فراسة الأعضاء بالتفصيل
تبين مما تقدم إمكان الاستدلال على الخُلق الباطن من الخَلق الظاهر، ونحن باسطون فيما يلي خلاصة ما وصل إليه أهل هذا الفن بأبحاثهم في دلالة كل عضو من أعضاء الوجه وغيرها على أخلاق أصحابه، ولا تتحمل تبعة ذلك إلا فيما نخصه بدليل فيسيولوجي أو تشريحي، أو نبدي رأينا فيه ونترك الحكم فيما خلا ذلك لفطنة القارئ؛ لأن البحث في هذا العلم حديث لا يزال قابلًا للنقد والتحوير، فلنبدأ بأعضاء الوجه عضوًا عضوًا، وعلى الله الاتكال.
فراسة الذقن
-
الذقن والمخيخ: قلَّما ينتبه الناس إلى علاقة الذقن بالأخلاق، والذقن في الحقيقة من أكثر الأعضاء علاقة
بأخلاق الناس، ومن أدلتهم على ذلك أن معظم الذقن من الفك السفلي، والفك السفلي يقابل
المخيخ في مؤخر الدماغ، وبين المخيخ وذلك الفك علاقة شديدة، ومن أهم وظائف المخيخ في
الفيسيولوجيا الحب والموازنة والإرادة، فتتصل هذه الخصائص بالفك السفلي ومنه إلى الذقن.
فالذقن في الفراسة دليل الإرادة والحب الجنسي، ولو استقريت الذقون في أنواع الحيوان
لرأيتها تزداد ظهورًا بنسبة ارتقاء ذلك الحيوان، فهي في الطيور أثرية، وأكثر الحيوانات
لا ذقون لها أو أن ذقونها صغيرة جدًّا، والحب الجنسي يكاد يكون أثريًّا فيها، والمعتوهون
يولدون صغار الذقون، ويُراد بكبر الذقن بروزه إلى الأمام أو إلى الأسفل، وأما صغره فهو
ضموره حتى لا يكون له بروز في مقدَّمه ولا في الحنك، ويتضح لك ذلك من النظر إلى الشكلين
١ و٢.
وفي الذقن بروزان واضحان: البروز الأمامي وهو الذقن الحقيقي، والبروز الخلفي تحت الأذن وهو الحنك، فالذقن إما أن يكون غائرًا مستدقًّا أو عريضًا أو ناتئًا، والحنك أيضًا قد يكون بارزًا أو غائرًا، ولكل من هذه الحالات دلالة خصوصية، فبروز الذقن يدل على طول الفك السفلي، وبروز الحنك يدل على عرضه.
وقد وجدوا في جملة علاقات هذا الفك بالمخيخ أنه إذا كان الفك السفلي طويلًا يغلب أن يكون المخيخ طويلًا، وإذا كان الفك عريضًا فالمخيخ يكون أيضًا عريضًا، فعندهم أن الذقن إذا برز إلى الأمام وكان الخط من زاوية الحنك إلى رأس الذقن طويلًا دل ذلك على شدة الحب، وإذا كان رأس الذقن من الأمام عريضًا دل على الثبات والصبر، فبروز الذقن دليل الحب، وبروز الحنك دليل الثبات، كذلك كان هارون بور صاحب الشكل ١ وكاترينة الثانية إمبراطورة الروس شكل ٣ فإن ذقنها وحنكها كثيرَا النمو، وكان الحب والثبات ناميين فيها، وبعكس ذلك الذقن القصير الضامر؛ فإنه يدل على الضعف والبغض، وكان ضمور الذقن ونقصه من الصفات المذمومة عند العرب، ومن ذلك قول بعضهم يذم امرأة:اصرميني يا خلقة المِجْداروصِليني بطول بُعد المزارفلقد سُمْتِني بوجهك والوصلقروحًا أعيت على المِسْبارذقنٌ ناقصٌ وأنفٌ غليظٌوجبين كساجة القسطار -
الذقن والمحبة: تقسم الذقون باعتبار أحوال بروزها الأمامي إلى خمسة أشكال وهي: (١) الذقون المحددة
(المروَّسة) ذات البروز المستدير، (٢) الذقون المفروضة، (٣) الذقون المربعة الضيقة، (٤)
الذقون
المربعة الواسعة، (٥) الذقون المستديرة الواسعة.
(١) الذقون المحددة: وهي البارزة إلى الأمام بروزًا مستديرًا، كما ترى في شكل ٤ فإنها تدل على شدة الحب الجنسي والشره فيه حتى يؤدي بأصحابه أحيانًا إلى البله، وهذا الشكل من الذقون أكثر شيوعًا في النساء مما في الرجال، كذلك كان موليير محيي التمثيل في فرنسا شكل ٥ فإن ذقنه كان من هذا النوع، وهو مشهور بحبه لامرأته مع أنها كانت تسيء إليه وتعرقل مساعيه، حتى قال يشكو حاله لصديق: «إن حضور هذه المرأة أمامي ينسيني كل ما صمَّمت النيَّة عليه لأذيتها، وهي لا تحتاج لدفع حجَّتي إلى أكثر من كلمة واحدة تدافع بها عن نفسها فيخال لي أني اتَّهمتها زورًا وأنها بريئة، فأعتذر لها وألتمس الصفح عن جسارتي، فإذا خلوت بنفسي عدت إلى صوابي ورأيتني مسحورًا أو كأنَّ خبلًا أصابني فأعود إلى هواجسي.» ا.ﻫ.(٢) الذقون المفروضة: وهي المزدوجة البروز، حتى يخيل لك أنها ذقنان أو ذقن مقسوم إلى قسمين بميزابٍ طوليٍّ — وليس بحفرة أو نقرة — فإن الذقون ذوات النقرة (الطبعة) لها خاصَّات أخرى، والذقون المفروضة أكثر شيوعًا في الرجال مما في النساء. وأصحابها لا يشبعون من المحبة، ولا يستطيعون البقاء بلا محب يحبهم، فإذا كان صاحب هذا الذقن شابًّا فإنه يطلب الفتاة ولو في الصين ويستهلك في سبيل طلبها. انظر شكل ٦ وإذا كانت صاحبة هذا الذقن فتاة وكان الفرض في ذقنها عميقًا فقد تخرج في حبها عن حدود اللياقة.
(٣) الذقون المربعة الضيقة: ويراد بها أن يكون بروز الذقن من الأمام خطًّا عرضيًّا مستقيمًا ولكنه قصير، فأصحاب هذه الذقون كثيرو المحبة، ومنهم في الغالب عمال الخير؛ لأنهم يحبون كل شيء حتى الفقراء والضعفاء، والمرأة صاحبة هذا الذقن يغلب أن تتزوج رجلًا أدنى منزلة منها لأنها تحبه ولا تلتفت إلى فقره.
(٤) الذقون المربعة الواسعة: وهي كالسابقة إلا أنها أطول منها، وتدل على شدة المحبة حتى تقرب من العبادة، وأصحابها هم أهل العشق الشديد والحب المفرط حتى يمسهم الجنون، ولعل قيسًا العامري (مجنون ليلى) كان منهم.
(٥) الذقون المستديرة الواسعة: وهي كالنوع الأول ولكن بروزها أكبر وأوسع، وأصحابها إذا أحبُّوا ثبتوا في الحب؛ لأن السعة دليل الثبات في كل شيء، فالمرأة صاحبة هذا الذقن شديدة المحافظة على محبة زوجها ولو أساءها وقهرها.
-
الذقن والإرادة:
قد تقدم أن بروز الذقن يدل على المحبة الجنسية، وقاعدتها تدل على الإرادة، وبين الحب والإرادة نسبة معنوية، ويراد بالقاعدة ما تحت البروز من مقدَّم الفك أسفل الأسنان القواطع، فبروز هذه القاعدة واستطالتها وسعتها تدل على قوة الإرادة، وصاحب هذا الذقن إذا قال فعل شكل ٩ و١٠ ويشبهه صاحب الحنك العريض شكل ٨ فإن حنكه قائم الزاوية تقريبًا، وأصحاب هذه الذقون وهذه الأحناك هم في الغالب رجال الحزم والبطش والشدة والقوة، كذلك كان نابوليون وقيصر وولنتون وكرومويل، ولا يراد بذلك أن الإرادة لا تكون في غير رجال الحرب، فهي تكون على معظمها أيضًا في ربات العائلات وفي رجال الأعمال كالمخترعين والعلماء، وقد تكون في أهل التجارة أو الفلاحة؛ لأنها تميز صاحبها عن رفاقه في أي مهنة كانت، فإن بين ذقن ولنتون القائد الشهير وذقن فرنكلين الفيلسوف مشابهة عظمى، وكلاهما بارزان عريضان شكل ٩ و١٠ وذقن رينان الفيلسوف شكل ١١ بارز ضيق.وإذا تعاظم البروزان في مقدَّم الفك والحنك في ذقن واحد كما في شكل ١٢ كان صاحبه شديد المحبة والإرادة كأنه يجمع بين عملي القلب والعقل.
فراسة الفم
قد يصمت اللسان، والشفاه الساكنة أفصح ما يعبر عن الجنان؛ برسائل تنفذها إلى القلب بطريق العينين (لا الأذنين) فتبثُّ ما يكنُّه الضمير من حب أو بغض، أو فرح أو غضب، أو عتب أو اعتذار، فتردُّ العينان الرسالة والأذنان غافلتان عمَّا دار من الحديث؛ لأن الشفاه تترجم العواطف بلسان لا تفهمه الآذان، فتدل بغلظها أو رقَّتها، ببروزها أو غورها، باسترخائها أو تراكبها، باحمرارها أو بُهوتها، على المحبة أو البغض، أو الفرح أو الكدر، أو الكبر أو الوداعة، أو غير ذلك من العواطف وأظلالها.
-
فلسفة التقبيل: بين اللمس والانعطاف علاقة متبادلة، وخصوصًا لمس الشفاه؛ لأنها أكثر حساسة من سائر سطح
الجلد (إلا الأنامل)، فاللمس يعقبه انعطاف ينجم عن اتصال عصبي بين الشفاه ومركز الحب
في
المخيخ، وبينها وبين الذقن، والذقن نائب المخيخ في الوجه، تلك هي فلسفة التقبيل، وليس
غرضنا البحث في القبلات وفلسفتها، وإنما أردنا أنها ليست من قبيل العبث، بل هي لغة الحب
ودليل الانعطاف، يكفينا تغزُّل الشعراء بالثغر، وتشبيههم الريق بالخمر، فإنه يدل على
تأثيرها المسكر في النفوس، وإليك قول عنترة العبسي.
ووددت تقبيل السيوف لأنهالمعت كبارق ثغرك المبتسِّم
-
الصداقة والسخاء:
أكثر الشفاه دلالة على الصداقة ما كان جزؤها الأحمر غليظًا بارزًا بغير استرخاء، فإذا رافق ذلك البروز تعاظم ما يحيط بزاويتي الفم بما يسمي العضلة المبوقة شكل ٧ حتى يتكون هناك ميزابان ضعيفان أو ثلاثة كما في الشكل ١٣ دل ذلك على السخاء وكبر النفس، وأصحاب هذه الشفاه بيوتهم مفتوحة للأضياف، وموائدهم مباحة لأبناء السبيل، وهم كثار في القرى قلال في المدن.
-
الحب: قلنا: إن الشفاه الغليظة في موضع الاحمرار دليل الصداقة، وهي أيضًا دليل الحب، ويزداد
الحب باتساع مساحة ذلك الموضع كما في الشكل ١٤ أما شكل ١٥ فإن رقَّة شفتيه تدل على ضعف تلك العاطفة في صاحبها، وأصحاب الشفاه الغلاظ يحبون
التقبيل وإذا قبلوا كانت قبلاتهم حارَّة.
- الغيرة: والحب الصادق إذا اشتد يغلب أن تصحبه الغيرة، ودليل الغيرة أن يصحب ذلك الغلظ انحراف تحت الشفة السفلى.
-
النهم: وإذا تدلت الشفة السفلى وبرزت العليا مع ضخامة دل ذلك على النهم والميل الشديد إلى
الملذَّات الشهوانية شكل ١٦.
-
الثبات والأنفة: ودليل الثبات في الفم أن تكون الشفة العليا مستقيمة على خط عمودي بما يشبه الإشارة
بالفم إلى المخاطب أن يبقى على ما هو عليه، كما في الشكل ١٨ ويقرب من الثبات الأنَفة، ويُدَلُّ عليها بتحدُّب قليل في
تلك الشفة شكل ١٧، وإذا زاد ذلك
التحدُّب كان صاحب تلك الشفة صعب الانقياد، يريد أن يقودك ولا تستطيع استخدامه.
-
الرزانة: ويدل على الرزانة انحدار طرفي الشفة العليا نحو الأسفل مع تجعد حولها، وهي أكثر في
النساء مما في الرجال، وصاحب هذه الشفة قلَّما يميل إلى المجون انظر شكل ٢١.
-
السرور: ترى أناسًا مفطورين على الانبساط والطرب، لا صبر لهم على الأحزان، فأولئك يغلب أن
يعلو زوايا شفاههم تجعُّدان أو أن يكون فيها ميل إلى التجعُّد، ولا يمكننا التعبير عن
ذلك
بأوضح من قولنا: أن يكون في الفم ميل إلى الابتسام، ويغلب في أصحاب هذه الشفاه حب
المجون، وممن اشتهروا بذلك الطبع سرفانتس ورابيلي وستيرن وبلاني وغيرهم. انظر شكل ٢١ و٢٢.
-
رباطة الجأش: وإذا كانت الشفتان غائرتين من الوسط وبارزتين عند زاويتي الفم دل ذلك على رباطة الجأش،
وصاحب هذه الشفاه قوي الإرادة رابط الجأش مالك قيادة، لا خوف عليه من التهور في أموره
ولا الانقياد إلى عواطفه، بل هو يكون كما يشاء، وهي سجايا الرجال العظام، وهكذا كان
تيارس السياسي الفرنساوي الشهير شكل ٢٤.
واعتبر ذلك في الحيوانات، فإنها لا تستطيع كبح شهواتها ولا تعرف الكظم، وكلها ذات أفواه بارزة.
