الاختفاء المفاجئ!
من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» جاءنا من عميلنا في «الولايات المتحدة الأمريكية» أن «هاني قنديل» اختفى في ظروفٍ غامضة، ولا يُعرف هل اختُطِف؟ أم قُتل؟! أم هرب بإرادته خارج أمريكا؟ في انتظار المزيد … سأبلغكم به … شكرًا!
عقدت المفاجأة ألسنة الشياطين … إنهم لم يبدءوا المغامرة بعدُ … فكيف حدث هذا؟
وبدأت الأسئلة … هل قتلته جهةٌ مُعادية كما حدث مع بعض العلماء من قبل؟ أم أنه اختُطِف؟ شغلت هذه الأسئلة الشياطين، وماذا لو كان قد هرب إلى خارج أمريكا؟ وما مصير زوجته وابنته؟ إلا أن «خالد» فاجأهم بقوله: لماذا لا يكون «هاني قنديل» قد اتفق مع العصابة وانتهى الأمر؟
اعترض الشياطين على فكرة «خالد» … فهم رافضون لفكرة أن يتفق عالِم عربي مع عصابة … فحسم «أحمد» الموقف بقوله: من المُمكِن أن يكونوا قد أقنعوه بأنهم سيوفِّرون له المعلومات وأجهزة البحث التي يحتاجها. فما كان من «عثمان» إلا أن فتح ذراعَيه في حركةٍ تمثيلية قائلًا: لا داعي للخلاف … من الممكن أن تتضح الصورة أكثر إذا حصلنا على بعض المعلومات عن نشاط «هاني قنديل»، واتجاهاته في جامعته «المصرية» التي تخرَّج فيها.
فطلبت «إلهام» أن تقوم هي بهذه المهمة.
وافق الشياطين على طلب «إلهام»، وانصرف كلٌّ إلى غرفته استعدادًا لما سيأتي به صباح الغد … وما ستُسفر عنه زيارة «إلهام» للجامعة، نام الشياطين واستيقظ ألف سؤال في المقر عن سر اختفاء «هاني قنديل».
وعندما اجتمع الشياطين في ظُهر ذلك اليوم، عرفوا من «إلهام» أن «هاني قنديل» رجل مُخلِص لبلده، وكان طالبًا نابهًا، وقد اهتمَّ في بداية حياته بفكرة اختراع آلات تتحرَّك بدون طاقة، كما يتحرَّك الإلكترون في الذَّرَّة … والكوكب في المجرة، وهل هذا ممكن؟
قال «أحمد»: من الممكن أن يكون هذا التساؤل الخطير … هو الذي دفع عصابة «سوبتك» للاهتمام بأمره، ومن الممكن أن تخطفه دون أن تقتله؛ لأنها في حاجةٍ إليه للإجابة عن هذا التساؤل، الذي ستعتبره نَقْلة حضارية هائلة لكل الكرة الأرضية.
شعر «أحمد» بوخز خفيف في رسغه من ساعته، فعرف أن هناك رسالة … ضغط «أحمد» زرًّا بالساعة، فظهرت على الشاشة علامات سجَّلَها «أحمد» على ورقة، بينما كان الشياطين يرقبونه في لهفة، ثم عالج الشفرة بزرٍّ آخَر في الساعة، ثم قرأ عليهم: «من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» جاءنا من رجلنا في «هونج كونج» أن «هاني قنديل» ظهر هناك في صحبة رجلَين ذوي ملامح أوروبية لا يفارقانه، وهو يتردَّد كثيرًا على المبنى رقم ٩ شارع كوينررود سنترال، نفس التشكيل السابق يستعد للسفر، سيصلكم ملف العملية … انتهى».
نظر الشياطين لبعضهم البعض في تساؤل … لقد أقلعت بهم الطائرة ولم يصلهم حتى هذه اللحظة ملف العملية، ولا يعرفون غير ٩ شارع كوينررود سنترال، فهل ملف العملية موجودٌ في هذا العنوان؟ لفت نظر «أحمد» إحدى مطبوعات الدعاية السياحية الموضوعة أمامه في الطائرة، كان عليها شعار «هونج كونج» المكوَّن من الأسد والتنين وزوارق اليانك الصينية، والتاج الذهبي … والأمواج الزرقاء … والسماء الحمراء.
