كلمة وزير الثقافة

كان هدفي — وما زال — من تأسيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، هو محاولة تجاوُز السائد والمتكرِّر إلى حالة الابتكار والإبداع الفني، وذلك بأنْ نفتح بوابةً للتعرف إلى حركة المسرح في العالم، من حيث تعدُّد أشكاله، واختلاف فضاءاته، والاطلاع على تصوراته؛ بقصد معاينته، واستيعابه، والحوار معه، واستشرافه، ليس دفعًا إلى مماثلته؛ بل الإبداع عليه وتجاوزه، استردادًا لمعنى الإبداع الفني، الذي جوهره هو التفرد والتعدد؛ فالفن لا يستردُّ مكانه إلا بانبثاقِ سؤالٍ لاهث باحث عنه، إذْ ترسيخ فكر التجانس والتكرار في الفن، يغيب السؤال ولا ينتجه، حيث يقمع التعدد، ويقوِّض الاختلاف.

وعلى الجانب الآخَر، فإن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، من حيث تعدد عروضه المتنوعة لأكثر من خمسين دولة كلَّ عام، وإصداراته المترجَمة عن معظم لغات العالم، التي تطرح أوضاع المسرح، وفنونه، ونظرياته، وتجاربه، ثم — إلى جانب ذلك — ندوات المهرجان التي تشارك فيها كوكبةٌ مرموقة من شخصيات المختصين في فنون المسرح وقضاياه من شتى بلاد العالم، لا شكَّ أنَّ هذه الفعاليات قد استنبتت تمديد أخلاقيات التقارب والتبادل بين المجتمعات. إنَّ مثل هذه الفعاليات الثقافية، بوصفها نوعًا من الحوار بين الثقافات، إنما تعزز الإحساس بالآخَر وقبوله.

هذه هي الدورة العشرون للمهرجان، وفي تصوري أنَّ المهرجان — على طول دوراته — قد مارَس شرعيةَ وجوده من قدرته على الإقناع، حتى أصبح يمثِّل في الحقل الثقافي سلطةَ التجدد، التي تجسد المغامرة، والأحلام الممكنة والمستحيلة؛ حيث تفتح أمام المتلقي مساحةَ الحرية ضد استمرار المتكرر، وتشتبك معه سعيًا إلى تغييره.

لقد غادَرَنا هذا العام فنانٌ ارتبط بهذا المهرجان منذ إنشائه، ويعزُّ علينا افتقاده، وهو الفنان سعد أردش، أحد فرسان المسرح المصري المجدِّدين، والذي منح المهرجان إسهاماتٍ إيجابيةً، ومسانداتٍ فكريةً وفنية على طول دوراته، استمرَّت حتى رحيلِه؛ لذا فإننا نهدي هذه الدورة للمهرجان إلى روحه، وسوف تذكر الأجيال دومًا إسهاماته.

فاروق حسني
وزير الثقافة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