الليزر القاتل!
اقترح العم «واو» على الشياطين أن يحصلوا على حمَّام دافئ … ويخلدوا للنوم حتى الصباح، فهناك عمل كثير ينتظرهم.
وقد كان هذا رَأْي «أحمد» أيضًا، فتوجَّهت «ريما» و«إلهام» إلى الدور العلوي، ومكث «أحمد» و«عثمان» و«خالد» والعم «واو» … سويًّا بعض الوقت، لم ترُق فكرة النوم ﻟ «أحمد»، فكل حواسه متيقظة بعد رؤيته لذلك الثلاثي، الذي يظنُّ أن بينهم «هاني قنديل»، وشعر برغبة شديدة في مَسْح المنطقة للبحث عنهم، فقال لهم «واو»: المنطقة واسعة ومن الصعب البحث عن السيارة في الليل.
قال «أحمد»: أحتاج فقط لدراجة.
ففكَّر «واو» قليلًا ثم قال: لِنرَ إنْ كان البستاني قد ترك دراجته في الحديقة أم لا.
خرج «عثمان» يتحرَّك بخفَّةٍ بين الأشجار الكثيفة، وهو يسلِّط ضوء بطاريته على الأرض، يبدِّد به ظلام الحديقة، فقطع الصمتَ صوتُ كلب يُزَمجِر بشراسة، فخرج لهم «واو» مسرعًا، وما إنْ رآه الكلب حتى سكن وهزَّ ذيله.
رأى «أحمد» دراجتين مستندتين على جذع شجرة سنديان، فنظر إلى «عثمان» مبتسمًا، فهذا هو المطلوب، ثم قفزا معًا إلى الدراجتين، وسرعان ما كان الاثنان يقطعان شوارع فيكتوريا بحثًا عن السيارة.
كانت السيارات التي تقف في الشارع قليلة، فمعظم الفيلَّات لها جراج خاص بها، شعر «عثمان» و«أحمد» بخيبة أمل، فالبحث بهذه الطريقة لن يؤدِّي إلى شيء، وفجأةً صاح «عثمان» بصوتٍ خافت: «أحمد» … السيارة المطلوبة!
وأشار «عثمان» إلى حيث كانت تقف سيارة مرسيدس بيضاء خلف باب فيلَّا حديدي … والجزء الخلفي منها مُواجِه للشياطين، وتحمل نفس الرقم الذي الْتَقطه «أحمد».
تفحَّص «أحمد» و«عثمان» الفيلَّا، وهي بناء حديث فخم من ثلاثة طوابق، يعلوها «جمالون» تُغطيه أفرع نباتات متسلِّقة، وتحوطه غابة كثيفة من الأشجار ما عدا الجزء الأمامي من الفيلَّا، فقد كان مكشوفًا وكان السور الذي يحيطها بالفيلَّا مرتفعًا.
نظر «أحمد» ﻟ «عثمان» … وما هي إلا ثوانٍ حتى قفز على أكتافه … ومنها إلى أعلى سور الحديقة، ثم أسند «عثمان» دراجته على سور الفيلَّا، وصعد بخفَّةٍ وحذَرٍ عليها.
وكان «أحمد» قد انبطح على سور الفيلَّا … فمد يده ﻟ «عثمان» ليرفعه إلى أعلى السور ثم قفزا سويًّا … وهبطا على أرض الفيلَّا جالسَين القرفصاء … وقد أصبحا في مواجهة المجهول، وبخفَّةٍ وحذَر سارا متخفِّيَين خلف الشجيرات، حتى وصلا إلى باب الفيلَّا.
دق «أحمد» الباب بقدمه بشدة ثم التصق بالحائط المجاور للباب، واختبأ «عثمان» خلف الفيلَّا … ثوانٍ وانفتح الباب وخرج منه رجل ضخم الجثة … شاهرًا مسدسه، وما إنْ خرجَتْ يده من الباب، حتى كانت قدم «أحمد» قد أطاحت بالمسدس، تأوَّه الرجل بصوتٍ مسموع … وبقفزةٍ بهلوانية كان «أحمد» في مواجهة هذا العملاق، يُعاجله بقبضة حديدية أغلقَتْ فمه وعينَيه، إلا أن «أحمد» لم ينتبه لرجلٍ آخَر أتاه من خلفه … لاصقًا مسدسه في ظهره.
