فراسة الأمم
فرغنا من فراسة الأعضاء في الإنسان الواحد إلى غاية ما بلغ إليه علماء هذا الفن، ونحن باسطون فيما يلي فراسة الأمم؛ لأن الباحث في أصناف الناس يرى لكل أمة صفات عامَّة تشترك فيها ظاهرًا وباطنًا على مثال ما قدمناه في «فراسة الأمزجة»، فقد تبين لك هناك أن أصحاب المزاج الواحد يتشابهون في ظواهرهم وفي بواطنهم، وكذلك أفراد الأمة الواحدة وأفراد الصنف الواحد من الناس؛ للأسباب التي قدمناها من علاقة الخَلق الظاهر بالخُلق الباطن، وهو أساس علم الفراسة.
إذا نظرت إلى البشر بوجه الإجمال رأيتهم يتشابهون في صفاتهم العامَّة ويتخالفون في صفات خاصَّة تختلف باختلاف الإقليم أو التوارث أو أحوال أخرى، ويقسَّمون بهذا الاعتبار إلى أقسام شتى، يتشابه أهل كل قسم في صفات مشتركة بينهم، فأهل المنطقة الحارَّة يتشابهون في ظواهرهم وبواطنهم في غير ما يتشابه به أهل المنطقة المعتدلة، وهؤلاء يشتركون في صفات غير ما في أهل المنطقة الباردة، وقِس على ذلك مما لا محل لاستيفائه.
- أصناف البشر: وينقسم الناس باعتبار أشكالهم وأخلاقهم ومراتبهم إلى أربعة أقسام، يُسمون كلًّا منها صنفًا أو جنسًا، وهي: القوقاسي والمغولي والأميركاني (الأصلي) والزنجي، ولكل صنف من هذه الأصناف صفات متشابهة ظاهرًا وباطنًا.
-
(١)
القوقاسي: وهو أرقى أصناف الناس وأكثرهم تمدنًا، ومنهم أمم أوروبا ومن نزح منهم إلى أميركا وغيرها وسكان غربي آسيا إلى نهر الكنج، وسكان شمالي أفريقيا على سواحل بحر الروم، ناهيك بمن تمدن من أهل العالم القديم كالفينيقيين والبابليين واليونان والرومان وغيرهم.
ويسمى القوقاسيون أيضًا الجنس الأبيض لأن أكثرهم بيض، على أن منهم شعوبًا سمراء كالمصريين والمراكشيين والهنود، وتختلف شعورهم من الأسود الحالك إلى الأحمر والأشقر والأبيض، ولكنها تشترك في ميلها إلى الطول والسبوطة، وقد تكون جعدة جعودة قليلة بعيدة عن جعودة شعر الزنوج.
ويميز علماء الإنسان بين أصناف البشر بشكل جماجمهم وزوايا وجوههم، فزاوية وجه القوقاسي أكثر انفراجًا من زوايا سائر الوجوه (راجع ما كتبناه من زاوية الوجه)، ويمتاز رأس القوقاسي باستدارته وانتظامه وتناسبه، وتكامل جبهته، وضيق وجنتيه واطمئنانهما، واستواء الوجه وميله إلى الشكل البيضي، مع ظهور الملامح وبروز الأنف، وصغر المناخر، وصغر الفم، وامتلاء الذقن وبروزه، وتختلف ألوان العيون فيهم اختلافًا عظيمًا، ولما كان القوقاسي أرقى أصناف البشر فهو أكثرها تفرعًا وتنوعًا؛ للأسباب التي قدمناها في كلامنا عن (ناموس التشابه) وسيأتي تفصيل ذلك.
-
(٢)
الجنس المغولي: وهو يشمل سكان أواسط آسيا وشرقيها وشماليها وجنوبها الشرقي، وهم شعوب الصين واليابان وتيبت وبوتان والهند الصينية، ومنهم أهل لابلاندا في أوروبا والإسكيمو في أميركا.