تأمل «أحمد» طويلًا هذا الشعار … ثم فتح الدليل ليجد كارتًا مكتوبًا عليه علامات شفرية لا تخص إلا الشياطين، قرأ «أحمد»: «العجوز «واو» معكم على الطائرة … سيقدِّم نفسه لكم … اعتمدوا عليه».
شعر «أحمد» بغبطة وبفضول شديد، فقام من كرسيه متجهًا إلى «دورة المياه» قرب ذيل الطائرة … وهو يفحص بحذرٍ وجوه الركاب فلم يستطع معرفة الرجل، وعند عودته … اصطدم دون قصد برجل عجوز … أصلع … صيني الملامح والهيئة. حين الْتَقَت عيناه بعينَي «أحمد» … لمعت عينا الرجل، وأغمضهما في ودٍّ.
عرف «أحمد» أن هذا هو رجلهم في «هونج كونج»، عاد «أحمد» إلى كرسيه، ثم نظر إلى بقية الشياطين مبتسمًا … فنظروا له في تساؤل … أشار «أحمد» بأصابعه إشارةً خفية فهمَ منها الشياطين أن رجل رقم «صفر» معهم على الطائرة.
في قوسٍ هائل دارت الطائرة فوق مياه بحر الصين الجنوبي وظهرت عن بُعدٍ نقط بُنِّية هنا وهناك … إنها بعض من المائتين وخمسين جزيرة التي تتكون منها مستعمرة «هونج كونج»، ويربطها بالأرض الأم الجزيرة … خليج الصيادين.
ثم ظهرت جزيرة «هونج كونج» متوجَّة بقمة «فيكتوريا» التي ترتفع ٥٥٤ مترًا عن سطح البحر، كما يقول الدليل السياحي، وحول هذه القمة غابة من ناطحات السحاب تتزاحم، إنها العاصمة التجارية والمالية للجزيرة.
واصلت الطائرة هبوطها وكأنها تكاد تلمس أسطح الناطحات ونوافذها، ثم هبطت في الماء … غير أن الشياطين شعروا أنها قد لامست أرضًا صلبة، ولكنهم لا يرون غير الماء يحيط بهم من كل جانب، فمطار «كاي تاك» يمتد كشريطٍ ضيِّق وسط البحر.
هبط الشياطين سلالم الطائرة وهم يرقبون «أحمد»، الذي كان يتلفَّت في حذرٍ باحثًا عن العجوز، فهو ملف العملية.
أحسَّ «أحمد» بيدٍ تُمسك بذراعه، فلفت وجهه في ترقُّب، فوجد أنه «واو» وقد انفرجت أساريره، وابتسامة عريضة تزين وجهه، فشعر براحة.
وحين وطئت أقدام الشياطين أرض المطار، التفوا حول «واو» يحيونه وهو يصافحهم ويبتسم في أدبٍ جمٍّ … ويقول بلغةٍ إنجليزية واضحة: إنه طيَّار محترف، فمطار «هونج كونج» واقعٌ وسط عوائق كثيرة من ناطحات سحاب وغيرها … ولا يعمل على هذا الخط إلا أبرع الطيَّارين.
كان المطار مزدحمًا، وحين خرج الشياطين من المطار وجدوا زحامًا أكبر … قال «أحمد» للعجوز «واو»: إنك تتكلم الإنجليزية بطلاقة!
قال «واو»: إن الإنجليزية هنا … هي لغة الحكومة والمحاكم ورجال الأعمال.
همست «إلهام» ﻟ «أحمد»: إنني أشعر بجوعٍ شديد.
سمعها العم «واو» فقال: ما رأيكم أن نتناول العشاء في أحد المطاعم العائمة في الميناء، ونُكمل حديثنا هناك.
