كلمة المؤلف

هذا هو الكتاب الثالث من نوعه الذي يتناول موضوعَ مسرح الفنان،١ والذي أصدرتْه دارُ نَشْر «أجراف». ومثله مثل الكتابَين اللَّذين سبقاه («روبرت ويلسون، مسرح الفنان»، موسكو، ۲۰۰۳م؛ و«مسرح الفنان في بولندا»، موسكو، ٢٠٠٤م)؛ فإن هذا الكتاب يقدِّم لنا كيف ظهَرَ هذا الشكل الخاصُّ من أشكال الإبداع المسرحي، وفي هذه المرة يتحدث عن هذا الشكل في كلٍّ من روسيا وألمانيا. وبنظرةٍ أكثر شمولًا لهذه القضية وارتباطها بالعمليات كافة التي حدثت في الثقافة العالمية في القرن المنصرم، آخذِين في الحسبان السياقَ العالمي الواسع، يمكن أن نتعرف البحثَ الصادر في مجلدَين بعنوان «مسرح الفنان، المصادر والبدايات»، و«مسرح الفنان، الأساتذة» (موسكو، ٢٠٠٦م).

إنَّ الجمع بين موضوعَي ظهور مسرح الفنان في روسيا وألمانيا والممارسة الإبداعية له في هذين البلدَين في كتابٍ واحد؛ لم يأتِ عفْوَ الخاطر.

لقد جرَت في هذين البلدَين٢ تحديدًا في الفترة من ١٩١٠م إلى ١٩٢٠م تجاربُ، وضعتْ من خلالها مبادئ مسرح الفنان باعتباره شكلًا خاصًّا من أشكال الإبداع المسرحي. وقد أجرى هذه التجارب أكبر الفنانين الذين يمثِّلون الموجة الأولى للطليعة التشكيلية في القرن العشرين: فاسيلي كاندينسكي، كازيمير ماليفيتش، ل. ليسيتسكي، ف. تاتلين في روسيا، وفي ألمانيا أساتذة «الباوهاوس» Bauhaus، وفي مقدِّمتهم أ. شليمر وتلاميذه، وكذلك زملاؤه في المعهد، ومن بينهم كاندينسكي. وجميعهم وضعوا عروضًا في شكل تكوينات بصرية تأخذ في التحول والتطور في المكان والزمان المسرحِيَّين.

من جانبٍ آخَر، فقَدْ عمل في هذه الفترة (۱۹۱۰–۱۹۲۰م)، في روسيا وألمانيا تحديدًا، أكبر إصلاحيِّي المسرح في زمنهم، الذين أسَّسوا مبادئ الإخراج الجديد والسينوجرافيا، وهُمْ أيضًا الذين أَثْروا مصطلحات خشبة المسرح دراميًّا وموسيقيًّا، فضلًا عن أنهم اكتشفوا، كما اتضح، إمكانية وضع عروض ذات نوعية خاصة تمامًا من ناحية الإبداع المسرحي، ألَا وهي عروض مسرح الفنان.

أدخل فسيفولد مايرخولد إلى روسيا هذه الإمكانية بأنْ قدَّم فكرة السينوجرافيا الوظيفية، وهو الذي عمل على تحقيقها بالتعاون مع مصمِّمي الديكور، وتتلخص فكرته في فهْم السينوجرافيا باعتبارها مكونًا عضويًّا وجزءًا لا يتجزَّأ من الحدث المسرحي «يعمل» مع الممثلين، ويقف إلى جانبهم على قدم المساواة.

عند مايرخولد «يعمل» الديكور المادي، الذي يصمِّمه الإنشائيون Constructivists أو تلاميذ المخرج على التأثير في الممثلين بشكلٍ استثنائي، وهو هنا يؤدي وظيفة «جهاز للأداء»، وبمعنى أنه كان يستوعب في سياق تجديد جماليات المسرح الدرامي. في السياق نفسه، قام إيزنشتين، تلميذ مايرخولد، بصياغة مفهوم «مونتاج الحِيَل» وتجسيده عند إخراجه مسرحيةَ «الحكيم». على أن فهْم هذا النموذج البصري أو ذاك باعتباره مكونًا جوهريًّا وفعَّالًا «وتمثيليًّا» في العمل المسرحي، قد وضع الأساس بعيدًا عن حدود التتابع الزمني عند كلٍّ من مايرخولد وإيزنشتين؛ لتشييد العروض التمثيلية التي يمكن للنموذج البصري فيها أن يكتسب المغزى الأكبر، ومن ثَم يصبح هو المعبِّر الأساسي عن محتوى العرض المسرحي. وقد ظهرتْ مثل هذه العروض بعد مرور نصف قرن، عندما جاء إلى المسرح فنانون قادرون على إبداع مسرحيات باعتبارها مؤلفاتٍ تشكيليةً، وتكويناتٍ فنيةً رمزية ومادية، وأضواءً ملونة.