وقد تمدن الصينيون واليابانيون تمدنًا حسنًا، ولكن انقطاعهم عن العالم جعل ذلك التمدن محصورًا في دائرة ضيقة.
ويمتاز المغولي بتسطح الوجه وقصر الأنف مع ميله إلى الفطس وسواد العينين مع صغرهما وانحراف زاويتيهما الخارجيتين نحو الأعلى، وهم خفاف الحواجب خشان الشعور مع سبوطة وسواد وخفَّة، خفاف اللحى والعارضين زيتونيُّو اللون، انظر شكل ١ و٢.ويُلحقون بالمغول أهل ملقا وسائر جزائر الهند.
-
(٣)
الأميركاني: ونريد به سكان أميركا الأصليين ما عدا الإسكيمو، وتمتاز جماجمهم بالاستدارة من جهة الوجه مع عرض الوجنات، حتى يظهر الوجه عريضًا جدًّا بين الأذنين، جباههم عريضة وبارزة من أسفلها ثم تتقهقر ولا تعلو كثيرًا، أنوفهم تشبه الأنف الإسرائيلي (راجع فراسة الأنف)، عيونهم قاتمة اللون، أفواههم مستقيمة الشكل، والأسنان عمودية، شعورهم خفيفة جدًّا، ويندر أن ينبت الشعر في وجوههم، ألوانهم سمراء مع ميل إلى اللون النحاسي، صدورهم عريضة وأبدانهم عضلية.
ومن أخلاقهم النشاط والشجاعة والغضب والثبات والحذر والحيلة والقسوة وحب الانتقام، قوة الفهم حسنة بهم، وأما الحكم والتجريد فإنهما ضعيفان، وعقولهم محصورة جدًّا.
-
(٤)
الزنجي: وهو جنس معروف بيننا؛ إذ ليس فينا إلا من رأى العبيد أو الجواري، مساكنهم في أواسط أفريقيا والحبشة وأوستراليا ومعظم جزيرة بورنيو وغيرها من جزائر الهند الشرقية.
ومن أمم الزنج سكان الكونجو والهوتنتوت وموزمبيق وقبائل خط الاستواء، وهم مشهورون بسواد البشرة وفطس الأنف وسعة المناخر وضيق الوجه وبروز الوجنتين وضخامة الشفتين وبروز الفكين وغور العينين مع سوادهما وسواد الشعر مع جعودة خاصَّة.
ومن أخلاق الزنجي الكسل والخمول، ولكنه قوي صبور، يحس ويحب ويتقلد، ويميل إلى الخرافات وسرعة الغضب مع التحيُّل والتقلب، وهو إنما يعيش في حاضره ولا يتكلف النظر في مستقبله، كأنه طفل لا يهتم إلا بما بين يديه، ولكنه يقبل التعليم مع انحطاط عامٍّ في قواه وأخلاقه.
الأمم القوقاسية
قلنا: إن الجنس القوقاسي أرقى سائر الأجناس، وهو أكثرها تنوعًا، وتحته شعوب كثيرة بعضها قديم وبعضها حديث، ولكنها ترجع إلى أصول رئيسية، أشهرها: (١) النيوتون: ومنهم الشعوب الجرمانية والأسوجية والنروجية والدنيماركية والإنكليز والسكسونيون، (٢) القلت (السلت): ومنهم الفرنساويون والإسبان والبلجيك، (٣) السلاف: ومنهم شعوب روسيا، (٤) الساميون: ومنهم سكان سوريا قديمًا وحديثًا وأهل جزيرة العرب ومصر، (٥) الهنود: ومنهم شعوب الهند من الصنف الآري، (٦) البلاسجية: ومنهم اليونان والرومان. وكل من هذه الشعوب يشترك بالصفات الظاهرة والباطنة، وإليك أمثلة من أشهرها.
