الصراع الأخير!
عندما وصل الشياطين إلى جزيرة «كولون»، اتجهوا إلى نفس المكان الذي خبَّأوا فيه معداتهم وبدءوا الحفر، إلَّا أنهم سمعوا صوت محرِّك طائرة هليكوبتر يقترب من بعيد، واصل «أحمد» و«إلهام» الحفر بسرعةٍ كبيرة ليخرجوا معداتهم، وبعد قليل، كانت مروحة الطائرة … تصنع أمواجًا هوائية حولهم وهي تهبط، إلى أن استقرَّت على الأرض على بُعد أمتار قليلة منهم.
نزل قائد الطائرة فحيَّا الشياطين، ثم سلم ﻟ «أحمد» رسالة من رقم «صفر».
يقول له فيها: وصلتنا رسالتك … ولك ما طلبت، تمنياتنا بالتوفيق.
في تلك الأثناء كان «خالد» و«ريما» قد قرَّرا أن يجدا «هاني قنديل» … وبسرعة كان «توماس» قد ترك باب المكتب مفتوحًا، لكنَّه أبعد السلم المتنقل عن البرج، فقرَّر «خالد» و«ريما» أن يحضرا «توماس» إلى غرفة المكتب، ويقيِّداه فيها حتى يستطيعا النزول.
رفع «خالد» أحد مقاعد غرفة المكتب، وأخذ يضرب به الحوائط الزجاجية، فتطايرت شظاياها حول البرج، لتسقط مُحدِثة جلَبةً شديدة، لم تمُرَّ دقائق إلا وكان «توماس» يفتح باب المكتب في غضب، ويدور ببصره فيه، ثم سأل «ريما»: أين «خالد»؟
نظرت «ريما» إلى النافذة التي كانت مفتوحة، فجرى إليها «توماس» وظلَّ يبحث عن «خالد»، الذي قفز خلفه من مخبئه وراء أحد المقاعد، كاد «توماس» أن يلتفت إليه لولا أنه أغلق ضلفتَي الشبَّاك عليه؛ ليصبح نصفه العلوي خارج الشباك.
صرخ «توماس» لا يا «خالد»، سأسقط … والارتفاع كبير.
سأله «خالد»: أين «هاني قنديل»؟
فرد في هلعٍ: ليس لك شأن به، ارحل أنت.
ضغط «خالد» ضلفتَي الشبَّاك أكثر … فصرخ «توماس» في وحشيةٍ: لن تستطيع تخليصه، فالحراسة هنا قوية.
ابتسم «خالد» … فقد استطاع أن يعرف مكان «هاني» وأشار ﻟ «ريما»، وبضربة صاروخية بقدمها، تطاير زجاج الشباك في الهواء، ثم ربطت «توماس» بسلك التليفون في النافذة، وبسرعة … أنزلا السلم إلى سطح ناطحة السحاب، فوجدا مقبضًا حديديًّا بجوار السلم، حرك «خالد» المقبض، فدارت قمة السلم إلى أسفل … ثم نزل إلى المصعد … وفي المصعد تفحص «خالد» لوحة الأزرار … فوجد فتحةً عريضة، وضع بها كارتًا أخذه من جيب «توماس»، فأغلقت أبواب المصعد.
قالت له «ريما»: إلى أين؟
فرد «خالد»: إلى «هاني قنديل».
ظهر ضوءٌ أخضر على لوحة مفاتيح المصعد، ثم توقف وانفتح بابه، فخرج «خالد» بحذرٍ وتبعته «ريما» إلى ممرٍّ طويل، يزدحم بالرجال المسلحين، اعترضهم أحد الرجال قائلًا: إلى أين؟
وبذكاءٍ رد «خالد» في ثقة: «سوبتك».
