل تعتقد أن هذه الوظيفة مهمة بالنسبة لبيتون؟»

«نعم بالطبع. فلا بد أنه ينفق الكثير على البقالة وحفاضات الأطفال.»

«تجاوز تلك الأمور. هل تعتقد أن شعوره بمدى نجاحه، أي، إحساسه بالإنجاز، يؤثر على الطريقة التي يتعامل بها مع عائلته وأصدقائه؟»

«لا أعرف. لكن أظن ذلك.»

«ماذا تقصد بقولك «أظن ذلك»؟» كانت المتحدثة الآن هي سوزان. ثم أضافت: «إنه بالطبع يؤثر.»

فأذعن روب. وقال: «حسنًا، بالطبع، هذه الوظيفة مهمة لبيتون.»

واصل براين استجوابه وكأنه محامٍ في قاعة المحكمة يستجوب شاهدًا يوشك أن ينهار. فقال: «كم من أولاده قد التحق بالدراسة؟» لم ينتظر براين إجابة. وسأل: «هل يذهبون إلى مدارس خاصة؟ هل هناك أي مشكلات طبية؟ هل يمتلك هو وزوجته منزلًا؟ هل يخططون للذهاب في نزهة عائلية كبيرة؟»

فضحك روب. وقال: «كيف لي أن أعرف؟ فأنا لا أعرف أين ستذهب عائلتي في الإجازة هذا العام.»

لم يضحك براين معه، مما صبغ كلامه بصبغة الجد: «هذا هو الأمر يا روب. وأعتقد أنك تعرف ذلك من داخلك. إن لديك فرصة لتُحدث فارقًا جوهريًّا في حياة بيتون. وفي حياة المديرين التسعة الآخرين الذين يعملون معك. وأعتقد أنه لا يوجد في العالم مَن يستطيع التأثير في شعور هؤلاء الناس بالإنجاز وراحة البال مثلما تستطيع أنت، عدا شركاء حياتهم.»

فعم الصمت القاعة. وكذلك الدهشة.

«وهذا هو تعريف إحساس الفرد بقيمة دوره يا صديقي. وإذا كنت تعتقد أن هذا لا يرتبط بكيفية أدائهم لوظائفهم …» وشعر براين أنه لا داعي لإكمال الجملة.

في البداية عندما كان براين يلقي محاضرته، كان روب يبدو وكأنه يتلقى التوبيخ. لكنه الآن كان يومئ برأسه بطريقة تؤكد لبراين وكل من في الحجرة أنه قد استوعب الأمر.

ثم تحدَّث سبينسر. وقال: «في المرة القادمة التي أرى فيها بيتون أعتقد أنني سأضطر إلى معانقته.»

فانفجر الجميع في الضحك.

استأنفت كيلي الحوار من نفس الموضع الذي وقف عنده براين. وقالت: «لذلك يحتاج روب أن يعرف كيف تسير حياة المديرين الذين يعملون معه، وعليه أن يدرك أنه يستطيع التأثير في حياتهم.»

فأوضح براين قائلًا: «بل يجب عليه أن «يرغب» في إحداث فارق في حياتهم.»

«بالضبط. ماذا عن وسائل تقييم الذات؟»

«حسنًا، مما رأيته سابقًا، فنحن لا نعاني من قلة معايير التقييم. لكن السؤال هو: هل معايير التقييم أكثر من اللازم، وهل هي معايير مباشرة؟»

فسألت المديرة المالية بأسلوب دفاعي قليلًا: «ماذا تقصد؟»

«حسنًا، من المهم أن نستخدم البيانات المالية والإدارية لمساعدتنا في إدارة الشركة. وسيكون من الجنون ألا نقوم بذلك. لكن روب لا يستطيع أن يستخدم ذلك لإدارة مرءوسيه كل يوم. لا بد أن يكون هناك شيء ما أكثر ثباتًا وارتباطًا بالسلوك، يعرف عن طريقه روب إذا كانوا يحسنون أداء عملهم أم لا. ويحتاج روب أن يكونوا قادرين على تقييمه بأنفسهم.»

فسأل روب قائلًا: «وما عساه أن يكون ذلك الشيء؟»

لم يبدُ أن براين يعرف الإجابة. فقال: «لستُ متأكدًا. فهذا يعتمد على قدرتك على التأثير في المديرين بشكل فعال.»