-
الجرمان: وهم من الأصل التيوتوني، وقد وجد الباحثون في طبائع الإنسان أن التيوتوني أوسع جمجمة
وأكبر دماغًا من سائر الشعوب القوقاسية، عرفوا ذلك بقياس تجاويف الجماجم، والجرمان
أقرب شعوب التيوتون إلى أصلهم، وأدمغتهم كبيرة، وهم أهل تعقُّل وفلسفة، وقد قاس الأستاذ
مورتون خمس عشرة جمجمة من جماجم الألمان فكان معدل سعتها ٩٥ قيراطًا مكعبًا، وفي شكل
٥ صورة غوطي الشاعر
الألماني، وهي مثال الشكل الجرماني، وكذلك شكل ٦ صورة البرنس بسمارك سياسي الألمان.
والألمان (أو الجرمان) زرق العيون خفاف الشعر واضحو الملامح عضليُّو البنية مع علو الجبهة وامتلائها وعرضها، وهم عراض الأحناك كبار الذقون، مما يدل على صبرهم وثباتهم وقوة عقولهم، وقد اشتهر الألمان بأبحاثهم الفلسفية وغيرها مما يحتاج إلى إعمال الفكرة ودقَّة البحث، وهم أهل حذر ورفعة.
-
الإنكليز: ويراد بهم الأنكلوسكسون، وهم من التيوتون أيضًا، وأخلاقهم تشبه أخلاق الألمان، ومعدل
سعة الجمجمة الإنكليزية ٩٦ قيراطًا، فدماغهم أكبر من دماغ الألمان، والإنكليز ممتلئو
الأجسام واسعو الصدور كبار الهامة أقوياء المعد والأكباد سريعو الدورة أصحاء التغذية،
وجوههم مشرقة تتدفق الصحة منها، ومن أخلاقهم الاعتداد بالنفس والكبرياء والطمع والهمَّة
وحب الأثرة مع النشاط والإقدام والثبات والاقتصاد وحب الخير والتدين.
والإنكليزي قاسٍ في معاملته بارد في محبته، لكنه إذا أحب ثبت في الحب، مع لطف ودعة، وهو أقدر على الأعمال المادية منه على الأعمال الخيالية أو التعمق في الفلسفة، والألماني أقدر منه على هذه، وفي صورة شكسبير الشاعر الإنكليزي شكل ٧ ما يدل على استعداد الإنكليزي للعمل والصبر على الجهاد في سبيل الفتح ونحوه، والإنكليز بين ظهرانينا، ولا تخفى أخلاقهم علينا.
-
الإنكليز الأميركان: ونريد بهم الأوروبيين الذين استوطنوا أميركا بعد اكتشافها، وأكثرهم من الإنكليز، وإنما
تنوعت أخلاقهم بالاختلاط وتأثير الإقليم، فاستطالت رءوسهم وضاقت عظام وجوههم، فضاقت
جماجمهم حتى أصبحت سعتها ٩٣٫٥ القيراط، وتغيرت أخلاقهم تغييرًا بينًا، وتبدلت أمزجتهم،
فالإنكليزي دموي المزاج والأميركاني صفراويُّه، والمزاج الحيوي متسلط في الإنكليزي،
والعصبي أو العقلي غالب في الأميركاني، فالإنكليزي أكثر تكبرًا واعتدادًا بنفسه وثباتًا
وصبرًا من الأميركاني، والأميركاني أكثر حركة وأدق نظرًا وأسرع خاطرًا وأكرم نفسًا من
الإنكليزي، ومن أدل الصور على الشكل الأميركاني صورة كرنيليوس فندربلت شكل ٨.
وأنف الأميركاني وسط بين الروماني واليوناني، ووجنتاه مرتفعتان نوعًا، وذقنه بارز، ولون البشرة أقتم مما في الأنكليز، وهي تزداد قتومًا بتوالي الأجيال.