وفي ألمانيا، كان إيروين بيسكاتور هو المخرج الذي انعكست في إبداعه فكرة السينوجرافيا الوظيفية باعتبارها مكونًا لا ينفصم عن العمل المسرحي. وقد تمثلتْ وظيفة السينوجرافيا في أعماله التي أخرجها في إرسال معلوماتٍ بصرية إلى المشاهِدين، لها مضمونٌ تاريخي تسجيلي واجتماعي اقتصادي، تعبِّر عن العلاقة النشيطة للمخرج تجاه ما يحدث على خشبة المسرح، وذلك باستخدام وسائل السينما والفانوس السحري (البروجيكتور) والتصوير السينمائي. كانت المَشاهِد المعروضة على الشاشات تحمل طابعًا دعائيًّا تحريضيًّا ونقديًّا فضَّاحًا وهجائيًّا ساخرًا. وقد أصبحتْ هذه المشاهد بمثابة «شخصيات» مسرحية مستقلة تحمل دلالاتٍ مهمَّة. كتب برتولت بريخت في ملاحظاته عن بيسكاتور قائلًا: «لقد حوَّلت السينما الديكور الخلفي المتجمِّد إلى مشاركٍ جديد في الحدث المسرحي على غِرار الجوقة الإغريقية.» ويضيف قائلًا: «لقد تحوَّلَت الخلفية الآن لتصبح نجمَ المسرح، ولتحتلَّ مكانًا بارزًا فيه.»٣ لقد وضع بيسكاتور نظامًا كاملًا للمشاركة في المسرحية من خلال نماذجَ محدَّدةٍ من صورٍ بالفانوس السحري (البروجيكتور) أو مشاهد سينمائية منتجة أو مصوَّرة خصوصًا، وكذلك باستخدام رسوم أصلية صنعها ج. جروس لمسرحيةِ «مغامرة الجندي الشجاع شفيك». وقد تمَّت العروض باستخدام شاشةٍ واحدة أو عدَّة شاشات، وحققتْ — وفقًا لتصنيف المخرِج — الوظائف «التربوية» و«التعليمية» و«التمثيلية» و«التفسيرية». وقد قامت هذه العروض على التأثير الحماسي وأحيانًا الصادم، وفي بعض مشاهد المسرحية، وفي الأغلب لحظات الذروة للحدث، تبدو هي الوسيلةَ الرئيسية التي يتوجَّه فيها المخرِج لمخاطبة جمهوره، وهو ما يعني أنَّ بنية التكوينات المسرحية عند بيسكاتور — من الناحية النظرية — قد فتحَت اتجاهًا للحركة نحو مسرح الفنان.٤
وقد كان للفكرة التي أعلنها بريخت بشأن «تفكيك العناصر» قيمةٌ أخرى كبيرة في ظهور مسرح الفنان؛ فقَدْ وقفت هذه الفكرة على النقيض من فكرة الجمع بين الفنون المختلفة في مُركَّبٍ مسرحي واحد Stage Synthesis، (الأمر الذي كان سمةً محددة للمسرح العالمي بدءًا من العصر الرومانسي، وفي الأعمال الفنية الكاملة عند فاجنر، والذي ظلَّ سائدًا طوالَ القرن العشرين وجسَّده ستانيسلافسكي ومَن جاء من بعده، سواءٌ مَن تبِعَه أو اختلف معه). وخلافًا لذلك، اقترح بريخت أنْ يتمَّ تفكيك الفنون المختلفة الموجودة في العرض المسرحي، واعتبر أنَّ كلَّ فن من الفنون، بما في ذلك السينوجرافيا، التي تشتمل على جميع الوسائل الممكنة للتعبير البصري، بدءًا من التعبير الرمزي إلى استخدام الفانوس السحري وغيره من وسائل التعبير، يجب أن يكون له تأثيره الخاص، وأن يحدُث هذا التأثير على نحوٍ مستقل بعيد عن الوسائل الأخرى. إن الذي حدَّد هذه البنية Structure على هذا النحو هو أن المسرح الملحمي — خلافًا للمسرح الدرامي المعتاد — مسرحٌ «لا يجسِّد حدثًا بعينه» وإنما «يحكي عنه»؛ إنَّ مبدأ «تفكيك العناصر»، بعد أن استوعب ما تم اكتشافه على يدي مجدِّدي المسرح في القرن العشرين، الذين سبقوا بريخت، قد دلَّنا على التغيرات الجذرية لمنهج فنِّ الإخراج، بعيدًا عن الحدود الزمنية لجماليات Aesthetics المسرح الملحمي تحديدًا. وإذا كانت المهمَّة الرئيسية للمخرِج في المسرح القائم على فكرة المُركَّب Synthesis هي تجسيد العمل المسرحي، وكشْف الشخصيات والأنماط، إلى آخِره، فقَدْ أصبح الأمر الرئيسي بالنسبة إلى المخرِجين من طرازِ ما بعد بريخت، هو تقديم العرض المسرحي «على ما هو عليه»؛ ومن ثَم، فإنَّ العرض بكامله، بما في ذلك النص والأداء التمثيلي، عليهم أن يعملوا في خدمته. وفي هذا الخصوص سوف نربط بين مبدأ «تفكيك العناصر» وفكرة الوظيفية التي تحدثنا عنها آنفًا.