ثم سأل لُو أفضل سؤال في ذلك اليوم: «براين، كيف تستطيع أن تقيس أداءك كمدير لروب؟»

فجأة تلهف الجميع لسماع الإجابة. لم يكن براين مضطرًّا للتفكير كثيرًا. فقال: «سأحتاج أن أعرف هل يتحدث روب كثيرًا مع المديرين التابعين له. أعتقد أنه يجب أن يكون على اتصال دائم معهم، وألا يعتمد فقط على إرسال البريد الإلكتروني والتقارير لهم.» ثم أضاف وهو ينظر إلى فرانك ولُو: «وبالتأكيد سأطلب منكم يا صديقيَّ أن تتابعا تفاعلكما معهم.»

لم يكن براين قد أنهى حديثه. فقال: «وسأطلب منه أن يحصي عدد المرات التي يوجه فيها المديرين التابعين له، إما بسبب تلقيه شكوى هاتفية، أو ملاحظته أن هناك أمرًا ما في المتاجر يحتاجون إلى القيام به على نحو أفضل. وأرى أنه إذا كان يقوم بهذه الأشياء ويهتم بسير الأمور مع مديريه، فسوف يتحسن الوضع.»

ثم تحدَّث سبينسر مرة أخرى. وقال: «ألا تعتقد أنه من الضروري أن تهتم بالأرباح والمخزون؟»

لم يعترض براين على الإجابة عن هذا السؤال مرتين؛ فقد كان من الضروري أن يستوعب العاملون معه الفكرة. «بالطبع. ولكن ليس كل يوم. أنتم تعلمون أن الإدارة عمل يومي. أما استراتيجية الشركة والتقارير المالية والتخطيط فليست كذلك.»

دوَّن بعض الحاضرين هذه الملاحظة.

«حسنًا، إذن، عندما أنشر هذا في جزء المؤسسة الذي أديره، فما الذي يجب أن يقيسه المديرون العاملون معي؟» كان روب هو المتحدث الآن، وبدا متلهفًا لسماع إجابة. ثم أضاف: «أعتقد أن هذا يتعلق بكيفية تعاملهم مع مرءوسيهم.»

أومأ براين برأسه. فتدخل في الحوار لُو.

وقال: «لقد توصلت مؤخرًا إلى استنتاج مفاده أن أفضل مديري الفروع هم الذين يقضون وقتًا أقصر في الجوانب الإدارية والتعامل مع العملاء، ووقتًا أطول في إعطاء الموظفين تقارير تقييمية فورية عن نقاط الضعف، والقوة، في أدائهم.»

فسأله براين: «إذن، لماذا لا يقومون بذلك الآن؟»

أصاب فرانك كبد الحقيقة. فقال: «لأننا نجعلهم يكتبون التقارير طوال اليوم، ولا نعلمهم كيف يوجهون مرءوسيهم.»

كان هذا هو الإثبات الذي يبحث عنه براين.

كان براين يريد الاستمرار، لكنه رأى أن مساعديه بدأ يظهر عليهم الإرهاق، وأن الوقت المتبقي غير كافٍ، حيث إن بعضًا منهم سيضطر إلى المغادرة لحضور اجتماع آخر.

«حسنًا، لنتحدث عن هذا الأمر مرة أخرى في الأسبوع المقبل. أما في الوقت الحالي، يا روب، فسأكون ممتنًّا إذا بقيت هنا لبضع دقائق، وسنتحدث عن كيفية البدء في تجربة ذلك على أحد المتاجر التابعة لك.»

وبعد أن غادر الجميع، بقي الاثنان معًا لمدة ساعة لوضع خطة العمل. اندهش براين من إصرار روب، وكيف أصبح مهرج المجموعة مقتنعًا ببرنامج براين.

اللبنة الأولى

كانت الخطة تقضي أن يلتقي براين وروب وواحد من مديري فروعه مع كل مرءوسي هذا المدير قبل بدء ساعات العمل لإجراء مناقشة شاملة عن كيفية تغيير الطريقة التي يُدار بها الموظفون وكيفية التعامل مع العملاء.

أعجب براين بالفكرة من البداية، وزاد حماسه بعد بحث شخصي بسيط أجراه في المتجر المحلي.

في الواقع لم يقم براين بعملية الاستطلاع بنفسه، فقد طلب من ليزلي أن تقوم بذلك بدلًا منه. فوافقت دون تردد. وقالت: «بالإضافة إلى ذلك، فأنا أحتاج على أي حال إلى حذاءين جديدين، أحدهما رياضي والآخر طويل الرقبة للجليد.» وكانت تجربتها في هذا المتجر مثيرة.