-
الفرنساويون: وهم من الشعوب القلتية، والقلتي أوسع صدرًا من الإنكليزي، لكنه أضعف معدة، وهو عضلي لكن
تعوزه الاستدارة، وجمجمته أصغر من جمجمة التيوتوني، ويستدلُّون بذلك على أن دماغ القلتي
أصغر من دماغ التيوتوني بنحو ستَّة قراريط أو ثمانية، وإليك أوصاف الجنس الفرنساوي كما
وصفه الدكتور فيمون العالم الفرينولوجي الفرنساوي، قال:
الرأس الفرنساوي أصغر من الجرماني، والفهم فيه أقوى مما في الجرماني والتأمل أضعف؛ أي إنه أسرع إدراكًا منه وأعجز عن إعمال الفكرة طويلًا، فإذا عرضت مسألة تحتاج إلى نباهة كان الفرنساوي أسبق إلى إدراكها، وأما الأمور التي تفتقر إلى إعمال الفكرة والتأمل فالألماني أصبر كثيرًا فيها، والألماني أقوى من الفرنساوي في الموسيقى والرياضيات، وأكثر حذرًا وتحوُّطًا منه، وأما الفرنساوي فإنه أسلم ذوقًا في الفنون الجميلة ونحوها، مع الميل إلى الإحسان والانتصار للضعيف.
والفرنساوي مشهور بتسرعه وحدَّته وسرعة خاطره مع عجزه عن الثبات، ولكنه يحب البهرجة، وله اقتدار على اختيار الأذواق الجميلة، وكل ذلك ظاهر في أعمال الفرنساويين وتواريخهم، وكأنه مصور على أبنيتهم وألبستهم وشوارعهم وأقوالهم وسائر أعمالهم.
-
الإيطاليان: وهم أكثر اختلاطًا من سائر شعوب أوروبا؛ ولذلك يعسر تحديد العنصر الإيطالياني تحديدًا
واضحًا؛ فإن فيهم التيوتون والرومان والقلت وغيرهم.
ومن صفات الإيطاليان العامَّة إشراق اللون واستطالة الرأس وكبر العينين، يغلب المزاج الدموي في شبانهم والليمفاوي في شيوخهم، ولهم باع طولي في الزراعة والتجارة والصناعة، ويصح ذلك على أهل لومبارديا وبارما وبولونيا ورومانيا إلى رفينا وريميني، وأما أهل جينوا فيغلب فيهم الكبرياء وخشونة المعاملة والصبر على المكاره والشقاء، ومنهم أشهر النوتية ورجال الأسفار من قديم الزمان، وهم قصار القامة سود العيون صغارها مع حدَّة البصر.
فإذا تجاوزت جنيوا إلى سلسلة جبال الأبنين حتى أبروتزو وكالامبريا رأيت هناك شعبًا من أكثر الشعوب ميلًا إلى الاستقلال، ويظن أنهم بقية الشعب الإيطالي الأصلي.
وأما أهل رومية فهم بقية شعب الرومان، ولا تزال ملامح الرومانيين بادية في فلاحيهم، وهم كبار الرءوس مسطَّحوها، قصار الجبهة عراضها، وجوههم واسعة مربعة، ورقابهم قصيرة غليظة.
وأهل نابولي أصولهم مختلطة باليونان، وأخلاق اليونان ظاهرة فيهم، فضلًا عن اختلاطهم بالفينيقيين قديمًا وبالعرب بعد الإسلام.
وأهل صقلية وسردينيا وكورسيكا فيهم بقايا من أهل المغرب يرجع تاريخهم إلى زمن القرطجنيين، وهم يمتازون بسمرة ألوانهم وامتقاعها بما يدل على المزاج الصفراوي.