-
التأنق: وقد يتعاظم ذانك التجعدان أو يصيران تجعدًا واحدًا يستطيل إلى أسفل الذقن، كما يحدث
عند الإغراق في الضحك، وربما اختلط بما يسمى بالنونة (الغمازة)، فيدل عند ذلك على حب
التأنق والتدقيق في كل شيء، فإذا كان صاحب هذه العلامة عالمًا فيغلب أن يدقق في كل بحث.
ومن أمثلتهم المشرح المشهور بلومنباخ شكل ٢٥.
وإذا كان من عامَّة الناس ظهر التأنق والتدقيق في طعامه وشرابه ولباسه وكلامه.
ولأصحاب الفراسة في الشفاه علامات أخرى يستدلُّون بها على أخلاق أخرى، كاستطالة الجزء الظاهري من الشفة السفلى من منتصف الذقن فما فوق إلى منتصف الجزء الأحمر على أن يكون ذلك الوسط ممتلئًا شكل ٢٨ فيستدلُّون به على حب الإنسان لعائلته وأنه يشتهي أن يكون له منزل خاص يأوي إليه، وإذا تعاظم ذلك الامتلاء شكل ٢٧ تحول إلى حب الوطن والحنو إليه، ويستشهدون على صحة ذلك بظهور هذه العلامة في أكثر حماة الأوطان مثل جورج وشنطون محرر أميركا وبطريك هنري ووبستر وغيرهم، فإذا زاد ذلك الامتلاء حتى شمل كل الشفة كما في شكل ٢٦ تحول إلى حب الوطن العامِّ والانعطاف إلى كل أصناف البشر، وأصحابه هم محبو الجنس البشري.وأحسن الأفواه دلالة على الخلق الحسن عند العرب هو «أن يكون الفم معتدلًا بين السعة والضيق، مع صبغ الشفتين ورقَّتهما، وأن تكون لثته صبغة مستوية لحم الأسنان، ولسانه إلى الحمرة والملوسة غير خشن ولا مفلح ولا جاف ولا غليظ ولا رقيق جدًّا ولا مشاب اللون بصفرة، وأن يكون طيب النكهة نقي بياض الأسنان حسن التركيب.»
فراسة الأنف
قد يستتر الذقن باللحية والفم بالشاربين، وقد تتوارى العينان وراء النظارات، والجبهة يغطيها الطربوش، ولا يزال الأنف بارزًا في طول الوجه لا يستره شيء، فهو أثبت دلالات الأخلاق وأظهرها، وقد عُنيَ أصحاب الفراسة القدماء في بيان علاقته بها، ولكن أبحاثهم ما زالت ناقصة حتى أتمها أهل هذا العصر وأيدوها بالعلم الصحيح.
-
خصائص عامَّة: معلوم أن الأنف آلة الشم، وعلى صحته تتوقف صحة هذه الحاسة، فإذا كان نحيف التركيب دقيق
النسيج كان شعوره بالروائح أتم وأدق، ولكنه أيضًا من آلات التنفس، وهو سبيل الهواء إلى
الرئتين، فحجمه يجب أن يناسب حجمها، فأصحاب الصدور الواسعة يجب أن تكون مناخرهم كبيرة،
وهو الواقع، فإن نافخي الأبواق وغيرهم ممن يعانون الأعمال الشاقة أو غيرها من ضروب
الرياضة البدنية تكون صدورهم واسعة ومناخرهم كبيرة انظر شكل ٢٩ فإنها صورة هانيبال القائد القرطجني وعظم مناخره
يدل على عظم صدره، وهذه القاعدة عامَّة في الحيوان والإنسان.
وللأنف أيضًا دخل في الصوت، فاتساع تجاويفه يزيد الصوت قوة وجهارة، ولذلك فإن صوت الغلام لا يخشن إلا بعد أن يتم تكوين أنفه ويتسع تجويفه.
-
دلالة الأنف على الارتقاء: وإذا نظرت في أنوف الناس على اختلاف الشعوب أو في الشعب الواحد على اختلاف الأعمار
رأيته من أوضح الأدلة على درجات الارتقاء، فإن أنف الطفل لا يزال صغيرًا منخفضًا حتى
يبلغ رشده ويشتد ساعده فيكبر ويبرز، ودليل ذلك قريب يشاهده كل واحد، انظر إلى أي طفل
شئت فترى أنفه أضعف من أنف أبيه وأصغر، وفيه فطس يزول كلما نما، حتى يصير شابًّا فيصير
أنفه مثل أنف أبيه.
واعتبر ذلك في الأمم، فترى الشعوب الهمجية صغار الأنوف مع فطس في الأرنبة وغور في جسورها، ثم يقل ذلك الفطس حتى يبرز الأنف جيدًا في الأمم المرتقية، ويتضح لك ذلك جليًّا إذا قابلت بين أنف الزنجي وأنف القوقاسي، كما ترى في الشكلين ٣٠ و٣١ فإنهما يمثلان الفرق بين هذين الأنفين، وترى الفرق بينهما كبيرًا. وقد وجدوا بالاستقراء أن نسبة أنف القوقاسي إلى وجهه كنسبة واحد إلى ثلاثة، ونسبة أنف المغولي إلى وجهه كنسبة واحد إلى أربعة، والزنجي أكثر من ذلك، ناهيك بالتفاوت في بروزه بين هذه الأمم.
ومما يستحق الاعتبار أن القدماء كانوا إذا نحتوا تمثالًا وأرادوا بيان عظمة صاحبه وقوة بطشه زادوا في طول أنفه، حتى إنك تميز تمثال الملك من تمثال الخادم بمجرد النظر إلى طول الأنف، ويسهل ذلك علينا من النظر إلى الآثار المصرية، وكذلك فعل مصورو الأعصر المتأخرة مثل رافائيل وغيره.
-
أشكال الأنوف: للأنوف أشكال عديدة؛ لأنها تختلف باختلاف أطوالها وباختلاف ارتفاع جسورها وشكل تلك
الجسور، وباختلاف حجم المناخر وغير ذلك.
أما بالنظر إلى أشكال جسورها فتنقسم إلى خمسة أقسام: (١) الأنف الروماني «الأشمُّ»، (٢) الأنف اليوناني، (٣) الأنف الإسرائيلي «الأقنى»، (٤) الأنف الأفطس، (٥) الأنف الأذلف.
- (١) الأنف الروماني: يمتاز هذا الأنف بارتفاع قصبته وورود الأرنبة بحسن استواء القصبة، وهو
ما
يعبر العرب عنه بالشمم، على أن يكون بين أعلى الأنف وملتقى الحاجبين فرض
أو ميزاب عرضي كأنه حُزَّ بسكين، وهو دليل العظمة وعلوِّ الهمَّة عند كل الأمم.
فالإفرنج يُسمونه رومانيًّا لأنه كان غالبًا في الرومانيين أهل الإقدام
والهمَّة العالية، وهو أنف القواد والفاتحين، وقد سماه أفلاطون «الأنف
الملوكي» إشارة إلى أنه دليل القوة، ورسمه النحاتون والمصورون القدماء في
وجوه معظم الآلهة العظام، فهو أنف مينارفا وجوبتير وهركيل، وأصحابه يحبون
السيادة، ولهم همَّة تفلُّ الحديد وعزم لا يتقلقل ونفس كبيرة، لا يكترثون بصغائر
الأمور، كذلك كانت أنوف القواد العظام في سائر أنحاء العالم، فهو أنف
رعمسيس الثاني البطل المصري العظيم، وجثته باقية في المتحف المصري بالجيزة
يشاهدها من أراد، والشمم ظاهر فيها، وهو أنف شارلمان وشارلكان وكولمبوس
وكورتس والملكة إليصابات وولنتون، فضلًا عن قواد الرومان ومنهم يوليوس قيصر
شكل ٣٢ وبومبيوس
وغيرهم وهم كثار.
وأما العرب فقد كان الشمم يدل عندهم على معناه الأصلي؛ أي «الارتفاع والتكبر»، وهو صفة محمودة في الرجال يكنى بها عن الشهامة وعزة النفس، ومنه قول حسان بن ثابت الأنصاري في آل جفنة (بني غسان).
بيض الوجوه كريمة أحسابهمشمُّ الأنوف من الطراز الأولوقول كعب بن زهير:
شُمُّ العرانين أبطالٌ لُبوسهممن نسج داود في الهيجا سرابيلولا يُشترط فيما تقدم أن يكون صاحب هذا الأنف قائدًا حربيًّا أو ملكًا، ولكنه يكون عزيز النفس طلَّابًا للعلى طامعًا في المناصب، ولو كان امرأة أو صبيًّا، وكان الشمم في النساء عند العرب صفة محمودة، كقول الشاعر:
دعت نسوة شُمَّ العرانين بُدَّنًانواعم لا شُعْث ولا جفراتوقول الآخر:
وتريك عرنينًا به شممأقنى وخدًّا لونه وردوقول الفرزدق:
في كفِّه خيزران ريحه عبقمن كفِّ أروع في عرنينه شمم - (٢) الأنف اليوناني: سُمِّي بذلك لتغلُّبه في اليونانيين، وهو مستوٍ، يكاد يكون هو والجبين
على خط
واحد لولا انحدار خفيف تحت الحاجبين، مثل أنف إسكندر الأكبر شكل ٣٣ وهو دليل الدقَّة
والأناقة وسلامة الذوق في الفنون الجميلة مع حب الجمال بأنواعه، كذلك كان
اليونان، وتشهد بذلك آثارهم وتواريخهم، ولا يستلزم ذلك أن تكون تلك الخلال
عامَّة فيهم، ولكنها غالبة في أكثرهم، وخصوصًا في نسائهم، وهو الأنف اليوناني
من أقدم أزمانه إلى اليوم، وممن كان أنفه يونانيًّا من مشاهير المحدثين غير
اليونان ملتون الشاعر الإنكليزي وسبنسر ورافائيل المصور الإيطالي وكلود
وبيرون وشيلي وغيرهم من أرباب الفنون الجميلة، واشتهر من صاحبات هذا الأنف
كاترينة الثانية إمبراطورة الروس، وإيزابلا دي كاستيل وبياتريس، وهو أجمل ما
يكون في المرأة، ويناسب ما فُطرت عليه من الرقَّة وسلامة الذوق، فصاحبة هذا
الأنف سواء كانت في القصور أو في الأكواخ فإن الجمال يتجلَّى في كل ما يحيط
بها، والذوق يظهر في ثيابها وأثاث بيتها، وقد تزين قاعتها بأزهار حقيرة
فيخيل لك أنها مزدانة باللؤلؤ والياقوت، وربما كست وسائدها بالكتان وأنت
تحسبه حريرًا، وترى عليها الثوب القطن فتحسبه ديباجًا.
وهناك جماعة من كبار الرجال أنوفهم وسط بين الروماني واليوناني وأخلاقهم وسط بين أخلاق الأمتين، منهم قسطنطين الأكبر وألفريد الأعظم ووشنطون ونابوليون وريشيليو وغيرهم.
- (٣) الأنف الإسرائيلي: ويُسمونه أيضًا السوري نسبة إلى البلاد التي قطنها بنو إسرائيل، وهو
أقنى
أي مرتفع في وسطه، ثم ينضغط عند الطرف كالقنطرة، ويغلب في اليهود حيثما
وُجدوا، وتراه ظاهرًا جليًّا في وجه يوسيفوس المؤرخ الإسرائيلي المشهور شكل
٣٤، وهو كثير
الآن في سوريا، وخصوصًا في طرابلس الشام، وقد وجد ولكنسون العالم الأثري أن
آناف الفينيقيين كانت كذلك، وكثيرًا ما يشاهَد هذا الأنف في العرب البادية.
وبعض علماء الفراسة يُسمون هذا الأنف «الأنف التجاري» لاقتدار أصحابه في التجارة بأعم معانيها وهي اكتساب الأموال على سبيل المبادلة، والإسرائيليون مشهورون بذلك، والسوريون أهل تجارة من عهد أسلافهم الفينيقيين.
- (٤) الأنف الأفطس: هو ما تطأمنت قصبته وانفرشت مناخره، كما في الزنوج ونحوهم، وهو دليل
الانحطاط والضعف، وأصحابه ما برحوا من أقدم أزمنة التاريخ وهم أضعف الأمم
وأعجزهم عن الفتح، وما فيهم من يطلب العلى أو يلتمس السلطان ولا من يبني
القلاع أو الهياكل ولا من ينحت التماثيل أو يصور الصور.
ولم يشتهر من أصحاب هذه الأنوف إلا بضعة رجال، لا يستحق أن يسمى عظيمًا منهم إلا كوسيوسكو البولوني، على أن فطسه لم يكن بالأمر الكبير، وعلى كل حال إن الشاذ لا يقاس عليه.
- (٥) الأنف الأذلف: ونريد به الأنف المطمئن القصبة كالأفطس مع دقَّة الأرنبة حتى تنتهي برأس حادٍّ، وشكل هذا الأنف عكس شكل الأنف الإسرائيلي تمامًا؛ أي إنه مقعر من وسطه. ويُسمونه أيضًا «الأنف السماوي» أو «الأنف الباحث» وهو كثير في الأحداث وفي النساء، وصاحبة هذا الأنف تسأل عن البيضة من باضها، ولكنها خفيفة الروح. وكذلك الأطفال فإنهم كثيرو الاستفهام عن كل ما تقع أبصارهم عليه، ولا بد من التمييز بين الأنف الأذلف وما قد يشبهه من الأنوف الدقيقة الرأس وما فيها تقعير، وأما هذا فإن تقعيره يبدأ من أصل الأنف وينتهي برأس دقيق في طرف الأرنبة.
ولهم نظر آخر في الآناف من حيث حجمها وشكلها كعرض القصبة أو ضيقها، وطول الأرنبة أو قصرها، وعرضها أو ضيقها، وكبرها أو صغرها، وغير ذلك مما لا نرى الإفاضة فيه لضعف أدلته. ولكننا نقتصر على الإجمال في ذلك إتمامًا للفائدة.
فالأنف العريض يدل على القوة، فإذا كان الأنف رومانيًّا مع عرض في قصبته وأرنبته كانت دلائل ذلك الأنف أقوى فيه، وهكذا يقال في سائر أشكاله.
