سلام الله يا مطر عليك
قلبتُ الشطر وغيَّرتُ منهُ المعنى لأنصفك، يا مطر الجوِّ، وأثأر لك من الشاعر العربيِّ. وسواء أعَنَاك في شعره أم عنى رسولًا اسمه «مطر»، أم جعل الكلمة الواحدة في الشطرين تعنيك مرةً وتعني الرسول أخرى، فأنتَ يا مطر الغيوم مظلوم. وما أظلم الشعراء يوم لا يرحمون!
وما ذنبكَ أنت المنفعل وإن خلناك فاعلًا، ما ذنبكَ إذا امتصتك الشمس من البحر بخارًا، وعقدتك في الجو سحابًا، ثم تفجَّرت السحب وتدفقت سيولًا تروي السنابل والأشجار، وتذبل الأنبتة والأزهار حينًا في انتظار ربيع يحبوها من جديد بنضرة الشباب وسحر الحياة؟
وما ذنبكَ إذا أبطأ الرسول مطر في رسالته، فلعلَّ له في طريقه ليلى تحدثهُ؟ وما ذنبك أن لم يعُد مطر الرسول إلى الشاعر بجوابٍ مرضيٍّ من ليلاه؟ وهب أنك هطلتَ قبيل اجتماعهما المنتظر فكنتَ بينهما حائلًا، فما ذنبك؟
سخط الشاعر وسبَّك بالأوزان والأسجاع على نحو ما يكون سباب الشعراء، ولكنه إذا كان شاعرًا صميمًا فما يلبث أن يهدأ سخطهُ، ويفكر في شعوبٍ جائعةٍ تنتظر منك إرواء غليلها وضمانة قوتها.
ولكن لعلَّ الشاعر كان مصريًّا فما استطاع أن يرى فيك ما تراه شعوبٌ ليس في ديارها نيل كريم يفيض بدموع الآلهة فيغنيها عن منافعك وأضرارك؟
يحق لبعض المصريين، من جانبٍ آخر، أن يقروا الشاعر القديم في قوله: «وليس عليك يا مطر السلامُ»، يحق لهم ذلك إذا ما رأوا الأحياء غير الأوروبية في هذه المدينة. والأحياء الأوروبية وغير الأوروبية من الأمور التي تسوسها مصلحة التنظيم. ومصلحة التنظيم — كما تعلم أو كما لا تعلم أيها المطر — دائرة من دوائر الحكومة، فإذا ذكرناها بغير الثناء والتعظيم والتبجيل كان نصيبنا منها نصيبك من شاعر ليلى على الأقل!