أما الإيطاليان من أهل الطبقات العليا المتصلة أنسابهم باليونان والرومان والغوط فقد ورثوا خلال تلك الشعوب وهذبوها بتوالي الأجيال فكانوا من أرقى شعوب أوروبا، ومنهم نبغ المصورون العظام مثل رافائيل شكل ١١ وفيه مواهب اليونان في الرسم، ودانتي شكل ٣٥ وفيه شاعرية الغوط، وتاسو شكل ٣٨ ودماغه غوطي وشكل جمجمته يوناني، وكذلك غليليو صاحب دوران الأرض شكل ١٣ وغريبالدي القائد الشهير فإنهم جمعوا العنصرين الغوطي والروماني. -
الإسبان: والإسبان وفيهم البورتغال لا يقلُّون اختلاطًا عن الإيطاليان؛ لتوسط إسبانيا برًّا
وبحرًا، فهي ما برحت عرضة للفتح والغزو والاستعمار منذ القدم، فسكنها الفينيقيون والقلت
والجرمان والرومان والعرب، وأما أصل سكانها فهم الأيبريون القلتيون.
ولو أردنا وصف أصولهم وفروعهم لطال بنا المقال، وإنما نقول بالإجمال: إن الإسباني اليوم رَبع القامة قوي البنية، جمجمته أعرض من جمجمة الفرنساوي نوعًا وأعلى، ووجهه أكثر استدارة وأقل زوايا، شعره أسود غالبًا وعيناه سوداوان أو خروبيَّتان، ومزاجه صفراوي دموي.
وأما أخلاقه فهي أنه أقل ذكاء من الإيطالي ولكنه أثبَت منه جأشًا وأعز نفسًا، وهو باسل متعصب محب للخرافات حقود ينهض للانتقام.
-
الروس: وهم من الشعوب السلافية، وما من مملكة في العالم أكثر شعوبًا من مملكة الروس، حتى عدوا
منهم نحو مائة طائفة يتكلمون أربعين لغة، وفيهم الجرمان والفن والكلموك والأرمن واليونان
والشركس فضلًا عن الروس الأصليين.
وأظهر صفات الروس العرض، فالروسي عريض الرأس عريض الأكتاف عريض الصدر قصير الأطراف. وهم أقدر الأمم على الصبر في الأهوال، والروسي قوي التنفس صحيح الدورة والهضم قوي العضل إلى الدرجة القصوى.
وكأن الشعب الروسي شاب في ريعان شبابه لم يدرك البلوغ التام، ولكن هيئته تدل على عظم مستقبله، فمستقبله عظيم وإن لم يظهر فيه ذلك تمام الظهور، ولكن ما ظهر منه حتى الآن يدل على استعداد فيه سيكون له شأن عظيم في الأجيال المقبلة؛ لأن الروسي قوي بدنًا وعقلًا، وفيه ثبات وصبر، وأكبر الشواهد على تلك الخلال ما أتاه بطرس الأكبر شكل ١٦ مما يصح أن يكون مثال الصبر والثبات والذكاء والإقدام. -
اليونان القدماء: وهم من الشعوب القوقاسية القديمة المعروفة بالشعوب البلاسجية، ولم تكن جماجمهم كبيرة
مثل جماجم الجرمان، ولكنها كانت حسنة التركيب متناسبة الشكل؛ ولذلك كانوا أقرب إلى الجمال
مما إلى القوة، وهم أهل الفنون الجميلة والشعراء والموسيقيون وأهل الخطابة والبلاغة،
وكانوا بارزي الجباه مع ارتفاعها حتى تكون هي وقصبة الأنف على خط واحد.
-
الرومان: ويمتاز الشعب الروماني بالقوة كما يمتاز اليونان بالرقَّة، وقد كان ذلك ظاهرًا في وجوههم
وصدورهم؛ لأن الرومان كانوا كبار الأدمغة شُمُّ الأنوف غلاظ الأعناق، أهل إقدام ونشاط
وعزم
وطمع، وكانوا أقوياء العواطف ميالين إلى البذخ والفخر والجاه مما لا نطيل فيه لشهرته.
-
الساميون: فرغنا من الكلام في الشعوب القوقاسية الأوروبية، وآن لنا أن نتكلم عن الشعوب القوقاسية
في آسيا وأفريقيا ومنهم العرب والسوريون من الشعوب السامية والهنود من الشعوب الآرية،
والمصريون والمغاربة من أهل شمالي أفريقيا.