والأنف الدقيق الرأس مع استطالة يُسمونه «الأنف النبيه»، فإذا زاد طول الأرنبة غلبت في صاحبه السويداء، وهو كثير في رجال الكهنوت، ومن أصحاب هذه الأنوف إدموند سبنسر وجون نوكس ودانتي الشاعر الإيطالي المشهور شكل ٣٥. - (١) الأنف الروماني: يمتاز هذا الأنف بارتفاع قصبته وورود الأرنبة بحسن استواء القصبة، وهو
ما
يعبر العرب عنه بالشمم، على أن يكون بين أعلى الأنف وملتقى الحاجبين فرض
أو ميزاب عرضي كأنه حُزَّ بسكين، وهو دليل العظمة وعلوِّ الهمَّة عند كل الأمم.
فالإفرنج يُسمونه رومانيًّا لأنه كان غالبًا في الرومانيين أهل الإقدام
والهمَّة العالية، وهو أنف القواد والفاتحين، وقد سماه أفلاطون «الأنف
الملوكي» إشارة إلى أنه دليل القوة، ورسمه النحاتون والمصورون القدماء في
وجوه معظم الآلهة العظام، فهو أنف مينارفا وجوبتير وهركيل، وأصحابه يحبون
السيادة، ولهم همَّة تفلُّ الحديد وعزم لا يتقلقل ونفس كبيرة، لا يكترثون بصغائر
الأمور، كذلك كانت أنوف القواد العظام في سائر أنحاء العالم، فهو أنف
رعمسيس الثاني البطل المصري العظيم، وجثته باقية في المتحف المصري بالجيزة
يشاهدها من أراد، والشمم ظاهر فيها، وهو أنف شارلمان وشارلكان وكولمبوس
وكورتس والملكة إليصابات وولنتون، فضلًا عن قواد الرومان ومنهم يوليوس قيصر
شكل ٣٢ وبومبيوس
وغيرهم وهم كثار.
- بروز الأنف: ويراد به بروزه بجملته في صحيفة الوجه، وهو يدل عندهم على القوة والهمَّة، وبروزه على أشكال، وكلها تدل على ميل أصحابها إلى الخصام أو الجدال أو المناظرة، وقد قسَّموا ذلك فيهم إلى ثلاث درجات: (١) الدفاع عن النفس، (٢) الدفاع عن الأهل، (٣) التعدي. وقسَّموها بهذا الاعتبار إلى «الأنف المدافع عن النفس» و«الأنف المدافع عن الأهل» و«الأنف المتعدي.»
فالأنف المدافع عن النفس يمتاز بعرض ثلثه الأخير فقط، وصاحبه لا يهاجم ولكنه متهيء للدفاع عن نفسه، يحب الجدال ولكنه سريع الغضب ولا يريد أن يمسه أحد، وإذا حاربه أحد في أرضه ثبت في الدفاع إلى الموت، وهو ثابت في جداله وفي الدفاع عن كل ما يمس كرامته.
وأخيرًا إن اتساع المناخر مع عظم الأرنبة يدلان على القوة والثبات للأسباب التي قدمناها في كلامنا عن علاقة الأنف بالتنفس.
ولا يخفى أن ما فصَّلناه من آراء علماء الفراسة في دلالة الأنف لا يتفق وقوعه على وضوحه إلا نادرًا؛ إذ يغلب أن تكون أشكال الأنوف مشتركة بين نوعين فأكثر، فلا يصح إبداء الحكم في أخلاق أصحابها قبل التروي والمقابلة واعتبار التقاطيع الأخرى.
وأحسن الأنوف دلالة على الأخلاق عند العرب «الأنف الحسن الوضع المعتدل المناسب في خلقه من مقدار أرنبته وقصبته ومنخريه وتوسطه في الكبر والصغر والطول والقصر والكثافة واللطف وضيق المنخرين وسعتهما وحسن لونه وتخاطيطه ولطف اتصاله بالجبهة وتوسطه بين الشمم والورود بالأرنبة إلى جهة الفم وسرعة التنفس منه وبطؤه، على أن يكون طيب الرائحة لين المجسَّة نقي البشرة من الشامات والخيلان والشعر الزغبي والرطوبة السائلة واليبوسة الجافة، لا أحدب ولا مستوي القصبة بالجبهة ولا منفصلها ولا أفطس ولا رقيق الأرنبة قائمها ولا مقلص من الشفة العلية ولا قريب من طرفها.»
فراسة العين
قال حيص بيص الشاعر العراقي:
وقال صُرَّدُرَّ:
وقال التعاويذي:
وقال أحد أدباء العصر:
وقال أمرسن الفيلسوف الأميركاني: العيون تنطق بكل لسان، ولا تحتاج في أحاديثها إلى ترجمان، لا ميزة عندها بين الأعمار أو المناصب أو الأجناس، ولا عبرة لديها بالغنى أو الفقر، بالعلم أو الجهل، بالقوة أو الضعف، ولا تفتقر في التعارف إلى وسيط كما يفعل الإنكليز، بل هي تقدم نفسها إليك وتخاطبك وتباحثك، فتوحي إليك في لحظة ما لا يستطيعه اللسان في أيام.
يتحادث الناس بعيونهم كما يتحادثون بألسنتهم، على أن حديث النواظر أفصح الحديثين؛ لأنه يدور في لغة عامَّة لا نحتاج في تعلمها إلى قاموس، إذا قالت العين قولًا وقال اللسان آخر فالصادق هي لا هو، والعمدة على قولها لا على قوله، وقد تُجادل امرأً في شأنٍ فينكر عليك رأيك بلسانه وعيناه تعترفان به، وتدل العين على ما سيقوله اللسان من خير أو شر قبل أن يتكلم، وكم من عيون تسطو عليك بلا ذنب وتنظر إليها فتحسبها تدعو الشرطة للقبض عليك؟ تلك عيون وقاك الله من شرها.
وللعين دلالات يقصر عنها اللسان، فمنها العيون المريبة والواثقة والخائفة والجريئة، ومنها النافذة الكلمة والضعيفة الحجة، ومنها الوديعة والمتكبرة والمتمدنة والمتوحشة. والعينان تدلان على منزلة صاحبهما في طبقات الهيئة الاجتماعية ولو حاول اللباس إخفاءها …
ناهيك بما قد تتقلب فيه باختلاف ما يطرأ عليها من العواطف، فهي تحمرُّ من الغضب، وتبرق من الانعطاف، وتذبل من العشق، والعرب كثيرو التغزل بالعيون الذابلة، وهم يصفونها بالانكسار والفتور والسقام والكسل والمرض، قال ابن معتوق:
وقال عنترة:
وقال شهاب الدين الإعزازي:
وقال جرير:
وللعرب ألفاظ يعبرون بكل منها عن حال من أحوال العين باختلاف العواطف، فعندهم «الشزر» نظر العدو، و«التوضُّح» نظر المستثبت، و«الإرشاق» النظر بشدة، و«الشَّفْن» نظر المتعجب، ويقولون «حمَّج» لمن يفتح عينيه للتهديد، و«حدَّج» لنظر الخوف، وغير ذلك مما يدل على اختلاف ظواهر العين باختلاف العواطف مما لا يحتاج إلى زيادة بيان، فالعين أدلُّ سائر الأعضاء على الأخلاق.
-
حجم العين: أول ما يستلفت نظرنا في العين حجمها، وهي تتفاوت في ذلك تفاوتًا كبيرًا، من الخوصاء
(الغائرة الصغيرة) إلى النجلاء (الواسعة الكبيرة) وبينهما درجات، وما زال الناس من قديم
الزمان يمتدحون العين الكبيرة ولا سيما في النساء، ومن أكثر الأمم إعجابًا بها العرب.
فهي عندهم عنوان الجمال، وقد شبهوا المرأة الجميلة ببقر الوحش وبالغزلان؛ لكبر عيونها،
وأشعارهم أصدق الأدلة على ذلك، قال بعضهم:
ما أطيب الموت في عشق الملاح كذالا سيما بجفون الأعين النُّجْل
وقال الآخر:
لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعتبرشفة من زلال الأعين النُّجْلوقال الآخر:
عيون المها بين الرصافة والجسرجلبن الهوى من حيث أدري ولا أدريوقال مجنون ليلى يخاطب ظبية قبض عليها:
عيناك عيناها وجيدك جيدهاولكن عظم الساق منك دقيقوغير ذلك شيء كثير.
وكبر العين في الفسيولوجيا قياس اقتدارها على النظر، قالوا: ولذلك فهي كبيرة في الغزال والأرنب والهر من ذوات النظر القوي وصغيرة في الخنزير ووحيد القرن وغيرهما من ذوات البصر الضعيف، وأما الفراسة فإنه يدل فيها على اليقظة وصفاء الذهن، فمن كبرت عينه كان سريع الانتباه، وعندنا أن تلك الخلال لا تتوقف على حجم العين بل على صفائها ومائيتها مما لا يمكن تصويره على الورق.
-
جحوظ العين وغورها: يراد بجحوظ العين بروز المقلة نحو قصبة الأنف، كما ترى في الشكل ٣٩، وهو ضد الغور شكل ٤٠ ويستدلُّون بجحوظ العين على اقتدار
صاحبها في تعلم اللغات، وأصحاب العيون الجاحظة أهل فصاحة في الخطابة وسهولة في الكتابة،
ولكنهم ينظرون في الأمور إجمالًا، وقلَّما يبحثون في دقائقها، وبعكس ذلك ذوو العيون
الغائرة فإنهم إذا نظروا في أمر تفهَّموا جزئياته، ولكنهم قلَّما يعمِّمون نظرهم.
- سعة العين: يتوقف الجمال في العين على طولها لا على سعتها، ولكن سعة العين تساعد على توسعة المساحة التي يقع عليه البصر، ولذلك كان صاحبها واسع النظر ولكنه قليل الاستيضاح. فواسعو العيون يرون كثيرًا ويفتكرون قليلًا، وطوال العيون يرون قليلًا ولكنهم يتفهمون المرئيات جيدًا.
- اتجاه العين إلى الأعلى: إن التطلع إلى الأعلى يشبه شخوص العين إلى السماء في أثناء الصلاة، إذ يخيل للمصلي أنه يخاطب العزة الإلهية، وذلك شأن المصلين ولو كانوا من غير الموحدين، فإن الوثنيين وعبدة النار إذا صلوا أرسلوا أبصارهم إلى السماء، فمن كانت حدقة عينه متجهة نحو الأعلى كان متزلفًا كثير التوسل يظهر الدعة والمذلة.
- الإطراق: أما من كانت حدقة عينه شاخصة إلى الأسفل بما نعبر عنه بالإطراق فهو وديع متواضع حقيقة، وكأن لسان حاله يقول: «ولا بد من التواضع والدعة قبل القدوم على التوسل والصلاة.» والمصورون يرسمون عيني العذراء مريم مطرقة إشارة إلى وداعتها.
- الأجفان: الجفن المنكسر أو المكبوب: ما كان فيه ميل إلى الإطباق، وأصحابه أهل وداعة وضمير حي، وهم أقرب الناس إلى التوبة والرجوع عن الخطأ.
- تجعد الآماق: يستدلُّون على أمانة الرجل من تجعدات تتشعع من موق عينه الخارجي، ويقولون إن من كانت هذه التجعدات فيه واضحة كان صفيًّا وفيًّا إذا وعد وفى.
- ألوان العين: ويراد بها ألوان الحدقة، وهي كثيرة لا تكاد تُحصى؛ لأنك يندر أن ترى عينين في شخصين بلون واحد تمامًا، ولكنهم قسَّموا العيون من حيث ألوان حدقاتها إلى قسمين كبيرين: العيون الزاهية اللون (الفاتحة) والعيون القاتمة (الغامقة)، ويقولون بالإجمال: إن العيون ذات الألوان الزاهية تدل على اللطف، وذات الألوان القاتمة تدل على القوة، وقد تكون القوة في هذه كامنة لا تظهر إلا عند الاقتضاء، كأنها نار تحت رماد، ويغلب في أصحاب العيون القاتمة أن يكونوا من أهل الأقاليم الحارَّة، وهم في الغالب سُمْرٌ خشنو البشرة مع قوة الإرادة وشدة العواطف، وأما أصحاب العيون الزاهية فهم أهل الأقاليم المعتدلة والباردة، وهؤلاء قد تهيج عيونهم حبًّا ولكنها لا تتوقد، ويرافق هذه العيون غالبًا بياض البشرة وخفَّة الشعر، ويغلب فيهم لطف المزاج وسلامة الذوق ولين العريكة وسرعة الحركة، ويؤيد ذلك أن أصحاب العيون الزاهية أعرق في المدنية من أصحاب العيون القاتمة، وإذا اتفق زهاء لون العين وقتوم لون الجلد في رجل فإنه يجمع القوة واللطف معًا، ومتى عرفت دلالة كل من هذين القسمين بوجه الإجمال علمت ما قد يتوسط بينهما من الألوان المتفاوتة بين الزهو والقتوم.
- الإقليم وألوان العيون: للإقليم تأثير شديد على ألوان العين، فمن كان أزرق العينين وأقام في بلاد حارَّة تميل عيون أولاده وأحفاده إلى القتوم حتى تسودَّ، فإذا انتقل هؤلاء الأعقاب إلى بلاد أجدادهم ولدوا أولادًا زرق العيون، ويشبه ذلك ما يحدث في ألوان البشرة، ولكن تأثير الإقليم أسرع ظهورًا في العينين، ويقال مثل ذلك في ألوان الشعر، ولنأتِ الآن إلى الكلام في ألوان العين بالتفصيل.