أولًا، استغرق الأمر أكثر من عشرين دقيقة حتى جاء أحدهم ليساعدها. وثانيًا، عندما طلبت معلومات عن أحد المنتجات، لم يستطع الموظف الإجابة، بل لم يحاول البحث عن إجابة. وأخيرًا، مع أن الحذاءين اللذين اشترتهما ليزلي عليهما تخفيض، فقد سجلتهما عاملة الخزينة بالسعر المعتاد، وعندما لاحظت ليزلي الخطأ، بدا الضيق على عاملة الخزينة لأنها ستضطر إلى تكرار العملية مرة أخرى.

ووفقًا لهذه المعلومات، لم يكن من الصعب على براين أن يقنع روب بأن يكون متجر تاهو هو مقر برنامجهم التجريبي، الذي أطلق عليه روب اسم «التدخل». كان اختيار المتجر جيدًا، ليس فقط لأنه يعاني مشكلات خطيرة في المحافظة على الموظفين وخدمة العملاء، لكن أيضًا لأن قرب المكان من منزل آل بايلي سيسهل على الرئيس التنفيذي متابعة تقدمه.

وفي مساء يوم الاثنين، الليلة التي تسبق بدء تنفيذ البرنامج، قابل براين وروب المدير المسئول في فرع تاهو ويدعى إيريك، وشرحا له ما يحاولان القيام به، كما أعدَّاه قدر المستطاع لما سيحدث في عمله. ولم ينزعج براين عندما شعر أن إيريك غير مرتاح تمامًا للفكرة، فقد كان براين مقتنعًا أن شعور الموظفين بشيء من عدم الراحة هو بالتحديد ما تحتاجه الشركة.

وفي الثامنة من صباح اليوم التالي، قبل ساعتين كاملتين من موعد فتح المتجر للعمل، كان كل الموظفين الذين يبلغ عددهم خمسة عشر في المتجر. كان إيريك قد وفر مساحة لكي يجتمعوا فيها عن طريق إزالة بعض من الخيام المعروضة في قسم معدات التخييم وجلب جميع المقاعد الصغيرة من قسم الأحذية.

أما روب، الذي كان إعجاب براين به يزداد أكثر وأكثر بعد كل يوم يقضونه معًا، فقد بدأ الجلسة بأفضل مقدمة سمعها براين في حياته.

«أشكركم جميعًا على حضوركم اليوم. وسبب وجودنا هنا هو أن شركتنا في ورطة. وأنا متأكد من أن هذا لا يمثل مفاجأة لكم. فإيراداتنا تتقلص ببطء. ومنافسونا يسلبوننا أعمالنا؛ أي، يسلبوننا عملاءنا. وبعض من أفضل موظفينا قد تركوا العمل خلال العام الماضي.»

ثم سكت هنيهة ليتركهم يستوعبون الواقع. ثم قال: «والآن، هذا لا يعني تعسر أداء جميع المتاجر. فبعض المتاجر تتفوق في الأداء على غيرها.» ثم سكت مرة ثانية لكي تكون النقطة التالية التي سيتحدث عنها واضحة ومحددة. ثم قال: «وهذا المتجر ليس واحدًا منها.»

بدا بعض الانزعاج على معظم الموظفين، بما فيهم إيريك الذي كان يجلس خلف روب. ثم استطرد روب.

فقال: «وهل تعرفون خطأ من هذا؟» سكت روب مرة أخرى، لكنه لم ينتظر منهم إجابة. وقال وهو يشير إلى الحاضرين: «إن جزءًا منه بسببكم. فالخدمة التي تقدمونها للعملاء رديئة.»

وبعد أن تأكد من استيعابهم الأمر، واصل حديثه. فقال: «غير أن معظم اللوم يقع على إيريك.» ثم استدار لينظر ناحية المدير الذي بدا مصدومًا إلى حد ما. ثم أضاف: «فهو في النهاية المسئول عن هذا المتجر.» حاول إيريك أن يحتفظ بهدوئه بعد هذا التعليق، لكنه لم ينجح في ذلك، وكأنه كان يتوقع أن يتهمه مديره بذلك.

«ولكن من يقع عليه اللوم أيضًا أكثر من إيريك نفسه هو أنا. فأنا في النهاية المسئول عن المتاجر في نيفادا.»

ثم التفت إلى براين. وقال: «وهذا الرجل الذي يجلس هنا. إنه هو رئيسنا التنفيذي الجديد. وإذا لم تتحسن الأمور خلال ستة أشهر من الآن، فسيكون الخطأ خطأه هو. فهو في النهاية من يدير الشركة.»

