دنا عيد الميلاد …
دنا عيد الميلاد وجاءت معه جميع الذكريات والتصورات والمعاني الخاصة به. غدًا يلقي الواعظون من على المنابر كلمات الرفق والإحسان والغفران، وينشد المنشدون «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام»، فيسمع الناس الأناشيد والمواعظ ولا يحاولون إدراك كُنْهها، وإن أدركوا فلا يعتقدون بوجوب تطبيقها على أعمالهم؛ لأنها كجميع النصائح تقل قيمتها بالتكرار ويستخف بها كلما تبرع بها المتبرِّعون.
المجد لله ليس في العلى الذي لا نعلم ما هو فحسبُ، بل المجد له في كل مكان وكل زمان. أما السلام فليس على الأرض في أيامنا، ولا يُنتظر أن يحل عليها قبل أن يتغير نظام الكون وهو التصارع والتقاتل الذي لا يفتر ولا يضعف.
منذ مئات الأعوام والدهور تتجاوب كلمات المحبة والمساواة، أما الأعمال فلا يظهر فيها غير تنازع البقاء وتنازع القوة، وتنازع الغلبة والظفر بين الأفراد والجماعات في شئون العمران والدين والطبيعة. ليس غير التنازع من سبب في أن تقيم الفنادق الكبرى شجرة عيد الميلاد ليدور حولها الراقصون الراغبون في نسيان همومهم وتسريح غمومهم. وهو، هو باعث نظرات السرور في عيني طفلٍ يرقب لُعيبات ودمى وخيلًا وأسلحة ومركبات عمرت بها نوافذ المحال التجارية. وهو منبِّه الذكرى في نفوسنا ومعيدنا إلى أيام كنا نرى في هذه اللعيبات الكون بأسره، كما أنه في الوقت ذاته العاطفة التي تحوِّلنا عن هذه الأشياء إلى ما هو خير منها، أو ليس هو ذلك التنازع في شكل مجاملة، صارت بالاستمرار إخلاصًا اجتماعيًّا، الذي يجعلني أقول: كل عام وأنتم …