-
العيون الزرق: يتغزل شعراء الإفرنج بالعيون الزرق كما يتغزل العرب بالعيون السود، وكلٌّ معجب بما
عنده، فالإفرنج يرون الجمال في العين الزرقاء ويشبهونها بالسماء الصافية وينسبون إليها
كل عوامل الجمال، وبعكس ذلك العرب فإنهم يستدلُّون بزرقة العيون على سوء الأخلاق، ويقولون
إن الزرقة دليل البلادة والكسل، ومن أشعارهم قول بعضهم:
مرَّا على أهل الغضا إن بالغضارقارق لا زرق العيون ولا رُمْدا
على أن بعضهم مدح العيون الزرق لسبب طارئ كقول ابن نباتة:
لك يا أزرق اللواحظ مرأىقمري أضحى على الخلق يبهييا لها من سوالف وخدودليس تحت الزرقاء أحسن منهاوأما أقوالهم في مدح العيون السود فأكثر من أن تُحصى، منها قول أبي الفتح سلام:
سويدا مقلتيه رمت سويدافؤادي إذ لها أضحت تغايرأصابتها ونادت يا لقوميقفوا وتأملوا فعل الضرائروقول البدوي:
بالمقلة السوداء عقلي ذاهبلا سيما والطلعة القمراءإن كان بالزرقاء جُنَّ خلائقفأنا جنوني كان بالسوداءوقول أبي القاسم بن المحسن:
إن العيون السود أقوى مضربًامن كل هنديٍّ وكل يمانفضل العيون على السيوف لأنهاقتلت ولم تبرز من الأجفانوأقبح العيون الزرق عند العرب ما كان على بشرة سمراء أو سوداء، ومن هذا القبيل زعمهم في وصف الغول بأنه أسود البشرة أزرق العينين، كقول عنترة العبسي:
والغول بين يديَّ يخفى تارةويعود يظهر مثل ضوء المشعلبنواظر زرق ووجه أسودوأظافر يشبهن حدَّ المنجلويدل ذلك على أن خصائص العيون ليس في ألوانها، وإنما هي في صفائها وكُدورتها، في حركاتها وسكناتها، في إشراقها وبُهوتها، مما لا يعبَّر عنه بالصور ولا بالكلام، وإنما هو سحر لا يُستدل عليه بغير العواطف.
-
العيون السود: ذكرنا إعجاب العرب بهذه العيون، وأما الإفرنج فإنهم يقسِّمونها إلى
أقسام: (١) العين الصغيرة البراقة التي تبدو كالخرزة السوداء، (٢)
العين الغائرة المتوقدة، (٣) اللينة المتحركة مع نعاس، (٤) لكبيرة مع
جمال الشكل وحسن الوضع. فالأولى عين الجميل المعجب بجماله الباطل،
والثانية عين المحب المخلص في حبه، والثالثة عين التُّرك، وتكثر في
نساء الأتراك (الهوانم).
فالأولى عين الجميل المعجب بجماله الباطل، والثانية عين المحب المخلص في حبه، والثالثة عين التُّرك، وتكثر في نساء الأتراك (الهوانم).
وأما الرابعة فإنها أجمل العيون وأشدها خطرًا على القلب، تبدو لك هادئة كالماء العميق والعواطف تتدفق من جوانبها، وكأنك ترى شرر الذكاء يتطاير من بين أهدابها، تلك هي العين التي لا تحتاج إلى ترجمان ويندر أن تعرف الابتسام، تخترق جدار الصدر حتى تقع على القلب فتصيب فيه مقرًّا رحيبًا ثم لا تتركه إلا صريعًا، تلك هي عروس الشعر العربي، هي العيون الدعجاء النجلاء التي تجرد السيوف وترمي السهام، قال المتنبي:
عزيزٌ أسى مَن داؤه الأعين النجلُعياء به مات المحبُّون من قبلُوما هي إلا نظرةٌ بعد نظرةٍإذا سكنت في قلبه رحل العقلوقال الآخر:
رمي بسهام مقلته فأرمىغزال فاتن الألحاظ أَلْمَىوقال الخباز:
أين السيوف من العيون تشابهًاغلطًا وإن كانت بصقلٍ تلمعإن السيوف قواطع بصقالهاإلا العيون إذا تصدَّت تقطعوفي هذه العيون معانٍ لا يمكن التعبير عنها، ويغلب أن يكون صاحبها نافذة الكلمة قوي الحجة، إذا نظر إليك تسلط على أفكارك وشعرت بشيء يقودك إليه، كذلك كانت عينا المرحوم جمال الدين الأفغاني شكل ٤١.ولعل هذا هو السبب في تعبير العرب عنها بالسحر، وقد أفاض الشعراء في وصفها، قال ناصر الدين بن قلاقس:
بالله أقسم لولا سحر مقلتهوحسنه خلت الدنيا من الفتنوقال ابن كيوان:
بعينيه سحَّارًا يعلمني السِّحراويوحيه لي نثرًا فأنظمه شعرًاوليس بقولي إن في اللحظ ساحرًامبالغة لا والذي خلق السحراوقال آخر:
عيونٌ عن السحر المبين تُبينلها عند تحريك الجفون سكونإذا أبصرت قلبًا خليًّا من الهوىتقول له كن عاشقًا فيكونويقوى سلطان العيون النجلاء الدعجاء إذا كانت في وجوهٍ بيضٍ فتزيدها جمالًا وقوة، وهو منتهى الجمال عند العرب، ومن ذلك صفة الحور عندهم وهن بيض الأجسام سود العيون.
- العيون السمراء: والعرب يُسمونها أيضًا الخضراء، ولها جمال خاص بها يختلف باختلاف ما يبدو فيها من الحركة والسكون، فإذا تحركت كان صاحبها ميالًا إلى السرور، على أن هذا اللون يتفاوت كثيرًا في مقداره، وقد تخالطه حمرة أو خضرة أو غير ذلك، فيتكون منها العيون الشهلاء والشعلاء والصفراء والعسلية والزرنيخية والرصاصية والرمادية والسنجابية، وغير ذلك مما لا يمكن حصره، وينسبون إلى كل منها دلالة على أخلاق صاحبها مما يطول شرحه ولا نرى فيه فائدة فنقتصر على الشهلاء منها.
- العيون الشهلاء: يقولون أن أصحاب العيون الشهلاء أصحاب عواطف وذكاء، فإذا كان صاحبها امرأة كانت سهلة القياد مع تغلب العقل على العواطف، شديدة الانعطاف إلى زوجها تؤثر رضاه على كل شيء، قليلة الكلام كثيرة العمل، وجماعة كبيرة من عظماء الرجال وخصوصًا قواد البحار كانوا من أصحاب هذه العيون.
-
ملامح العين: نريد بملامح العين ما يبدو فيها من المعاني والأمارات أو الأشعة والأظلال مما لا يمكن
رسمه ولا وصفه، فإنك تنظر إلى الرجل فتتوسم في عينيه الذكاء أو البلادة أو الصداقة أو
العداوة أو السذاجة أو الدهاء، ومن هذا القبيل قول بطرس الرسول في وصف أصحاب الشهوات:
«لهم عيون مملوءة فسقًا.» وقِس على ذلك.
ولو سئلت عن بيان ذلك ما استطعت إلى وصفه سبيلًا، وفي هذه الملامح الفراسة الحقيقية للعين؛ إذ قد يكون الذكاء في العيون على اختلاف أقدارها وأشكالها وألوانها، وكذلك البلادة أو السذاجة أو الدهاء، فالعين في اعتقادنا أكثر الأعضاء دلالة على الأخلاق، وإذا كنا لا نستطيع بسط ذلك أو تصويره واضحًا جليًّا فلأن تلك المعاني لا صورة لها ولا شكل.
-
الأجفان المرتعشة: من الناس من يخاطبونك ولا يستطيعون التطلع إلى وجهك ولا التفرس في عينيك، وقد ينظرون
إليك وأجفانهم ترتعش كأنهم يستحيون منك أو يخافون النظر إليك، فأولئك هم أهل الخبث
والرياء، كأن الرجل منهم يخاطبك في شأن وفكره يشتغل في تدبير مكيدة أو نصب أحبولة، وهي
الأجفان التي أرادها أبو الطيب المتنبي وهو يهجو إسحاق بن إبراهيم بن كيغلغ،
قال:
وجفونه ما تستقر كأنهامطروفة أو فتَّ فيها حصرم
ولا بد من التمييز بين ما قدمناه وما قد يشبهه في بعض النساء العصبيات اللواتي قد يكففن البصر حياء أو عياء.
وأجمل صفات العين عند متفرسي العرب أن تكون «متوسطة في الحجم ساكنة في مركبها تَرِفَة في نظرها، والتي لم تتفرق أشفارها ولم تضِق ولم يضعف إنسانها، وتكون صافية من الكدر نقية من النقط لينة حسنة في بريقها كامنة العروق معتدلة في الطرف بالجفن نجلاء الأشفار يخالطها السرور والمهابة، بياضها نقيٌّ وسوادها نقيٌّ، لا عظيمة ولا صغيرة، ولا غائرة ولا جاحظة، ولا شاخصة كالجامدة ولا سريعة التقلب كحركة الزيبق، ولا ناتئة الحدقة ولا صغيرتها ولا كبيرتها ولا واسعتها، ولا مختلفة الوضع في البياض والسواد، وتكون رطبة المنظر من غير ضعف ولا علة، شهلاء أو خفيفة الشهولة أو كحلاء أو شعلاء خفيفة الشعولة، شحيمة الجفن الأعلى والأسفل، ملوَّزة الوضع سوداء الحدقة الفاصلة بين بياضها، وقل أن تجتمع في عين هذه الأوصاف كلها بل غالبها، فاجعل هذه العين الموصوفة أنموذجًا واحكم لها أن صاحبها يكون حسن الطبع جيد العقل غزير المروءة وكثير الخير قوي الفطنة متصفًا بكل خلق فاضل.»
فراسة الحواجب
يقسِّمون الحواجب من حيث أشكالها إلى أربعة أقسام: (١) الحواجب المتحدة في خط واحد، (٢) الحواجب المتحدة في قوس واحدة، (٣) الحواجب المقوسة المستقلة، (٤) الحواجب المنفرشة. ولهذه الأشكال تنوعات شتى لتفاوت كل منها بالثخن والطول.
-
(١)
الحاجبان في خط واحد: وذلك أن يقترن الحاجبان عند أصل الأنف فيتألف منهما خط ذاهب في عرض الجبهة شكل ٤٢ وقد يذهبان في خط واحد ولا يقترنان، وتغلب هذه الحواجب في الرجال وتندر في النساء، وهي دليل الحسد، فإذا رافقها غور العينين واسودادهما مع خشونة الملامح كان صاحبها كتومًا عبوسًا عاتيًا ظالمًا سيئ الخلق طماعًا.
-
(٢)
الحاجبان في قوس واحدة: وقد يستطيل الحاجبان نحو جانبي الوجه ويرتفعان من الوسط حتى يتكون منهما قوس واحدة شكل ٤٣ وصاحب هذه الحواجب لطيف المزاج رقيق الخلق خفيف الروح، ولكن يغلب فيه العبوسة كأنه سوداوي المزاج.
-
(٣)
الحاجبان في قوسين مستقلتين: وهذا هو الغالب في أشكال الحواجب في النساء والرجال شكل ٤٤ ويكون في النساء دقيقًا مزججًا وهو ما يعبر العرب عنه بالحواجب النونية لمشابهتها بحرف النون، كقول عنترة:وبحاجب كالنون زين وجههاوبناهدٍ حسنٍ وكشحٍ أهضم
وقول الآخر:
وحاجبه نون الوقاية ما وقتعلى شرطها فعل الجنون من الكسرومثله قول الآخر:
وجبينها صلتٌ وحاجبهاشخْتُ المخطِّ أزجُّ ممتدفهو من محسِّنات النساء ودليل الخلق الحسن.
وأما في الرجال فإذا ثخن واقترن بالحاجب الآخر أو لم يقترن فصاحبه يقظان سريع الانتباه كثير الحذر شكل ٤٥. -
(٤)
الحواجب المنفرشة: ويراد بها انفراش شعر الحاجب من طرفه وذهابه إلى الوراء شكل ٤٦ وهي تدل على خلق ناقص، وقد يكون شعر الحاجب مسترسلًا إلى الأسفل بدلًا من الأعلى أو الوراء. ولا بد من التمييز بين هذه الحواجب والحواجب المقوسة المسترسلة فوق العينين، وأصحابها في الغالب أهل شجاعة وقوة وهيبة وصبر، كالأمير بشير الشهابي الكبير شكل ٤٧.
وأفضل الحواجب عند متفرسي العرب «الحاجب الممتد المعتدل الحسن الوضع والنبات للشعر وتناسب الطرفين مع دقَّته وارتفاع مؤخَّره إلى جهة الصدغ وبلَجِه وارتفاعه عن العين قليلًا.»
على أنك قلَّما تجد حاجبين على أحد الأشكال الأربعة التي قدمناها تمامًا، والغالب أن تكون أشكال الحواجب مشتركة بين اثنين منها أو أكثر، ولا بد من الانتباه قبل الحكم، على أننا لا نستحسن الحكم على الحواجب مجردة عن العيون، بل لا بد من اعتبار الاثنين معًا، وهو مما يزيد الفروع ويكثر الأشكال.
فالشكل الأول من أشكال العيون السبعة المرسومة أمامك يدل على ميل إلى الموسيقى والشعر وسائر الفنون الجميلة مع ذكاء وحدَّة، وقد تكون أجفانها مطبقة أحيانًا كما في الشكل الثاني، ولكن التفاتها إلى فوق على ما في الشكل الأول يدل دلالة واضحة على ميل تلك الفتاة إلى الفنون الجميلة.
وترى في الشكلين الثالث والرابع مشابهة من بعض الوجوه، فالأخلاق فيهما متشابهة، وتدل هذه العيون على ميل صاحبتها إلى الدلال والترف والقَصْف، إلا أن صاحبة الشكل الثالث تحاول إخفاء أميالها والتلبس بالحشمة والرزانة والحق ظاهر من وراء ذلك.
ويدل الشكل الخامس على عيني فتاة يغلب الجد على طباعها فتأنف من المزاح وتبعد عن المجون، فهي غير صالحة للزواج؛ لأنها لا تُرضي زوجها ولا هو يرضيها ولو كان أغنى من قارون وأحكم من سليمان، بل هي أصلح للتمريض في المستشفيات أو التدريس في المدارس.
وأما عينا الشكل السادس فأخلاق صاحبتهما كأخلاق الكَهْلات العَزَبَات اللواتي يدركن الكهولة ولا يتزوجن وإن تكن هي لا تزال في إبان الشباب، وأوضح الأدلة على هذا الخلق تقوس الحاجب كما في هذا الشكل.
أما الشكل السابع وهو الأخير فعيناه عينا فتاة تصلح للزوجية وخصوصًا لمن كثرت أشغاله وبعدت مطامح أغراضه، فكأن اعتدال حاجبيها يدل على اعتدال أخلاقها واقتصادها وتدبيرها.
وقد يهتم العزَّاب في هذا الموضوع أكثر من المتزوجين؛ لأنهم يستعينون به على اختيار الزوجات، فليتبصروا لئلَّا يخلطوا بين الأشكال أو يحسبوا هذه القواعد بلا استثناء، فضلًا عمَّا تؤثره التربية والتعليم مما قد يقوم مقام خلق جديد، أما إذا ثارت ثائرة الغضب أو اتقدت شعلة الحدَّة فيرجع كل خلق إلى أصله.