إن مبدأ «تفكيك العناصر» في ذاته، أيًّا ما كانت رؤية بريخت له وللسينوجرافيا التي تعمل معه، يبدو بعيدًا تمامًا عن مسرح الفنان. فمع أن بريخت قد أكَّد على تكافؤ عناصر المسرحية كافةً بلا استثناء، فقَدْ ظلَّ العنصر الحاكم بالنسبة إليه هو المسرحية ونصَّها الشفهي Verbale Text. أمَّا وظيفة العناصر الأخرى، فقد كانت — بقدْرٍ أكثر أو أقل — تشارك في قصِّ الحكاية التي كتبها الكاتب المسرحي، وفي تجسيد النصِّ الشفهي. بعبارةٍ أخرى، فإن بريخت (مثله مثل مايرخولد وبيسكاتور) لم يفترض قَط، وهو يعلن عن مبدأ «تفكيك العناصر»، أنه بهذا المبدأ تحديدًا يفتح إمكانيةَ تأسيسِ مسرح الفنان. وقد تحققت هذه الإمكانية في سياق عملية التطور اللاحق لفنِّ المسرح، عندما تمَّ اكتشاف أنَّ العنصر البصري، المتحرِّر من حتمية خدمة المُركَّب، والمستقلَّ عن بقية العناصر، بمقدوره في النهاية أن يصبح أساسًا لعرضٍ مسرحي متميِّز بعد أن امتلك إمكانيةَ التأثير الجمالي المستقل. ليس من قَبيل المصادفة أن مصمِّمي السينوجرافيا الألمان الذين استغلوا هذه الإمكانية (في الستينيات والسبعينيات) وأنشَئُوا مسارحهم (مسارح الفن)؛ كانوا مرتبطين — على نحوٍ أو آخَر — ببريخت، واعتبروا أنفسهم تلاميذَه وخلفاءه، والمكملين له.
وقد أدَّى استخدام فنِّ السينوجرافيا في مسرح الفنان إلى ازدياد أهمية هذا الفن في العمل المسرحي، الأمر الذي انعكس أثره بشكلٍ خاص في تحقيق الممثل لاستقلاله وظيفيًّا، وذلك بفضل الصور السينوجرافية.٥ وقد أصبح هذا الاتجاه يمثِّل الطابعَ العام السائد في المسرح العالمي في القرن العشرين. على أنَّ الفنانين الذين تعاونوا بشكلٍ مباشر مع بريخت، كان لهم إسهامهم الخاص في هذا المجال، ومنهم ك. نيير في العشرينيات والثلاثينيات، وك. فون أببين في الخمسينيات. وهؤلاء اقترحوا على المخرِج رسومًا تخطيطية Sketches تجاوَزوا فيها اختصاصاتهم الحِرفية؛ فقام نيير برسْم أعمال صوَّر فيها الشخصيات في مواقفَ مميزةٍ في المسرحية، وقد تمَّ تصميم هذه الرسوم التعبيرية منها والجروتسكية والهجائية على الشاشة باعتبارها تعليقاتٍ جرافيكية مستقلة ذات مغزًى يقدِّمها المؤلف المسرحي على الأحداث. أما أببين فَقَد الْتزم عند إعداده لخشبة المسرح بالمبدأ الوظيفي الصارم (ما هو ضروري فقط للدلالة الموجزة على مكان الحدث)، وفي الوقت نفسه قدَّم في رسومه التخطيطية مشاهدَ الإخراج الرئيسية للمسرحية القادمة Mise en Scène وذلك فيما يتعلَّق بترتيب الشخصيات وتجميعها وتضادها في الفضاء المسرحي، أي إنه أخرج في الواقع العمل المسرحي القادم من الناحية البصرية. لم يعترض بريخت قَط على ذلك، بل إنه طبَّق هذه الرؤية التي قدَّمها الفنان، وراح يتبع خطاه في كثيرٍ من الأحيان. ومع أنَّ نيير وأببنين لم تكن لديهما طموحاتٌ إخراجية قَط، فإنَّ سعيهما (الذي كانت تحرِّكه وتدعمه فكرةُ بريخت بشأن «تفكيك العناصر») نحو توسيع إمكانات استخدام الفنان للفن في