سمع الرجل اسم «سوبتك»، فأشار لهم أن يتبعوه، إلى أن وصلوا إلى قاعةٍ كبيرة، فأشار لهم أن يبقوا فيها، ثم عاد من حيث أتى، لفت نظر «خالد» وجود باب حديديٍّ لامعٍ في نهاية الغرفة، وعلى الحائط المجاور له لوحة مفاتيح، فعرف أنها غرفة مُحصَّنة، تُفتح إلكترونيًّا … بواسطة كارت ممغنط، فجرب كارت «توماس» مرَّةً أخرى، وعبث ببعض الأزرار بخبرة، فانفتح الباب وبمجرد دخولهم، أغلق الباب خلفهم تلقائيًّا، وعن بُعدٍ رأى رجل يجلس وظهره لهم، وأمامه شاشة تليفزيونية كبيرة.
كانت الغرفة واسعة، وبها أثاثٌ فخم، ويحيط بالرجل تليفون لاسلكي، وأجهزة ريموت، ولوحة أزرار كمبيوتر، فغمغمت «ريما»: إنه يعيش حياة القرن القادم.
ودون أن يلتفت إليهم الرجل، قال بصوتٍ وقور: ادخل يا «خالد»، تعالي يا «ريما».
عقدت الدهشة لسانهما … إنها لغةٌ عربية سليمة، وتحركا في ترقُّب ولهفة لمعرفة صاحب هذا الصوت، وعندما اقتربا من الكرسي الذي يجلس عليه الرجل، دار الكرسي نصف دورة … فأصبح في مواجهتهما.
فدهشت «ريما» لِمَا رأت، ونظرت ﻟ «خالد» قائلة: إنها دميةٌ، رفع «خالد» صوته سائلًا صاحب الصوت: مَن أنت؟ وأين أنت؟ ولم ينتظر الإجابة، بل أكمل قائلًا: سأجيبك أنا … أنت «هاني قنديل».
في هذه اللحظة أُضيئَت الشاشة، وظهر عليها «هاني قنديل» يجلس على كرسي ضخم، قائلًا: اسمع يا «خالد» … أنا لستُ مُختطَفًا، أنا أتحرَّك كما أريد، وقتما أريد.
قال له «خالد»: لقد خدعوك، فقد دخلتَ بيت العنكبوت، ولن تخرج سالمًا.
لفت نظر «خالد» آثار أقدام خفيفة للغاية على أرض الغرفة، تؤدي إلى بابٍ خفيٍّ غير ظاهر، فتقدَّم إلى لوحة الأزرار الموجودة أمام الشاشة، وبدأ يعمل عليها، وهو ينوي أن يدفع «هاني» للخروج.
فقال «هاني» في قلق: لا تعبث بشيءٍ، ففي هذا خطورة علينا، فلم يعبأ بكلامه … ولكن فجأة … أظلمت الشاشة، فترك «خالد» لوحة الأزرار ﻟ «ريما»، وتتبع مصدر الطاقة الذي يمد الشاشة بالكهرباء، فوجد خلف الجهاز سلكًا، فاقتطع منه جزءًا كبيرًا، وبجوار الباب وجد غطاءً مثبتًا بمسامير خفية، خلع «خالد» مفكًّا صغيرًا، مثبتًا على فخذه مع مجموعة أسلحته الصغيرة، ثم فك المسامير … ورفع الغطاء، فوجد العديد من الدوائر الإلكترونية الخاصة بالتحكُّم في الأبواب، وعرف أنها موصلة بوحدة تحكم مركزية.
أوصل «خالد» طرف السلك الذي خلعه، بمصدر كهرباء قوي، ثم أوصل الطرفين الآخَرَين بالأجزاء الإلكترونية للَّوحة، ورأت «ريما» في نفس الوقت شرارات كهربائية تخرج كالصواعق منها.
وعن بُعدٍ سمعت صوت انفجارات، وبدأ صوت «هاني قنديل» يأتي متقطعًا …
ولم تمضِ ثوانٍ … إلا وانفتح بابٌ داخلي في الغرفة، وخرج منه «هاني قنديل» غاضبًا، وعلا صوته وهو يقول: ستدمِّران المكان ونموت جميعًا.