فراسة الخد
تختلف دلالات الخدود باختلاف أشكالها وألوانها، وكلاهما يتوقف على حال الصحة ونوع المزاج، وعلى شكل الخد يتوقف شكل الوجه، فيقال بالإجمال: إن الوجه المستدير إذا كان فيه لونٌ دلَّ غالبًا على صحة أعضاء التغذية وقوتها وكان صاحبه حيوي المزاج، وإذا كان الوجه مستديرًا مع بهوت اللون كان صاحبه ليمفاوي المزاج، وقِس سائر أشكال الوجوه على ما قدمناه في باب فراسة الأمزجة وأشكال الوجوه؛ لأن شكل الوجه يتوقف على شكل الخد.
- الاستحياء: من الناس من إذا استحيى من عمل أو سمع ما يخجله تصاعد الدم إلى وجهه حتى تتورَّد وجنتاه، وهو غالب في النساء، ويدل ذلك على لطف الخلق ودقَّة الشعور، وهو يكاد يكون خاصًّا بالشعوب المرتقية، ولا أثر له في الزنوج ونحوهم، وقد ذكر بعضهم أن السُّرِّيَّة الشركسية إذا كانت ممن يصبغ الحياء وجوههن عند الخجل تضاعف ثمنها.
- النونة: وهي تدل في القاموس على النقرة في ذقن الصبي، ومثلها «الفحصة»، ولكننا نريد بها هنا دارة تبدو في الخد عند الضحك، ويسميها العامَّة «الغمازة»، وهي تدل على ميل صاحبها إلى السرور مع بساطة القلب وسلامة النيَّة بما يقرب من سجايا الأحداث.
-
الصدغ: وهو ما بين العين والأذن، وتعاظُمه يدل عند علماء الفراسة على اقتدار خصوصي في مهنة
الطب، فمن كان صدغه بارزًا كان ميالًا إلى الطب، فإذا تعلمه برع فيه.
وعندهم دلالات أخرى لكل من أجزاء الخد وأشكالها مما لا نرى فائدة من نقله لإسناده إلى مجرد الحدس.
-
الوجنة: الوجنة ما ارتفع من الخد، ويسميها العامَّة كرسي الخد، ويزعم بعض علماء الفراسة أنها
إذا
برزت واتسعت شكل ٤٩ كان صاحبها
شديد الدفاع عن نفسه وعن أهله وذويه، ويغلب في أصحابها أن يكونوا من رجال الحرب وبناة
الحصون والمعاقل، وهي عظيمة في الصينيين، وهم مشهورون بميلهم إلى بناء الأسوار والجدران،
وكذلك أهل هولندا وهم مضطرون إلى الدفاع عن بلادهم ببناء الجسور والسدود خوفًا من
البحر، ومن أشهر قوادنا عثمان باشا الغازي، ووجنته واسعة شكل ٥٠.
وأفضل الأوجه الدالة على الخلق الحسن عند متفرسي العرب «الوجه المزهر المتهيب المعتدل في تكوينه ولونه ووضع عينيه وأذنيه وتخطيط أنفه وظهور البِشر والسرور على أسرَّته.»
فراسة الجبهة
إن الكلام في فراسة الجبهة تابع للكلام في فراسة الرأس (الفرينولوجيا)، وسيأتي الكلام عليه، ولكننا نأتي هنا على بعض الخصائص المتعلقة بالجبهة وحدها.
إذا تفرست في جباه الناس لا تجد جبهتين في شكل واحد وقياس واحد تمامًا، ولا بد من اختلافها بعضها عن بعض إما بالسعة أو بالبروز أو بالاستدارة أو بالتغضن أو بالانكباب أو الانبساط أو الانبطاح أو الإشراف أو الجلح أو الخسوف ونحو ذلك، ولهذه الاختلافات عندهم دلالات مختلفة.
-
سعة الجبهة: معلوم أن مقر العقل في الدماغ، والدماغ في أعلى الرأس، وسعة الجبهة تدل على كبر الرأس،
فتكون سعة الجبهة دليل العقل، على أن سعتها لا تدل دائمًا على ذلك؛ لأن العمدة في حكمنا
إنما هي على مقدار الدماغ في الرأس وعلى نسبته إلى بقية أجزاء الرأس.
وقد يتبادر إلى الذهن أن الفرق بين العقول أكثر كثيرًا من الفرق بين الجباه، ولكننا إذا قابلنا بين الجباه بالقياس العياني فنرى الفرق أكثر كثيرًا، كما يظهر ذلك من النظر إلى الشكلين ٥١ و٥٢ فهل يصعب عليك الحكم في أي المرأتين أعقل؟ ومن ينظر في الشكل ٥٣ ولا يحكم قطعيًّا ببلاهة صاحبه؟!ومع ذلك فإن أنبه الحيوانات وأذكاها لا تبلغ جبهته بالكبر مبلغ جبهة البُله من الآدميين، وحجم الجبهة يتدرج في الآدميين بتدرجهم في مراتب المدنية، فهي أعظم في القوقاسي مما في الأوسترالي، وأكبر في هذا مما في الزنجي، وهو أمر مشهور، ولو تفحصت جباه أعاظم الرجال لرأيتها كبيرة واسعة، نكتفي بالإشارة إلى أشهرهم مثل نابوليون وشكسبير وملتن وغوتي وفرنكلين وسبنسر شكل ٥٤ وهكسلي، وعندنا من أصحاب هذه الجباه أديب إسحاق شكل ٥٥ ونامق كمال بك شكل ٥٦.
-
تغضُّن الجبهة: ونريد به ما يظهر في عرض الجبهة من الثنيات المتوازية كما في شكل ٥٧ وصاحبها ميال إلى عمل الخير
يشارك الناس في مصائبهم وأتعابهم، وهي أظهر في الرجال مما في النساء، وإن كان النساء
أشد
شعورًا مع الناس من الرجال ولكن هؤلاء أكثر عملًا في إعالتهم.
تغضُّن ما بين الحاجبين: إذا أقطب المرء حاجبيه تكوَّن بينهما تغضُّن عمودي يختلف باختلاف الناس، فقد يكون خطًّا مفردًا أو مزدوجًا أو بضعة خطوط، ولكل منها دلالات.فإذا أشرف التغضن فوق الأنف وكان متعددًا كان صاحبه متعقِّلًا حازمًا، وإذا كان مفردًا دل على شرف النفس والأَنَفة، وإذا كان مزدوجًا شكل ٥٨ كان صاحبه طلابًا للعدل لا يطيق الضيم، يحكم بالإنصاف ولو على نفسه، كذلك كان لوثيروس المصلح المسيحي المشهور، وكان التغضن بين حاجبيه مزدوجًا شكل ٥٧.
وأفضل الجباه دلالة على الأخلاق الحسنة عند العرب «المعتدلة الموافقة لوجه صاحبها، التي ليس فيها تربيع ولا تعجرف، ولا هي مسحاء إلى الرأس ولا مشرفة على الوجه، ولا عظيمة ولا صغيرة، ولا ضيقة ولا واسعة، ولا طويلة ولا جلحاء، ولا قصيرة الشعر ولا مستدقَّة، ولا هي مخفَّة ولا خشنة، ولا شعر الرأس مالك أعلاها بكثرة، بل مستوية الخلق لينة عالية في وضعها حسنة المنظر نقية من الشامات ومن الخيلان ومن الشعر النابت بها كالزغب.»
فراسة العنق
يظهر من ملاحظة أحوال الطبيعة أن ما كان من الحيوان ضعيفًا سقيم الطبع يكون ذا عنق طويل، فالزرافة والنعامة مثلًا قد خُصَّتا بطول العنق؛ لما تحتاجان إليه من بُعد النظر، لسلامتهما من الآفات، ومن المعلوم أنهما يشتركان والطيور الطويلة الأعناق في الجبن والضعف مع اللطف.
والأرانب بما هي عليه من الجبن قد خُصَّت بطول الآذان وبعد النظر وظل عنقها قصيرًا، لأنها لا تأوي السهول بل تَخلد إلى مهاوي الأرض وثقوبها؛ ولذا لم تكن في حاجة إلى بعد النظر فلم تكن حادَّتهُ، على أن حاسَّة السمع فيها بالغة حدًّا عظيمًا لحاجتها إليه، فترى آذانها مستطيلة غضفاء.
قابل هذه بالشجاع القوي من الحيوان، كالجاموس والأسد والثور، فتراها قصيرة الأعناق غليظتها، ومن الحكمة البالغة أن القوي من الحيوان ليس بالسريع الجري لكي يستطيع الضعيف النجاة من مخالبه، فالقوي بطيء الحركات والضعيف سريع الخطو.
فالجبن واللطف والضعف مقرونة بطول العنق ودقته، والقوة والقسوة والثبات ملازمة قصير العنق وغليظه، وبين هذين الطرفين أشكال وأحوال مختلفة.
وأما الرقاب الدقيقة فأصحابها نحاف لطاف مع جبن، وهي أكثر في النساء مما في الرجال، والفرق بين الجنسين مشهور، والعرب تشبه العنق الطويل بعنق الظباء ويعدونه من دلائل الجمال، كقول بعضهم:
وقال الآخر:
وأحمد الأعناق دلالة على الخلق الحسن عند العرب «أن يكون العنق معتدلًا بين الدقَّة والغلظ وبين القصر والطول، وأن يكون سبطًا لدِنا خفيَّ العروق والودجين والقصبة والحنجرة والفقار وحسن اللون مستوي المغرز.»
فراسة الأذن
الأذن آلة السمع، فإذا كانت عظيمة دلَّت على قوة حاسَّة السمع في صاحبها، وكبر الأذن يستلزم كبر الأيدي والأرجل وسائر الأعضاء، والعكس بالعكس، وقد وجدوا بالاستقراء أن عمال البر ورجال الإصلاح يغلب أن يكونوا كبار الآذان، كالأب متَّى أحد دعاة الدين العظام، وكذلك كوبر وماسون وغريزون وإسحاق هوبر وتوماس كاريت وإبراهيم لنكولن وغيرهم، ووجدوا من الجهة الأخرى أن جماعة من رجال الأموال كانوا كبار الآذان أيضًا، وفيهم كثيرون من بيت روتشيلد واستور وجيرار وغيرهم.
وعندهم أن الأذن المستطيلة من الأعلى إلى الأسفل لها قوة على تمييز الأصوات والتفريق بين طبقاتها ونغماتها، وبعكس ذلك الأذن العريضة، وبين عضو السمع وعضو النطق نسبة متبادلة، فمن كانت أذنه قادرة على تمييز الأصوات كان نطقه قادرًا على إخراجها.
ووجدوا أن الأذن الكثيرة التجعدات والطيات أشد حساسة وأدق بناء من سواها، وبعكس ذلك الأذن التي ليس لها إلا تجويف واحد، ويؤيدون ذلك بالقياس على آذان الحيوانات، فإن أدقَّها سمعًا أكثرها تجعدًا.
وخلاصة أقوالهم أن ذوي الآذان الحساسة دقيقو الشعور الموسيقي، وهؤلاء هم أهل الرقَّة والذوق على حد قول شكسبير الشاعر الإنكليزي المشهور «إن الرجل إذا لم يكن موسيقيًّا ولا يطرب للموسيقى فهو لا يصلح إلا لتدبير المفاسد ونصب المكايد …»
وأحمد الآذان دلالة على الخلق الحسن عند العرب «الآذان المناسبة لمقدار رأسها، وتكون حسنة التكوين، ليست بمنكسرة ولا منبسطة، ولا رقيقة ولا غليظة الشحمة، ولا نابتة الشعر في صماخها بكثرة، ولا تكون مشرفة إلا على صغيرة الشحمة، حسنة اللون والوضع والتكاسير التي بها.»
فراسة الشعر
لا يخفى أن التنفس منبع الحرارة الحيوانية، وبانقطاعه انقطاع الحياة، فمرجع الهمَّة والنشاط إلى التنفس والدفء، فكلما يخزن الحرارة في أجسامنا يزيد في همَّتنا ونشاطنا.
والحيوانات تشترك في شيء واحد يعمُّها جميعًا وهو الشعر، فالشعر أو ما قام مقامه كالفرو والريش في بعض الحيوانات والطيور من حافظات الحرارة، وبالنتيجة فهو حافظ للهمَّة والنشاط.
-
الشعر والقوة: ومن الحقائق المقررة بالمشاهدة أن أشرس الحيوانات أغزرها شعرًا، وأن نوابغ الأذكياء
خفيفو الشعر إلا نادرًا، يستدلُّون على صدق ذلك بالجاموس الأمريكي؛ فإنه غزير الشعر
ويستحيل أن يكون أليفًا مهما أجهد المرء نفسه في تهذيبه، مع أن الأسد وهو ملك الحيوانات
وسيدها قد يألف، والإنسان قليل الشعر كثير الذكاء والدهاء.
ولما كان الشعر من حافظات القوى كما تقدم، فمن الواجب أن يكون كثيرُ الشعر نشيطًا قوي البنية، وخفيفُه داهيةً حاذقًا في كل ما يقتضي إعمال الفكرة، وإليك الدليل.
من يطالع تاريخ رجال إنكلترا يجد أكثر عظمائهم ونوابغهم خفيفي اللحية والشاربين. وللقارئ أن يبحث بين أصدقائه وخلَّانه ممن يعرف أخلاقهم ومقدرتهم فيرى صحة هذا القول، أما غزير الشعر فإنه ميال إلى الأعمال التي لا تقتضي إجهاد العقل، والعكس بالعكس.
ولزيادة الإيضاح نضرب مثلًا: أكثر القراء يعرفون مثل عيسو ويعقوب في التوراة، فقد كان عيسو شعرانيًّا ويعقوب بعكس ذلك، وكان عيسو شجاعًا ميالًا إلى الحرب والغزو وجبار بأس، ولكنه ضعيف الرأي؛ فلما عضه الجوع مرة باع بكوريته على ما كان لها من المنزلة في عيون القوم لذلك العهد.