في نفس الوقت كان «عثمان» يراقب من مكانه ما يحدث في الظلام … لحظات وكان «عثمان» يضربه ضربة قوية أطاحت بالرجل، ولم يسمع إلا صوت ارتطام الرجل بالأرض.
وأصبح باب الفيلَّا مفتوحًا … جرَّ «أحمد» و«عثمان» الرجلَين إلى داخل الفيلَّا … ثم أغلقا الباب، أشار «أحمد» ﻟ «عثمان» فجرى بخفَّةٍ وحذَر في ممرٍّ طويل يفصل بين غرف الفيلَّا، واختفى في إحدى الغرف للحظات … ثم خرج وفي يده بكرة كبيرة لشريط لاصق قوي استخدمه الشيطانان في تقييد أرجُل وأيدي الحارسين وتكميمهما … وبعد أن تحدثا بصوتٍ خافِت جرى «أحمد» قفزًا إلى أول غرفة في الممر ففتحها بحذَر … كان الظلام مخيِّمًا عليها، فأضاء مصباح بطاريته وجال بضوئه بين أركانها فلم يلفت نظره شيء.
فقد كانت غرفة استقبال عادية … أشار «أحمد» ﻟ «عثمان» … فجرى قفزًا بخفَّة إلى الغرفة الثانية، و«أحمد» يراقب المكان، ما كاد «عثمان» يفتح باب الغرفة حتى انطلق نحوه شعاعٌ من الليزر، فانحرف «عثمان» بسرعةٍ ليمرَّ الشعاع بجوار رأسه.
تتابعت أشعة الليزر القاتلة على «عثمان» فانبطح أرضًا ورفع بصره … فوجد رأسًا أصلع، تدور وتبحلق في حركات سريعة بين أركان الغرفة … لاحظَ «عثمان» وجود عدد من شاشات التليفزيون، فتأكَّد أنها غرفة المراقبة التي كان يجلس بها الحارسان.
وعن قُرب كان «أحمد» يتابع خروج أشعة الليزر القاتلة على «عثمان»، فجال ببصره داخل غرفة الاستقبال الواقف أمامها، فوجد مرآة مُعلَّقة على الحائط فجرى إليها وانتزعها من مكانها، وعاد إلى حيث كان «عثمان»، ووقف بجوار باب الغرفة ومدَّ يده بالمرآة في مدخل الباب … فأطلقَت العين سيلًا من أشعة الليزر، ما لبث أن انعكس على المرآة التي يمسكها «أحمد» لتعود وترتد إلى الرأس فارتفعت صرخةٌ مفزعة، وانتهز «عثمان» هذه الفرصة فزحف إلى داخل الغرفة … وجلس أمام الشاشات الموجودة بها، يعبث بالأزرار المصفوفة على لوحةٍ أمامها، فشاهد عليها بعض غرف الفيلَّا.
عرف «عثمان» أن جميع الغرف مراقبة بدائرة تليفزيونية مُغلَقة.
كان «أحمد» في طريقه ﻟ «عثمان» ممسكًا بالمرآة وقد وجَّهها إلى الرأس الأصلع عاكسًا بها أشعة الليزر لترتد إليها مرةً أخرى … فبادره «عثمان» بقوله: «أحمد» إنها قلعة وليست فيلَّا … لا بد أن يكون هذا هو مقر العصابة.
دخل «أحمد» إلى حيث يجلس «عثمان»، وألقى نظرةً مُتفحِّصة على الأجهزة وعلى لوحات الأزرار … وضغطَ على زرٍّ كبير ثم زرٍّ آخَر أسفله … عندما رأى «أحمد» على الشاشة … غرفة معمل ضخمة بها الكثير من الأجهزة المعقَّدة … بدأ «أحمد» و«عثمان» يتفحَّصان الأجهزة، إلا أنهما سمعا أصوات أقدام تقترب منهما.