المسرح، وتجاوز الاختصاصات الحِرفية (إعداد الفضاء المسرحي باعتباره مكانًا لقصِّ موضوع المسرحية)، وجَدَ قبولًا كبيرًا من الجيل التالي من مصمِّمي السينوجرافيا الألمان. وقد أصبح الانجذاب ناحيةَ الإخراج سمةً عامة للمدرسة القومية في فن السينوجرافيا (وذلك خلافًا — على سبيل المثال — لفناني المسرح الرُّوس والبولنديين، الذين استمر توجُّههم باقيًا ناحيةَ الفنون الجميلة، مع استثناءاتٍ قليلة نادرة وإن كانت جوهريةً جدًّا). ومن هنا، كان من الطبيعي تمامًا أنَّ كثيرًا من مصمِّمي السينوجرافيا الألمان بدَءُوا، في مرحلةٍ أو أخرى من مراحل عملهم، في العمل بالإخراج بعد أن حقَّقوا في حِرفتهم قمَّة النجاح؛ فالبعض، مثل د. خاكير، إ. شيوتس، م. أ. ماريللي، ف. خيونيج، أخرجوا عملًا واحدًا؛ في حين أن البعض الآخَر، مثل ك. إ. خيرمان وف. مينكس، راحوا يُخرجون أعمالًا مسرحية أكثر إتقانًا، عملًا وراء الآخَر. على أنَّ تفعيل الطموحات الإخراجية لدى مصمِّمي السينوجرافيا الألمان (وخاصة هذا التفعيل الذي بدأ بشكلٍ ملحوظ منذ منتصف الثمانينيات، وقبلها عند مينكس في السبعينيات) لم يكن مرتبطًا بشكلٍ مباشر بمشكلة ظهور مسرح الفنان في التربة الألمانية، بالشكل الذي تم تناوله به هنا، وإنما اقتصر هذا التفعيل على كشف إمكانات التعامل مع هذا الشكل الخاص من أشكال الإبداع المسرحي. بالطبع لم يكن الأمر ليقتصر على مجرَّد رغبةِ مصمِّم السينوجرافيا في أن يصبح مخرِجًا، وإنما الأهمُّ أن يكون قادرًا (بتركيبته الفردية) على استغلال تلك الإمكانات. إنَّ الأسماء التي ذكرناها آنفًا هي لفنانين مارسوا الإخراج فيما بعد، فأخرجوا أعمالًا مسرحية، سواء في إطار جماليات المسرح الدرامي المعتاد أو الموسيقي، مع مجرد زيادة استخدامٍ في نسبة المكوِّن البصري والتشكيلي التعبيري، الذي تم استخدامه من جانبهم باعتباره شخصيةً درامية هامة أو مشهدًا أوبراليًّا. ثلاثة مصمِّمين فقط للسينوجرافيا في المسرح الألماني في النصف الثاني من القرن العشرين؛ أقبَلوا بإدراكٍ كامل على مسرح الفنان تحديدًا، بعدما اقترحوا أشكالًا مختلفة لهذا الشكل من الإبداع المسرحي، وهم: خ. زاجرت، أ. مانتيه وأ. فراير. وكانت السمة العامة لمشروعاتهم تتمثل في أنَّ ثلاثتهم وضعوا تكويناتٍ بصريةً لعروضهم مستخدِمين — بصفة أساسية — الوسائل السينوجرافية للتعبير، والتي كانوا يُجيدون استخدامها إجادةً تامة باعتبارهم محترِفين. بعبارةٍ أخرى، كان مسرح الفنان في أدائهم مسرحًا للمختصين في السينوجرافيا؛ على أية حال، كانت هذه هي البداية. فراير فقط، الذي قطَعَ شوطًا كبيرًا إلى الأمام في تأسيس مبادئ مسرح الفنان، متخطيًا كلًّا من زاجرت ومانتيه (من الناحية الزمنية، ومن ثَم من ناحية عدد الأعمال التي أخرجها)، وصَلَ في مرحلةٍ معيَّنة إلى خلْق جوهر هذا الشكل الخاص من أشكال الإبداع المسرحي، أي إلى وضع العمل المسرحي باعتباره بناءً يدخل في تكوينه شخصيات الممثلين ومرونة