ثم رأى «خالد» رجلًا يخرج في إثر «هاني» يحمل مسدسًا، و«هاني قنديل» يحاول منعه من الوصول له.
في نفس اللحظة نادت «ريما» عليه: «مستر»، ما كاد الحارس يلتفت إليها، حتى كانت ضربة تنطلق إليه كقنبلة، وبسرعةٍ كبيرة … دارت كالنحلة على مشط قدمها لتلحقه بضربةٍ أخرى، فتُفقِده توازنه، وهنا تدخَّل «خالد» فضربه ضربةً قوية … أسقطت مسدسه … الْتَقط «خالد» المسدس، وقال له: أعتقد أنك تستطيع أن تُخرجنا الآن من هنا، وسيكون معنا «هاني».
نفد صبر «هاني»، وصاح بلهجةٍ غاضبة: كيف أخرج وأترك زوجتي وابنتي؟ إنكم تُعرِّضوننا للخطر.
في هذه اللحظة، كانت طائرة الشياطين تحلِّق حول ناطحة السحاب، وعندما اقتربت من الغرفة الزجاجية … فوق البرج الحديدي، رأوا «توماس» مربوطًا بالنافذة، فظنوا أنه «خالد»، وانتابهم قلقٌ شديد … فطلب «أحمد» من قائد الطائرة … سرعة الهبوط على سطح ناطحة السحاب، لإنقاذ «خالد».
فقالت «إلهام»: كيف سنصعد من سطح الناطحة إلى المكتب، والبرج الحديدي بدون سلم؟!
فقال قائد الطائرة: عندي اقتراح.
رد «عثمان»: قُله إذا سمحت.
قائد الطائرة: لدينا حبل هبوط … ضمن مهمات الطائرة، فإذا ما ارتفعنا فوق البرج … كان باستطاعة أحدكم النزول بأحد الحبلين إلى نافذة المكتب. فأكمل «أحمد»: والباقي أعرفه.
ارتفعت الطائرة إلى السماء … في الوقت الذي أعدَّ فيه «أحمد» أحد الحبلين للنزول … وعندما أشار له «قائد الطائرة» بدأ يهبط هبوطًا بطيئًا … ومعه الحبل الآخر، وجهاز لاسلكي … وسلاحه الذي لا يتركه، إلى أن أصبح في مواجهة نافذة المكتب، وكانت المفاجأة … فقد اكتشف أن المكتب خالٍ … وأن المقيَّد في النافذة هو «توماس»، لم يندهش «أحمد» … فليس هذا كثيرًا على الشياطين، ولكنه شعر بارتياح … وأبلغ الخبر عن طريق اللاسلكي للشياطين، ثم طلب من قائد الطائرة الاقتراب من غرفة المكتب أكثر … وتحركت الطائرة … وأصبح «أحمد» و«توماس» وجهًا لوجه لا يفصلهما إلا سنتيمترات قليلة، مما أثار «توماس» الذي صرخ في هيستريا ينادي الحراس.
ولكن كانت أصوات الانفجارات عالية في المقر … فذهب صوته سُدًى، فقال له «أحمد»: جئتُ لأنقذك يا «توماس».
«توماس» في غيظ: سأدمركم كلكم.
«أحمد»: لم يعُد الأمر بيدك، بقوة السلاح آمرك أن تثبِّت هذا الحزام على وسطك.
قال «توماس» في عصبيةٍ: كيف تخرجني من هنا وأنا مقيدٌ بالنافذة؟ بعد أن ثبَّت «توماس» الحزام على وسطه، طلب منه «أحمد» أن يخفض رأسه، ثم صوَّب مسدسه إلى قيده، وبعد لحظاتٍ … دوت طلقةٌ فوق رأس «توماس» … ذهبت بعقله، ولكنها … فكَّت قيده، وفي نفس اللحظة كانت الطائرة ترتفع لتحملهما سويًّا.