أنهى روب خطبته بعد وقفة أخيرة قائلًا: «ومن ثم لا أرى سببًا يمنعنا من الاستماع إليه والسير على توجيهاته. فليس لدينا شيء نخسره عندما ننظر إلى وضعنا الحالي. بل إننا نخسر بالفعل.»

وهنا استدار إلى رئيسه الجديد. وقال: «تفضل يا براين.»

كان يسود القاعة في تلك اللحظة جو من الانقباض، ولم يكن ذلك غريبًا.

«حسنًا، أود أن أوجه لكم جميعًا سؤالًا. ولكن لا تتسرعوا في الإجابة. فكروا فيه ولو لحظة.» وسكت هنيهة. ثم قال: «هل ترون أن وظيفتكم جيدة؟»

ترك براين السؤال معلقًا. ثم قال: «هذه الوظيفة في ديزرت ماونتن، هل ترونها وظيفة جيدة؟

وبعد أن تركهم يفكرون في الأمر للحظة حاول أن يستحثهم على الإجابة. فقال: «هل هناك من يريد البدء؟»

خلال الدقائق القليلة التالية، رد بعض الموظفين بإجابات تراوحت بين «لا أعرف» إلى «ربما» و«نعم، أعتقد ذلك». لكن امرأة في منتصف العشرينيات من عمرها قدمت أكثر الإجابات صدقًا.

قالت: «أرجو ألا يكون في هذا نوع من التجاوز»، ثم نظرت إلى إيريك وأضافت: «لكنني لا أعتقد أن هذه الوظيفة جيدة.»

فشجعها براين قائلًا: «لا، لا يعد ذلك تجاوزًا. فأنا أريد منك التزام الصدق. أخبريني ما الوظيفة الجيدة في رأيك. وهل تعرفين أحدًا لديه وظيفة جيدة؟»

ففكرت في الأمر. ثم قالت: «أعتقد أن الوظيفة الجيدة هي التي لا يضطر الشخص فيها إلى العمل كثيرًا ويحصل منها على الكثير من المال.» فضحك باقي الموظفين ضحكة خافتة.

فاستغل براين هذه النقطة. وقال: «حسنًا، مَن مِن معارفك لديه وظيفة كهذه؟»

«أتعني، من الذي أعرفه شخصيًّا؟»

«ليس بالضرورة. أعني نوع تلك الوظيفة. من لديه وظيفة كهذه؟»

«لا أعرف.» ثم خطر ببالها شيء ما. فقالت: «ربما العارضات.»

فأومأ براين برأسه وكأنه موافق. وقال: «حسنًا، عارضات الأزياء. بعض عارضات الأزياء الشهيرات يحصلن على كثير من المال، ولا يضطررن فيما يبدو إلى إنهاك أنفسهن في العمل. هذا يبدو منطقيًّا.»

كانت السيدة الشابة سعيدة لأن الرئيس التنفيذي أكد على إجابتها.

«هل تعتقدون أن معظم عارضات الأزياء يحببن عملهن؟»

لم يرد أحد على هذا السؤال لذلك استطرد براين قائلًا: «أعني يبدو لي أن كثيرًا منهن يعانين اضطرابات في الأكل ومشكلات تتعلق بالعلاقات الشخصية وإدمان المخدرات. لا أعرف ما رأيكم، لكنني لم يسبق أن نظرت إلى عارضات الأزياء وقلت في نفسي: «ها هي مجموعة من الناس الذين تبدو عليهم السعادة الحقيقية.»»

فضحك الموظفون وأومئوا برءوسهم ليُبدوا موافقتهم على رأي براين.

ثم رفع موظف آخر يده. وقال: «أعتقد أنه من الممتع أن تكون رياضيًّا محترفًا.»

كان براين سعيدًا لزيادة المشاركين في الحوار. وسأله: «ولِمَ ذلك؟»

«حسنًا، إنهم يحصلون على الكثير من الأموال مقابل القيام بشيء ممتع أمام الملايين من الناس.»

فأومأ براين برأسه، وهو مقطب جبينه. وقال: «حسنًا، أعتقد أن بعض الرياضيين يجنون الكثير من المال مقابل الاستمتاع. ولكن لا يصل الكثيرون منهم إلى هذا المستوى. ويبدو لي أنه حتى الكثير من هؤلاء ليسوا سعداء إلى هذا الحد. أعني أن الكثيرين منهم يتورطون في مشكلات تتعلق بضربهم زوجاتهم أو تعاطي المخدرات أو ينتهي بهم الحال بضياع كل أموالهم.»

