فراسة المقابلة
إذا عرفت أخلاق أشهر أنواع الحيوان ورأيت رجلًا تقرب ملامح وجهه من ملامح وجه أحدها كان ذلك الرجل يشبه ذلك الحيوان في ظواهره، فيحكم علماء الفراسة بمقتضى ذلك أن أخلاقه تشبه أخلاقه، وللقدماء أقوال طويلة من هذا القبيل أكثرها لا يعتدُّ به، وقد جاراهم المحدثون في ذلك ولكن بعضهم اتخذ البحث فيه على سبيل الفكاهة والمجون.
والحقيقة أن فراسة المقابلة لا تخلو من أساس علمي لا يزال ضائعًا حتى تكشفه الأيام.
ومن الاعتقادات الشائعة بين العامَّة أن المشابهة المشار إليها إنما تظهر خصوصًا في العينين وما يحيط بهما، فيغطون نصف الوجه السفلي حتى تظهر العينان والجبهة ويبدو في الوجه شبه بعض الحيوانات فيقترب شكله من شكل الأسد أو الدب أو الثعلب أو غيرها.
وإليك أمثلة من المشابهة التي تتفق بين الإنسان والحيوان مما لا يسع العقل معها إلا التسليم بإمكان المشابهة الباطنة.
وقد وقفنا في بعض مطالعاتنا على مقارنة بين وجوه بعض الناس وبعض أنواع الحيوان نقلناها في ما يلي على سبيل المثال، وهي لا تخلو من الفائدة:
هذه أمثلة من فراسة المقابلة مهما قيل فيها فإنها لا تخلو من طلاوة وفكاهة وفائدة.
هذه مبادئ علم الفراسة على ما بلغ إليه جهد أصحابه في أبحاثهم حتى الآن، وقد قلنا في صدر هذا الكتاب — فراسة الأعضاء بالتفصيل — أننا لا نتحمل تبعة شيء من ذلك إلا ما نخصه بدليل فيسيولوجي أو نبدي رأينا فيه.
قلنا ذلك لأننا نرى بعض تلك الأقوال يعسر تصديقه، وإن كان أكثرها صحيحًا على إجماله وفي أكثر وجوهه، فالفراسة عندنا صحيحة وإن كثرت شواذها، وقواعدها العامَّة صادقة وإن اختلفت في تفاصيلها عند تطبيقها، على ما نراه من أشكال أعضاء معارفنا وما نعلمه من أخلاقهم؛ لأن لذلك الاختلاف أسبابًا طارئة بيَّنَّاها في كلامنا عن «هل الفراسة علم صحيح» و«هل تصدق الفراسة دائمًا» فلتراجع هناك.
ومما لا بد من الانتباه له أنه لا يجوز لنا الحكم في أخلاق رجل بمجرد الاستدلال بعضو من أعضاء وجهه، فإذا رأينا أنفه رومانيًّا لا يجوز لنا الحكم بعلوِّ همته وإقدامه إلا إذا لم نرَ في فراسة أعضائه الأخرى ما ينافي ذلك، وإذا رأينا حنكه عريضًا قد لا يصح حكمنا بثباته ورباطة جأشه ما لم تؤيده أشكال الأعضاء الأخرى، إذ قد يكون في دلالات تلك الأعضاء ما يناقض ذلك. أما إذا تدبرنا كل الأعضاء واتخذنا معدلًا وسطًا فيندر أن يخطئ حكمنا.
وقد أتينا في كلامنا عن «هل تصدق الفراسة دائمًا» على الأسباب التي تدعو إلى خطأ الفراسة في بعض الأحوال، ونزيد على ذلك الآن أن التربية والعقل من أكبر تلك الأسباب؛ لأن الإنسان قد يولد وفيه ميل خلقي إلى بعض الرذائل، وترى ذلك الميل ظاهرًا في وجهه، فإذا تربى وتثقف وكان عقله كبيرًا وإرادته قوية استعان بهما في التغلب على ذلك الميل، وقد يتغلب عليه وتبقى دلالة تلك الرذيلة بادية في بعض ظواهره، فيؤخذ ذلك ذريعة لتكذيب علم الفراسة، وقِس عليه.
وفي كل حال فإننا نزفُّ إلى قراء اللغة العربية علمًا جديدًا على أسلوب جديد مهما قيل في شأنه، لا خلاف في أنه من العلوم الأخلاقية التي ترقِّي أذواق الناس وتنوِّر أذهانهم وتروِّض عقولهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.