وانسجام حركاتهم وإيماءاتهم وأوضاعهم. وبالتوازي مع عمليات تطوير إعداد الأشكال الجديدة في فن الإخراج والسينوجرافيا؛ تمَّ إدخال البحوث والتجارب التي حدثتْ في مجال الإبداع البصري، وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، عندما نشَطَت أشكال كثيرة من عروض الحركة Action: عروض الحادثة Happening،٦ كل عروض الجسد الممكنة Body Art، عروض البرفورمانس Performance،٧ ومن الحركة إلى مسرح الفنان كانت هناك خطوة واحدة، وقد حققها في ألمانيا شخصان فقط؛ أحدهما فراير (الذي كانت أعمال الحركة التي ألَّفها، لها الأهمية نفسها التي كانت لأهمية استخدام السينوجرافيا)، والثاني هو ب. شومان الذي جاء إلى مسرح الفنان بفكرة «إحياء التماثيل»، والتي تجسدتْ في العروض التي أعدَّها من خلال تكويناتٍ لموضوعاتٍ للعرائس تتحرَّك وتصدر أصواتًا عن طريق ممثلين منفِّذين. وأخيرًا ظهَرَ في روسيا مسرح الفنان متأخرًا كثيرًا عن مَثيله في ألمانيا، عندما ظهر في التسعينيات فقط على يد م. إيسايف وب. سيمتشينكو من مدينة بطرسبورج، اللذين قاما بإخراج عروض مسرحية من فصلٍ واحد من نوع الحركة وعروض البرفورمانس، مع أنهما كانا يملكان بعض الخبرة في العمل في إعداد المسرحيات. أما بالنسبة إلى فناني المسرح الروسي، الذين غلب على إبداعهم التجسيد الكامل، إن جاز القول، لمَا يشبه فكرة السينوجرافيا الفعالة في مسرح الفنان؛ فهؤلاء وضعوا في النصف الثاني من القرن العشرين صورًا بصرية ذات أهمية رفيعة، ولكنَّ أحدًا منهم لم يذهب بعيدًا عن جماليات المسرحَين الدرامي والموسيقي.
١  نذكِّر: مسرح الفنان هو شكلٌ خاص من أشكال الإبداع المسرحي، يختلف تصنيفه عن المسرح العادي، الدرامي والموسيقي، في أنَّ المؤلف-الفنان يضع المسرحية باعتبارها بناءً من مجموعةٍ من التكوينات البصرية تتطوَّر في المكان والزمان.
لمزيدٍ من التفاصيل، انظُرِ الملحوظاتِ الأوليةَ في كتاب «مسرح الفنان البولندي».
٢  وفي إيطاليا أيضًا، في أعمال المستقبليين.
٣  برتولت بريخت، «تجربة بيسكاتور»؛ ب. بريخت، «المسرح في خمسة مجلدات»، المجلد ٥: ۲، ١٩٦٥م، ص٨٨ و٣٦٥.
٤  نُذكِّر أنَّ هذه القوة الموجَّهة كانت لها جذورٌ تاريخية: «المسرح التعبيري» الإغريقي، روجديستفينسكي فيفلييم، بعض «أشكال العروض المسرحية الشرقية»، «المناظر الحيَّة» من أخلاقيات العصور الوسطى، «رسْم المنظور» في مسرحيات البلاط الإيطالي في القرن الخامس عشر، عروض لوحات الديكور باعتبارها عروضًا مستقلَّة في القرنَين؛ الثامن عشر، ومطلع التاسع عشر.
٥  وظيفة الشخصية تعني مشاركة النماذج السينوجرافية باعتبارها شخصيات تشكيلية-تعبيرية، مادية-مشيَّأة للمشهد المسرحي.
٦  Happening : نوعٌ من العروض المسرحية المكوَّنة من عدد من المَشاهد غير المترابطة، وكثيرًا ما يشارك فيها الجمهور. (المترجم)
٧  البرفورمانس Performance: فنُّ التشكيل بالجسد. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