ثم تحدَّث إيريك. وقال: «معظمكم يعرف بالفعل أنني كنت أمارس لعبة البيسبول. مع فريق رينجرز. وقد وصلت إلى مستوًى جعلني أقترب كثيرًا من اللعب في مسابقات الدرجة الأولى. وصدقوني لم أكن أحصل على الكثير من المال في ذلك الوقت مثل الذي أحصل عليه هنا، ولم أكن مستمتعًا بدرجة كبيرة. فمسابقات الدرجة الثانية شاقة ولا يبدأ اللاعب في الشعور ببعض الراحة حتى يلعب في الدرجة الأولى.»

بدا على الحاضرين الإثارة والدهشة في الوقت نفسه مما قاله إيريك.

ثم صاح واحد ممن كانوا يجلسون في الخلف. وقال: «ماذا عن العمل رئيسًا تنفيذيًّا؟ يبدو لي الأمر غاية في اللطف.»

فزاد الضحك بين الموظفين.

فابتسم براين. وقال: «لا أكذبك القول. أنا أحب أن أكون رئيسًا تنفيذيًّا. أحب ذلك فعلًا. لكن العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين أعرفهم ليسوا سعداء. في الواقع، يمكنني القول إن الكثير منهم يشعرون بعدم الرضا في وظائفهم بدلًا من الشعور بالسعادة. وهذه هي الحقيقة.»

بدت الدهشة على وجوه الحاضرين، فضلًا عن شعورهم بالشك، مما قاله رئيسهم التنفيذي.

فاستطرد براين قائلًا: «ما الذي تعتقدون أنه يساعد في أن تكون الوظيفة جيدة؟ غير المال، ما الذي يجعل أي شخص يحب عمله؟»

وبعد أن شعر جمهور المستمعين بأنهم متحمسون للرد نوعًا ما، عرض الكثير من الموظفين آراءهم، التي تنوعت بين توفير البيئة المريحة في العمل، مرورًا بوجود مدير عادل في العمل، وصولًا إلى الحرية في اتخاذ قراراتهم الخاصة. وأعطى أحدهم أكثر إجابة مثيرة عندما قال: «أنا أريد فقط أن أنجح.» واستوعب براين كل إجاباتهم.

«حسنًا. سأتوقف الآن عن طرح الأسئلة، وأخبركم بما أعتقده، وما سوف نقوم به. قد لا يروق الجميع ما سأقوله الآن، ولا بأس في ذلك؛ لأننا لا نفرض على أي شخص العمل هنا. وإذا قرر أحدكم ألا يكون جزءًا من واقعنا الجديد فلن أبغضه، لكنني أعتقد أن غالبيتكم سيسعد بهذا الواقع الجديد.»

وسكت لكي يُحدث نوعًا من التشويق. ثم قال: «أولًا، أعتقد أن من حق الناس أن يحبوا وظائفهم، وتقع مسئولية ذلك على المديرين. ومن الآن فصاعدًا ستكون وظيفة إيريك العمل جاهدًا على أن يساعدكم في أن تحبوا عملكم. تمامًا مثلما سيفعل روب معه، ومثلما سأفعل أنا مع روب.»

كانت التعبيرات على وجوه كل الموظفين خليطًا من الشك والأمل.

«ثانيًا، أعتقد أن من حق الشركة أن يهتم موظفوها بالعمل وأن يبذلوا ما في وسعهم ليجعلوها ناجحة. ومن الآن فصاعدًا سيكون الموظفون مسئولين عن القيام بما هو في مصلحة شركة ديزرت ماونتن وعملائها.»

ثم ابتسم. وقال: «وأتمنى من أعماق قلبي، خلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، أن يحب كل العاملين هنا المجيء إلى العمل أكثر مما يحبونه الآن، وأن يحب عملاؤنا التسوق هنا أكثر مما يحبونه الآن، وأن تحتاج مديرتنا المالية، كيلي، مزيدًا من الوقت لعد النقود التي نكسبها عما تحتاجه الآن.»

فضحك الموظفون بلطف.

«وهكذا ستسير الأمور.»

ثم ألقى براين خطبته التي استغرقت عشرين دقيقة عن الأخطار المترتبة على غياب التقييم الذاتي وإحساس الفرد بتضاؤل دوره. وقرر أن يختص إيريك وحده بموضوع تباعد العلاقات بين العاملين، وأن التحدث إلى الموظفين عن هذا الموضوع قد يجعل الأمر يبدو متكلفًا.