كان «أحمد» قد قرَّر أن يستخدم «توماس» كرهينةٍ للإفراج عن «هاني» والشياطين، فطلب عن طريق اللاسلكي من قائد الطائرة، أن يحلِّق به فوق ناطحة السحاب، ثم سأل «توماس»: أين «خالد» و«ريما»؟ إنك معلَّق بين السماء والأرض … وبإشارة مني … سأجعلك رائد السباحة في الفضاء بلا أجنحةٍ.
قال «توماس» في خوف: لا يا «أحمد»، أنا لا أعرف أين هم … ولكن أعتقد أنهما في مكتب «هاني قنديل».
في نفس اللحظة كانت «ريما» قد رأت «أحمد» مُعلَّقًا في الطائرة ومعه «توماس»، فعرفت أن الأمر أصبح في أيديهم، فأطلقت رصاصةً في الهواء؛ لتدل على مكانها، صوَّب «أحمد» عينيه في اتجاه الصوت، ثم طلب من قائد الطائرة أن يهبط به مرةً أخرى، إلى أن أصبح أمام مكتب «هاني»، فمدَّ قدمه ليضعها على حافة النافذة … ففشلت المحاولة.
أشار «أحمد» لقائد الطائرة، فاقترب به أكثر … ثم حبس أنفاسه … ووضع قدمه على حافتها … مادًّا يده ﻟ «خالد» الذي جذبه إلى داخل المكتب، في الوقت نفسه كان الحراس يحاولون فتح باب المكتب من الداخل، وطلقات أسلحتهم تدوي متتابعة، حيَّا «أحمد» الموجودين في الغرفة وهو يفك حزامه … ثم طلب من «هاني» أن يثبِّته حول وسطه … فرفض دكتور «هاني» الخروج من المكتب بدون زوجته وابنته.
نظرت «ريما» ﻟ «أحمد» وقالت: له الحق في ذلك.
فتأمله «أحمد» قليلًا، ثم قال: لك ما طلبت، ثم نظر إلى «ليليان» التي ظهر عليها الاضطراب الشديد … وأشاحت بوجهها بعيدًا عنه، فقال لهما: أظن أنك سمعت ما قاله دكتور «هاني».
لم ترد «ليليان»، فقال لها مهددًا: إن «توماس» لا يزال معنا … وأظن أن أمره يهمك.
فقالت «ليليان»: اسألوه هو … فهو الذي يعرف طريقهما.
نظر «أحمد» ﻟ «خالد» وتفاهما في صمت … وعندما اتفقا … حدَّث «أحمد» «إلهام» لاسلكيًّا … فاقتربت الطائرة من الناطحة … حتى أصبح «توماس» في متناول يد «خالد» الذي كان واقفًا على حافة النافذة … فجذبه إلى الداخل وقال له: لكي نطلق سراحك، عليك أن تدلَّنا على مدام «جميلة» وابنتها.
فقال «توماس»: لن يُجديكم في شيء أن أدلكم على مكانهما … فلن يستطيع الوصول إلى هناك أحدٌ غيري، نظر «خالد» ﻟ «أحمد» فأشار له بالموافقة.
ففك حزام «توماس» ثم دفعه بفوهة المسدس في ظهره قائلًا: هيا فلنرَ أين هما؟ ثم قال ﻟ «ريما»: اصعدي أنت ودكتور «هاني» إلى الطائرة.
«ريما»: و«ليليان»؟
«أحمد»: تظلُّ هنا مقيدة.
لحظتها … نظر دكتور «هاني» مستفسرًا في خوف … فقال له «أحمد»: لا تخشَ شيئًا … وثِق أن زوجتك وابنتك في أيدٍ أمينة.