فالعرب ولا سيما عرب البادية أقرب الساميين إلى الأصل السامي، وهم بارزو الأذقان عقف الأنوف (راجع فراسة الأنف) سود العيون والشعر سمر البشرة، وقد وجد الباحثون في طبائع الإنسان أن جمجمة العربي أرقُّ جدارًا وأكثف بناء من جماجم سائر البشر حتى تكاد تكون شفافة؛ ولذلك فهو دقيق الشعور سريع الانتباه، ولا ريب أن العرب أسرع أمم البادية خاطرًا وأحدُّ ذهنًا.
والإسرائيلي رأسه أكبر من رأس العربي، بل هو الآن أكبر من رءوس سائر الأمم السامية، وأخلاقه شبيهة بأخلاق العرب، ولكنه يمتاز بتدينه وحبه للتجارة واقتداره على التحيل في اكتساب الأموال، وقلَّما يشارك الناس في مصائبهم.
-
الهنود: أما الهنود فهم من الشعوب الآرية مثل شعوب أوروبا، وجماجمهم تشبه جماجم أمم أوروبا لكنها
أصغر منها مع دقَّة بنائها، وقد كان الهندي والتيوتوني والقلتي والبلاسجي عائشين في بقعة
واحدة وراء أفغانستان، ثم تفرقوا شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا في أعصر مختلفة، فالذين
أقاموا في الهند أثر الإقليم في أمزجتهم بتوالي الأجيال فانحطت قواهم عن إخوانهم الذين
نزحوا إلى أوروبا، حتى أصبح رأس الهندي لا يزيد على ثلاثة أرباع رأس أخيه التيوتوني،
فلا
عجب إذا تغلب الإنكليز على أعمامهم الهنود وهم أقل منهم عددًا، فإن حجم الرأس قياس
القوة، وزد على ذلك أن رأس الهندي ضيق عند قاعدته، مما يدل على ضعف العزيمة في الحرب،
وأما رأس الإنكليزي فإنه عريض هناك.
- الفرس: «ذو شهامة ونجدة وصبر وحسن سياسة، فكان لهم الملك ودام فيهم، ودانت لهم البلاد واستمرَّت على الممالك ألوف سنين، وفيهم الرمي بالنشاب، وأهل جبالهم رجالة شجعان مثاقفون يرمون بالحجر المصيب، والمنجنيق من استنباطاتهم، ويقال إنه ظهر في زمن النمرود، وهو من نبطهم وأعقاب دولتهم بالعراق، وقد جاء في تفسير قوله تعالى وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم، قال بعض الصحابة: من هؤلاء يا رسول الله؟ قال: «هذا وقومه.» وأشار إلى سلمان الفارسي.
- العرب: أهل ركوب وخفَّة في الكر والفر، وفيهم شجاعة وليس لهم ثبات، وهم يجتمعون بالأطماع والآمال، وتؤثر فيهم الخطابة والأشعار في كل فن، حتى إنهم يقعون في الأخطار أو يتركون من الأموال ماله مقدار ببيت شعر أو كلمة سجع. ومن خصائصهم حفظ الجار والنزيل والذَّبُّ عنه، وفي بعضهم كرم، وليس لهم من أنواع الأسلحة إلا الرمح ورمي القوس العربي في بعض طوائفهم، وهو كالنادر فيهم.
- الترك: ذو شجاعة وحميَّة وغلظة وقساوة على غير جنسهم، وفيهم انقياد لمشايخهم وكبرائهم، مع أنهم ليس فيهم عصبية كما في الكرد، وأخلاقهم عسرة، وأشرفهم الخطا ثم الختن ثم الجكل ثم التبكت ثم القفجاق، والخطا والختن أجملهم وأصبحهم، والجكل أعجزهم، والتتر أطوعهم، واليمك أسقطهم، ولهم في الفروسية رمي النشاب والضرب بالدبوس والسيف، ولهم الصبر، فينبغي أن يوسع عليهم في الأنفاق وتزاح عللهم في ذلك ويمكَّنوا من عاداتهم، ولا يرفهون؛ فإنهم ينقادون إلى كل أمر يُدعون إليه ويتبعون.