انقسم الموظفون إلى مجموعتين، يرأسهما براين وروب، وعملوا على أن يتعرف كل فرد على معايير التقييم الأساسية التي يستخدمها زملاؤه، وأن يتعرف أيضًا على الأشخاص الذين يؤثر في حياتهم. وبعد مرور أكثر من ساعة، بدأ كل من روب وإيريك في الشعور بأن الموظفين قد بدا عليهم قليلًا مستوًى جديد من الحماس.

وفي الخمس عشرة دقيقة المتبقية على فتح أبواب المتجر، شكر براين إيريك والموظفين على هذا الوقت، وأكد لهم أنه سيعود من وقت إلى آخر ليرى كيف تسير الأمور. وحتى ليشتري أيضًا حذاء للركض عندما تتحسن حالة ركبته.

وبعد أن غادر المتجر مع روب، شعر براين بالثقة أكثر من ذي قبل في نظريته، وتأثيرها المتوقع على شركة ديزرت ماونتن سبورتس.

تعميم البرنامج

خلال الشهرين التاليين، ذهب براين والمديرون الإقليميون التابعون له إلى كل متاجر الشركة الأربعة والعشرين، وعقدوا اجتماعات مدتها ساعتان تشبه كثيرًا ذلك الذي عُقد في فرع تاهو. غير أن تغيير ثقافة مؤسسة كبيرة يستغرق وقتًا، والوصول إلى نتائج على المستوى المالي يستغرق وقتًا أطول.

تحسن حال بعض هذه المتاجر أكثر من غيرها، والبعض الآخر كان يحتاج إلى المزيد من الاهتمام من قبل المديرين التنفيذيين في المركز الرئيسي. واختار بعض المديرين الانسحاب من التجربة وتركوا الشركة، ولكن غالبيتهم وافقوا على الاشتراك فيها.

خلال الفترة المتبقية من الصيف، قضى براين معظم وقته في توجيه فريقه إلى كيفية توجيه مرءوسيهم، خاصة مديري الفروع. ثم استمر في السفر لتعزيز برنامجه، ولكن ليس في أيام الاثنين أو الجمعة كما وعد ليزلي.

وعندما لم يكن يتابع غياب التقييم الذاتي وإحساس الفرد بتضاؤل دوره وتباعد العلاقات بين العاملين، بدا أنه كان يقضي معظم وقته مع القائمين على البنوك الاستثمارية وأعضاء مجلس الإدارة، مؤكدًا لهم أن التسرع في بيع الشركة سيكون خطأ، وأن أداء الشركة سيتحسن في النهاية بدرجة تضمن ارتفاع سعر البيع بقدر كبير.

وفي النهاية، عندما أوشك أن يتم شهره السادس في شركة ديزرت ماونتن، تلقى براين الأخبار التي كان يتطلع إليها. وكانت كيلي، المديرة المالية، هي التي نقلت له تلك الأخبار أثناء أحد الاجتماعات الأسبوعية لفريق العمل.

«سيداتي وسادتي، لقد بدأنا رسميًّا في النمو مرة أخرى.» فانفجرت في المكان عاصفة من التصفيق التلقائي.

الزخم

خلال الأشهر الثلاثة التالية، تسارعت وتيرة التحسن في شركة دي إم إس. فهناك متجران كان من المخطط إغلاقهما، لكنهم حافظوا على إبقائهما مفتوحين، وكان هناك نقاش في اجتماعات الإدارة حول افتتاح متجر كبير جديد في أوريجون.

بالطبع كانت الأخبار السارة تعني أن مجلس الإدارة والبنوك الاستثمارية سيجددان رغبتهما في بيع الشركة. وعندما كان براين يعد للاجتماع ربع السنوي الثالث لمجلس الإدارة منذ أن تولى منصب الرئيس التنفيذي للشركة، أحس بمشاعر متباينة.

كالمعتاد طلب من زوجته أن تساعده في فهم الأمر.

«يعتقد مجلس الإدارة أنني بطل؛ لأنهم سيحصلون على زيادة تقدر بحوالي ٢٠ أو ٢٥ بالمائة من أي مشترٍ الآن.»

فسألته: «ألم يكن هذا ما عينوك لأجله؟»

«بلى، ولكنني أعتقد أن هناك المزيد من الإصلاحات التي يجب القيام بها، وأنه من الخطأ أن يجري البيع الآن. فلدي بعض الأفكار الأخرى.»