ابتسمت «إلهام» في خجل وقالت: لم أكُن أعرف أنك تتكلم اللغة العربية أيضًا … ضحك الشياطين والعم «واو» وانطلقوا.
كان اقتراح «واو» رائعًا … فالليل في ميناء «إيبردين» كرنفال رائع الألوان لآلاف المصابيح التي تغطِّي عشرات القوارب، وتكاد تُخفي الميناء؛ لتشعر أنك في غابة من القوارب.
وخلف هذه القوارب التي يتخذها الصيادون مساكن لهم، تظهر ناطحات السحاب ووراءها الجبل … والتلال الخضراء.
كان الشياطين يستمتعون بهذا الجو الرائع والمنظر المثير وهم يتناولون عشاءهم.
سأل «أحمد» العم «واو»: ما هي حكاية رقم ٩ شارع كوينررود سنترال؟
قال العم «واو»: إنه بُرج من الرخام الوردي، تحوي الأدوار الأولى به سلسلة من البوتيكات الفخمة، وهو يقع وسط أعلى الأحياء التجارية في المدينة، وقد تكلَّف بناؤه ٥٠٠ مليون دولار أمريكي، أما باقي البرج عبارة عن مكاتب لمجموعة من أكبر الشركات.
قالت «ريما»: مستر «واو» أين سنقيم؟
قال «واو»: في أعلى قمة في «هونج كونج».
من وسط المدينة المزدحم ركب الشياطين «التليفريك»، وهو قطار يتكوَّن من عربتين، يشدهما كابل صلب ليصلوا إلى قمة فيكتوريا.
وعن بُعد ظهرت ناطحات السحاب، ولكن عربة «تليفريك» مرَّت في الاتجاه المقابل، جعلت «ريما» تضغط على ذراع «خالد»، وتقول له: الرجل الأصلع يا «خالد».
التفت لها «خالد» الذي كان سابحًا في جمال «هونج كونج» في دهشة قائلًا: أصلع مَن يا «ريما»؟ لقد شغلَتْكِ رأس هذا التمثال كثيرًا.
رغم ما قاله «خالد» ﻟ «ريما»، فإنه أحسَّ بهاجسٍ يحرِّك شيئًا بداخله.
حين وصل «التليفريك» إلى قمة فيكتوريا … أشار لهم العم «واو» على الفيلَّا التي سينزلون بها، إنها قريبةٌ من محطة «التليفريك» … وهي فيلَّا جميلة تغطِّيها وتحوطها الخضرة الكثيفة، ومُكوَّنة من طابقين وشرفات واسعة. حين دلف الشياطين من الباب الخارجي للفيلَّا، مرَّت بجانبهم سيارة، توقفت بعد مسافة قصيرة ونزل منها ثلاثة رجال تحادثوا قليلًا، ثم انصرف أحدهم وركب الآخَران السيارة.
دارت السيارة دورة واسعة … ثم عادت أدراجها في الطريق المقابل، فبدَّدَت أنوارُها الظلام أمام الفيلَّا وهي تبتعد مسرعة، استطاع «أحمد» أن يلتقط أرقام السيارة وموديلها ولونها، رغم أن الضوء كان ضعيفًا، كما استطاع «عثمان» أن يحدِّد بعض ملامح الرجال الثلاثة، وكان أحدهم ذا ملامح أوروبية، والثاني ملامحه صينية، أما الثالث فذو ملامح شرقية، وحين همس «عثمان» للشياطين بهذه المعلومات، قال «أحمد» بصوت خافت: إنها تركيبةٌ تدل على شيءٍ في صميم قضيتنا، وكأنهم «توماس دين» و«هاني قنديل» والثالث هو رجلهم هنا في «هونج كونج».
وفي قاعةٍ تتوسَّط غرفة الدور الأول في الفيلَّا، اجتمع الشياطين وبينهم أكثر من تساؤل: هل حقيقة أن مَن رأوهم هم «هاني قنديل» … و«توماس»، والرجل الثالث هو عميلٌ صيني لهم؟