أما يعقوب أحد التوأمين فكان بعيد الشبه من أخيه، مع أن المتبادر إلى الذهن أن التوأمين يتشابهان لا في المنظر فقط بل في الأخلاق أيضًا، فإنه كان محبًّا للعزلة والانفراد «قعيدة بيت» ولم يبدُ منه ميل إلى القنص والصيد مع شيوع تلك العادة في ذلك الزمان، ومن المعروف أن قعيدة البيت يكثر التأمل والتفكر وقواه الجسدية تضعف وتنحُلْ.
فكان يعقوب حكيمًا بصيرًا بالأمور ودخائلها، حاضر الذهن إذا دعاه الداعي إلى استعمال الحيل، كما وقع له يوم لقي أخاه وهو عائد من المشرق إلى فلسطين كما تراه مدونًا في موضعه.
ولنا مثال آخر في شمشون فإن قوته كانت تلازمه ما دام شعره طويلًا وتفارقه إذا قص شعره، والأكثرون يعجبون لذلك ويرومون الوقوف على العلاقة بين قوة شمشون وطول شعره، ولكن الفراسة تكشف لنا النقاب عن هذا السر وتعلمنا أن طول الشعر مملوء بالنشاط والقوى الحيوية ميال إلى تعاطي الأعمال العنيفة التي لا تقتضي إمعان الفكر أو إجهاد القوى العاقلة، وعكس الأمر بادٍ في عديمي الشعر أو خفيفيه، فإن الأجرد في الشرق عنوان المكر والدهاء والناس في بلادنا يتشاءمون من رؤيته، ولا يستفاد مما تقدم أن الشعر سبب القوة، وإنما هو مقارن لها ودليلها، وهي حقيقة ثابتة عرفها الأقدمون من المتمدنين وغيرهم، فإن جوبتير وهو عند اليونانيين إله القوة والمقدرة يمثلونه في أصنامهم وأشعارهم بصورة رجل طويل شعر الرأس كث اللحية.
وقد يعترض بأن الأجيال البيضاء قليلة الشعر، وهي المتغلبة على الأجناس الكثيرة الشعور، فكيف يحدث أن القوي يخضع للضعيف؟ والجواب على ذلك أن خفيف الشعر ضعيف البنية ولكنه ماضي القوى العقلية، والعقل هو الذي يدير الكون ويحكم في الكائنات، فإن الاختراعات والاكتشافات وجميع التدابير إنما مرجعها العقل، وللعقل اليد الكبرى في تقدم الأجيال القوقاسية وميزتها على غيرها من أبناء نوعها.
وهناك سبب آخر لتقدم الأوروبيين وغيرهم من الأمم القوقاسية على سائر الأمم، وهو أن القوقاسي يستطيع السكن في جميع الأقاليم سواء كانت حارَّة أو باردة أو معتدلة، ولا يستطيع ذلك غيره من بني البشر، فللأوروبي من الميزة على غيره ما يخوله السلطة والتقدم طبقًا لناموس الارتقاء العامِّ القاضي ببقاء الأنسب.
ورءوس الناس يحفظها الشعر، وهو بمثابة غلاف للدماغ، ومن الحيوان ما يخزن قوته في الحبل الشوكي والكتفين والصدر فينمو الشعر على هذه الأجزاء بغزارة، أو أن هذه الحيوانات تستعمل الرأس للدفاع فقط ولذا كان عظم الرأس ثخينًا صلبًا فيها، وزد على ذلك أن الزنوج والقرود الدنيا قليلة شعر الرأس قصيرته بيد أن البيض والقرود العليا طويلته.
-
طول الشعر: وطوال الشعر من الناس أسخياء بالطبع، وعكسهم قصار الشعور فهم عصبيو الأمزجة ذوو حدَّة
وعجلة عديمو التأني.
ومن دلالات علم الفراسة أن غزارة الشعر وطول اللحى واسترسالها تدل على طيب القلب والغيرة والهمَّة، فإن الأمم المنحطة قصار اللحى، وبعكس ذلك الشعب القوقاسي فإنه طويلها شكل ٦١.
وتدل اللحية الطويلة على القوة العضلية، ومن خفَّ شعر عذاريه غلب عليه أن يشبه والدته بالخَلق والخُلق، وبعكس ذلك النساء اللواتي ينبت الشعر في وجوههن فإن فيهن خلال الرجال، فالفتاة الشعرانية تكون أخلاقها أشبه بأبيها مما بأمها.
وعرض بعضهم في أوروبا في أواسط القرن الماضي امرأة اسمها مدام كلوفوليا لها لحية كلحية الرجال شكل ٦٢ واهتم العلماء في أمرها إذ ذاك، وفحصوا أخلاقها وأعضاءها فوجدوها ورثت أخلاقها وشكل أعضائها من جدها لأمها.وأفضل الأذقان واللحى دلالة على المحمدة عند العرب أن تكون «عنابية لون الشعر أو كلون الخرنوب، لا سبطة جدًّا ولا جعدة جدًّا، ولا كثة جدًّا ولا خفيفة جدًّا، ولا طويلة ولا قصيرة، ولا خالية العنفقة ولا خالية اللحيين، ولا منفردة الشعر ولا عبيتة، ولا متفرقة فرقتين ولا منخرطة كالذنب المحدد، ولا خشنة الشعر ولا ناعمة، بل مستديرة إلى التربيع، ليس في الوجنات نبات ولا تحت الحنك وفوق الحلقوم، ولا متصلة الشعرة بشعر الرأس من الصدغين، فإذا وجدت هذه فإنها دليل العقل والعلم والعفة والشجاعة والذكاء وكل محمدة …»
ولا يذهب عن بال القارئ أن ما نقصده بطول الشعر وقصره إنما هو ميله إلى أن يكون طويلًا أو قصيرًا؛ أي سرعة نبته وبطؤه، فهذا الميل مع لون الشعر يحسبان من العلامات الفارقة في الفراسة.
-
لون الشعر: وللون الشعر يدٌ في استطلاع أخلاق الناس، فعندهم أن سواد الشعر دليل القوة، والسبب في
ذلك أن الشعر الأسود يحتوي كمية كبيرة من الحديد تتصل إليه من الدم، ولا يمكن ذلك إلا
إذا كان الحديد كثيرًا في الدم، والدم ركن الحياة أو هو هي.
وألوان الشعور متباينة في البشر، حتى لا يميِّز بينها إلا العارف الخبير بالألوان. وتعليل الألوان في الطبيعيات واختلافها باختلاف الأجسام أن المادة المركب منها الجسم المرئي تمتص كل أجزاء النور الأبيض، إلا واحدًا تقذفه فيكسبها لونه، فسبب احمرار الدم أن النور إذا وقع عليه كأنه ينحلُّ إلى ألوانه السبعة الأصلية، فيمتص الدم ستَّة منها إلا الأحمر فينعكس إلى أبصارنا فنراه أحمر، وكل مادة تمتص بعض ألوان النور وتعكس البعض الآخر تبعًا لتركيبها وخصائصها.
ولهذا كان اختلاف ألوان الشعور عائدًا إلى اختلاف المواد الداخلة في تركيبها على تباين الأشخاص، ولما كانت هذه المواد مستمدة من الجسم البشري حق لنا أن نتخذها دليلًا على بعض الأمور التي ننسبها إلى الجسم المذكور.
واختلف الناس في نسبة الجمال إلى ألوان الشعر، فالإفرنج يفضلون الشعر الذهبي، وأما العرب فيفضلون الشعر الأسود، ويدلك على ذلك ما نظموه من الأشعار في التغزُّل به، كقول ابن المعتز:
سقتني في ليل شبيه بشعرهاشبيهة خديها بغير رقيبفأمسيت في ليلين بالشعر والدُّجىوخمرين من راحٍ وخدِّ حبيبوقول زياد بن حمل وفيه مثال الجمال عند العرب:
وبالتكاليف تأتي بيت جارتهاتمشي الهوينا وما تبدو لها قدمسود ذوائبها بيض ترائبهادرم مرافقها في خلقها عمموأما الإفرنج فإنهم يترنَّمون بالشعر الذهبي.
- الشعر الأسود: ينسبون الشدة والقوة إلى من كان شعره أسود فاحمًا أو ضاربًا إلى السواد، وينسبون صحة ذلك إلى ما تقدم من تكاثر الحديد في الدم، على أنه قد يحدث أن يكون ذو الشعر الأسود — لا سيما إذا كان سبطًا — ممن تغلب عليهم السويداء، وفي عداد الكتبة جماعة من هذا الصنف، وهم يميلون إلى الكتابة الشجيَّة المحزنة، ومنهم الوعاظ الذين يمثلون الحياة الأبدية على شكل لا يستحبه الأكثرون، ولكنهم لحسن الحظ قليلون؛ إذ يندر أن نشاهد رجلًا جمع كل التقاطيع التي يضع المنجمون صاحبها في برج زحل، وهي عبوسة الوجه وانعكاف الأنف ونتوء عظمي الخدين وسقامة اللون واسترسال الشعر.
- الشعر الأشقر: قال الشاعر: «والضد يُظهر حسنة الضد»، وعملًا بهذا القول ننتقل من وصف الشعر الأسود الفاحم إلى الشعر الأشقر، وصاحبه على الأكثر ميال إلى التأمل والسير في عالم الخيال، ويغلب على هذا الصنف من الناس عدم الرضى عن حالتهم واشتهاء غيرها دون أن يستطيعوا تقدير ما يلتمسون، وهم سريعو التقلب فيما يعتمدونه من الآراء والأعمال، ويندر أن تطول قاماتهم، وينقصهم المواظبة والثبات في الأعمال.
-
الشعر الخروبي: أما الشعر الخروبي وهو ما كان لونه إلى السمرة فأصحابه في الغالب ميالون إلى المخاطرة
والسفر وحب الاستطلاع، ويحبون الأشعار والروايات، لكنهم حازمون واسعوا الصدور، وإنما
يعوزهم الاقتصاد؛ فهم ينفقون الدراهم بغير حساب لسوء التدبير، فإذا ازدادت سمرة الشعر
ونعومته كان صاحبه ميالًا إلى المعاشرة والاختلاط حتى يستجلب سرور القوم ويستميلهم
إليه، وله انعطاف نحو جنسي الرجال والنساء، صغير الدعوى ولكنه كبير الثقة بنفسه، والظاهر
أن أبطال الروايات من قرصان البحر وغيرهم من الأقوام الذين قد يحبهم المطالع لمجرد
قراءة سيرتهم إنما كانوا من ذوي الشعور السمراء المتجعدة فوق الصدغ، وبين هذا الصنف من
يميل إليهم الناس لأول وهلة، فإذا كان الشخص امرأة صادفت ميلًا إليها بين الرجال أو
رجلًا لقي ميلًا إليه بين النساء.
وصاحب هذا الشعر لا تبدو عليه علامات الشيخوخة بل يظل نشيطًا فرحًا، ويغلب عليه الميل إلى الأطفال، وقد لا يخلو من الحدَّة بحيث لا يصبر على الانتقاد لما فطر عليه من تقديره نفسه حق قدرها، ويستولي عليه الغيظ إذا خفق مسعاه في أمر، لكن هذا يصدق على من كان ناعم الشعر، فإذا كان خشنه كان ممن لا يهتم بعواقب الأمور.
-
الشعر الأحمر: من الناس من يخالط شعور رءوسهم السمراء جزء يضرب إلى الحمرة ويدل هذا الجزء عندهم على
الشجاعة والإقدام، وإذا زاد فزيادته تدل على الميل إلى الخصام والجدال وقوة الإرادة لما
يستجمعه ذاك الشخص من نشاط الشعرين الأحمر والأسود.
ومن المعلوم أن لاحمرار الشعر درجات لا يستطيع المرء التمييز بينها لأول وهلة، وإنما يقال على سبيل الإجمال: إن الشعر الأحمر يفيد الذكاء وتوقد الذهن، وعند أصحاب علم الفراسة أنه دليل الخفَّة والطرب، وخير الشعر الأحمر ما كان جعديَّه، كما في تمثال أبولون، ويقال إنه يدل على ميل فطري إلى الشِّعر والرقَّة، ويتصف أصحابه بقوة التخيل ودقَّة الحس.
-
الشعر الذهبي: وإذا كان الشعر الأحمر ذهبي اللون فالأغلب في صاحبه أن يكون متقلبًا ناقص الحزم، لا
سيما إذا كان كثير السبوطة، وإذا اجتمعت هذه الصفات في امرأة كانت ميالة إلى المغازلة
والمعاشرة، وعندهم بالإجمال: إن من كان هذا لون شعره يغلب عليه الطرب ويشتاق إلى اهتمام
الناس به، ويرغب فيما يضمن له السرور ولو آل ذلك إلى انقباض الآخرين، يفعل هذا وهو لا
يريد لأحد كدرًا.
ويغلب في من كان شعرها ذهبيًّا وعيناها ضاربتين إلى السمرة أن تكون ذكية ولكن يعوزها الثبات، وأما الثبات فيكون حيث تزداد سمرة العينين ويتضح الحاجبان، فالسمرة علامة القوة والاصفرار علامة الضعف حيثما كانا، تلك قاعدة عامَّة يستطيع كل واحد امتحانها في من يعرفه.
-
قوام الشعر: ونعومة الشعر دليل التأنُّث مع شغف بالمناظر الطبيعية والوقوف على أسرار الطبيعة، وصاحبه
يكره الشغب والضجيج، وقد لوحظ في هذا الصنف من الناس خفَّة الروح، فهم تهزهم الموسيقى
ويتأثرون لقراءة الروايات المحزنة حتى تسيل دموعهم.
ويقال في ذوي الشعور الخشنة عكس ما يقال في أولئك؛ فهم أقوى وأكثر منهم اعتمادًا على النفس وأضبط لحاسَّاتهم مع العنفوان والميل إلى السيادة.
-
الشعر الجعد: وقد تبين بالاختبار أن صاحب الشعر الجعد ميال إلى الطرب والسرور، فهو أبدًا فرح قوي
العواطف إلى حدِّ التهيُّج، بعيد عن النميمة وسوء الظن، يغلب عليه التبصر والفطنة وحب
الاقتصاد، مستقلٌّ في حركاته وأعماله.
وعندهم في الشعر دلائل كثيرة لا تستفاد من غيره، على أن ذلك لا يستلزم الإغضاء عن تقاطيع الوجه، وخير الطرق لممارسة الفراسة أن ينظر الطالب إلى صورة فوتوغرافية مزوَّقة لأحد أصدقائه ممن يعرف أخلاقهم ويقيس ما استفاده من هذه الصورة في صاحبها على غيره فيكتسب تدريجًا ما يمكنه من الاستطلاع الذي يسعى وراءه.