قطبت ليزلي جبينها مازحة. وقالت: «كنت أخشى أن تقول ذلك.»

ذلك المساء في اجتماع مجلس الإدارة قدم ريك سيمبسون المشترين المحتملين الذين سيرغبون في شراء الشركة بسعر أعلى من ذي قبل. وبعد أن انتهى من كلامه، التفت إلى براين وطلب رأيه فيمن يفضل منهم.

«أرى أن شركة نورث ويست أثليتكس هي اختياري الأول.»

اندهش معظم أعضاء مجلس الإدارة من إجابته. واندهش ريك أيضًا.

«ولكن وضعها في السوق أضعف من باقي المتقدمين، ومن المحتمل أن تعرض سعرًا أقل. ولا أعتقد أن بيع الشركة لهم أمر منطقي يا براين.»

فقال براين لمستمعيه المتحيرين: «بالطبع أوافقك الرأي تمامًا. لم أكن أفكر في شرائهم لنا. ولكن أفكر في شرائنا لهم.»

كان رد فعل أعضاء مجلس الإدارة يتراوح بين الصدمة والفضول. أما ريك فقد ابتسم فقط. وفي النهاية كان القرار الذي اتخذوه هو الإبقاء على تشغيل شركة ديزرت ماونتن بشكل مستقل لبضعة أشهر، ثم تُجرى إعادة تقييم لها في بداية الشتاء.

وبحلول ديسمبر تحول الحديث في اجتماعات مجلس الإدارة من كيف ستباع الشركة إلى كيف ستنمو الشركة. وفي كل شهر كان الوضع المالي يزداد قوة قليلًا، وبدأت البيئة التنافسية في التغير. وبحلول العام الجديد، كان براين وفريق عمله التنفيذي الذي تجددت عزيمته قد بدءوا في وضع خطط جادة لشراء شركة نورث ويست أثليتكس، بالإضافة إلى شركة منافسة صغيرة في كاليفورنيا، واثقين من قدرتهم على مساعدة هاتين الشركتين المتعثرتين مثلما فعلوا مع شركتهم.

وبعد ذلك انتهى الأمر بتوقفٍ مفاجئ.

ضربة مباغتة

في أول اجتماع لمجلس الإدارة في العام الجديد، وبينما كان براين يستعد لتقديم خطته لشراء الشركتين الأخريين اللتين حددهما هو ومجلس إدارته، أعلن رئيس مجلس الإدارة أنه وافق على بيع ديزرت ماونتن إلى واحدة من كبرى شركات التجزئة في البلاد بثمن يزيد ٦٠ بالمائة عما كان متوقعًا قبل أقل من عام.

لم يصدق براين ما حدث.

بدا أن أعضاء مجلس الإدارة الآخرين — فيما عدا ريك سيمبسون — لم يدركوا الصدمة التي كان يشعر بها براين. وذهب رئيس مجلس الإدارة إلى حد أنه هنأ الرئيس التنفيذي على ما فعله لكي تنجح هذه الصفقة.

وبعد انتهاء الاجتماع، ذهب براين وريك لتناول بعض الجعة.

«لقد حاولت أن أقنعهم بعدم القيام بذلك يا براين، لكن كان ذلك صعبًا. إن السبب الأساسي لوجودي في المجلس هو مساعدتهم في إتمام هذه الصفقة. ومع أنني كنت أتمني أن يغيروا رأيهم، لم تكن تلك رغبتهم. إنهم يملكون الشركة، ويريدون الآن بيعها.»

وعلى الرغم من أن براين لم ينوِ أن يلوم ريك، فإنه لم يستطع منع نفسه من النقاش في هذا الموضوع. فقال: «لكن كان يمكننا أن نجد مستثمرين أو أن نقوم بشرائها أو ما شابه ذلك. أليس كذلك؟»

فأومأ ريك برأسه. وقال: «بلى، وكان بإمكانك إدارة الشركة طوال السنوات الخمس التالية، ثم بيعها لشركة أكبر مقابل قدر أكبر من المال. وأنت بالطبع لا ترغب في القيام بذلك، أليس كذلك؟»

فكر براين في الأمر. وقال: «نعم، ما لم أضحِّ بزواجي. ولكن الأمر يبدو مخزيًا.»

«لماذا؟»

كان براين غير مصدق قليلًا الآن. فقال: «لأن في متاجرنا أناسًا عملوا بجد حتى لا يحدث ذلك، وقد أحبوا وظائفهم بالفعل بسبب التغيير الذي حدث. لذلك أكره أن يزول كل هذا.»