لحقَ «أحمد» ﺑ «خالد» الذي كان يسير خلف «توماس» في ممرٍّ طويل، به الكثير من النوافذ التي تطل على المسقط الخلفي للناطحة … إلى أن وصلا إلى بابٍ صغير في نهاية الممر، فتحه «توماس» بمفتاحٍ خاص … ثم اختفى فجأة، جرى «خالد» ليلحقه، فكاد يسقط من أعلى الناطحة … لولا أن «أحمد» أمسك بحزامه من الخلف، وكانت المفاجأة وجود ماسورة مثبتة من أعلى الناطحة حتى أسفلها، كالتي يستخدمها رجال الإطفاء، وقد تعلَّق عليها «توماس» منزلقًا إلى أسفل في سرعةٍ كبيرة.
ولم يتردَّد «خالد» بل رمى بنفسه على الماسورة يحتضنها بذراعَيه وساقَيه، منزلقًا لأسفل بفعل الجاذبية الأرضية.
وقد وقف «أحمد» يتابع المطاردة من أعلى، مصوِّبًا مسدسه في اتجاه «توماس»، الذي كان يصرخ مناديًا أعوانه من رجال العصابة … وهو ينزلق بسرعةٍ كبيرة، والمسافة بينه وبين «خالد» عدة طوابق، ولكنها كانت تقل تدريجيًّا، وفجأة … أثار انتباه «أحمد» وترقبه … خروج رأس تطل من إحدى نوافذ الطابق الأوسط، تتابع ما يحدث للحظات … ثم اختفت ليخرج من نفس النافذة منشار كهربائي صغير … بدأ يقطع الماسورة المعلَّق عليها «توماس» و«خالد».
شعر «أحمد» بالخطر يواجه «خالد»، فمن الواضح أن رجال العصابة يحاولون التخلص منه وإنقاذ «توماس»، فصوَّب مسدسه في اتجاه المنشار ثم دوت طلقة … أعقبها اختفاء المنشار للحظات، دوت بعدها طلقةٌ من شبَّاكٍ مجاور … في اتجاه «أحمد»، الذي تفاداها ليرى المنشار يخرج مرة أخرى ويتابع القطع، فقرر أن يوقف اندفاع «توماس»، حتى لا يتمكن من النزول قبل قطع الماسورة، ورغم أنه كان هدفًا متحركًا، إلا أن «أحمد» جعل الماسورة تحت أقدامه جحيمًا … وأوقفه عن الانزلاق، ولكن لم يدم هذا طويلًا، فقد فرغ مسدس «أحمد» … وخيَّم الصمت على المكان، فانتظر «أحمد» قليلًا حتى اطمأن، ثم عاود الانزلاق مرةً أخرى وبسرعة، وقد اقترب منه «خالد» الذي كان يتابع ما يحدث في ترقب، وما إن اقترب «توماس» من النافذة وعَبَرها … حتى خرج المنشار ليتابع القطع … وأصبحت الماسورة على وشك أن ينفصل جُزؤها العلوي والسفلي عن بعضهما، ويصبح «خالد» معلَّقًا بين السماء والأرض، وشعر «خالد» بحرج الموقف فقلَّل من قوة تشبثه بالماسورة، حتى لا يعوقه ذلك عن الانزلاق بأقصى سرعة.
وعند اقترابه من المنشار … كانت الرصاصة الأخيرة في مسدس «أحمد» تصيب اليد الممسكة بالمنشار لتبتعد في سرعة … ويمر «خالد» مكملًا الطريق خلف «توماس» الذي هبط على سطحٍ انتهت عنده الماسورة … وجرى في اتجاه بابٍ سفلي … تحته سرداب … وبمجرد أن رفع الغطاء كان «خالد» قد لحق به … وتوارى الاثنان عن عين «أحمد».