فحرَّك «عثمان» عينَيه بسرعةٍ في الغرفة، ثم قفز إلى الباب و«أحمد» يحميه من الخلف فأطلَّ خارجه … ولم يجد أحدًا … أشار «عثمان» ﻟ «أحمد» بأن الطريق خالٍ، بدأت أصوات الأقدام تقترب، وكالريح قطع «أحمد» و«عثمان» المسافة من داخل الفيلَّا إلى السور، وكما دخلاها خرجا منها قفزًا برشاقة لاعبي الجمباز ومهارة القردة، ثم قفزا إلى الدراجتين وانطلقا يسابقان الريح.
سمع «أحمد» و«عثمان» أصوات محرك سيارة، فأسرعا بالتوقُّف خلف سورٍ من الأشجار المتلاصقة، وبعد لحظاتٍ مرَقَت السيارة بجوارهما، فانتظرا حتى ابتعدت ثم أكملا السير إلى مقر إقامتهما … وكانت مفاجأة، فقد شاهدوا عن بُعد السيارة تقف بالقرب من الفيلَّا التي يقيمون بها، ومحركها دائرًا وليس بها إلا رجل يجلس خلف عجلة القيادة.
لاحظَ «أحمد» أن باب الفيلَّا مفتوح وعرف أن الصراع قد بدأ … فتوقف في أحد الشوارع الجانبية متخفيًّا بين أفرع الأشجار الكثيفة، وعلى الجانب الآخَر من الطريق وقف «عثمان» متحفِّزًا.
مرَّت دقائقُ ثقيلة شعر «أحمد» و«عثمان» أنها دهرٌ طويل، حتى كاد «أحمد» أن يتحرَّك للتدخل … إلا أنه شاهد ثلاثة رجال يقتادون «ريما» و«إلهام» و«خالد» شاهرين أسلحتهم.
وفجأةً استدارت «إلهام» ووجَّهَت ضربة قاسية إلى أحد الرجال فطار في الهواء واصطدم بباب الفيلَّا الحديدي … وسقط أرضًا، ثم جَرَت كالثعبان لتتفادى طلقات الرصاص التي خرجت من أسلحة الرجال الثلاثة … ودارت بسرعةٍ خلف الفيلَّا لتتوه في الظلام … فأطبق الرجال بقوةٍ على «ريما» و«خالد»، وجَرَت سيارة رجال العصابة خلف «إلهام» التي كانت قد قفزت من سور الفيلَّا الخلفي إلى داخلها.
عادت سيارة العصابة … لتقف أمام باب الفيلَّا مرةً أخرى، وبها «ريما» و«خالد»، في نفس الوقت كان «عثمان» و«أحمد» يراقبان ما يحدث.
نظر «عثمان» ﻟ «أحمد»، فأشار له بعدم التدخُّل، فليس من الحكمة تعريض «ريما» و«خالد» للخطر، وعن بُعدٍ سمع الشيطانان صوت سيارة مُقبِلة، ثم مرَّت أمامهما وهما قابعان في الظلام.
أخرج «أحمد» رأسه إلى الطريق فرأى سيارة جيب تقودها امرأة، توقفت بجوار سيارة رجال العصابة أمام مقر الشياطين.
ورآهم عن بُعدٍ يحيون المرأة … وهم يفتحون الباب الخلفي للسيارة، ويُدخلون «ريما» و«خالد»، ثم سمعا صوت محرك السيارة يهدر … وتنطلق لتأخذ دورةً واسعة … وتعود من حيث أتت.
ترك «أحمد» و«عثمان» مكانهما وتحرَّكا بعيدًا عن نطاق رؤية رجال العصابة … وأول سؤال سأله «عثمان»: تُرى أين «إلهام» يا «أحمد»؟
لم يردَّ «أحمد» ولكن أشار ﻟ «عثمان»، ثم قفزا سور الفيلَّا إلى داخلها … ومن باب المطبخ الخلفي … مرقَ «أحمد» وخلفه «عثمان» صاعدَين السلم، وكالصاروخ انطلق من الممر إلى غرفته متحفِّزًا للانقضاض شاهرًا مسدسه، حين فتح الباب وخرجت منه «إلهام».
فكانت مفاجأة رائعة ﻟ «أحمد» و«عثمان»، الذي كان قد وصل أيضًا!