«من قال إن ذلك سيزول؟»

«دعك من هذا يا ريك. أنت تعرف ما سيحدث. أتعتقد أن شركة تمتلك سبعة عشر مليار دولار ستتركهم يديرون المتاجر بالطريقة التي كنا نقوم بها؟»

فهز رأسه. وقال: «من غير المحتمل أن يسمحوا لهم بذلك. لكن الوضع سيظل كما هو لمدة عام أو اثنين. هذا بالإضافة إلى أن تلك النقطة ليست النقطة الرئيسية، أليس كذلك؟»

«ماذا تعني؟»

«أقصد أن هؤلاء الناس سيظلون يعملون ويديرون وسيأخذون أفكارك معهم إلى المكان التالي الذي سيذهبون إليه. أليس هذا هو المهم؟»

فرشف براين رشفة من الجعة. وقال: «أظن ذلك. لا أعرف.»

عود على بدء

وبعد أن استغرق بضعة أسابيع لإنهاء مهمته في الشركة، وجد براين نفسه في مفترق الطرق مرة أخرى. فكان عليه هو وليزلي أن يقررا ما سيفعلانه في المرحلة التالية من تقاعدهما، ولكن بمنظور مختلف قليلًا الآن.

كان مستحيلًا أن يعود براين إلى العمل في مطعم جين وجو، رغم أنهما تمازحا حول هذا الأمر. لكنه لم يكن مستعدًّا أيضًا للتقاعد مرة أخرى. وقد أيقنت ليزلي ذلك الآن. وكان براين يرغب في أن يجد مغامرة أخرى، مغامرة يتوفر فيها كل من المرونة والتحدي على حد سواء.

ولبضعة أشهر، كان براين قانعًا بمجرد التزلج على الجليد بصحبة ليزلي، وزيارة أصدقائه في مطعم البيتزا الموجود في نهاية الشارع، وقراءة صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» من وقت إلى آخر دون الشعور بالذنب.

ثم تلقى براين اتصالًا آخر من ريك سيمبسون.

تجربة جديدة

كانت تحتاج شركة في لندن، وهي سلسلة فنادق فاخرة، مساعدة استشارية بخصوص موضوع رضا الموظفين الذي كان يؤثر تأثيرًا واضحًا على العملاء.

قال ريك: «إذا كنت تستطيع المساعدة لتقليل معدل دوران القوى العاملة ولو قليلًا، فمن الممكن أن تغير من وضعهم المالي تغييرًا كبيرًا.» ثم أضاف وهو يمازحه: «وسيمنحك ذلك فرصة لممارسة سحرك على نطاق أوسع. وسأخرجك من هناك بعد ستة أشهر أو سبعة على الأكثر.»

لم يتطلب الأمر من براين وليزلي وقتًا طويلًا لكي يفكرا في الأمر. لقد أرادا دائمًا أن يعيشا خارج البلاد، ولكنهما لم يستطيعا تحقيق ذلك قط بسبب الجداول الزمنية الخاصة بمباريات البيسبول وكرة السلة وكرة القدم ودروس الباليه الخاصة بأولادهما.

فأعلنت ليزلي صراحة: «سنكون مجانين لو رفضنا القيام بذلك.»

وبعد ستة أسابيع استقر آل بايلي في شقتهما في كنسينجتون جاردنز في وسط لندن. واستمتعا بقية العام بعمل براين أكثر من أي وقت مضى، فقد كان يجري أبحاثًا عن سوق فنادق الخمسة نجوم في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا، وكان يحقق نجاحًا كبيرًا.

كان براين سعيدًا بتطبيق أفكاره عن القضاء على التعاسة في العمل في مجال آخر، وخارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية. لكنه كان أكثر سعادة بطردٍ وصله من الولايات المتحدة الأمريكية في مساء أحد الأيام.

كان ختم البريد على الطرد يوضح أنه من ساوث ليك تاهو، وكان عنوان المرسل هو المطعم. فتح براين الطرد وهو واقف في المطبخ وليزلي تعد الطعام للعشاء، ووجد بداخله ما بدا أنهما قميصان لمطعم جين وجو. وعندما أخرجهما من الطرد، عجز عن الكلام عندما أدرك حقيقة ما كان يراه.

فقد كُتبت تحت صورة لوجهين مبتسمين عبارة: «مطعم ميجو وجو: بيتزا ومكرونة. هنا وهناك وفي كل مكان.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