شعر «أحمد» بالفضول … فقد كان يريد أن يعرف حكاية هذه النافذة، فأمسك بالماسورة في حذرٍ، وكما انزلق «خالد» انزلق هو، إلى أن أصبح في مواجهة النافذة، فرأى قضبانًا حديدية، وخلفها غرفة خالية بها بعض المقاعد ومكتب، وفي نهايتها بابٌ مفتوح، قرَّر «أحمد» أن يدخل هذه الغرفة، ولكن كيف؟ ونَزْع هذه القضبان أمرٌ غير هيِّن، فقرَّر أن يتصل لاسلكيًّا ﺑ «إلهام»، وبعد دقائق كانت الطائرة تحلِّق فوقه … وتُسقط له حبلًا … ربطه في أحد قضبان النافذة، ثم أمسك بكلتا يديه بقضيبين آخرين، ثم ثبَّت قدميه في الحائط، وأعطى الإشارة للطائرة، فارتفعت لتشد الحبل لأعلى، في الوقت الذي كان هو يشد القضبان للخارج … وبعد محاولاتٍ كانت القضبان قد نُزعت من النافذة لتظلَّ معلَّقة بالحبل … ومعلَّق بها «أحمد»، الذي أدخل قدميه من النافذة ثم سحب نفسه تاركًا القضبان … قافزًا داخل الغرفة، فلمح على حافة النافذة قطرات دم كثيرة، وبتتبعها وجد أنها تغطِّي أرض الغرفة حتى الباب، وببطءٍ وحذر سار «أحمد» خلف قطرات الدم حتى باب الغرفة، ومنها إلى ممرٍّ طويل خالٍ، فأكملَ سيره في حذر، ولم يدرِ إلا وفوهة مسدس قد التصقت بظهره وصوتٌ يقول له: أكمِل السير، ومن ممرٍّ جانبي خرج رجلٌ نحيفٌ وقور … يرتدي زيًّا فاخرًا … ونظارةً ذهبية، ما إنْ رأى «أحمد» حتى سأل الرجل الذي يقوده: مَن هذا؟
فرد «أحمد»: أنا جئت من أجل الحصول على زوجة دكتور «هاني» وابنته؟
فقال الرجل: أنتم أصحاب الطائرة … أليس كذلك؟ ولم ينتظر إجابته بل أكمل: الطائرة تحت سيطرتنا، وأنت معنا وكل شيء على ما يرام.
فهم «أحمد» أنه يحاول النيل من قوة أعصابه.
فقال له: دكتور «هاني» معنا، ولن تحصلوا عليه إلا بحصولنا على أسرته، وقد نجحت حيلة «أحمد»، فقد أعجبت الرجل الصفقة، فأمر باقتياد «أحمد» إلى حيث أسرة دكتور «هاني».
ومن الممر إلى الأسانسير، ثم إلى أسفل الناطحة، سار «أحمد» يقوده الرجل، إلى أن أصبحا خارجها … فوجد سيارة فان سوداء.
سار إليها الرجل الذي يقود «أحمد» حتى بابها الخلفي … وعندما فتحه ودفع إليه «أحمد»، كانت دهشته كبيرة، فقد وجد أسرة دكتور «هاني» بداخل السيارة.
انشغل «أحمد» بتحيتهما، ومحاولة التسرية عنهما، إلا أنه وجد رجلًا كان يجلس خلف عجلة القيادة، الْتَفت إليه قائلًا: أمامك هنا معدات اتصال لاسلكي متقدمة للغاية، وعليك الاتصال بالطائرة لإنزال دكتور «هاني» وإتمام الصفقة، وأرجو ألا تُناور للحفاظ على حياتكم، وأن يكون الحديث باللغة الإنجليزية الواضحة.
اندهش «أحمد» … فقد كان هو «كيم» الذي لم ينسَ ما حدث له على أيدي الشياطين … فأخذ ينظر ﻟ «أحمد» في غيظٍ، وهو يبحث عن الموجة التي سيتحدث بها مع الطائرة، وعندما سمع صوت «إلهام» أخبرها بما حدث، وبالصفقة التي عقدها مع العصابة، وكان حديثهما متضمنًا بعض العبارات التي مرَّت على «كيم» دون أن يلحظها … ولكنها كانت تعني الكثير لهم، فأخبرته «إلهام» بأن وقود الطائرة اقترب من النفاد، وأنها ستقوم بإنزال دكتور «هاني» على قمة «فيكتوريا» … بجوار الصخرة السوداء في حراسة «عثمان»، وبهذا يمكن إتمام الصفقة.