ويحسن أن يجمع الباحث بين لون الشعر ولون الوجه وأن يضيف إليهما كيفية نمو الشعر. انظر إلى الفرق بين جبينٍ وضَّاح خالٍ من الغضون وبين جبين كسا أعلاه الشعر، وانظر في شعور المصورين بما عُرفوا به من شدة تعلقهم بالطبيعة وبجميع ما يسرُّ الحواس إلى حدِّ الجنون فترى ما يدلُّك على علاقة الشعر بالأخلاق.
وبين أصحاب المزاج الدموي فئة تمتاز باحمرار الوجه وطلاقته مع تجعد الشعر وميل إلى الصلع في أعلى الرأس، ويكثر في هذا الفريق الميل إلى المعاشرة والمخالطة لكنهم ذوو حدَّة.
فراسة الأيدي
فرغنا من النظر في فراسة أعضاء الرأس وهي أكثر الأعضاء دلالة على الأخلاق؛ لقربها من الدماغ مركز الحس العامِّ وآلة القوى العاقلة، على أن الأعضاء الأخرى لا تخلو من دلالة على أخلاق أصحابها وخصوصًا الأيدي والأقدام.
- يد الإنسان: تمتاز يد الإنسان عن أيدي سائر الحيوانات بلباقتها ودقَّة حركتها ونحافة تركيبها، فتأتي من الأعمال بما لا يستطيعه الحيوانات الأخرى، ومهما قيل في إتقانها؛ فهي ترشد قلم الكاتب وفرشاة المصور وريشة الجراح وملقط الصائغ ومبرد الحداد، وهي التي تُطعم الطعام وتُلبس اللباس وتصطنع أدوات الزينة، بل هي مُعين الدماغ ورئيس أركان حربه وخادم العقل، بل هي أشرف خَدَمة العقل ولا سيما في الصناعة.
ولا نطيل الكلام في اليد؛ لأنها لا تدل على الأخلاق إلا من وراء حجاب، وإنما نأتي على خلاصة ما وصلوا إليه من هذا القبيل، فهم يقسِّمون الأيدي أو الكفوف إلى ثلاثة أقسام تبعًا لمزاج أصحابها وهي: (١) المستطيلة العظمية، (٢) القصيرة اللحمية، (٣) النحيفة. فالأولى يد صاحب المزاج العضلي، والثانية يد صاحب المزاج الحيوي، والثالثة يد العصبي (راجع فراسة الأمزجة)، فإذا عرفت ذلك هان عليك معرفة أخلاق أصحابها.
على أن بعضهم نظر في الكفوف نظرًا آخر، فقسَّمها إلى ثلاثة أشكال، جعل لكل شكل دلالة خاصَّة: (١) الكفوف المحددة (المروسة)، (٢) الكفوف المخروطية، (٣) الكفوف المربعة.
-
(١)
الكفوف المحددة: يقرب شكل أصابعها من المغازل؛ ولذلك سمَّوها أيضًا «الكف المغزلية»، أظافرها لوزية الشكل، فاحذر من هذه الأظافر؛ فإنها تشبه براثن الكواسر، وتدل على طيش صاحبها وإهماله وإسرافه وكذبه وصلابة قلبه وقلة إحساسه، واجمع بين اليد المحددة واليد المخروطية وأبعدها عن المربعة لئلَّا تقتلها، ومحدَّدات الأيدي ذوات أحلام وأوهام، لا يعرفن تدبير المنزل، ولا يقدرن على إدارة العائلة، يحببن أولادهن ولكن لا يعرفن كيف يربِّينهم، وترى في الشكل ٦٤ صورة كفِّ أميرة تزوجت ثلاث مرات وافترقت عن أزواجها الثلاثة بالطلاق.
-
(٢)
الكف المخروطية: يشبه شكلها لأول وهلة شكل الكفِّ المحددة لكن أصابعها تنتهي بأطراف مستديرة، فمن ساعده الحظ في الحصول على زوجة يدها مخروطية كان سعيدًا؛ لأنها أفضل الأيدي من حيث الزواج؛ والسبب في ذلك أنها مع خلوها من نقائص اليد المحددة فهي أيضًا خالصة مما في اليد المربعة من حب الأثر والشدة، وهي تدل على النباهة وحسن السياسة وحب الوفاق والسلام والأمانة والشعور بالواجب مع قوة الحكم والحنو والصلاح، فهي خير كفٍّ يجب التماسها في الزواج، وصاحبها يوافق صاحب اليد المحددة وصاحب اليد المربعة؛ لأنه متوسط الأخلاق بينهما.
-
(٣)
اليد المربعة: وهي يد الأساتذة والعلماء وذوي العقول السامية والرياضيين وأهل الحزم والهمم العالية والإقدام ورابطي الجأش وأرباب الرياسات وأصحاب الأمر والنهي، وهم في الغالب أهل طمع وأثرة يحبون ذواتهم ويستهلكون في سبيل الاستقلال، فلا تتوقع منهم الحنوَّ والرقَّة، وقد يكونون حسني السريرة لكن بدون انعطاف، وهم لا يحبون الفنون الجميلة ولا يفرقون بين حسنها وقبيحها، ولكنهم أهل عمل وعدالة ونظام؛ ولذلك فهم لا يتوافقون مع أصحاب الأيدي المحددة.
وعند العرب أفضل الأكف دلالة على الخلق الحسن «الكف السويَّة الخلق اللينة المجسَّة الحسنة البشرة الرخصة الرفخة المعتدلة بين العبالة والهزال والتدوير والطول والقصر وبروز العروق وخفائها وطول الأصابع وقصرها، والآخذة إلى الطول أفضل، والخفيَّة عُقدها والنقية بياض لون الأظافر منها مع التشريب بحمرة خفيفة، وإذا غمزت عليها اشتدت الحمرة فيها، وأن تكون الأظافر مقبقبة وإلى الطول، وأن يكون بها لين ورخوصة ولها عرض وانفراش مع التقبقب.»
وكان من محامد الأيدي عند العرب أن تكون لينة الأنامل، ومن ذلك قول النابغة الذبياني:
وقول الآخر:
فراسة الأقدام
وما قيل في فراسة الأكفِّ يصدق على الأقدام وبين اليد والقدم نسبة متبادلة كما قدمنا في باب ناموس التناسب، فلا حاجة إلى التكرار، ولكننا نشير إلى بعض الأمور الخاصَّة بالقدم مما لا يخلو ذكره من فائدة.
فالقدم ذات الأخمص العريض مع ضعف الخصرة يدل على الرجولية والقوة والثبات، وأما نحافة القدم وغور خصرها فيدلان على لطف المزاج ونحافة البدن وتناسب أعضائه، وبعضهم يحسبه من زيادة الارتقاء، أما العرب فقد كانوا يعدون خصر القدم من دلائل الجمال ومن ذلك قول بعضهم:
وأدل الأقدام على الأخلاق الحسنة عند القدماء «القدم السبطة الرخصة المستديرة الكعبين والعقب الخفيفة اللحم الخفية العروق في الأخمص اللطيفة المقدار المتناسبة الأصابع النقية الأظافر.»
فراسة الكفِّ
وأما الأكمات فمنها عند أصول الأصابع رقم (٤) أكمة جوبتير و(٢) أكمة زحل و(٧) أكمة أبولون و(٨) أكمة المشتري ويُسمون المسافة بين خط القلب (٣) وخط الرأس (٦) في بطن الكفِّ «سطح المريخ» والمسافة الواقعة في طرف الكفِّ تحت الخنصر أكمة المريخ، وتحتها أكمة القمر. والارتفاع تحت الإبهام (١١) يُسمونه أكمة الزهرة.
ويبنون على نسبة هذه الخطوط بعضها إلى بعض وأشكال الزوايا الواقعة بينها أقوالًا قلَّما تفرق عن أقوال القدماء من حيث ضعف دلالتها وقربها من الخرافات.
ولكن يقال بالإجمال: إن كثرة الخطوط وعمقها تدلَّان على العمل، وإن صاحب تلك اليد عامل نشيط، وقلَّتها مع ضعف ظهورها يدل على الخمول أو الضعف، ولا يُعتدُّ فيما خلا ذلك.
فراسة الخطوط
ويتبع فراسة الأيدي دلالة الخطوط على الأخلاق، ويقال في الحكم المأثورة: «ما قرأت كتاب رجل إلا عرَّفك مقدار عقله فيه.» وهو قول يؤيده الاختبار ويراد به ما ينطوي عليه الكتاب من المعاني والبراهين بقطع النظر عن شكل الخط، ولكن كما يدل إنشاء الكاتب على عقله قد يدل خطه على خلقه؛ لأن طباع المرء ترتسم على أعماله وسائر أحواله، فمن كان من طبعه الميل إلى العجلة رأيته يستعجل في مشيه وفي أكله وفي كلامه وسائر أعماله، وبعكس ذلك البطيء فإنه يكون بطيئًا في كل عمل يعمله، ومن كان ميالًا إلى الترتيب والنظام رأيت ذلك ظاهرًا في قيافته وحسن زيه وفي أثاث منزله ومائدة طعامه وفي كلامه، وقد يستطرق ذلك إلى أعماله العقلية، فترى أدلته مرتبة متناسقة وبراهينه مرتبطة متعاقبة وحساباته واضحة متوازنة. وبعكس ذلك قليل الترتيب؛ فإنك ترى التشويش مطبوعًا على كل حركة من حركاته المادية والأدبية، فإذا لبس ثوبًا ساء هندامه، وقد ينسى شد ردائه، أو يخرج بلا ربطة حول عنقه، وإذا دخلت غرفته رأيت قميصه على السرير وحزامه على الكرسي ومنديله على الأرض، ولو فتحت دفاتره لما علمت ما له ولا ما عليه ولا هو يعرف ذلك، وإذا خاطبته في موضوع خلط في البراهين وخبط في الأدلة على غير نظام، وقِس على ذلك سائر أحوال الناس فإنك ترى أخلاقهم ظاهرة من خلال أعمالهم.
ومن هذا القبيل ظهورها على خطوطهم، وخصوصًا الذين يكتبون كثيرًا وقد نسوا القاعدة التي تعلموها في صغرهم، فقد يتعلم عشرة منهم قاعدة واحدة على يد معلم واحد فيخرجون من المدرسة ولكل منهم شكل خاص يمتاز به خطه عن سائر الخطوط، ويندر أن يتشابه خطان مشابهة تامة والسبب في ذلك اختلافهم في الأخلاق والأطوار.
- حسن الخط وقبحه: من المشهور المتعارف أن رجال العلم يغلب فيهم قبح الخط وعدم انتظامه ويغلب الخط الجميل المتناسب في النساخ أو الذين يكتبون أفكار سواهم، وهو أمر معقول ولكنه ليس قاعدة عامَّة، على أن الخط غير المنتظم يغلب في سريعي الخاطر حادي الذهن؛ لأنهم يسرعون في الكتابة ليدركوا مجاري أفكارهم خوفًا من ضياع المعنى وانقطاع سلاسل المعاني، فهم لا يصبرون على تنسيق الحروف كتسنين السين وتدوير القاف والعين ونحو ذلك مما يحتاج إلى زمن. وأما بطيء الفكر فليس ما يدفعه إلى العجلة، وكذلك النساخ فهم إنما يوجهون انتباههم إلى ترتيب الحروف وتنظيمها وضبط كتابتها، وإذا قرأت كتابة عالم سريع الخاطر رأيت فيها — فضلًا عن تشويش الخط — نقصًا في بعض الحروف أو الألفاظ، فقد ينسى كلمة أو حرفًا، وقد يبدل حرفًا بآخر لانصراف مخيلته إلى سلسلة أفكاره وتتبع الصور المعنوية التي تتوالى أمامها فلا ينتبه إلى صور الحروف، بخلاف الخطاطين فإنهم إنما يصرفون قواهم جميعها إلى إتقان ما يكتبونه، فقلَّما تجد في كتابتهم نقصًا أو خطأ أو اعوجاجًا.
- اتجاه السطور: ومما تمتاز به الخطوط بوجه الإجمال اتجاه سطورها فهي من هذا القبيل
على أربعة ضروب: (١) السطور المستوي، (٢) السطور الصاعدة، (٣) السطور
النازلة، (٤) السطور المتعرجة. فالسطور المستوية تدل غالبًا على هدوء
كاتبها وانتباهه لما حوله واحتراسه، وأما الصاعدة ففيها دليل على
الإقدام والطمع والهمَّة والنشاط، وقد وجدوا بالاختبار أن رجال الأعمال
وخصوصًا الذين ارتقوا أوج المعالي بجدِّهم واجتهادهم يغلب في خطوطهم
الانحراف نحو الأعلى، ومن اعتقاد العامَّة أن أصحاب هذا الضرب من الخط
هم من أهل السعادة والتوفيق، وأصل هذا الاعتقاد ناشئ عن ميلهم إلى
الجدِّ والعمل والسهر.
وقلَّ من جدَّ في أمرٍ يحاولهواستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
أما الخط النازل وهو الذي تنحرف سطوره نحو الأسفل فيدل غالبًا على الجبن والمرض أو ضعف الإرادة، وقد حكى بعض علماء هذا الفن أن سيدة كتبت إليه كتابًا رأى سطوره نازلة فتشاءم وكتب إليها: «لقد ساءني انحدار خطك وخشيت أن تكوني مريضة أو على شفا المرض، فاكتبي إليَّ بواقعة الحال.» فسكتت عنه مدة ثم كتبت إليه: «لقد بشرتني بشارة سوء فصدقت نبوءتك، ولم تمضِ أيام حتى أصبت بالمرض ولم أعد قادرة على الكتابة إليك.» ويؤيد ذلك أن خط السيدات يغلب أن يكون نازلًا؛ لأنهن أقل إقدامًا وأضعف إرادة من الرجال.
أما الخط المنعرج فهو ما يصعد ثم ينزل ثم يصعد على غير انتظام، كما ترى في شكل ٧٠.وهو يدل على مجاهدة الكاتب في التماس ما لا يستطيعه، فهو في الغالب يقدِّر نفسه أكثر مما هي، ويحاول أن يكون كذلك فلا يستطيع.
