السانحة الأولى
نحن الفتيات أسيرات الأزياء، وعبدات التبرُّج، ولُعَب الأهواء، أنكتب نحن فتيات اليوم؟
نعم، صرنا نكتب ليس بمعنى تسويد الصحائف فحسبُ بل بمعنى الانتباه للشعور قبل التحبير، لقد خبرنا الاختلاء بذواتنا فأقبلنا على تفهم معاني الحياة نتفرس في المشاهد بأبصارٍ جديدة، ونصغي إلى الأصوات بمسامع منتبهة، ونشوق إلى الحرية والاستقلال بقلوبٍ طروبة، ونعبِّر عن النزعات بأقلامٍ يشفع الإخلاصُ في تردُّدها. إن الأمر لكذلك. وجرأتنا هذه لم تبدُ من اللائي سبقننا، وإقدامنا لم يألفه الرجل من سوانا، والجمهور يرقبنا بنظرةٍ خاصة تائقًا إلى تصفُّحِ نفس المرأة فيما تصِفُ به ذاتها وليس فيما يرويه عنها الكاتبون.
وما الغرض من ذلك؟
يزعم الجمهور أن رغبته في تذوُّق إنشاءِ المرأة لا تُعربُ عن إكبارهِ لذلك الإنشاء، أو عن إقرارهِ بصدق الفراسة منها، وإنما لأن في كتابتها مظهرًا من مظاهر الذات النسائية العامة.
خطوةٌ صالحة نحو تكريم الأدب النسائي، إلَّا أن فيها من الظلم وغمط الحقوق ما فيها. نحن نحبُّ الحلم، ونطلب التساهل، ونريد أن يُستعان في الحكم علينا «بالظروف المخففة» كما يقول سادتنا الحقوقيون. نريد ذلك لأننا مبتدئات. نريده لأننا مبتدئات ولأننا بنات يوم تشرق علينا شمسه، نخلق أنفسنا بأيدينا، ونكتشف الطرق في غابات مهجورة، ونمهد السُّبُلَ بين الصخور والأدغال لنا وللآتيات بعدنا.
إفساح المجال علينا عسير، فنشكرُ للحليم تغاضيه عن القصور في عملنا وانتباهه لضآلة وراثتنا في عالم القلم، كما نشكر للناقد الكيِّس ما يُبيِّنه لنا من أغلاطٍ ناتجةٍ عن ضعف الفتاة وقلة اختبارها، ولكنهُ لا يجوز في شرع العدل والحقيقة أن تُرمى جميع أعمالنا بالضعف النسائي وأن يُطلق عليها الحكم بلا بحثٍ ومقارنةٍ.
لقد غالى بعض المفكرين، لا سيما بعض الذين أقنعوا نفوسهم بأنهم مفكرون، لقد غالى هؤلاء في فصل المرأة عن النوع الإنساني الذي كادوا يحصرونه في الرجل. والواقع أن كل حميَّة تهزُّ المرأة إنما تنطلق من النفس الإنسانية الشاملة، وكلُّ نقص يشوبها إنما يرجعُ إلى العجز البشري الشائع، وكلُّ أثرٍ من آثار ذكائها إنما هو وجهٌ من وجوه الفكر الإنساني العام.