كان «كيم» يستمع للحوار الدائر بينهما، فطلب إبلاغ رؤسائه بذلك، إلا أن «أحمد» رفض … وطلب أن يكون مكان إتمام الصفقة سرًّا، حتى لا يتكرر ما حدث من «توماس»، نظر «كيم» لرجلٍ كان يجلس بجواره قائلًا: ما رأيك يا «ينج»؟
أطرق «ينج» برأسه مفكرًا لبعض الوقت، ثم أعلن موافقته … وبالقرب من الصخرة السوداء، كان لقاء المقايضة بين «خالد» و«كيم» الذي نزل من السيارة … يتلفت حوله باحثًا عن «عثمان» و«هاني»، ومن خلف الصخرة ناداه صوت تردَّد صداه في خواء القمة قائلًا: اسمعني جيدًا … يجب أن ينزل كل مَن في السيارة، وأن تغلق أبوابها، وعليكم بإلقاء أسلحتكم. ابتسم «أحمد» في ارتياحٍ، فقد كان هذا هو صوت «خالد»، وتساءل ولكن أين «عثمان»؟ من المؤكد أن هناك مفاجأة.
أشار «كيم» ﻟ «ينج» فأنزل «أحمد» وأسرة دكتور «هاني»، ثم نزل هو وأغلق السيارة، في هذه اللحظة خرج «خالد» من خلف الصخرة، محتميًا ﺑ «توماس» لاصقًا فوهة مسدسه في ظهره، وعندما رآه «ينج» قال له: أرى ألا تدخل هذه الطفلة كطرفٍ في صفقتنا، وأتمنى أن تُطلق سراحها أولًا كشرطٍ لإتمام الصفقة. نظر «ينج» ﻟ «كيم» الذي قال له في حدَّة: لا. هذه الطفلة ستكون ورقتنا للنهاية.
لم يندهش «خالد» لشراستهم وقسوة قلوبهم، فهذه أخلاق عصابات.
ولما سأل «ينج» عن دكتور «هاني»، أطلق «خالد» من مسدسه طلقة في الهواء، فانتظر «ينج» ظهور «هاني قنديل» بعد هذه الإشارة، ولكن فوجئ ﺑ «كيم» يصرخ قائلًا: «ينج» إنهم هم مرةً أخرى.
الْتَفت «أحمد» … فرأى «عثمان» يطير في الهواء بأجنحة الخفاش متجهًا إليهم، فانتهز فرصة انشغال «كيم» به، وأطلق ضربةً قوية كالقذيفة ليطير مسدسه في الهواء، في هذه اللحظة وجَّه «خالد» مسدسه إليهم قائلًا: قفوا مكانكم وارفعوا أيديكم. رفع «كيم» يدَيه لأعلى، إلا أن «ينج» وقف ينظر للشياطين في ذهول. في تلك الأثناء كان «أحمد» قد جرى إلى المسدس، فأخذه وعاد إلى «كيم» و«ينج»، فطلب منهما مفاتيح السيارة ثم فتح الباب الأمامي … وقام بتحطيم كل مقابض فتح الأبواب … ثم أدخل «كيم» و«ينج»، ونادى على «توماس»، فأتاه مسرعًا هربًا مما يحدث حوله، فأدخله «أحمد» هو الآخَر في السيارة، ثم قام بإغلاق أبوابها بالمفتاح، فلم يعُد بمقدورهم السير بها أو الخروج.
وخلف الصخرة السوداء، فوجئ «أحمد» بالطائرة، وحولها الشياطين ودكتور «هاني قنديل» … كان لقاءً رائعًا … وكانت سعادة بالغة لانتهاء المهمة بنجاح.
وحين دارت مروحة الطائرة وحلَّقت في سماء «هونج كونج»، كان رقم «صفر» قد علم من «أحمد» بما حدث، عَبْر جهاز اللاسلكي … وكان رقم «صفر» يبلغهم بتهنئته وإعجابه.