- أشكال الحروف: ولأشكال الحروف علاقة كبرى بأخلاق كتابها، وهي كثيرة لا تقع تحت حصر، ولكننا نذكر بعضها
على سبيل المثال.
فالخط المتناسب الحروف الخالي من الشطب والطمس يدل غالبًا على ميل صاحبه إلى الترتيب والنظافة، فإذا كان قريبًا من حروف الطبع غلب على طبعه الصبر وطول الأناة، وخصوصًا إذا رأيت فيه عناية بتدوير الحاءات والجيمات وتسنين السين والشين وتقويم الألفات؛ لما يحتاج إليه ذلك من طول الأناة.
ومن أشكال الخطوط ما يميل صاحبه فيه إلى مد الحروف الانتهائية وخصوصًا الجيم والحاء والخاء والعين والغين إذا جاءت في أواخر الكلم، وكذلك أطراف السين والشين والصاد والضاد، وصاحب هذا الخط ميال إلى البذخ والترف، وهو الخط الذي يكتب فيه الفرمانات والعرائض، كما ترى في شكل ٧١.ويلاحظ أيضًا في خط الفرامانات صعود في أواخر السطور، فالصعود مع مد الحروف الانتهائية يمثلان الإقدام والبذخ معًا.
وإذا كان الخط متواصل الحروف كإيصال الألف بواو الجمع في آخر اللفظ وإيصالها بلام التعريف في أوله فهو يدل على ميل صاحبه إلى العجلة، وبعكس ذلك الحروف المتقطعة، ومن كانت حروف خطه متناسبة الحجم متساوية الشكل فهو معتدل المزاج ثابت المبدأ، أما الحروف غير المتناسبة فتدل على تقلب صاحبها وسهولة انقياده وتردده، كما ترى في شكل ٧٢.والخط المستدق مع الترتيب والتوسعة بين الكلمات والسطور يدل على لطف المزاج ورقَّة العواطف، كما ترى في شكل ٧٣.ومن مال بكتابته إلى تكبير الحروف والتوسعة بين الألفاظ كان كريمًا أو مسرفًا، وبعكس ذلك دقيق الألفاظ متلاصقها فإنه يكون غالبًا حريصًا أو مقتصدًا.
ومن كان خطه قائم الحروف عامودي الألفات واللامات كان بطيء الافتكار صبورًا على الجدال، وأما صاحب الخط المائل الحروف القصير الألفات واللامات فإنه عَجول قليل الصبر على المماحكات سريع الفكر.
وهناك خط لا تتميز فيه الفاء من الباء ولا يكاد يظهر فيه سن أو انحناء، فصاحبه متسارع قليل الاعتناء في تدبير شئونه، كما ترى في شكل ٧٤.هذه أمثلة من أشكال الحروف وعلاقتها بالأخلاق يصح أن تتخذ مثالًا لما لم نذكره منها. ولا يبرح من ذهن القارئ اللبيب أن لكل قاعدة استثناء.
فراسة المشي والقامة
يختلف الناس في مشيهم وإشاراتهم اختلافًا بيِّنًا، ولا بد لهذا الاختلاف من أسباب متصلة بقواهم ومواهبهم، فلا غَرْوَ إذا استدلُّوا على صفات الشخص من مشيته أو إشاراته.
ومن وسائل الاستدلال ما قد يُستخفُّ به كالثياب والطربوش أو القبعة والحذاء وهي ينبوع إرشاد لدقيق النظر، وقد نستطلع أخلاق الشخص من مجرد ملاحظتنا تمشيط شعره وهيئة يديه وإشاراته وجلوسه ووقوفه وانحنائه في السلام أو هز اليد أو من اعتنائه بثيابه أو قلة اعتنائه بها، ومن نظافة حذائه، ومن خطابه لرؤسائه أو أمثاله أو مرءوسيه أو أصدقائه.
ويستطيع النساء من ذلك ما لا يستطيعه الرجال؛ لأنهن يحكمن لأول وهلة بالبداهة على أخلاق الشخص بمجرد النظر إلى حركاته وسكناته وقيامه وجلوسه وتكلمه وسكوته وطبقات صوته ونحو ذلك.
-
المشي: إذا رأينا رجلًا يمشي منتصبًا على عادته في المشي وخطواته ثابتة عرفنا أنه ذو ثبات
وحزم، فإذا كان لخطوه وقع شديد كان ممن يحبون السيادة والاستقلال ولا يهتمون بالآخرين
ولا بما يرونه فيهم.
والصخب — وهو ارتفاع الصوت وشدته — يدل على الميل إلى السرعة والاستقلال، وأصحابه لا يهمهم راحة الغير وإنما يسألون عن راحتهم فقط.
ومن الناس من يغلب فيهم الهدوء والسكينة، فإذا حدثته أقبل عليك بلطف ولباقة، ومشيته نشيطة بلا اختيال أو تبختر، حتى لا يكاد يُسمع لوضع أقدامه صوت؛ فالرجل رقيق الجانب يحاذر إزعاج الناس سهل الخلق قريب القياد، ولا يَعتدُّ بآرائه ولا يُعجب بنفسه.
ولوضع الرأس في أثناء المشي دلالة، وفي حدب الكتفين مغزًى، فمن كان شأنه التأمل وإعمال الفكرة يظل مطرقًا في الأرض، ومن لم يكن دقيقًا في ملاحظة الأمور أو الاستفادة منها مع ميله إلى إخفاء مواهبه فهو كبير الدعوى ضعيف الحجة مكابرًا متعنتًا، وإذا خلا بنفسه ظهر له المستقبل بجميع أحواله، ومن هذا الصنف من الناس من يكون أبدًا حزينًا منكسر النفس في داخله.
-
القامة: ومن الناس من تنظر إلى قامته فترى ظهره ملويًّا كالحية في انسيابها، فصاحب هذا الظهر
خدَّاع عديم الأمانة، يعيش بين الناس بمداخلته وكلامه وظرفه، ويتمكن في الغالب من اكتساب
ميل معارفه إليه، وكأن عينيه فُتَّ فيهما حصرم فلا تزالان تطرفان.
وهنالك صنف آخر، والمثال عليه رجل عريض المنكبين كثير الضجيج، يقف ورجلاه مبتعدتان، يشير بعصاه إلى الأشباح والأجسام، وإذا لقيته فلا يبقى في ذهنك من أطواره وظواهره سوى صوته وكثرة ضجيجه، ويغلب في ظهره أن يكون عريضًا، ومع ما يبدو به من أمارات العنفوان والعزة فإنه قريب الألفة كثير الاهتمام بالطعام.
ولطول القامة وقصرها دخل كبير في الدلالة على أخلاق الناس ومواهبهم، ويسهل عليك تعليل ذلك من مراجعة «فراسة الأمزجة»، فقد رأيت هناك أن طول القامة من دلالات المزاج العضلي، وصاحبه قوي في كل شيء، وخصوصًا إذا رافق الطول عرض، وهو مزاج الأبطال، وبعكس ذلك قصر القامة؛ فإنه دليل الضعف، ولكن بعض القصار تكون أدمغتهم كبيرة، ويزيدها كبرًا انتسابها إلى بقية أجسامهم؛ لأننا إنما نعتبر حجم الدماغ بالنسبة إلى بقية الأعضاء، فإذا جاءنا رجلان أحدهما طويل والآخر قصير وكان دماغهما بحجم واحد ووزن واحد فنعدُّ دماغ القصير أكبر، فيظهر الذكاء فيه أكثر مما في ذاك.
ومن الأمثلة المشهورة قولهم «كل قصير فتنة»؛ أي إن القصار أهل مكر وحيلة، وربما كان الأصل في ذلك ضعف قصار القامة بالنسبة إلى كبارها، وسلاح الضعيف الحيلة، فغلب في القصار التحيُّل، وطول القامة صفة محبوبة عند العرب، ويوصف أصحابها بالعزم والبطش والجاه، ومن ذلك قول بعضهم:
أشمُّ طويل الساعدين شمردلإذا لم يرُح للمجد أصبح غاديًاوبعكس ذلك قصر القامة، ويعبرون عنه بالقماءة، ويراد بها القصر والصغر، وهي من العيوب المشهورة، قال جواش:
وأورثهم شرَّ التراث أبوهمقماءة جسمٍ والرَّواء ذميموقال آخر:
تبيَّن لي أن القماءة ذلَّةوأن أشدَّاء الرجال طوالهاوهم يدلُّون على القماءة بقِصر الخطى، وأراد كُثَيِّر عزة أن يحبب عزة إلى نفسه، وكانت قصيرة الحجال؛ أي محبوسة في البيت لا تخرج منه، فقال:
وأنت التي حبَّبت كل قصيرةإليَّ وما تدري بذاك القصائرعنيت قصيرات الحجال ولم أُردقصار الخطى شر النساء البحاتر
فراسة الأزياء
لا نريد بالأزياء أشكال الألبسة وضروب هندامها كما يتبادر إلى الأذهان من معنى هذه اللفظة؛ لأن الناس في هذا العصر متَّفقون رجالًا ونساء على ضروب متشابهة من الأزياء، لا يكادون يختلفون في جزء من أجزائها، وخصوصًا الرجال؛ فهم في بلادنا فئات قليلة، بعضهم يلبس اللباس العربي القديم من الجبة والقفطان والعمامة، وبعضهم يلبس اللباس الإفرنجي من السترة والبنطلون والطربوش، وفئة تلبس السراويل والكبران، ولكننا نريد حال تلك الملابس من النظافة والترتيب والقصر والطول واللون، فهم يختلفون في ذلك باختلاف أخلاقهم وأطوارهم، وإليك البيان.
-
هندام الثوب: إذا رأيت شابًّا حسن الهندام نظيف الثياب ثمينها لا تشك في أنه كريم محب للترتيب، ويكون
في الغالب مواظبًا على عمله ثابتًا في مباديه، وإذا كان ممن يفضلون من ألوان الألبسة
داكنها كالأسود وفروعه فاعلم أنه من أهل الرزانة، أما إذا كان مبالغًا في وقاية ثيابه
من الأوساخ والغبار حريصًا على الهندام حتى يمنع نفسه من الذهاب أو المجيء خوفًا على
حسن زيه فهو محب لذاته قليل العناية في أحوال ذويه وأصدقائه، لا يكترث بمساعدتهم أو
النظر في شئونهم، وإذا رأيته مع مبالغته في النظافة الخارجية قليل العناية في نظافة ما
تحت أثوابه من الألبسة البيضاء مهملًا تنظيف جسمه فيغلب فيه الرياء والمداهنة، فهو يعطيك
من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب، وبعكس ذلك إذا رأيته كثير العناية في
نظافة جسمه وترتيب أثوابه الداخلية دون الخارجية فاعلم أنه سليم الطويَّة مخلص، ينظر
إلى
حقائق الأشياء ولا يعتد بظواهرها، ولا يهمه مدحه الناس أو ذمُّوه، ولكنه لا يصبر على
سوء
يرتكبه سهوًا كان أو عمدًا، ويكون في الغالب دقيق الإحساس حي الضمير، يعطي كل ذي حق حقه.
ومن كان ثوبه نظيفًا غير مرتب يغلب في طباعه الإسراف والكسل، وإذا شاهدت ترتيبًا في بعض أجزاء ثوبه دون البعض الآخر فهو محب للعمل ولكنه لجوج قليل الصبر، وإذا رأيت تفاوتًا بين تلك الأجزاء كأن يكون بعضها ثمينًا والبعض الآخر رخيصًا، أو بعضها ضيقًا والبعض الآخر واسعًا، أو البعض الآخر قصيرًا والبعض طويلًا، أو رأيت ثوبه جديدًا وطربوشه أو حذاءه قديمًا فاعلم يقينًا أنه ضعيف الرأي قصير النظر في الأمور لا يصلح أن يكون مديرًا في عمل من الأعمال.
والثوب الواسع المرتب النظيف دليل على صبر صاحبه ومواظبته وتروِّيه واعتدال مشربه، فإذا كان مع سعة ثوبه قليل العناية بنظافته فيغلب أن يكون مهملًا كسولًا، وهكذا إذا شاهدت نقصًا في حاجيات ثوبه، كأن تكون صدرته ناقصة الأزرار، أو أن يخرج بلا منديل في جيبه، أو نحو ذلك، وإذا لقيت صاحبًا لك من ذوي اليسار وشممت من أثوابه رائحة البنزين أو زيت التربنتينا فاعلم أنه بخيل، وقد نظف ثوبه من النكت لئلَّا يحتاج إلى شراء ثوب جديد، وإذا رأيت في أثوابه رقعًا أو رثيًّا فهو شديد البخل طماع، أما إذا فعل ذلك مدفوعًا بضيق ذات يده فهو مقتصد مدبر.
- الطربوش: لا مشاحَّة في أن وسخ الطربوش يدل على الإهمال أكثر مما على البخل، وأما إذا رأيت عليه آثار التنظيف العنيف كالغسل أو نحوه فاعلم أن صاحبه شديد الحرص، ومن لبس طربوشه مائلًا إلى الأمام حتى تبلغ حافته أعلى الحاجبين فهو معجب بجماله أو قوته، والغالب أنه يقدر نفسه أكثر مما هي، وإذا رأيته مع ذلك يرسل هداب طربوشه (الزر أو الشرابة) إلى الأمام فهو لا يخلو من البله، ومن يضع طربوشه وضعًا أفقيًّا كان معتدل المزاج محنكًا، وإذا أرسله إلى الوراء فهو كثير الاهتمام حازم متبصر، إلا إذا كان إرساله على هذه الصورة لإظهار شعره المدهون، وأما وضعه مائلًا إلى أحد الجانبين فدليل على الإعجاب مع الخفَّة والاستسلام إلى الشهوات.
- الشعر: إن قص الشعر قصيرًا حتى لا يحتاج إلى مشط في تسريحه يدل على إقدام صاحبه ونشاطه وانقطاعه إلى العمل، وأما قصُّه طويلًا وتمشيطه على أشكال هندسية وشدة العناية في ترتيبه فدليل على الميل إلى التشبب والمغازلة، ويندر أن يكون صاحب هذا الشعر مقدامًا نشيطًا. وإرسال الشعر طويلًا وعدم العناية في تمشيطه وترتيبه من أكبر أدلة الكسل والإهمال، على أنها قد تكون دليلًا على الاجتهاد؛ لانصراف ذهن صاحبه إلى أعمال أخرى هامَّة تستغرق كل وقته، وهذا نادر.