- الروم: أهل صنائع وحرف وحكم، وفيهم صبر وخدمة، ولهم حيل في السياسات ووضع آلات حربية، وحظهم في الفروسية قليل، ولهم ضرب بالسيف ورمي بالجرخ والزنبورك، وميلهم إلى المكايد في الحروب أكثر، وفيهم صبر وحرص على جمع المال ومحبة الذهب والفضة والتنعُّم.
- الديلم: أهل طبرستان والجبال، فيهم الفروسية والشجاعة والصور الهائلة والأصوات المفزعة، وهم يرمون بالمزاريق فتنفذ حيث أصابت ولا تكاد تخطئ، وهم أطوع الناس لكبرائهم إلا أن آرائهم مضطربة، وما استراحوا قطُّ إلا بطروا، ولا ينبغي أن يولَّى عليهم غيرهم؛ فإن نفوسهم غير أبية، وينبغي لواليهم أن يغضي عن بعض هفواتهم ويسمح باليسير من جناياتهم، وفيهم عنف وعسف لمن وليهم من غيرهم، وكذلك البربر والعرب بالضد.
- الكرد: هم في جبال الفرس وديار ربيعة، فيهم الشجاعة والنجدة والحمية فرسانهم ورجالتهم، وهم يتعصبون لبعضهم على كل حال كما تفعله العرب في بعض الأحوال، وليس فيهم حيل ولا مكر، وينقادون للديانات والأمانات، وربما كان فيهم غدر في بعض الأوقات، ولا يكون سببه إلا التعصب والحمية.
- البربر: فيهم الصبر على الشقاء والإقدام على الموت والحروب، وهم أهل غلظة وجفاء وجهل، وتأليفهم بالمواعظ والخطب والانقياد لمشايخهم ولكبرائهم، وتؤثر فيهم النواميس غاية التأثير، وهم خفاف على الخيل خفاف الجري، ومنهم رجالة يلحقون الخيل ويعمل فيهم الإرهاب، ويعظمون شيوخهم، وفيهم قبيلة تعظم النساء وتحكمها وتنسب الأولاد إليهن، ويتنقب الرجال وتسفر النساء في الغالب، وهي قبيلة مسوقة، وسياساتهم بالقهر والإرهاب واستعمال السيف مكان السوط.
- الأرمن: فيهم صبر وخدمة، وقد يكون فيهم جميل، وفيهم ملاحة وذكاء وحسن تأنٍّ في الأعمال مع فساد وقلة أمانة.
- الهند: أهل الحكمة والذكاء والفطنة، وفيهم الحيل والمكر والوهم والخداع، ولا يقاتلون إلا بأمر ديني، وأما الحمية والأنفة والغيرة فعندهم قليلة، ومنهم طائفة تُنسب إلى الشجاعة، يسكنون في جبال الهند وهم عراة.
- الحبش: هم أشفق أصناف السودان وأحسنهم، وفيهم أمانة، وشجاعتهم نادرة، وهم أهل جدٍّ وصبر، وأصناف السودان، كثيرة أشجعهم أهل غانة ثم كوكو والنوبة، وأضعفهم الزيلع ثم كانم.
وبالجملة فأهل البلاد الباردة أشجع من أهل البلاد الحارَّة؛ لتلزز أبدانهم واكتناز أعضائهم وقوتهم، إلا أن أهل البلاد الحارَّة أخشُّ وأرشق، وربما كانوا أركب، وأهل الجبال أشجع وأصبح من أهل السهل، وكذلك أهل المشرق أشجع من أهل المغرب، وأهل الشمال أشجع من سكان الجنوب، والوسط وسط.» انتهى.